لندن- “القدس العربي”: تطرقت صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى مقاطع الفيديو المهتزة التي تم التقاطها بالهاتف المحمول في السهول القاحلة في منطقة دارفور بالسودان، والتي قالت إنها تبدو وللوهلة الأولى مثل العديد من مقاطع الفيديو الأخرى التي خرجت من الحرب الأهلية الوحشية في البلاد: رجال يرتدون زيا مموها يقفون بجوار صناديق الأسلحة، ويعرضون غنائم معركتهم. ثم يقلب أحد الرجال أوراق السجناء الذين تم أسرهم حديثا والاستيلاء على ممتلكاتهم الشخصية… “انظروا إلى هذا، إنهم ليسوا سودانيين”، يقول، بلهجة عربية مائلة إلى لهجة الزغاوة المحلية، ويحمل جواز سفر صادر عن حكومة كولومبيا على بعد حوالي 7000 ميل، “هؤلاء هم الأشخاص الذين يقتلوننا”.
وتقول الصحيفة إن لقطات الفيديو تشكل إشارة واضحة إلى أن الحرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المتمردة تحولت إلى ساحة معركة للقوى الأجنبية، حيث اجتذبت المقاتلين والأسلحة من أماكن بعيدة مثل أمريكا اللاتينية وأوروبا.
وتضيف أن العديد من الحكومات الإقليمية تتنافس على تأكيد نفوذها مع تصاعد القتال، وعلى رأسها الإمارات من جهة ومصر من جهة أخرى، مع عواقب مدمرة على سكان السودان البالغ عددهم 48 مليون نسمة، والذين أصبح بعضهم الآن يعاني من المجاعة.
الحرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المتمردة تحولت إلى ساحة معركة للقوى الأجنبية، حيث اجتذبت المقاتلين والأسلحة من أماكن بعيدة مثل أمريكا اللاتينية وأوروبا
ويدور التنافس الإقليمي للسيطرة على خطوط الشحن في البحر الأحمر وبعض أكبر احتياطيات الذهب في إفريقيا والمياه المتنازع عليها في نهر النيل. والآن أصبح المرتزقة أداة متزايدة الأهمية لتأمين ميزة استراتيجية.
وتقول الصحيفة إنه تم توظيف المقاتلين الكولومبيين، الذين تم أسرهم الشهر الماضي في دارفور في وقت سابق من هذا العام من قبل شركة مقرها أبوظبي تسمى المجموعة العالمية للخدمات الأمنية أو بمختصرها الإنكليزي جي أس أس جي، وفقا لمقابلات مع أكثر من اثني عشر مسؤولا دوليا وقدامى المحاربين الكولومبيين بالإضافة إلى مراجعة ملفات تعريف وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الويب الخاصة بالشركة.
وتصف الشركة نفسها بأنها المزود الأمني الخاص المسلح الوحيد للحكومة الإماراتية وتدرج ضمن عملائها وزارات الشؤون الرئاسية والداخلية والخارجية في الدولة الخليجية.
وفي أوغندا حيث دربت جي أس أس جي القوات المحلية في عمليات مكافحة الإرهاب وحماية كبار الشخصيات، إذ قدمت الشركة نفسها على أنها تعمل نيابة عن الحكومة الإماراتية، حسبما قال متحدث باسم الجيش.
يدور التنافس الإقليمي للسيطرة على خطوط الشحن في البحر الأحمر وبعض أكبر احتياطيات الذهب في إفريقيا والمياه المتنازع عليها في نهر النيل
وتقول الصحيفة إنه تم نقل المرتزقة الكولومبيين جوا إلى المناطق الليبية التي يسيطر عليها أمير الحرب خليفة حفتر قبل عبورها إلى معقل قوات الدعم السريع في دارفور. ووفقا لتقارير الأمم المتحدة، كان حفتر مدعوما منذ فترة طويلة من قبل الإمارات. كما تقوم الإمارات بشحن الأسلحة وغيرها من المواد الحربية إلى قوات الدعم السريع، وفقا لما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” سابقا، وهي النتائج التي دعمها أيضا خبراء الأمم المتحدة.
وتعد الإمارات الوجهة الرئيسية لمعظم صادرات الذهب الرسمية وغير الرسمية من السودان، وقد أعرب المسؤولون الإماراتيون عن قلقهم بشأن ما يرون أنه قوى إسلامية تدعم الجيش السوداني.
ونفت وزارة الخارجية الإماراتية تقديمها الدعم أو الإمدادات لقوات الدعم السريع أو أي طرف آخر في الحرب، وقالت إنها تواصل الدعوة إلى حل سلمي للصراع. ولم ترد على أسئلة مفصلة حول صلاتها بمجموعة جي أس أس جي.
تم نقل المرتزقة الكولومبيين جوا إلى المناطق الليبية التي يسيطر عليها أمير الحرب خليفة حفتر قبل عبورها إلى معقل قوات الدعم السريع في دارفور
وأشارت الصحيفة لدور القاهرة، التي تسعى للحصول على دعم السودان في مواجهتها مع إثيوبيا بشأن سد النهضة على النيل. ونفت وزارة خارجيتها شن غارات جوية في السودان لمساعدة الجيش السوداني. ويقول كبار المسؤولين العرب بشكل خاص إن مصر نشرت طائرات خفيفة لتقديم الدعم، وألقت قنابل على مواقع قوات الدعم السريع في دارفور وولاية سنار بوسط البلاد، حيث استعاد الجيش السوداني مؤخرا عددا من البلدات من قوات الدعم السريع.
وتخضع منطقة دارفور لقرار الأمم المتحدة الذي يحظر الأسلحة، وقد دعت الولايات المتحدة مرارا وتكرارا الحكومات الأجنبية إلى البقاء بعيدا عن الصراع الذي بدأ في نيسان/ أبريل 2023. لكن القتال تصاعد، مما أدى إلى خلق ما يعتبر الآن على نطاق واسع أكبر أزمة إنسانية في العالم.
وتقول الصحيفة إن كولومبيا لديها مخزون من كبار المحاربين السابقين الذين شاركوا في حرب المخدرات ولديهم خبرة بالأسلحة الأمريكية. ولهذا السبب استهدفتها شركات الأمن والمرتزقة في الخارج بحثا عن مجندين.
وقد استعانت الإمارات قبل عقد من الزمان بمتعاقدين عسكريين كولومبيين للقتال في الحرب الأهلية في اليمن.
في أيلول/ سبتمبر الماضي، بدأت شركة توظيف مسجلة في العاصمة بوغوتا اسمها “الوكالة الدولية للخدمات” أو إي 4 أس أي، بنشر إعلانات على موقعها على الإنترنت تبحث عن مشغلي مسيرات ومتخصصين في الأمن السيبراني وحراس شخصيين للعمل في إفريقيا.
لدى كولومبيا مخزون من كبار المحاربين السابقين الذين شاركوا في حرب المخدرات ولديهم خبرة بالأسلحة الأمريكية. ولهذا السبب استهدفتها شركات الأمن والمرتزقة في الخارج بحثا عن مجندين
في نفس الوقت تقريبا، تم نشر إعلان وظيفة موجز على مجموعات الدردشة الخاصة بالمحاربين الكولومبيين السابقين، حيث عرضت رواتب تتراوح من 2,600 دولار إلى 6,000 دولار شهريا للمتقدمين من ذوي الخبرة العسكرية للعمل في الشرق الأوسط وإفريقيا.
واستضافت الشركة تجمعات تسويق في قاعات المدن في مدن في جميع أنحاء كولومبيا، بما في ذلك في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر في ميديلين، حيث تجمع حوالي 80 من أفراد الجيش والشرطة الكولومبيين السابقين لسماع عرض من أحد شركات التجنيد الذين يسعون إلى نشر قوة من 200 جندي في إفريقيا.
