الناصرة ـ «القدس العربي»: بعد سحب الطلب الفلسطيني لطردها من الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا تنفست إسرائيل الصعداء لا سيما أنها تدرك قوة مثل هذه الضربة لها ولمكانتها في العالم كونها كرة ثلج متدحرجة تدفعها نحو تعميق عزلتها ونزع شرعيتها. ولذا ورغم إبداء مشاعر الارتياح من قرار اللواء جبريل الرجوب رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطينية، تحذر أوساط غير رسمية في إسرائيل من نتائج المبادرة الفلسطينية في « الفيفا « وتبعاتها السلبية على الوعي العالمي بعد تسليط الضوء القوي على الاحتلال وتذكير العالم به. واليوم تخشى هذه الأوساط من تزايد مقاطعة إسرائيل في العالم في مجالات الاقتصاد، والثقافة والجامعات ومن نزع شرعية وجودها لا ممارساتها أو انتقاد احتلالها واستيطانها فحسب. وتبدي هذه الأوساط قلقا من الحراك الفعال والمتزايد لحملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي باتت تعرف عالميا بـ «بي دي إس». لكن هذا مرهون بموقف فلسطيني رسمي واضح ومثابر فهو أحيانا يقدم « الفرج الفلسطيني « لإسرائيل. ومما يزيد القلق ما يجري في الولايات المتحدة حيث قررت شبكة «أوليمبيا» الانضمام لـ «بي دي إس» ومقاطعة منتوجات إسرائيلية.
انطباع مضلل
ويزداد القلق من اتساع الظاهرة رغم أن محاكم أمريكية وفرنسية اعتبرت مقاطعة منتوجات إسرائيل «جريمة كراهية». وفي ولاية إيلينوي تم قبل أسبوعين تشريع قانون يحظر الاستثمار في شركات تتساوق مع حملة مقاطعة إسرائيل. لكن الباحث والمعلق الإسرائيلي بن درور يميني يحذر من أن الأحكام أو الانتصارات القضائية في الغرب ضد مقاطعة إسرائيل من شأنها أن تخلق انطباعا مضللا لأن الـ «بي دي إس» تحقق انتصارات مهمة في المعركة على الوعي.
وعن عدم نجاح هذه الحملة في التأثير الجدي على الاقتصاد الإسرائيلي حتى الآن، يقول بن درور يميني في مقال نشرته «يديعوت أحرونوت» أمس إن ذلك أمر مؤقت ولا يستبعد وقوع أضرار اقتصادية كبيرة قريبا وإن المعركة تدور بالأساس على الوعي لا على الناحية المالية.
ولذا التقى رؤساء الجامعات والكليات الإسرائيلية بالرئيس الإسرائيلي ريئوفين ريفلين، في مكتبه، وعرضوا عليه معطيات تشير إلى تنامي مقاطعة إسرائيل أكاديميا، وحذروا من أن الحديث يدور عن كارثة. وقال رؤساء الجامعات إنه ينبغي إيلاء الموضوع أهمية قصوى ووضعه على رأس سلم الاهتمامات، لأنه إذا تعرضت الأكاديميا الإسرائيلية للمقاطعة الكاملة سيشكل ذلك كارثة اقتصادية وعلمية. وحذروا من أن الجامعات الإسرائيلية تواجه خطرا، لكن هناك إمكانية لوقف «كرة الثلج». وأوضحوا في لقائهم أن الباحثين الإسرائيليين لا يُرقّون، ومجلات الأبحاث ترفض نشر أبحاثهم، ويرفض محاضرون المشاركة في مؤتمرات إسرائيلية، وترفض شركات دولية التعاون مع باحثين إسرائيليين. كما تحدثوا عن المظاهرات التي تجتاح الجامعات في الولايات المتحدة وأوروبا وحملات تقودها منظمات طلابية لمقاطعة الأكاديميا الإسرائيلية.
وقالو إنه في السنتين الأخيرتين، اتخذت العديد من المؤسسات الأكاديمية قرارات بمقاطعة إسرائيل، بينها جمعية دراسات الشرق الأوسط البريطانية وجمعية باحثي الأنثربولوجيا الأمريكية ومنظمات طلابية وأساتذة جامعات في كاليفورنيا وكندا، جمعية دراسات أميركا، جمعية دراسات أميركا- آسيا، ومنظمات معلمين إيرلندية.
يكسرون الصمت
بن يميني المهتم بهذا المجال يشير إلى أن إسرائيل في ذروة واحدة من الهجمات المنهجية جدا ضد وجودها. وينتقد مشاركة منظمات حقوقية إسرائيلية بحملات المقاطعة مثل منظمة «يكسرون الصمت» التي فضحت الشهر الماضي جرائم جيش الاحتلال في غزة عدة مرات.
وتستعد «يكسرون الصمت» لتنظيم معرض في سويسرا قريبا مما يثير جنون وزارة الخارجية التي هددت أمس بملاحقتها قضائيا. ويضيف بن يميني « هذه ليست انتقادات بل عمليات شيطنة لإسرائيل. فعندما يقول بيتر باينرط يهودي من قادة اليسار الأمريكي إن إسرائيل ارتكبت مذابح بحق الفلسطينيين فهذا ليس نقدا بل فرية دم، كما سبقه القاضي اليهودي ريتشارد غولدستون في تقريره «القنبلة الدعائية» بعد حرب «الرصاص المصبوب» (على غزة 2008-2009) والقائمة طويلة». ويؤكد أن حملة «بي دي إس» تحقق نجاحا باهرا لأنها تتحدث للعالم بخطاب حقوقي لكنها تنشغل بالواقع بنزع حق إسرائيل بالوجود معتبرا ذلك «غشا واحتيالا» ينطليان على أشخاص طيبين وساذجين. ويشير إلى أن إنهاء الاحتلال للأرض الفلسطينية هو المرحلة الأولى بالطريق لتحقيق حلم تفكيك إسرائيل. ويشكو اليمين الإسرائيلي من انضمام شخصيات يهودية في العالم لحملات المقاطعة بدلا من النشاط ضد إيران، كوريا الشمالية أو السودان.
