وأخيرا عاد المهاجر إلى أرض الوطن

حجم الخط
0

عمان ـ ‘القدس العربي’ ـ من سميرة عوض: دعا باحثون إلى أهمية تأسيس مركز ثقافي باسم عقيل أبو الشعر، يعنى بالبحث عن نتاجه الإبداعي المتنوع، فضلا عن الدعوة للتعامل مع تراثه الإبداعي بشكل مؤسسي على مستوى الدولة الأردنية، كما تمت الدعوة لاستحداث ‘كرسي عقيل أبو الشعر’ في إحدى الجامعات الأردنية، جاء ذلك في ندوة نظمها مركز ‘الرأي’ للدراسات بعنوان ‘عقيل أبو الشعر والتأصيل لفن الرواية’، مؤخرا، بمشاركة الباحثة د.هند أبو الشعر (عقيل أبو الشعر المهاجر الذي عاد)، المترجمة والناقدة الدكتورة منتهى الحراحشة (التأصيل لفن الرواية عند عقيل أبو الشعر)، الدكتور وائل الربضي (تداخل اللغات والثقافات في رواية ‘الانتقام’)، المترجم الدكتور عدنان كاظم (البراعة اللغوية عند عقيل أبو الشعر في روايتَي ‘القدس حرة’ و’إرادة الله’)، بالإضافة إلى مداخلة للشاعر وزير الثقافة الأسبق جريس سماوي أدار الندوة سكرتير التحرير في مركز ‘الرأي’ للدراسات القاص جعفر العقيلي.

جريس سماوي: كشف تراث هذه القامة الأردنية
من جهته قال الشاعر جريس سماوي وزير الثقافة الأسبق، ‘كنا نتلمس معلومات غامضة وغير واضحة تنشر في الصحف هنا وهناك، حول شخضية أردنية، هاجرت في بدايات القرن العشرين، وكان معظم هذه المعلومات من الباحثة والمؤرخة الدكتورة هند أبو الشعر’.
وأضاف: عندما توليت الوزارة حضرت الدكتورة هند، وفاجأتني بأنها حصلت على نسخة من إحدى روايات عقيل أبو الشعر من المكتبة الوطنية الفرنسية، وهي ‘القدس حرة’، فأخذت قرارا على الفور بترجمتها من الاسبانية إلى العربية، وهو ما تم، وهكذا ترجمت الرواية ونشرت.
بعد ذلك شاركت بمؤتمر حول العلاقات اللاتينية العربية أقيم في جمهورية الدومينيكان/ كولومبيا في أمريكا الجنوبية، وكانت الجلسة الأولى برئاسة رئيس جمهورية الدومينيكان، وقدمت خلالها مداخلة عن العلاقات اللاتينية العربية، وانتهزت الفرصة في نهاية المداخلة، لأعرج على سيرة مبدعنا عقيل أبو الشعر، الذي تؤكد المصادر هجرته إلى جمهورية الدومينيكان، فذكرت في مداخلتي أن هناك مهاجرا أردنيا إلى جمهورية الدومينيكان أصبح ذا شان هناك، وبعد نهاية الجلسة ناداني رئيس جمهورية الدومينيكان، واستفسر عن الموضوع، وربطني مع مستشاره السيد برناردو، فتبادلنا الرسائل، وبعد ذلك ربطت بينه وبين الدكتورة هند أبو الشعر، وتبين أن عقيل أبو الشعر غير اسمه هناك، وصار يعرف باسم (اشيل نمر)، وبعث لي المستشار برناردو رسالة ضمنها مقالا لأحد الكتاب المحليين هناك، يستذكر فيها الحركة الثقافية، ويذكر فيها (اشيل نمر/ عقيل أبو الشعر). ومع تواصل البحث، تم العثور على ثلاث روايات لعقيل أبو الشعر، تمت ترجمة روايتين منهما.
كما دعا سماوي لتأسيس مركز ثقافي يحمل اسم عقيل ابو الشعر، ليكون بمثابة نقطة التقاء بين الثقافتين العربية واللاتينية، مؤكدا أن هذا ما سيقترحه على المؤتمر القادم. مؤكدا على أهمية الكشف عن الجانب الموسيقي في تراث أبو الشعر، وزاد ‘لو بقيت وزيرا للثقافة لشكلت فريقا يضم ثلاثة باحثين، برئاسة الدكتورة هند أبو الشعر، وأرسلتهم إلى الدومينيكان بهدف كشف النقاب عن كل تراث هذه القامة الأردنية.
واختتم سماوي بقوله ‘نحن اهدينا إلى العالم والإنسانية المبدع عقيل أبو الشعر، كما أهدى أسلافنا الكثير من المعارف إلى العالم’. مشيرا الى أن أول رواية كتبها عقيل أبو الشعر ‘الفتاة الأرمنية بقصر يلدز’، التي هرب على أثرها، من الحكم التركي طبعت العام 1912، وهو ما يذكرنا بأن رواية ‘زينب’ لهيكل طبعت العام 1907، وهذا يعني أن لعقيل جانبا من الريادة.

