نير حسون
وزارة المالية تنفذ تغييرات في هيكلية قسم القيم العام على أملاك الغائبين، وهو قسم ذو قوة كبيرة في كل ما يتعلق بأملاك الفلسطينيين شرقي القدس. سيقف على رأس هذا القسم المجدد حنانئيل غورفنكل، وهو ناشط من اليمين أسس جمعية لتهويد القدس ودعا إلى طرد الطلاب العرب من التخنيون. في وظيفته السابقة في وزارة العدل، عمل الكثير لمساعدة جمعيات المستوطنين، ودعا إلى منع “الاحتلال العربي” لشرقي القدس.
غروفنكل، وهو ابن مؤسسي مستوطنة “الكنا” ويعيش في مستوطنة “نوف تسيون” في قلب الحي الفلسطيني جبل المكبر في القدس، وقف منذ عشر سنوات على رأس الوحدة الاقتصادية للقيم العام في وزارة العدل. بقوة منصبه السابق، كان المسؤول عن إدارة الأملاك – سواء العقارات أو الأراضي – التي كانت بملكية اليهود قبل العام 1948، والتي أصحابها غير معروفين. غروفنكل، الشخصية المعروفة لسكان شرقي القدس، استخدم منصبه من لمساعدة جمعيات المستوطنين على وضع اليد على أملاك فلسطينيين في شرقي القدس والمضي بإقامة مستوطنات جديدة. في السابق، صادق على بيع أراض لجمعية “عطيرت كوهانيم” في سلوان؛ ووظف محامياً للجمعية وجمعيات يمينية أخرى لتمثيل الدولة في الملفات لإخلاء عائلات فلسطينية، وعمل على مساعدة جمعيات اليمين في مشاريع لتهويد شرقي القدس.
إخلاء – بناء
حتى تسلمه منصبه، لم يتعود القيم العام على تقديم خطط بناء في المناطق التي هي تحت سيطرته. ولكن نشاط غورفنكل وصل إلى الذروة عند ربط وزارة العدل بجمعية “عطيرت كوهانيم” وجمعية عقارات يديرها نشطاء من اليمين – للدفع قدماً بإقامة ثلاث مستوطنات جديدة لليهود قرب الأحياء العربية شرقي القدس. وخطط البناء هذه تشمل أحياء “جفعات شكيد” قرب قرية شرفات، و”كدمات تسيون” قرب رأس العامود، وحياً آخر بين قريتي أم ليسون وجبل المكبر.
في كل حي من الأحياء المخطط لبنائها، هماك مئات الوحدات السكنية لليهود، قرب الأحياء العربية أو حتى داخلها. جمعيات “عير عاميم” و”بمكوم – نخطط من أجل حقوق التخطيط” قدمت التماساً للمحكمة العليا ضد غورفنكل ووزارة العدل بسبب هذه الخطط، ولم يتم حتى الآن عقد جلسة لمناقشة هذا الالتماس.
غورفنكل هو أيضاً شخصية معروفة في الشيخ جراح. حيث تحاول جمعيات المستوطنين إخلاء عشرات العائلات الفلسطينية من بيوتها بذريعة أن البيوت أقيمت على أراض كانت بملكية اليهود قبل إقامة الدولة. وحسب سكان الحي، فإن غورفنكل أظهر حماسة لإخلائهم من بيوتهم. وفي تحقيق أجري حوله، نشر في 2018، تحدث أحد سكان الحي، هو محمد زهران، عن لقاء بينه وبين غورفنكل في أروقة المحكمة. “جاء مع ثلاثة أشخاص من قسم القيم العام وكأنهم أصحاب البيت”، قال زهران. “عندما خرجنا إلى الرواق، قال لي: تظهر كشخص يحب العزف، تعال وسأغني لكم، وأنتم تعزفون لي مع الطبلة”. وحسب أقوال زهران، كان غورفنكل هدده لفظياً لربع ساعة: “سأتابعكم بقبضة حديدية حتى النهاية، وسأشدد عليكم حتى في صنبور المياه. كل من أحدث تغييراً في البيت فليعرف أنه سيطرد. لأن أي تغيير في المبنى يعد ذرائع للإخلاء”.
قبل أسبوعين جاء غورفنكل يحمل بندقية، كالعادة، من أجل الرقابة على إخلاء مقهى صغير في باب العامود. صاحب المقهى، محمد كستيرو، استأجر هذا المحل منذ عشرين سنة من القيم العام. وحسب قوله، استثمر تقريباً 200 ألف شيكل لترميمه. ولكن القيم العام طلب منه الإخلاء بذريعة أن الترميم خرق للاتفاق. حاول كستيرو الاستئناف، لكن المحكمة رفضت.
في 2018 نشرت “هآرتس” تقريراً كشف أن غورفنكل لم يبلغ المسؤولين عنه في وزارة العدل بأنه عضو مركزي في حزب اليمين، البيت اليهودي، وأنه أقام مع زوجته جمعية “نبني القدس”، التي وضعت هدفاً لها هو تهويد شرقي القدس. عقب التقرير، فتحت وزارة العدل تحقيقاً، لكن لم تتخذ أي خطوات ضد غورفنكل، واستمر في منصبه.
مؤخراً، تم اختيار غورفنكل لوظيفة أخرى، هذه المرة في وزارة المالية، وهي مدير قسم رفيع في قسم القيم العام على أملاك الغائبين. يدور الحديث عن منصب جديد فصل على مقاسه في قسم القيم العام، وهو المنصب الذي له قوة كبيرة في كل ما يتعلق بأملاك الفلسطينيين في شرقي القدس وفي أماكن أخرى في البلاد. حسب قول مصدر في الحكومة، ظهر في مناقصات سابقة في قسم أملاك الغائبين طلب لمعرفة اللغة العربية؛ لأن أغلبية نشاطات القسم تكون مع مواطنين أو سكان يتكلمون اللغة العربية. ولكن هذا الشرط لم يظهر في المناقصة التي فاز فيها غورفنكل. باتت جمعية “مكور” وجمعيات حقوق الإنسان في شرقي القدس، على قناعة بأن هدف التعيين هو تسريع بناء المستوطنات وتهويد شرقي القدس. ودليل ذلك نجده في وثائق الإعلان عن وظيفة مدير القسم، التي حصل عليها غورفنكل: حسب شروط الإعلان عن الوظيفة، يجب على المدير الجديد العمل أيضاً على “الدفع قدماً بعمليات تشريع من أجل تسوية النشاطات وفقاً للسياسة”.
الحاضر – الغائب
حسب القانون، فإن القيم على أملاك الغائبين هو المسؤول عن معالجة وإدارة جميع الأملاك التي تركها اللاجئون الفلسطينيون بأرض دولة إسرائيل في حرب الاستقلال. ولكن صيغة القانون واسعة جداً، وتمكن الآن من الإعلان عن الأصحاب كغائبين، والسيطرة على أملاكهم. مثلاً، تعاملت الدولة مع جمعية “العاد” في دعوى إخلاء ضد عائلات فلسطينية في شرقي القدس بذريعة أن الأمر يتعلق بأملاك غائبين. طالبت الدولة في بعض الحالات، بأملاك في القدس تعود لفلسطينيين؛ لأن اصحابها يعيشون في الضفة الغربية، بذريعة أن الضفة الغربية هي “أراضي دولة معادية”، لأن إسرائيل لم تضمها. في 2012 قررت المحكمة العليا بأن على السلطات تقييد نفسها في استخدام قانون أملاك الغائبين في القدس فقط في حالات نادرة جداً.
في السنوات الأخيرة، تم فتح ثغرة مهمة أمام القيم العام لوضع اليد على الأملاك والتأثير على التخطيط في القدس. بعد عشرات السنين التي جمدت فيها الحكومة تسجيل الأراضي في شرقي القدس، قررت الحكومة في 2018 بأن وزارة العدل ستبدأ في تسجيل الأراضي. أثار المشروع تخوفات كبيرة في أوساط الفلسطينيين من تسجيل الأراضي على اسم القيم العام بذريعة أن أصحابها غائبون. عملياً، في جزء الأراضي التي تمت تسويتها، مثلاً في “جفعات همتوس”، تم نقل الملكية للقيم العام، وهكذا في أماكن أخرى. الخوف من استخدام مشروع تسوية الأراضي للمضي بتهويد شرقي القدس ازداد عند النشر عن المناطق التي اختيرت لبدء التسجيل، من بينها أملاك في الشيخ جراح وسلوان وأماكن أخرى، التي تظهر جمعيات المستوطنين اهتماماً كبيراً بها.
في العشرين سنة الأخيرة، شغل رونين باروخ منصب القيم العام على أملاك الغائبين. وعقب التماس قدمته “حرية المعلومات”، قال باروخ في المحكمة بأنه لا يعرف حجم الأملاك التي يديرها القسم الذي يترأسه. وزارة الخارجية تدخلت في الطلب، وقالت إن إعطاء معلومات حول حجم الأملاك التي يديرها القيم العام قد يضر بعلاقات الدولة الخارجية. وحسب رد الدولة، سيستمر باروخ في منصب القيم العام، في حين سيتم تعيين غورفنكل مديراً لهذا القسم.
وجاء من وزارة المالية: “الوظيفة الجديدة تهدف إلى تحسين منظومة الوحدة كلها. معرفة اللغة العربية لم تكن في أي يوم شرطاً رئيسياً للإعلان عن التعيين في المنصب. وبخصوص السؤال حول التحقيق في وزارة العدل، لم يكن هذا الأمر معروفاً للجنة الفحص. يتبين من الفحص أن الأمر فحصته وزارة العدل سابقاً ولم يكن من المطلوب إبلاغ اللجنة عن الأمر”.
هآرتس 1/12/2024