عملت للمشردين واللاجئين والمنكوبين، وخُلّد اسمها في كتاب: نوال المغربية ملاك السوريين

حجم الخط
0

باريس ـ «القدس العربي»: من كان على مقربة من البحر، نعني بحر اللاجئين السوريين، لا بد أنه سمع باسم نوال، سواء كان على متن قارب متهالك بدأ بالغرق منذ لحظة انطلاقه، أو على اليابسة في انتظار وصول عزيز إلى بر الأمان.
نوال كان الاسم المتداول على ألسنة اللاجئين: «تحدثوا إلى نوال، أخبروها أننا نغرق»، أو «اسألوها عن حال المركب، متى يصل، كم عدد اللاجئين، الخ».
بدأت نوال الصوفي، الشابة المغربية المقيمة مع عائلتها في إيطاليا، عملها مع المشردين واللاجئين مبكراً، قبل أن تكون على موعد مع اللاجئين السوريين عبر البحر في السنوات الأخيرة، لتصبح هي ملاكهم الحارس، حتى أن كتاباً صدر أخيراً بعنوان «نوال، ملاك اللاجئين».
لم يعد التائهون يسألون عن النجوم والكواكب واتجاه الرياح، لتحديد وجهتهم، بل عن اسم لم يرد في علوم الطوبوغرافيا، كان اسم نوال وحده اتجاهاً كافياً للنجاة.
هاتف لا يكفّ عن الرنين، وبنت لا تقوى على النوم، كيف تنام، هي التي تتعلق بأهدابها مراكب وحيوات ومنتظرون في أرجاء الأرض.
الهاتف الوحيد الذي قد تتجاهله هو هاتف أمها التي تلوح بمنديلها هي الأخرى، فالبنت المغربية عليها أن تأخذ إحداثيات المركب، بعد أن تعلّم الغرقى كيف يحددون موقعهم، ثم عليها أن تبلغ خفر السواحل، وتستقبل اللاجئين على الشاطئ، وتجيب على أسئلة الأهالي المنتظرين لأبنائهم، وصولاً إلى إجراءات تأمين اكتمال وصول الناجين إلى أوروبا، وإعاقة عمل المهربين وتجار العملات، وأخيراً تتدبر حماية نفسها من هؤلاء الذين سيلفقون لها اتهامات بالمساعدة في الهجرة السرية انتقاماً لتعطيل أعمالهم في النصب والاحتيال.
لا تميز نوال بين هويات المهاجرين، لقد عملت في مساعدة المشردين الإيطاليين والمغاربة في البداية، ثم خرجت في تظاهرات التضامن مع الفلسطينيين، غير أنها اهتدت منذ بدايات الثورة السورية إلى كارثة القرن، فصارت هي شاغلها الأول، إلى حد أنها غامرت في السفر إلى حلب المشتعلة لإيصال شحنة أدوية للمحتاجين. باتت أخيراً تتحدث لهجة أهل الشام كي يتمكن المستغيثون من فهمها. في كل زمان هناك نوال ما، يستحيل أن تخلو الحياة.
منذ بداية كارثة النزوح السوري كان بعضنا يتذكر صاحب فندق رواندا، كما وثقه فيلم يحمل عنوان «فندق رواندا».
راح الرجل، رغم أنه ينتمي إلى الأقلية المسيطرة، يقدم ما لديه من أموال، ومشروبات فاخرة، وسجائر الهافانا، كهدايا للجنرالات، من أجل أن يبتعدوا مع أسلحتهم عن الفندق، بل عرّض حياته وأسرته للخطر كي يتمكن من إنقاذ مئات المهددين بالذبح بالسواطير.
لكن هناك حكاية أخرى، هي حكاية «قائمة شندلر» التي جرى توثيقها في فيلم هائل من إخراج ستيفن سبيلبيرغ، حيث الصناعيّ أوسكار شندلر يبذل أمواله من أجل إقناع النازيين الألمان بالاحتفاظ بحياة حوالى 1100 من اليهود، بغاية تشغيل مصنعه.
لكن يصعب أن يمنع المرء نفسه من تذكر نموذج مضاد، فرغم أنه معتقل سوري سابق، ومشتغل في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، لم يتوقف ذلك السوري عن الشماتة بالغرقى السوريين عبر البحر واصفاً إياهم بأقذع الشتائم.
بين هذين النموذجين، من ينتمي إلى قضية إنسانية ويعرض حياته للخطر بسببها، ونموذج يتنكر لقضية يفترض أنها قضيته ويقف إلى جانب القاتل، هل هناك من يقول إن التفريق بين النموذجين هو نوع من محاكم التفتيش؟ ألا ينبغي أن يُصنع تمثال للنبيل الشجاع، أمثال المغربية نوال الصوفي، وأن يقال للآخر إنه نذل عديم الضمير؟

راشد عيسى

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية