الأعمال الأدبية والأخطاء اللغوية!

نشرت آنفا عدّة مقالات نقدية لغوية تناولت أعمالا روائية رائدة كشفتُ فيها جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية وشوائب أخرى وقع فيها الواقعون من كبار الأدباء، وكشفتُ عن الوجه الصحيح لها. وأزعم أني مؤهّل لذلك لأنّني في حقل الترجمة واللغة وصاحب «معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية»، وهو الأول من نوعه في الجزائر وبلاد المغرب العربي. وما نقدتُ هذه الأعمال حطّاً من قيمتها، ولا إساءةً إلى أصحابها، وإنما لننتبه جميعاً لأخطائها، ونسعى معا لتصحيحها، ونحرص على عدم الوقوع في مثلها، وحتى لا يتعلّمها أطفالنا منّا، وتتوارثها الأجيال من بعدنا.
وما لبث أن انهال عليّ الأدباء والنقاد لوماً وذمّاً. قال قائل منهم إنّ ما أكتبه لا يخضع لمناهج النقد المعروفة، وقال آخر هذا شيء من الضبط اللّغوي لا صلة له بالنقد. والغريب في الأمر أنّ بعضهم هاجمني وانتقد منهجي في مقالات تعجّ بالأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية والإملائية، التي إن ارتكب مثلها تلامذة الصف الابتدائي يوم الامتحان سقطوا، وأذكر هنا على سبيل المثال تهجّم أحد النقاد على النقد اللغوي في مقال بعنوان «الأخطاء النحوية والإبداع»، إذ ذكر فيه عبارة: «عشرات من الأخطاء»، وذلك خطأ والصواب أن يقول «عشرات الأخطاء»، فهذا التعبير بلا ريب شاهد على عدم إتقانه أحكام اللسان العربي الذي يكتب به نقده، وإساءته استعمال المضاف والمضاف إليه، بل ويدلّ ذلك بلا شك على أنّه في الواقع يفكر بلغة أجنبية ثم يترجم أفكاره إلى العربية، وهذا خطأ فظيع، فاللّغة الفرنسية على سبيل المثال تحتاج في مثل هذا السياق إلى حرف الجر (de) (من) فنقول: Des dizaines de fautes والعربية، بفضل المضاف والمضاف إليه، في غنى عن ذلك.
ويرمي هذا الناقد اللّغويين بالفشل فيقول ‘إنّهم كتاب فاشلين جماليا’ وهو لا يدري أنّه، بذلك التعبير، فاشل لغويا ونحويا، فقواعد اللغة العربية واضحة تقول ‘إنّ وأخواتها’ ترفع الخبر ولا تنصبه، فيقع في خطأ إلزام الجمع المذكر السالم الياء بدلاً من الواو! فالصواب هو أن يقول: ‘إنّهم كتّاب فاشلون جماليا’.
وها هو أحد الروائيين يفتتح روايته الجديدة بعبارة «كانت أقوالها في جلسة التحقيق ليست متناقضة» فيجمع فعلين ناقصين متناقضين في تركيب واحد!
وها هي أديبة أخرى تكتب «الحصول إلى إجابة هذا السؤال» بدلا من «الحصول على إجابة هذا السؤال»، وتقول» قدرتي لفهم كذا» بدلا من «قدرتي على فهم كذا». وها هي أديبة أخرى تكتب»استحواذه بها» بدلا من»استحواذه عليها» كما جاء في القرآن الكريم:»استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون» (المجادلة- 19). وها هو روائي آخر يكتب «أعطاني الإحساس أنه فعل كذا» وهو ترجمة ركيكة للعبارة الفرنسية il m’a donné l’impression
والعرب قالوا بدلا من ذلك «أشعرني وأوهمني… وغير ذلك من التعابير العربية الفصيحة». وها هم كتاب كثيرون يملؤون مؤلفاتهم بالحشو ومنه ما يعرف في علم البلاغة بالتطويل كاستعمال مترادفات لها المعنى نفسه أو معنى متقارب والاستغناء عن إحداها لا يؤثّر في المعنى مثل البعد والنوى، والحزن والشجن، والحظ والنصيب. وها هم روائيون كثيرون يملؤون أعمالهم الروائية بالحوارات العامية والألفاظ الأعجمية التي لا يفهمها إلا القليل في الوطن العربي وهم في غنى عن ذلك… وهذه أدلة أخرى على ما آل إليه الأدب العربي اليوم في غياب الرقابة اللغوية!
يبدو أنه غاب عنه وعن نقاد آخرين بأنَّ المنهج الأدبي ولد من رحم المنهج اللغوي الذي يعدُّ الركيزة الرئيسة التي استند إليها النقاد العرب في بلورة آرائهم النقدية. وغاب عنهم أنّ جلّ الباحثين الأوائل الذين درسوا الشعر العربي كانوا في واقع الأمر علماء لغة قبل أن يكونوا نقاداً أو أدباء!
وحتى النقد المعاصر كان في بداية نشأته في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين يتميز بغلبة الطابع اللغوي عليه. وقد تجلّى ذلك في أعمال ثلاثة من كبار كتاب هذه الحقبة وهم: أحمد فارس الشدياق وإبراهيم اليازجي وحسين المرصفي، فقد عني الشدياق بنقد المعاجم وألّف في ذلك كتابه «الجاسوس على القاموس»، وعني اليازجي بنقد لغة الجرائد وألف في ذلك كتابه «لغة الجرائد» الذي أحصى فيه أخطاء لغوية مختلفة وكشف عن الوجه الصحيح لها. وعني حسين المرصفي في كتابه «الوسيلة الأدبية» بدعوة الأديب للعناية باللغة وقواعدها وضبط مفرداتها.
ولستُ أدري لماذا يخلط هؤلاء النقاد المحدثون بين الضبط اللغوي والنقد، والفرق بينهما شاسع بيّن. فالتصحيح يكون عادة قبل نشر الأعمال الأدبية، يقوم به الكاتب نفسه وهو طبعاً الناقد الأول لأعماله وقد يقوم بذلك مصحّح رفقته أو بدلاً منه. أما بعد النشر فكل دراسة لتلك الأعمال تُعدّ نقداً بما في ذلك كشف الأخطاء النحوية والشوائب اللغوية وما أكثرها في مؤلفات هذا العصر.
وإني أوضح لهؤلاء أنه يحق للناقد أن ينقد أي عمل من الأعمال المنشورة من روايات وأشعار ومعاجم ومقالات صحافية، ويحق له نقد كلّ ما أعدّ في النقد من دراسات ومقالات، ولا عيب في ذلك على الإطلاق.
لقد تراجع النقد اللغوي ليفسح المجال للنقد الأدبي الذي وإن تناول الفكرة والأسلوب معا، إلا أنه أهمل اللغة وشوائب اللغة، ومعلوم أن من شروط الكتابة إتقان اللغة، فاستهان الأدباء بأحكامها وعاثوا فيها فسادا في زمننا هذا أكثر من أي وقت مضى.
وإنّي، لكثرة الأخطاء وفداحتها وما تحمله من أخطار على اللغة والنشء والأجيال المقبلة، أدعو اليوم إلى إعادة بعث النقد اللغوي كمنهج نقدي مستقل أو مكمّل للنقد الأدبي، لإنقاذ أعمالنا الأدبية وحماية لغتنا العربية.

