واشنطن: قبل 20 عاما.. كان الصومال يتجه نحو كارثة، يهدد فيها الصراع والجفاف وانهيار الحكومة بسقوط 200 ألف شخص في براثن المجاعة.
لكن لم يكن لدى منظمات الإغاثة ما يكفي من الطعام للجميع ولم تكن لديها أيضا وسيلة ملائمة لتحديد من هم أكثر عرضة لخطر المجاعة. وأطلق رجل غاضب من حصة عشيرته المحدودة من المساعدات الغذائية النار على العاملين في المجال الإنساني.
وخطرت على بال نيكولاس هان، وهو أمريكي كان يعمل آنذاك في جهود الأمم المتحدة الإغاثية، فكرة وهي إنشاء نظام قائم على الأدلة يصنف انعدام الأمن الغذائي الحاد بشكل موضوعي ويشرك الخبراء الدوليين والقادة الصوماليين حتى يتفق الجميع على كيفية إدارة الأزمة.
وقال هان إن الفكرة نجحت. وساعد السكان في جمع الأدلة لتحليلها. وأضاف أن هذا أدى إلى قبول أكبر للقرارات الصعبة المتعلقة بالمكان الذي يجب إرسال المساعدات إليه.
وتطورت العملية، التي عمل هان وموظفو إغاثة آخرون على بلورتها لمدة شهر تقريبا، لتصبح في نهاية المطاف التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (آي.بي.سي)، وهي شراكة عالمية تشكل محورا في النظام الواسع المطبق حاليا لمراقبة وتخفيف الجوع. وتم تصميمه لدق ناقوس الخطر بشأن تطور أزمات الغذاء حتى تتمكن المنظمات من الاستجابة ومنع المجاعة وتفشي الجوع.
ولكن مع اجتياح أزمات الجوع أجزاء من العالم النامي هذا العام، فإن الافتراضات التكنوقراطية التي يرتكز عليها نظام تحذير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي تصطدم بحقائق فوضوية وقاسية.
ففي مارس آذار، دق نظام التحذير ناقوس الخطر بشأن مجاعة وشيكة في شمال قطاع غزة. وفي أغسطس آب، قال إن المجاعة استشرت في جزء من ولاية شمال دارفور بالسودان.
ومع ذلك، قال مسؤولون من الأمم المتحدة في أوائل نوفمبر تشرين الثاني إن سكان شمال غزة بالكامل معرضون “لخطر الموت الوشيك بسبب المرض والمجاعة والعنف”. وفي دارفور، لم يصل سوى النزر اليسير من المساعدات إلى مخيم زمزم، وهو مخيم للنازحين يعاني من المجاعة، ويقدر عدد قاطنيه بنحو 500 ألف نسمة، وهم معرضون لخطر الموت لأسباب مرتبطة بالجوع.
والخطير في الأمر هو أن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي يواجه صعوبة في الوصول إلى البيانات التي يحتاج إليها لإجراء تحليلات مستنيرة. ولأن معظم أزمات الغذاء في العالم مدفوعة بالصراعات، ازدادت صعوبة جمع المعلومات التي يحتاجها النظام لتصنيف الدول المعرضة للخطر على مقياس انعدام الأمن الغذائي الحاد المكون من خمس مراحل.
وفي غزة، أعاق القصف الإسرائيلي والقيود المفروضة على الحركة الجهود المبذولة لجمع الإحصاءات حول سوء التغذية والوفيات غير المرتبطة بالإصابات وغيرها من البيانات الضرورية.
وفي السودان، أدى العنف والحواجز العسكرية والعوائق البيروقراطية وانقطاع الاتصالات إلى تعطيل الجهود المبذولة لتقييم مدى تفشي سوء التغذية وإحصاء الوفيات وإجراء مسوح حول قدرة الناس على الحصول على الغذاء.
وهناك افتراض آخر يتبين كثيرا أنه خاطئ ويشكل جزءا من عمل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو أن العالم سيستجيب على الفور لتحذيراته. بينما على أرض الواقع، تأتي المساعدات الكبيرة أحيانا بعد موت الجوعى بالفعل بأعداد كبيرة.
ولعل أسوأ نقاط ضعف النظام، والتي أشار إليها هان نفسه، هو افتراض أن الحكومات في البلدان التي يعاني سكانها من الجوع سوف تتعاون بالكامل مع التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي والأمم المتحدة وغيرهما من جهات المساعدة الخارجية.
