السينما دائماً جميلة

“السينما هي الاستجابة لنداء الجميل، والجميل هو ما يعتقل الروح”.
السينمائي يتحدث بالطريقة التي يتحدث بها الفن السابع، إنه يصنع الصور مثل الرسام، والأنغام مثل الموسيقي، والفرحة مثل المسرحي، ساحر يلعب بالإنارة والزمن والحركة ليلقي بنا في الدهشة، والسينما ليست سوى دهشة كالفلسفة.
كيف يمكن للسينما أن تكون جميلة باستمرار؟ هل لأنها تستثمر الجميل؟ أم أنها تسعى إلى نشر الحب؟ وإذا كان الأمر كذلك: كيف يستطيع النقد أن ينال من ماهيتها؟
وما أطول هذا الليل لو لم تتدخل هذه الأسئلة لتضيئه ببريقها.
إنها أخطر النعم، ولذلك فإن أغلب الناس لا يعرفون قيمتها، فالأسئلة أساس ماهية الإنسان، بدونها لن يكون هناك حوار، وستختفي الحقيقة.
إن الحوار هو الإنسان؛ فثمة قرابة وجودية بينهما؛ لأنهما مولعان بخدمة الدهشة كمحرك للتفلسف، واللغة البصرية كأنطولوجيا للفن: إن الحوار بين الفلسفة والسينما لا يمكن فهمه إلا في هذا الأفق.
لا توجد هوة بينهما، لأنهما يسكنان تحت سقف واحد، ولذلك نجدهما مولعين بالحقيقة، فما يهمنا هو مستقبل الحقيقة، سنحاول أن نسمع إلى صوتها لكي نلبي نداء الوجود.
والفلسفة والفن يرجعان إلى بعد من أبعاد الإنسان، ومن خلالهما يعيش وجوده في الوجود. فالروح لا تجد متعتها سوى في الدهشة والسؤال.
ومع ذلك، نسمع السينما وهي تردد أمام الفلسفة: “إذا كنت جميلة، فإن ذلك ليس خطئي”، إنها تشبه امرأة فاتنة الجمال، الكل يندهش أمامها ويصاب بالصمت.
والحق أن الفن لا يمكن أن يوجد إلا إذا تقدمه الجميل، كما أن الفلسفة مشروطة بالدهشة، ولكن ألا تصبح بذلك أمراً من أمور العقل، والسينما أمراً من أمور الوجدان والانفعالات والعواطف؟
بالعواطف الجميلة ينشأ الأدب الرديء، كما قال أندري جيد. فالعواطف حتى أجملها، لم تسلم من النقد، وبالأحرى إن هناك سينما لا تشتغل إلا على إثارة العواطف، ومن حسن الحظ أنني وقفت على متن كبير من الفيلموغرافية العربية عندما اقترح عليّ مهرجان الإسكندرية لسينما المرأة أن أختار مائة فيلم في لائحة طويلة، حيث اكتشفت أن هناك تشابهاً كبيراً في العناوين والموضوعات، ما يوحي بانتمائها إلى البراديغم السينمائي نفسه ، ومعنى ذلك أن اغتراب الوعي الجمالي يعود إلى اغتراب الوعي الفني والتاريخي.
هكذا ينعدم جدل الصورة، ولعل مهمتها لم تكن سهلة، لأن من تعود على تفسير الغموض سيكون حائراً أمام الوضوح الغارق في التفاهة؛ لأن اعتماد اللغة الأدبية يؤدي إلى إفقار اللغة السينمائية. فالسينما فن الصورة المتحركة والناطقة، ولكن الجميلة بعمقها، وليس برداءتها.
فرجة الضياع يتحكم فيها السيناريو الزائف الذي يقتل المتعة البصرية للصورة.
من المستحيل أن يعتقد السينمائي أن السينما منفصلة عن تاريخها وعن الفن الذي لم يعد: “من الممكن فهمه على نحو عميق إلا باستخدام المفاهيم الفلسفية”، فالفلسفة هي مسكن الفن، ومن لا يؤمن بهذا القدر فهو شخص لا يفكر على نحو يوناني بالمعنى العميق للكلمة، فالفن في نشأة المأساة لنيتشيه ولد مع المسرح الديونيزوسي، أي في غمرة الابتهاج بالنشوة والثمالة، والغربة في صيرورة الجسد نحو الثمالة، ولذلك فإن الفن لا يخاطب غير الفنانين.
وإذا طبقنا هذا المعيار على السينما المغربية فإننا سنجدها ظلت تقاوم من أجل حسم الصراع بين جدل الفن والتقنية، ولعل فيلم “وشمة” لحميد بناني لهو أكبر شاهد على هذا الجدل، إنه البداية الخجولة للسينما في المغرب، بيد أن الانتقال إلى فيلم “ابن السبيل” سيخلص هذه السينما من الخجل، لتجد نفسها تسافر عبر الزمان من أجل البحث عن الوجود. وبالرغم من ضياع الفن في هذا الفيلم، فإنه يسعى إلى إيقاظ الحالة الفنية؛ أي حالة البحث عن الهوية التي مزقها الزمان.
قد يكون السيناريو أقوى من الإخراج، ولكن مع ذلك استطاع أن يقدم معنى الانتماء إلى الفن السينمائي.
لعل هذا الانتماء لم يكن ليولد لولا نهاية الحداد وروح العصر، وولادة استيطيقا الابتهاج بالذات الفاعلة، والتي أبدعت “إلى الأمام”، ذلك أن الحس النضالي يقود الوعي الشقي نحو الوعي الذاتي. هكذا يبدأ الالتزام السياسي بالفن والفكر، حيث تبدو الذات المبدعة كضمير للأمة التي تسعى إلى نمو الذات المتفرجة: “فالمتفرج يحس بأن أعمال البطل مبررة، وتكبر حماسته عندما يشاهد بأن هذه الأعمال الفنية تنقلب على صاحبها وتدمره، ولذلك يرتجف رعباً من العذاب الذي يمر منه البطل. ومع ذلك يشعر بمتعة قوية”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية