بيروت – «القدس العربي»: أن يقرر الفنان زياد مروان نجّار إحياء ذكرى الاستقلال اللبناني في مسرح المونو بفكرة مثيرة للاهتمام، في ظل عدوان صهيوني ضروس، فهذا فعل وطني.
انطلقت الفكرة من حبه وتقديره للنشيد الوطني اللبناني كلاماً ولحناً. هذا النشيد الذي تردده نسبة كبيرة رفعاً للعتب، أو كتحصيل حاصل. فقد اعتدناه منذ الطفولة الأولى كدرس إلزامي. ودرجت العادة قبل حرب السنتين سنة 1975 أن يصطف التلامذة في كل صباح لينشدوه قبل دخول الصفوف، فيما يتولّى أحدهم رفع العلم على السارية في باحة المدرسة، وبخاصة الرسمية.
في سياق قرار عودة النشاط إلى مسرح المونو حضر جمهور لافت للوقوف على ما سيقدّمه زياد نجّار تحت عنوان «عذرنا يا وطن». حضروا رغم نهار كان فيه القصف حامياً على ضاحية بيروت الجنوبية. شكرهم زياد ورحب بهم وبـ»أم كامل» او «الوزّازة» كما يسمي البعض المسيرة التي تُحصى انفاس المدينة. شكر نجّار كل من قرر الخروج من بيته تحت أنظار «أم كامل» قاصداً مسرح المونو للمشاركة.
تناول زياد نجّار بالتشريح والأسئلة مقاطع النشيد الثلاثة مع ضيوفه هادي زكاك، وانجو ريحان وفؤاد يمين. وخص كلاّ منهم بمقطع يقرأ معه ما ورد فيه. ويسأل عن مدى مطابقة الكلام للواقع. يقول مطلع النشيد الوطني «كلنا للوطن» وكان على المخرج هادي زكاك الإجابة على سؤال «هل كلُّك للوطن؟» ولد زكاك في بيروت سنة 1974 وواصل مراحل حياته جميعها معايشاً الحروب بكافة عناوينها، وبكل بساطة قال: «لأني باق اكيد كلني للوطن». وأكد أنه في صراع ضد الموت من خلال تصويره لبيروت التي تحولت لأرشيف. صراع ضد الاختفاء والمحو والنسيان.
وبما أن الأحزاب السياسية تُشكل حالة فريدة في لبنان، إذ كل ينتمي لحزبه قبل وطنه، شغل سؤال الانتماء للوطن دون المرور بالأحزاب زياد نجار، وبعمق. في رده نعى هادي زكاك «حُلم إقامة دولة علمانية، إنها فعلة الحرب الأهلية التي حوّلت 80 في المئة من اللبنانيين إلى مجموعات طائفية». والأخطر بحسبه: «صدرنا النموذج إلى الدول العربية، فهو النموذج الذي يتماهى مع النموذج الصهيوني الأم، والذي تعمم على المنطقة بكاملها، وهذا ما نعيشه دراماتيكياً، وكل يوم.»
قراءة زكاك في تعبير «للعلى للعلم» جاءت كالتالي: نقدس أوطاننا لحدود مقيتة. فنحن نضعها عالياً جداً، وهذا ما ناقشته في فيلم «درس في التاريخ». وتمهّل ليقول: علينا رؤية الأمور من مستوى نظرنا.
أما تعبير «سيفنا والقلم» الذي استفزّ زياد نجار ليسأل: على من انسل سيفنا أولاً؟ عاد زكاك بالذاكرة إلى زمن ليس ببعيد وقال: رغم ما أسماه اللبنانيون قتال الغريب، انغمس السيف بالداخل، وداخل الداخل. وحرب الإلغاء وحرب اقليم التفاح القاسيتين مثالاً. ووصف مفهوم الغريب «بالمخيف».
الممثلة أنجو ريحان الضيفة الثانية مع نجّار خصّها بالمقطع الثاني من النشيد كمثل «صانه ربه لمدى الأزمان»، فلم تلتزم بحرفية الأسئلة. صارحت الجمهور ومستضيفها بما هي عليه. أخبرتهم بنشأتها في بيت يساري علماني. وتعترف بأنها اخضعت نفسها لنقد ذاتي، وأعادت ترتيب افكارها. وخلُصت لضرورة «أن يكون لدينا كتاب تاريخ موحد. وأن نعترف بأخطائنا. فصل الدين عن الدولة. منع التعليم الديني في المدارس».
المقطع الثالث والأخير من النشيد الوطني والذي يحفظه قلة من اللبنانيين حسب نجّار، كان من نصيب الكاتب والمخرج والممثل فؤاد يمين. ولسوء الحظ يبدأ هذا المقطع بـ»بحره برُّه دُرّة الشرقين»، فكان التعليق المباشر لنجّار، «بحره ملوث بنسبة 70 في المئة. وما تبقى من بطش الكسارات والمقالع هو درّة الشرقين». ربما فات نجّار أن النهمون بالربح والمال ليس لهما وطن ولا دين.
لم يأت رد فؤاد يمين قارئاً تفاصيل الكلام الوارد في المقطع الثالث من النشيد. بإيجابية قال: جميعنا يجرب الحفاظ على وطنه، إنما كل منا من وجهة نظره الخاصة.
ونصح أن يحاول كل منا رؤية وطنه من وجهة نظر الشخص الآخر بحيث يضع نفسه مكانه. وتساءل: إذا كنّا جميعاً نُصرّح بحبنا للبنان لماذا كل هذا الاختلاف إذاً؟
وخُتمت احتفالية «عذرنا يا وطن» مع كلارينت الفنان طارق بشاشة، وصوت مايا سبعلي غنت النشيد بكلمات صاغها زياد نجار وفق منظوره للواقع الوطني ولحنها. كما لعب على البيانو.
وختم بالقول: لم تكن الأسئلة انتقاداً أو استهانة بكلمات النشيد. هو رائع كلاماً ولحناً، أردنا القول أن الكلام الذي نردده لا نفهمه ولا نعنيه.
بالمناسبة كتب كلام النشيد الشاعر رشيد نخلة، ولحّنه وديع صبرا.