وقال هان إن مشاركة الحكومات قد تكون أعظم نقاط القوة في النظام، إذ تُمكن البلدان من حل مشاكلها بنفسها. لكن رويترز وجدت أن إشراك المسؤولين المحليين، وهو ما يفعله التصنيف عادة، يمكن أن يسفر أيضا عن تضارب في المصالح لأنه يمكنهم من تقويض عمل نظام مراقبة الجوع وإلحاق الضرر بمن يفترض أن يحميهم. وهذا صحيح بوجه خاص في حالات الحروب الأهلية، حيث قد تكون الاستراتيجية العسكرية الخاصة بالحكومات أكثر أهمية من الأهداف الإنسانية.
وقال جيريمي كونينديك رئيس منظمة اللاجئين الدولية الإغاثية والمدير السابق لمكتب المساعدة الخارجية في حالات الكوارث التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “إنه يمنح دون قصد حق النقض لأي طرف مشارك في الحرب لا يريد إعلان المجاعة”.
وفي ثلاث دول تعاني الآن من أزمات غذائية حادة، وجدت رويترز أن الحكومات أو المتمردين منعوا أو تلاعبوا في تدفق البيانات إلى التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أو حاولوا التكتم على نتائجه.
وفي إثيوبيا، لم تنل نتائج التصنيف، التي خلصت إلى معاناة 350 ألف شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد الكارثي، رضا الحكومة التي قررت وقف العمل مع التصنيف.
وفي اليمن، سيطر المتمردون الحوثيون على عملية البحث الخاصة بالتصنيف وضخموا أزمة الغذاء في محاولة للحصول على مزيد من المساعدات.
أما في السودان، حاولت الحكومة دحض نتائج مسح كشف عن معدلات مرتفعة من سوء التغذية الحاد بين الأطفال. وقال مسؤولون إثيوبيون وسودانيون لرويترز إن تحليلات التصنيف معيبة. وقال ممثلو الحوثيين إن بحثهم وثق أزمة إنسانية حقيقية.
ومن أسباب الإقدام على هذه الأفعال التي تفسد عمل التصنيف خوف الحكومات من الوصمة الدولية ومن الانتكاسات السياسية محليا بسبب عدم قدرتها على أداء أحد أهم واجباتها: وهو إطعام الشعوب.
وقال مارك لوكوك الذي كان منسق الإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة من عام 2017 إلى عام 2021 “لا تريد الدول أن يُقال لها إنها تشرف على مجاعة”.
وتابع “إن ذلك لا يجعلها تحظى بالثناء والإعجاب الدوليين. لذا فإن هذه الكيانات الحكومية تحاول التهرب والمراوغة لتجنب انكشاف الأمر”.
يقر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي بأن تلك العوائق تؤدي أحيانا إلى إبطاء عمله وتأخير التنبيهات التي تهدف لتوفير الموارد اللازمة بشكل عاجل للأماكن التي تعاني أزمات جوع شديدة. وكان هذا أحد أسباب البروتوكولات الجديدة التي أعلن عنها التصنيف في 22 نوفمبر تشرين الثاني.
قال خوسيه لوبيز مدير البرنامج العالمي بالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، ردا على أسئلة حول أوجه القصور في نظام التحذير، إن التصنيف سيلزم الآن خبراءه الفنيين بتولي التحليلات التي تقودها الحكومة في غضون أسبوعين من إشارة الأدلة إلى وجود مجاعة وظروف استثنائية، مثل التدخل أو التأخير من جانب الحكومة. ويقول النظام إن هذا التغيير يهدف إلى ضمان ورود تقارير غير متحيزة وفي الوقت المناسب خلال الأزمات، على أمل وقف المجاعة المتفشية ومنع حدوث وفيات على نطاق واسع.
في أكتوبر تشرين الأول، أصدر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي دليلا إرشاديا جديدا حول كيفية تجسيد المحللين أوضاع الصراعات في تقاريرهم. ويشير الدليل الإرشادي إلى فشل التصنيف في التحذير مبكرا بما يكفي من أن دولة جنوب السودان كانت تبدو متجهة نحو المجاعة في عام 2020. وكانت الميليشيات المسلحة تتقاتل على الموارد وبسبب مظالم تاريخية، مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف.