كما تستخدم إسرائيل الرسمية الذخيرة الدعائية التقليدية ضد «بي دي إس» أيضا فتتهمها بمعاداة السامية. وتشير وزارة خارجيتها على سبيل المثال لروجر ووترز نجم فرقة «بينك فلويد» الذي يتحدث عن سيطرة اليهود على هوليوود وسط مقاربة مع النازية.
الألعاب الأوليمبية
ويعتقد المؤرخ المعادي للصهيونية د. إيلان بابه أن حملة المقاطعة التي يؤيدها تقوم على المفهوم بأن إسرائيل تجسد خطيئتين بتأسيسها وبوجودها وانتهاكاتها بحق الفلسطينيين. ويتوقع أن تتكرر تجربة الشكوى الفلسطينية في «الفيفا» في الشهورالمقبلة، مشيرا لإمكانية التغلب على إسرائيل في الساحة الإعلامية.
وينتقد يميني عدم استعداد إسرائيل لحملات مقاطعة وعزل توشك على الانطلاق منها، مبادرة محتملة لطرد إسرائيل من الألعاب الأوليمبية في البرازيل في السنة القادمة. ويشير إلى خطورة تجزئة صلاحيات وزارة الخارجية بين ست وزارات بدوافع سياسية محلية لإرضاء وزراء ضمن اتفاق الائتلاف الحاكم.
واستعرضت إذاعة جيش الاحتلال قائمة الأحداث والمجالات التي تدلل على خطورة نشاط الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل ومنها إلغاء معرض «تل أبيب مدينة بيضاء» في دول أوروبا، وانخفاض كمية الخضار المستوردة من غور الأردن بعشرات النسب المئوية فيها. كما أشارت لدعوة اتحاد الصحافيين الدوليين لمقاطعة منتوجات إسرائيل وفرض عقوبات عليها، وإلى عرائض وقعها مئات الأكاديميين في جامعات غربية تدعو لمقاطعة إسرائيل. وكذلك مقاطعة 700 فنان من كبار الفنانين في بريطانيا، حتى انتهاء الاضطهاد الاستعماري للفلسطينيين. كذلك مقاطعة اتحاد العمال في إيرلندا لمنتوجات إسرائيل وتحاشي وزراء جنوب إفريقيا زيارة إسرائيل ومقاطعة المعلمين والباحثين في جامعات كاليفورنيا.
الاعتداءات اللاسامية
وكانت الجمعية ضد التحريض الموالية لإسرائيل (ADL) قد أشارت أمس إلى ارتفاع كبير بعدد وقوة «الاعتداءات اللاسامية» داخل الجامعات الأمريكية (530 اعتداء) علاوة على 29 مبادرة داخل هذه الجامعات لمقاطعة إسرائيل. وقالت إن طلابا أمريكيين يهودا يضطرون لحجب هويتهم بسبب الخوف من الاعتداء عليهم.
في المقابل يشار إلى أن أوساطا من الطلاب اليهود في الولايات المتحدة ينشطون ضد إسرائيل ويوجهون لها انتقادات. على خلفية كل ذلك استنكر رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين مبادرات مقاطعة إسرائيل داعيا «العالم الأكاديمي» لاجتثاث محاولات «تسييس» العلم.
وكشف ريفلين في لقائه مع رؤساء الجامعات أنه تحدث مع عدد من رؤساء العالم في هذا الخصوص. وأضاف «لم أكن أعتقد أن الأكاديميا الإسرائيلية ستتعرض لخطر حقيقي، لكن الأجواء في العالم متغيرة وتخلق وضعا ينطوي على خطر استراتيجي وأنا أيضا جندي في مواجهته». وكان رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو قد تطرق للتهديدات المذكورة وهاجم خلال جلسة الحكومة الأخيرة محاولات «شيطنة إسرائيل» في العالم. وتابع نتنياهو متنكرا لما تصنعه إسرائيل بيديها «الأمر الأخير الذي نحتاجه هو أن نطأطىء رأسنا. والسؤال أين أخطأنا. نحن لم نخطئ. لسنا دولة كاملة الأوصاف ولن نطمع أن نكون كذلك. ولكن يطلب منا هذا ويفرضون علينا معايير عالية ومشوهة أكثر من أي دولة أخرى». ورجح أن تستمر محاولات المقاطعة، وقال «إن إسرائيل ستضطر للتحرك على جبهة واسعة لمناهضة المقاطعين».
وديع عواودة
عندما يقرر أي شعب أن يستخدم الوسائل المتاحة وقتيا للنضال دونما تناحر أو تبادل اتهامات وتبادل انقلابات وتبادل اعتقالات وعدم رهن الموضوع بدولة خارجية أو تنظيم عالمي وغيره، يمكن عندها لهذا الشعب أن ينتصر. والشعب الفلسطيني من أقدر الشعوب على الانتصار إذا أوقفنا مهزلة الانقسام ولم نكابر بأن السلاح فقط هو الحل ونحن نفاوض من تحت الكرسي وليس الطاولة وكل همنا معبر رفح ونسيوا القدس وكل همهم الآن ميناء غزة. بدون نفاق كل شيء ممكن.