لم يكن ممكنا ان نخطئ في الجو الذي غلف يوم الاستقلال: إنه الرضى. فدولة اسرائيل ترى نفسها قوية وزاهرة وذات بقاء. وان 90 في المائة من اليهود ونحو من نصف غير اليهود فيها يفخرون بأنهم اسرائيليون. ويشعر أكثرهم بأن وضع دولتهم أفضل مما كان. ويُعرف أكثرهم أنفسهم بأنهم سُعداء. ويتبين أنه تفشى في السنوات الاخيرة في اسرائيل شعور خفي وهو ان الحال هنا ليست سيئة كثيرا في الحقيقة وان هناك سببا للفخر في الحقيقة. وأنه ربما لم تفشل الصهيونية تماما وربما لا تكون دولة اليهود ضائعة تماما وربما يوجد أمل. تُفسر خمس ظواهر جديدة الرضى الجديد. إن جعل قطاع غزة وراء جدار ردع وهدوء والهدوء الذي لم يسبق له مثيل في الضفة الغربية يُحدثان وهم أن المشكلة الفلسطينية ليست مشكلة حقيقية. والشرق الاوسط الجديد الذي طرح مؤقتا تهديد الحرب وتحدي السلام، يُخرج العالم العربي الى خارج مجال الرؤية. والاقتصاد الجديد للهاي تيك والغاز والنمو المرتفع تعِد كثيرين بأن اسرائيل على الفرس وبأنها تنطلق الى أفق وفرة. إن السياسة الجديدة لاخوة الفيس بوك التي أحدثت تغييرا في الحكومة والكنيست تثير في البرجوازية توقع ان يتم كف جماح الأقليات غير الصهيونية وأن يكون من الممكن جعل اسرائيل تخطو الى مستقبل صهيوني عام. وقد ختم براك اوباما الجديد الذي أتم زيارة مؤثرة التطورات الجديدة بعمل حب جديد ضمن ان الاسرائيليين ليسوا وحدهم. لكن وراء هذه الظواهر، يُفسر المزاج العام المتفائل فقدان حدة . كانت اسرائيل منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي تحت هجوم شديد لمعتنقي . وقد تمتع هؤلاء نحوا من عشرين سنة بهالة من تُسايرهم روح العصر، وكلما زعموا أننا قبيحون كانوا جميلين. وكلما برهنوا على أننا نحن الشر كانوا هم الخير. وكلما حوّلونا الى جنوب افريقية جعلوا أنفسهم نلسون مانديلا. إن هجوم معتنقي المنهجي على الوطن القومي اليهودي وعلى الحركة القومية اليهودية وعلى الشعب اليهودي منحهم هالة عالمية. وتعاونهم غير المعلوم مع معادي السامية القدماء ومعادي السامية الجدد جعلهم أعزاء على الاكاديمية الدولية ووسائل الاعلام الدولية. وبرغم أن أفكارهم دارت في حلقات نخبوية ضيقة كان صدى هذه الافكار عظيما. وفي العقود الأخيرة ائتلف الجديد مع معاداة الصهيونية القديمة وهددا بجعل الصهيونية حركة غير شرعية وبجعل المشروع الصهيوني مشروعا منبوذا. بيد أنه حينما تحولت حركة تحرير الشعب الفلسطيني الى حركة فاشية دينية تحلق رؤوس فتيان يبحثون عن الحرية في غزة، يتبين أنه كان يوجد شيء ناقص في صورة الواقع التي رسمها معتنقو . وحينما تذبح الحركة القومية العربية 70 ألفا من أبناء شعبها في سوريا يتضح لكل ليبرالي نزيه أن ليست اسرائيل هي مصدر الشر في الشرق الاوسط. وحينما تنهار الحداثة العربية وتتلاشى العلمانية العربية، تُرى الصهيونية فجأة نجما لامعا. هل يوجد مكان للمقارنة بين الظلم الكامن في الوكالة اليهودية والكيرن كييمت وبين تطرف حماس وفتك حزب البعث؟ وهل يوجد شبه بين الوضع (الذي لا يُطاق) لعرب الناصرة ووضع عرب حمص؟ يطلع الامريكيون والاوروبيون والعرب والاسرائيليون الآن ـ سواء اعترفوا بذلك أم لا ـ على الفرق الكبير بين الأبعاد (الانسانية) لعدم العدل الاسرائيلي وبين الضخامة (غير الانسانية) للقسوة من حولها. ويفتح هذا الفرق عينيه ويُفسر طائفة من الاعمال التي اضطررنا الى ان نفعلها وعظم الانجاز الذي أحرزناه. ويحول لتصبح قديمة ويُفسر الشعور العميق بالفخر الذي شعرنا به في يوم الاستقلال ويحدد التحدي الذي يواجهنا في السنة الـ 66.