ويقول المقاولون العسكريون الكولومبيون المطلعون على جهود التجنيد إن شركة إي 4 أس أي كانت تبحث عن قناصة ومترجمين من الإسبانية إلى الإنكليزية. وقال المقاولون إن العشرات من الجنود السابقين وقعوا عقودا مع جي أس أس جي، التي كانت تعمل مع إي 4 أس أي لعدة سنوات. ولم تستجب الأخيرة للمكالمات والرسائل الإلكترونية التي تطلب التعليق ولم يرد أحد على الباب في اثنين من مكاتب الشركة في بوغوتا.
وقال مسؤولان من شمال إفريقيا إن عدد الكولومبيين الذين مروا عبر ليبيا لدعم العمليات في السودان بلغ حوالي 160. وهم جزء من حملة من الإمارات لدعم قوات الدعم السريع بعد أن خسر هذه مناطق للجيش السوداني وداعميه المصريين حول العاصمة الخرطوم وفي وسط السودان. كما اشترى الجيش السوداني مسيّرات من إيران، التي ذكرت الصحيفة سابقا أنها تريد بناء قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر في البلاد. وتسيطر قوات الدعم السريع الآن على معظم دارفور وهي قريبة من السيطرة على مدينة الفاشر المحاصرة. ولكن العقود التي وقعها الكولومبيون مع جي أس أس جي لم تذكر السودان أو الانتشار في منطقة حرب نشطة، كما قال المقاولون العسكريون الكولومبيون والجنود المتقاعدون. وقال أحد المقاولين: “لقد خدعوا عمليا”.
يقول قدامى المحاربين الكولومبيين ومسؤولون من الشرق الأوسط وإفريقيا إن المجندين سافروا إلى الإمارات من كولومبيا. كان كريستيان لومبانا مونكايا، الذي ظهرت وثائقه في مقاطع فيديو دارفور، عريفا متقاعدا سافر من بوغوتا إلى دبي في 6 تشرين الأول/ أكتوبر وبقي هناك لعدة أسابيع، وفقا للأختام الموجودة على جواز سفره والصور المنشورة على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي.
من الإمارات ، تم إرسال الكولومبيين إلى مطار في بنغازي، وهي مدينة في شرق ليبيا يسيطر عليها حفتر، ثم إلى قاعدة جوية قديمة بالقرب من الحدود السودانية، وفقا لمسؤولين من الشرق الأوسط وإفريقيا بالإضافة إلى قدامى المحاربين الكولومبيين المطلعين على العمليات.
تم إرسال الكولومبيين إلى مطار في بنغازي الليبية، التي يسيطر عليها حفتر، ثم إلى قاعدة جوية قديمة بالقرب من الحدود السودانية
في المرة التالية التي ظهرت فيها علامات المقاولين الكولومبيين كانت في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما نشر متحدث باسم قوة الحماية المشتركة لدارفور، وهي تحالف من الجماعات المسلحة التي تقاتل ضد قوات الدعم السريع إلى جانب الجيش السوداني، مقاطع فيديو غير واضحة للقافلة التي تم اعتراضها على حسابه على فيسبوك. وقال إن قوة التحالف استولت على العديد من المقاتلين الأجانب، بعضهم قتل، إلى جانب المركبات والأسلحة، واتهم الإمارات بتنظيم حركة المقاتلين والأسلحة عبر دارفور. وأظهر مقطع فيديو ملصقات تحمل أسماء بلغارية على صندوق يحمل قذائف هاون عيار 81 ملم. وقالت وزارة الاقتصاد البلغارية، التي تشرف على صادرات الأسلحة من البلاد، إنها لم تصدر أي تصاريح للمبيعات إلى السودان.
وناقش وزير خارجية كولومبيا تورط المقاولين الكولومبيين في الحرب مع نظيره في الحكومة السودانية المدعومة عسكريا في 3 كانون الأول/ ديسمبر. وقالت الوزارة إنها تعمل من خلال القنوات الدبلوماسية لإعادة العسكريين السابقين إلى ديارهم، الذين قالت إنهم خُدعوا في العملية.