وتقول الوثيقة إن المحللين لم يأخذوا في الحسبان بشكل كاف تأثير العنف المنظم على الأمن الغذائي. ويوجه الدليل الإرشادي المحللين إلى بحث الطرق التي يمكن أن يؤدي الصراع بها لانعدام الأمن الغذائي، مثل إعاقة الحصول على الغذاء، والتسبب في ارتفاع الأسعار ارتفاعا حادا وعرقلة إنتاج المحاصيل.
يستند فحص رويترز لكيفية عمل التصنيف وما إذا كان يمثل نظام تنبيه فعالا إلى وثائق واتصالات داخلية لدى التصنيف ومحاضر اجتماعات المنظمات الإنسانية والبيانات المتعلقة بتسليم المساعدات والأغذية والتبرعات. كما أجرى المراسلون مقابلات مع عشرات من موظفي الإغاثة والمسؤولين الحكوميين ومحللي التصنيف والأكاديميين الذين يدرسون الأمن الغذائي.
والكثير من المشاكل التي يعاني منها التصنيف خارجة عن سيطرته، مثل الحرب الأهلية والصراعات الأخرى التي تعيق جمع البيانات وردود الفعل المتلكئة على توقعاته من جانب مانحي وموزعي المساعدات.
ويقول التصنيف إن تحليلاته بشأن الجوع تساعد في توجيه ستة مليارات دولار من المساعدات سنويا إلى أكثر من 35 دولة يراقبها. لكن طلبات لجمع 15 مليار دولار من أجل جهود توفير الأمن الغذائي والتغذية على مستوى العالم لم تتم تلبيتها في عام 2023، وفقا لبيانات الأمم المتحدة التي تتابع تدفق المساعدات.
وقال مارتن غريفيث، الذي تنحى عن منصبه منسقا للأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ في يونيو حزيران، إن نقص البيانات والأموال وعدم القدرة على الوصول إلى المناطق التي يعاني فيها الناس من الجوع خلق وضعا “تكون فيه يداك مكبلتان خلف ظهرك منذ البداية”.
كما يمكن أن تعيق نقاط الضعف الداخلية لدى الأمم المتحدة جهود الإغاثة. ففي إثيوبيا، حادت كميات هائلة من المساعدات المقدمة من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة عن وجهاتها، فيما يرجع جزئيا إلى تراخي الضوابط الإدارية للمنظمة.
وأفادت رويترز أمس الأربعاء بأن تقريرا داخليا لبرنامج الأغذية العالمي عن السودان رصد مجموعة من المشاكل التي تواجه استجابة المنظمة للوضع هناك، مثل عدم القدرة على الاستجابة بشكل ملائم للأزمة، وفرص التمويل الضائعة وما يصفها “بتحديات لمكافحة الاحتيال”.
أصبح التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الآن هيئة مستقلة تمولها الدول الغربية وتشرف عليها 19 منظمة إنسانية ومؤسسة حكومية دولية كبيرة. ورغم أن مهامه واسعة النطاق، فإن موارده محدودة فهو لا يضم سوى 60 موظفا يتلقون رواتب ولديه ميزانية سنوية تبلغ 8.5 مليون دولار.
ويعتمد النظام على مئات المحللين من الحكومات والوكالات الشريكة للخروج بتقارير عن الجوع وسوء التغذية الحاد في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط.
وتصنف تقارير النظام المناطق التي تشهد انعدام أمن غذائي حاد على مقياس من واحد إلى خمسة يتدرج من الحد الأدنى إلى الشدة والأزمة والطوارئ والمجاعة.
وفي كل بلد، تقوم “مجموعة عمل فنية”، ترأسها الحكومة الوطنية عادة، بتحليل البيانات وتصنيف المناطق على ذلك المقياس وإصدار تقارير دورية.
وبدلا من جمع بياناته بنفسه، يعتمد التصنيف على برنامج الأغذية العالمي، وهو موزع عالمي للمساعدات الغذائية بميزانية تقدر بمليارات الدولارات، ومنظمات إغاثة أخرى ووكالات حكومية لتوفيرها.
وعندما يتعلق الأمر بمجاعة، فإن التحليل غالبا ما يحصل على مرحلة إضافية من التدقيق، تتولاها لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي والمكونة من خمسة أعضاء والتي تفحص وتتحقق من النتائج.