كاتب جزائري ـ بريطانيا

مولود بن زادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الدكتورجمال البدري:

    مقال جديربالاحترام..لما فيه من حرص على لغة الضاد.خاصة وهومن رجل لغة جزائري خضع للثقافة الفرنسية طويلاً..ويقيم في بريطانيا كما أشار.لذلك فهوجدير
    بالالتفاف…والتقدير…إنما هوشخصياً وقع بالخطأ بقوله : ( بل ويدلّ ذلك بلا شك على أنّه في الواقع يفكر بلغة أجنبية ثم يترجم أفكاره إلى العربية ).ولا يوجد في
    اللغة العربية تعبير( بلاشك ) بل الصواب ( من دون شك ).فهذا القرآن الكريم لم
    يستخدم إلا ( من دون ).وجب التنبيه.نعم نؤيد الكاتب بعدم الاهتمام بلغة الروايات
    بل الأخطرانتفاء الصورالبلاغية التي هي أساس الرؤية العربية في الأسلوب اللغوي.
    هذه كتب العمالقة ( طه حسين / العقاد / الزيات / الرافعي ) عمادها الصورالبلاغية.
    لذا ندعولجان الاشراف على اصداروتكريم الروايات العربية ؛ التي هي الآن سيدة المشهد الثقافي المعاصر؛ الاهتمام بالبلاغة العربية بكلّ علومها ( البديع / البيان /
    وعلم المعاني).فمن دون البلاغة ؛ لا تجديد ولا طعم للغة الضاد…بل سيكون الأدب
    من رواية ومقالة وغيرهما مجرد ( كلام جرائد ).مع التقدير.

  2. يقول balli_mohamed:

    اضع صورة من كلمات وأتمنى الا اقع في الخطأ تحت ظل هدا التقرير الأدبي ولاشك اللغة العربية وزن ومكانة وثاريخ قديم وقديم جدا ظلت محافظة على اناقتها ومن جميع الجوانب لامكان لشيء أخر الحرف حرف الكلمة كلمة فا الوردة وردة وقد يكون لها اسم اخر الزهرة زهرة وهي كدالك وقد يكون لها اسم اخرالشجرة شجرة وهي كدالك النخلة نخلة وهي كدالك الطائر طائر وهو كدالك والعصفورعصفور وهو كدا لك البحر بحر وهو كدالك وبااختصار ومثال متواضع نقول الأسد ونقول قسورة فقد يقع الشاعر المخضرم في الخطأ لغويا وكدالك الروائي والقاص والتشكيلي نفسه وان كان هدا الأخير يكتب بريشة الألوان / فاالخطأ ينجم عن الفلسفة الزائدة اما الكاتب المحنك يحرص على الكلمة الصحيحة المختصرة دات معنى وربما جامعة وقد تكون عين من عيون البلاغة وماهي ببعيد هده فقط كلمة بعيدة عن بحر الفلسفة أشكر المنبر

  3. يقول ملاحظ عربي:

    أتوجه بالشكر إلى السيد كاتب المقال وأشدّ على يده لأنه شخّص مشكلا مستفحلا في أيامنا هذه!

  4. يقول أحمد وليد - طرابلس ليبيا:

    أثمّن ما جاء في المقال بشكل عام وأثمن الإهتمام باللغة العربية والحرص على أن تكتب بحسب قواعدها الصحيحة، وهذا ما توخّاه صاحب المقال، وأتوجه له بالشكر. وأرى أن تصحيح أخطاء الآخرين يحمل من الإيجابية الشيء الكثير وليس المقصود هو محاولة الإنقاص من شأنهم

إشترك في قائمتنا البريدية