صدرت دول عربية، إضافة إلى تركيا، بيانا ختاميا بعد اجتماعها في مدينة العقبة الأردنية لمناقشة «اليوم التالي» على سقوط نظام بشار الأسد. بعد البند الأول في البيان، الذي أعلن وقوف المجتمعين إلى جانب الشعب السوري «وتقديم كل العون والإسناد له» و«احترام إرادته وخياراته» جاء البند الثاني ليطالب بعملية انتقالية سياسية سورية جامعة «ترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية، وفق مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وأهدافه».
صدر القرار الآنف في كانون الثاني/يناير 2016، وكان مشروعا أمريكيا صوّت عليه أعضاء مجلس الأمن الـ15 بالإجماع، ودعا حينها ممثلي النظام السوري والمعارضة للمشاركة في مفاوضات رسمية بشأن مسار الانتقال السياسي.
يسعى البند المذكور للارتكاز على نقطة اجتمع فيها أطراف الصراع الدولي في سوريا، لكنّه يتجاهل مسألتين مركزيتين، الأولى (والتي جعلت اجتماع العقبة ممكنا وذا معنى) هي انهيار النظام السوريّ، والثانية هي الخراب العامّ الذي تسبّب به هذا النظام.
يترتّب على السقوط الشامل لنظام الأسد، الذي أضحى رئيسه المخلوع «لاجئا إنسانيا» في روسيا، التعامل المباشر مع «حكومة تيسير الأعمال» في دمشق، للدفع في اتجاه تشكيل هيئة حكم انتقالي مدنية.
ويترتّب على الأزمة الشاملة التي تعاني منها البلاد إعلان سوريا «بلدا منكوبا» تعرّض لكارثة إنسانية تحتاج تدخّلا فوريا لإنقاذ السكان، الذين بدأوا، بعد فتح السجون، التفتيش عن قرابة 160 ألف شخص اختفوا قسريا، فيما سلّم كثيرون بالمصائر المؤسفة لأقاربهم وأخذوا بتأكيد مقتل العشرات من عائلاتهم.
بدأت، مع أنباء سقوط النظام تتكشف تفاصيل طغيانه المهولة، من المقابر الجماعية التي دُفن فيها عشرات الآلاف، إلى حفلات الإعدام الروتينية في سجون مثل صيدنايا وتدمر، وباقي المعتقلات العلنية والسرّية، مرورا بالتقارير الدولية الموثقة، عن الثروات الهائلة للأسد وأقاربه مثل شاليش ومخلوف، وعن شبكة مصانع المخدّرات، وأحدها كان في فيلا لماهر الأسد.
توقع السوريون أن تعلن البنود الواردة في بيان مجموعة الاتصال العربية مبادرة كبيرة وعاجلة لمساعدة السوريين في الخروج من أوضاعهم المأساوية، وهم يجمعون أشلاء قتلاهم ويفتشون عن جثامينهم وعظامهم، ودعمهم ماليا واقتصاديا لتحقيق انفراجة تجعلهم يحسّون فعلا أنهم «شعب شقيق» كما وصفهم البيان، ومدّ أيديهم إلى ثوار المعارضة الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم، وواجهوا واحدا من أبشع الأنظمة في التاريخ الحديث، وتمكنوا، خلال 11 يوما، من جمع أشلاء سوريا نفسها، بربط الشمال والوسط والجنوب، لأول مرة منذ بدء الصراع المسلّح.
مفهوم طبعا أن سقوط النظام السوري بدا، بالنسبة للبعض ضمن النظام العربي الراهن، إمكانية لاستعادة احتمالات الربيع العربي الموؤود، وهو ما أثار مخاوف عبّرت عنها تصريحات عربية وإسرائيلية.
من جهة أخرى، فإن هذه «المخاوف» لا تستطيع أن تتجاهل أن أحد الإنجازات الكبرى التي نجح فيها السوريون، بإسقاطهم الطغمة الوحشية لعائلة الأسد، أنهم صالحوا سوريا مع محيطها العربي، وفتحوا بذلك مجالا لتصالح العرب مع أنفسهم.
المطلوب، ضمن السياق المعقّد الآنف، هو دعم عربيّ سريع، وهو الأمر الذي سيؤهل السوريين، في المرحلة المقبلة، لخوض «عملية انتقالية سلمية سياسية سورية ـ سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية» كما جاء في بيان «العقبة».