وتتطلب تحليلات الجوع التي يجريها التصنيف فحصا دقيقا للبيانات المتعلقة بالعوامل المرتبطة علميا بالأمن الغذائي، مثل غلة المحاصيل وأسعار الطعام وسوء التغذية.
وقالت ديبمالا مهلا، كبيرة مسؤولي الشؤون الإنسانية في منظمة الإغاثة (كير)، الشريكة للتصنيف المرحلي المتكامل، إنه على الرغم من أهمية هذه المعايير الموحدة والدقة الفنية، فإن من الضروري ألا يصبح ذلك عائقا أو يبطئ عملية تقديم المساعدات.
وأضافت مهلا “أكبر الأسباب المنفردة للجوع في العالم هو الصراع. وهذا يعني أن الأشخاص الأكثر احتياجا يكونون في المناطق التي يصعب الوصول إليها. والتحدي الأكثر إلحاحا أمام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي هو صعوبة جمع بيانات الوفيات والتغذية من هذه المناطق”.
في غزة، أدت الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من 13 شهرا إلى نزوح ما يقدر بنحو 1.9 مليون فلسطيني، وكثير منهم نزحوا عدة مرات. ويحول القصف والقيود على الحركة وأوامر الإخلاء التي يصدرها الجيش الإسرائيلي دون حصول السكان على الرعاية الصحية كما يمنع وصول موظفي الإغاثة إلى من يحتاجون للمساعدات.
وقال موظفو إغاثة لرويترز إن كل هذا يجعل من الصعب للغاية على التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الحصول على بيانات عن إحصاءين يسعى إليهما لتحديد ما إذا كانت هناك مجاعة؛ وهما سوء التغذية والوفيات المرتبطة بالجوع.
والطريقة المفضلة للتصنيف حتى يقيّم مستويات سوء التغذية الحاد هي قياس أوزان الأطفال وأطوالهم. لكن القصف الإسرائيلي دمر العديد من المستشفيات والعيادات في غزة، ومعها أدوات قياس الوزن والطول. وكبديل عن ذلك، دربت المنظمات الإنسانية العاملين بالقطاع الصحي على قياس محيط أعلى ذراع الأطفال.
واعتمد التصنيف على هذه القياسات في أكتوبر تشرين الأول، عندما أفاد بأن معدلات سوء التغذية الحاد في غزة تتجاوز بعشر مرات ما كانت عليه قبل الصراع لكنها لا تزال أقل من الحد الذي يعتبر عنده المنطقة في مجاعة.
ولكن البيانات جُمعت في أغسطس آب وسبتمبر أيلول، قبل تدهور الأوضاع في شمال القطاع، حيث تشن إسرائيل هجمات مكثفة. ومنذ أكتوبر تشرين الأول، لم يتمكن العاملون بالقطاع الصحي من الوصول إلى هناك لجمع بيانات سوء التغذية.
كما يُعرض الصراع جامعي البيانات أنفسهم للخطر، وهم غالبا موظفو إغاثة. وقُتل ما لا يقل عن 337 موظف إغاثة في غزة منذ بدء العملية الإسرائيلية، وهو أكبر عدد على الإطلاق خلال أزمة واحدة، وفقا للأمم المتحدة.
وفي نوفمبر تشرين الثاني 2023، أي قبل أسابيع قليلة من بدء محللي التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي العمل لتحديد ما إذا كانت غزة تعاني مجاعة، تعرضت قافلة تقل موظفين من منظمة أطباء بلا حدود وأفرادا من عائلاتهم لإطلاق نار، مما أسفر عن مقتل شخصين. وقالت أطباء بلا حدود إن القافلة كانت تحمل بوضوح شعار المنظمة الإغاثية وإن جميع الأدلة تشير إلى أنه هجوم متعمد من إسرائيل.
وكان التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي قلقا للغاية بشأن سلامة موظفي الإغاثة في غزة لدرجة أنه نظم اجتماعات على برنامج زوم تتم المشاركة فيها دون الكشف عن الهوية حتى يتمكن من القيام بعمله، وذلك وفقا لما قاله ستة مشاركين لرويترز. وعمل بعض محللي التصنيف لصالح منظمات إنسانية على الأرض في غزة، وخشي التصنيف أن تستهدفهم إسرائيل.