د.هند أبو الشعر: أسلم تراث العبقري الغائب للوطن
وفي ورقة بحثية مطولة جدا، عنوانها ‘…’، استهلتها الدكتورة هند أبو الشعر بالقول ‘أبدأ هذه الورقة التي أسلم من خلالها مسؤولية البحث عن تراث هذا العبقري الغائب للوطن كله’، وكأنها تتخفف من قرن كامل من الغياب ومن الترقب والانتظار، انتقل من جيل إلى جيل، غابت أجيال انتظرته، وولدت أجيال لا تعرفه، وهاجس غياب عقيل وغربته يصاحب عائلته، ويطرح الأسئلة، تقول ‘كان غياب هذا الرجل الغامض يؤرقني ويلاحقني في الوسط الأدبي والأكاديمي، بأسئلة لا أجد عنها جوابا غير بطاقاته الأنيقة التي وجدنا بعضها، كان يرسلها من باريس في فترة الحرب العالمية الأولى إلى أمه المنتظرة، وشقيقه الكبير جدي سليم’.
ولأن الهاجس كبر معها، ومصادر معلوماتها للروايات العائلية غير قابلة للشك، وكان المصدر الوحيد الذي وثق سيرة عقيل الأدبية المرحوم يعقوب العودات في ‘القافلة المنسية’، وما أورده كان أشبه بأسطورة لعبقري مهاجر’.
واستعرضت أبو الشعر الروايات العائلية المحلية عن عقيل، إذ أصبحت هي الآن مصدر المعلومة عن أسرته وحياته قبل هجرته، و’هي مسؤوليتي ككاتبة أولا وموثقة تكتب التاريخ، وتجمعني فيه قرابة الدم والحرف، وأنا على وعي تام بأن ما سأقدمه في هذه الورقة يشكل المصدر المستقبلي لمن سيدرس سيرة هذا المهاجر العبقري الرائد، ولا بد لي من الاعتراف بأن وعيي تفتح على أزمة غيابه وهجرته، وأن هذا الغياب دفعني للاهتمام بموضوع الهجرة والمهاجرين’.
فبدأت من مسقط رأسه الحصن، التي كانت زمن ولادة عقيل قد تحولت من قرية إلى بلدة، وتوثق السجلات العثمانية منذ منتصف القرن التاسع عشر، أن الحصن من القرى الكبيرة التي اجتذبت أهالي بلاد الشام، وتحديدا من جبل لبنان ودمشق وماردين والناصرة وحوران، وهذا يعني أننا نتحدث عن بيئة منفتحة على التعليم والبيئات المجاورة في بلاد الشام، وتحديدا مدن دمشق والناصرة والقدس وجبل لبنان . (وبأن الأهالي يشيدون البيوت الرحبة ويفتحون الدكاكين وأن التجار يأتونها من دمشق وأن مدارسها على قدم النجاح) .
ثم تحدثت عن أسرة عقيل أبو الشعر، التي تعود جذورها إلى بصرى الشام أو (بصرى اسكي شام) حسب التعبير العثماني، ومن المؤكد أن عقيلا كان قد هاجر مع قدوم أبناء شقيقه للدراسة في القدس، وكان عقيل يزور عائلته وهو يدرس علوم الكهنوت في مدرسة الساليزيان، لكن هذه الزيارات كما هو معروف محدودة بزمن، وكان عقيل يعزف على الكمان، وكان تعليم الموسيقى في المدارس معروفا آنذاك، خاصة في مدارس الطوائف لأغراض دينية.