لذلك، كان منسق يخفي هويات المحللين يوميا قبل السماح لهم بالدخول إلى اجتماعات زوم التي تعقد عبر الإنترنت. وبدلا من أن تكون لهم أسماء تظهر على الشاشة، كانت لديهم أرقام: المحلل رقم 1، المحلل رقم 2، المحلل رقم 3. ويُبقى الجميع كاميراتهم مغلقة.
لم يرد الجيش الإسرائيلي على أسئلة من رويترز حول واقعة قافلة أطباء بلا حدود أو الهجمات على موظفي الإغاثة أو الجهود التي يبذلها التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي لحماية محلليه.
وقالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، الهيئة الحكومية الإسرائيلية التي تشرف على المساعدات المقدمة إلى غزة، لرويترز إن مجلسا حكوميا إسرائيليا جديدا بدأ خلال الشهور القليلة الماضية في التركيز على سلامة العاملين بالمجال الإنساني. وأضافت أن المجلس “يسهل تبادل المعلومات بكفاءة وسرعة” لمساعدتهم على توزيع المساعدات بأمان وفاعلية.
لم يكن لدى التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي مجموعة من المحللين تعمل في غزة عندما بدأت العملية العسكرية الإسرائيلية. لذا فقد شكل مجموعة مؤقتة، يرأسها موظفوه بدلا من ممثلي الحكومة المحلية. وقال مصدران في التصنيف إن الهدف من هذا الترتيب هو الحفاظ على حياد المجموعة.
وفي أي مكان آخر تقريبا يعمل فيه التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، يرأس مسؤول حكومي مجموعة العمل. ويعمل التصنيف مفترضا أن الحكومات تريد توصيل المساعدات إلى السكان الجائعين.
ولكن رويترز وجدت أن عددا من الحكومات أو الفصائل الحاكمة سعت إلى التلاعب بالبيانات اللازمة لتحليلات التصنيف أو منعت جمعها. واستغلت هذه الأطراف متطلبات التصنيف الصارمة لاستبعاد الأدلة الدامغة على وجود المجاعة وتأخير نشر التقارير التي تحذر من خطر المجاعة.
وفي السودان، سعت الحكومة إلى عرقلة دراسة رئيسية عن سوء التغذية والوفيات ساعدت في إظهار أن مخيم زمزم الضخم للنازحين يعاني مجاعة. وتأسس المخيم في عام 2004، أثناء الهجمات التي شنتها الحكومة السودانية وميليشيات الجنجويد المتحالفة معها آنذاك والتي أسفرت عن عمليات قتل جماعي بدوافع عرقية. وهو يؤوي الآن نحو 500 ألف نازح.
واختارت منظمة أطباء بلا حدود عشوائيا 659 طفلا هناك في يناير كانون الثاني لقياس محيط الجزء العلوي من أذرعهم، أو العضد. ووجدت المنظمة أن نحو 25 بالمئة يعانون من سوء التغذية الحاد، وهو ما يتخطى النسبة التي حددها التصنيف لرصد المجاعة والتي تبلغ 15 بالمئة. كما وجدت معدلات وفيات مرتفعة بشكل مثير للقلق بين السكان على نطاق أوسع.
وفي نهاية مارس آذار وأوائل أبريل نيسان، فحصت المجموعة 47 ألف طفل آخرين ووجدت أن واحدا من كل ثلاثة أطفال يعاني من سوء التغذية.
وقالت سهام عبد الله (28 عاما)، وهي طبيبة عملت في المسح ولا تزال تعالج المرضى هناك، إن بعض الأطفال ماتوا أثناء انتظارهم في الصف ليتم فحصهم. وأضافت أن آخرين ماتوا في الطريق إلى العيادة.
وقالت لرويترز “يتم رفض استقبال الأطفال لأنه لا توجد أسرَّة.. ثم يعودون لاحقا في حالة أسوأ”.
وتعطلت جهود منظمة أطباء بلا حدود في علاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية بسبب وصول شحنات المساعدات بشكل متقطع. ففي خريف هذا العام، لم تتمكن المنظمة من علاج 5000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد لأن طرفي الصراع كانا يمنعان وصول الإمدادات إلى المخيم.
ووفرت دراسة استقصائية أجرتها منظمة أطباء بلا حدود بشأن التغذية والوفيات بين الأطفال في يناير كانون الثاني بيانات قيمة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي خلال عمله على تحديد ما إذا كانت المنطقة تعاني من مجاعة. ويأخذ تحليل المجاعة في الاعتبار قدرة الناس على الحصول على الغذاء، إلى جانب معدلات سوء التغذية والوفيات.
لكن هذه الدراسة قوبلت برفض من الحكومة السودانية التي تخوض حربا أهلية مع قوات الدعم السريع وعارضت بشدة إعلان المجاعة لأسباب استراتيجية.
وقال إبراهيم خاطر مدير عام وزارة الصحة بشمال دارفور لرويترز في أغسطس آب إن أطباء بلا حدود بالغت فيما خلصت إليه بهدف حشد التمويل. وأضاف أن منظمات الإغاثة “تفعل ذلك كنوع من الدعاية حتى تتمكن من الحصول على المزيد من الدعم.. يعتمدون على المعاناة والجوع حتى يتسنى لهم الحصول على منازل جميلة وسيارات ورواتب”.
وردا على تصريحات خاطر، أشارت منظمة أطباء بلا حدود إلى الدقة الإحصائية لتحليلها ووصفت نتائجها بأنها “لا لبس فيها”.
وقال ميشيل أوليفييه لاشاريتيه رئيس برامج الطوارئ لدى أطباء بلا حدود في بيان أرسله عبر البريد الإلكتروني إلى رويترز “محنة الشعب السوداني، الذي لا يتلقى سوى النزر اليسير من المساعدات الإنسانية في أفضل الأحوال بينما يسقط نهبا للجوع والحرب، أقل ما يمكن وصفها به أنها شنيعة”.
كان سفير السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث محمد قد انتقد في يونيو حزيران جهود إعلان مجاعة في السودان تقوم بها أطراف من خارجه، والتي وصفها بأنها “رواية يمكن بموجبها فرض المجاعة من أعلى”. ومن شأن إعلان المجاعة أن يزيد الضغوط على الحكومة لفتح معبر حدودي رئيسي لشحن المساعدات من تشاد، والذي وصفه بأنه “صندوق شرور” من شأنه أن يفتح الباب أمام تهريب الأسلحة إلى قوات الدعم السريع.
وأثار وزير الزراعة السوداني أبو بكر البشرى اعتراضات مماثلة في رسالة في وقت لاحق من ذلك الشهر إلى لوبيز. ورد لوبيز بأن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي لا يستطيع أن يأخذ في الاعتبار المخاوف العسكرية السودانية في تحليله.
وقال لوبيز في الرسالة التي أرسلها بتاريخ الرابع من يوليو تموز واطلعت عليها رويترز “القضايا التي أثرتموها بشأن مخاطر تحويل المساعدات الإنسانية وتوسع الصراع المحتمل تتجاوز الغرض والأهداف من المراجعة الخاصة بالمجاعة”.
وبعد أن نشرت منظمة أطباء بلا حدود ما خلصت إليه بشأن التغذية والوفيات بمخيم زمزم في فبراير شباط، استغرق الأمر ستة أشهر من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي لتنبيه العالم إلى حدوث مجاعة هناك. وخلال تلك الفترة، ارتفع متوسط ??عدد القبور التي يتم حفرها يوميا في المخيم.
واستخدمت رويترز صور أقمار صناعية عالية الدقة لفحص النشاط في سبع مقابر بمخيم زمزم. وتكشف الصور عن متوسط ??لا يقل عن 1.6 قبر جديد يضاف كل يوم في مارس آذار. وبحلول نوفمبر تشرين الثاني، ارتفع هذا المعدل إلى أربعة قبور على الأقل كل يوم. ومن المرجح أن يكون ذلك أقل من العدد الحقيقي لأنه من المستحيل معرفة ما إذا كانت الصور تكشف عن كل عملية دفن، خاصة قبور الأطفال الصغار. وفي فبراير شباط، أشارت تقديرات منظمة أطباء بلا حدود إلى أن طفلا يموت كل ساعتين في المخيم.
وقال هان إن استخدام وكالة رويترز لصور الأقمار الصناعية مثال على أنواع جديدة من البيانات التي يمكن دمجها في تحليلات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي. واستشهدت لجنة المراجعة بشأن المجاعة بعمل رويترز كأحد الأدلة في ما خلصت إليه بشأن المجاعة في أغسطس آب. وقال هان إن التصنيف يعمل حاليا مع مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل لاستكشاف طرق استخدام تحليلات مماثلة في تقاريره. كما يستكشف تقنيات التعلم الآلي، التي تعتمد على النماذج الكمبيوتر لتوقع النتائج.
ولا تزال المأساة مستمرة في مخيم زمزم. وقال متطوع ومنظمة إغاثة لرويترز إن المخيم تعرض لقصف مكثف هذا الأسبوع.
السودان ليس المكان الوحيد الذي واجه فيه التصنيف مقاومة شديدة من جانب الحكومة. ففي يونيو حزيران 2021، عمل على تحليل خطر المجاعة في منطقة تيجراي بإثيوبيا، حيث كانت قوات شبه عسكرية آنذاك في خضم صراع عنيف مع القوات الحكومية. وخلص إلى أن أكثر من 350 ألف شخص كانوا في المرحلة الخامسة، أي في ظروف كارثية.
وتحدت الحكومة المركزية في إثيوبيا منهجية واستنتاجات التصنيف، لكنه نشر تحليله على أية حال. وأضاف إعلان إخلاء مسؤولية قال فيه “لم يتم اعتماد هذا التقرير من حكومة إثيوبيا”.
وجاء رد الحكومة غاضبا. وقال مسؤول حكومي كبير تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لرويترز “اعتبرت (الحكومة) أن النشر أحادي الجانب وغير مصرح به”. وطردت الحكومة في وقت لاحق سبعة مسؤولين كبار في الأمم المتحدة ومنعت دخول أي أحد آخر من التصنيف إثيوبيا.
ومنذ ذلك الحين، لم يجر التصنيف أي تحليل في إثيوبيا، غير أن المسؤول الحكومي قال إن محادثات بدأت في الآونة الأخيرة في محاولة لتحسين العلاقات بين الحكومة والتصنيف.
كانت ممارسة التخويف والترهيب ضد التصنيف ونظام الإغاثة الإنسانية ككل شديدة في اليمن عام 2023 عندما حاولت قوات الحوثيين التي تسيطر على شمال البلاد تضخيم أزمة الجوع لجذب مساعدات إنسانية دولية، حسبما قالت أربعة مصادر مطلعة لرويترز. ويواجه الحوثيون اتهامات بتحويل مسار المساعدات على نطاق واسع هناك.
وأفادت ثلاثة مصادر من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بأن الذراع الإنسانية للحوثيين اختارت جامعي بيانات في 2023 لإجراء مسوحات لتقييم قدرة السكان على الحصول على الغذاء. ولم تتمكن رويترز من معرفة تفاصيل عن كيفية جمع البيانات.
وقال أحد أعضاء مجموعة عمل التصنيف الذي طلب عدم الكشف عن هويته إن الحوثيين استخدموا البيانات بعد ذلك للضغط على التصنيف ليقول إن الكثير من المناطق الحضرية تشهد حالة طوارئ غذائية بينما كان الناس في واقع الأمر قادرين على الحصول على الغذاء والوصول للأسواق. وأضاف أن مسؤولين حوثيين هددوا أعضاء التصنيف من عواقب إذا لم يصنفوا المناطق وفق ما يريده الحوثيون. واعتقلت قوات الأمن الحوثية العشرات من موظفي الأمم المتحدة وموظفي المنظمات غير الحكومية وأودعتهم في حبس انفرادي.
وفي رد مكتوب على أسئلة من رويترز، قال المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية التابع للحوثيين إن الأزمة الإنسانية في اليمن “حقيقة لا جدال فيها وليست مختلقة”.
وأضاف “تمت عملية جمع البيانات بالطريقة المطلوبة وفقا للمعايير المتفق عليها مع برنامج الغذاء العالمي”، مشيرا إلى أن نصف جامعي البيانات تم اختيارهم من قبل برنامج الغذاء العالمي.
ونفى تحويل مسار المساعدات وتهديد موظفي الإغاثة، وقال إن اعتقال موظفي الأمم المتحدة كان قانونيا.
وقال البيان “هذه مزاعم كاذبة وغير صحيحة. نرفضها تماما. لم تتم ممارسة أي ضغوط على اللجنة”.
وقالت ثلاثة مصادر في التصنيف لرويترز إن فريقا عالميا من التصنيف راجع البيانات التي جمعها الحوثيون وخلص إلى أنها تبالغ في تقدير مستويات الجوع. وقرر التصنيف عدم نشر التحليل الذي قاده الحوثيون. وأفادت المصادر بأنه لم ينشر تقييمه الخاص أيضا بسبب المخاوف الأمنية.
حتى عندما لا تكون هناك معوقات أمام عمل التصنيف ويتم في الوقت المناسب، غالبا ما تكون استجابة الدول المانحة للتحذيرات من أزمة غذاء بطيئة. ويزداد تقديم المساعدات صعوبة بسبب الصراعات وإغلاق الحدود وفرض قيود على الانتقالات. وقد يترك ذلك الهيئات الإنسانية دون ما يكفي من المال اللازم للحيلولة دون تفاقم أزمة الجوع.
وبحسب بيانات من الأمم المتحدة، لم يقدم العالم سوى 39 بالمئة من المساعدات التي طلبتها الهيئات في 2023 لتخفيف حدة انعدام الأمن الغذائي وتحسين وضع التغذية. ومن المتوقع أن تكون نتائج العام الجاري أفضل قليلا.
وقال مسؤولون حكوميون من سبع دول مانحة إنهم يهتمون بمعرفة ما تخلص إليه تقارير التصنيف، لكنهم يضعون في الحسبان أيضا الأولويات المالية والسياسية والتوقعات الخاصة بالمناخ والعقبات اللوجستية أمام تسليم المساعدات وإجراءات الجهات المانحة الأخرى.
وقال أندرياس فون براندت ممثل ألمانيا لدى هيئات الأمم المتحدة في روما إن بلاده ستولي اهتماما لتحديد التصنيف حدوث مجاعة من المرحلة الرابعة أو الخامسة. لكن هذا لن يضمن الاستجابة. وقال فون براندت “أموالنا محدودة… حتى في أفضل السنوات، لم يكن لدينا كل الأموال الكافية”.
توضح أول مجاعة حددها التصنيف -في الصومال عام 2011- حجم الخسائر المدمرة التي قد تترتب على وصول المساعدات بعد فوات الأوان.
فقد أدى الجفاف والصراع بين الجماعات المسلحة التي تقاتل من أجل السيطرة على جنوب البلاد إلى نزوح جماعي ونقص حاد في الغذاء من 2010 إلى 2012. وحذرت تحليلات التصنيف مرارا من خطر مجاعة وشيكة.
ومع ذلك، تردد المانحون في إرسال المساعدات إلى منطقة تسيطر عليها جماعات مسلحة وصفتها الولايات المتحدة بأنها إرهابية. وانخفضت المساعدات الإنسانية إلى المنطقة المتأثرة إلى النصف من 2008 إلى 2011، حيث تعرض موظفو الإغاثة للهجوم.
ولم تستجب الدول والمنظمات المانحة بفيض من المساعدات إلا بعد أن خلص تحليل من التصنيف إلى أن المنطقة تعاني من مجاعة في يوليو تموز 2011. وبحلول ذلك الوقت، كان الكثير من الضرر قد وقع بالفعل.
وتبين أن هذه المجاعة كانت واحدة من أخطر المجاعات في القرن الحادي والعشرين. وتشير التقديرات إلى أن 258 ألف شخص، معظمهم من الأطفال دون سن الخامسة، ماتوا لأسباب تتعلق بالجوع، بحسب تحليل أجري في 2013 بتكليف من منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو). ووجدت الدراسة أن ما يقرب من نصفهم ماتوا قبل إعلان المجاعة.
وينظر هان بإحباط إلى العقبات الجيوسياسية وفشل الأذرع المختلفة لمنظومة المساعدات الإنسانية في العمل معا للحيلولة دون حدوث المجاعة، وذلك بعد 20 عاما من الخروج بفكرته لتصنيف الجوع.
وقال “كل ذلك يقع على عاتق المرأة والفتاة والصبي في زمزم الذين لا يستطيعون تناول الطعام الليلة، ولا ذنب لهم يمنعهم من تناول الطعام الليلة، لا ذنب لهم على الإطلاق”.
(رويترز)