وأشارت أبو الشعر إلى أن ‘المرحلة الضائعة من حياة عقيل هي فترة مغادرته للقدس إلى ايطاليا، مبعوثا من قبل دير الفرنسيسكان لدراسة اللاهوت والفلسفة والموسيقى’. فيما ‘المرحلة الموثقة لدينا تبدأ بإقامة عقيل بباريس مع الحرب العالمية الأولى، لكنه قبل الحرب تم تهريبه من وجه السلطة بعد نشر روايته ‘الفتاة الأرمنية بقصر يلدز’، ومن المؤكد أنه كان عضوا في جمعية ‘ من أجل فلسطين ‘ في باريس، في شارع ستراسبورغ وهو شارع الصحافة، وكانت بطاقاته تحمل هذا العنوان، كما أن الإشارة إلى هذه الجمعية ورد على الغلاف الداخلي لروايته ‘القدس حرة ‘، وهذا يعزز ما وصلنا عن نشاطه السياسي مع أحرار العرب في باريس.
من المؤكد أن عقيلا وصل أثناء الحرب العالمية الأولى إلى القدس، وكان عندها صحافيا يعمل مراسلا لصحف غربية، وهو ما وثقه في روايته ‘القدس حرة’ التي نشرتها وزارة الثقافة مترجمة عن الاسبانية في أيار/مايو عام 2012، وتأكيدا لهذه الحادثة فقد عثرت على مفكرة لجدي سليم تعود إلى سنة 1913 وقد سجل فيها ملحوظات متتابعة لم يذكر تاريخها، يشير فيها إلى دهشته وهو ينزل في ‘لوكاندة الشرق ‘ في القدس عندما وجد شقيقه عقيلا وقد وصل القدس ونزل فيها.
وبينت أبو الشعر أن ‘آخر ما وصلنا عن سفر عقيل، ما سمعته مرارا من جدي غازي وهو ابن شقيقه، روي لي أنه وهو ابن أحد عشر عاما، ذهب مع جدته إلى حيفا، لرؤية عقيل الذي أرسل لأمه رسالة يبدي رغبته بوداعها قبل هجرته’، مرجحة أن ‘زمن هذه الحادثة كان عام 1912 لأن جدي من مواليد عام 1900، ويبدو أن عدم ذهاب عقيل إلى الحصن كان لأسباب أمنية بعد نشره لروايته ‘الفتاة الأرمنية في قصر يلدز’، وبالمناسبة فقد عثرت على دليل ربما يقودنا في زمن قريب إلى هذه الرواية، وهي بالتأكيد منشورة عام 1912’.

عقيل كما أراه

وأبو الشعر التي كتبت ثلاث مقدمات للروايات الثلاث التي ترجمت ونشرت لعقيل، قدمت من خلالها قراءاتها للروايات ولزمن عقيل توقفت عند مفاصل مهمة، أولها: في رواية ‘القدس حرة / نهله غصن الزيتون’ وجدت أن (مفتاح شخصية عقيل هو كره الاضطهاد، والدعوة إلى الحرية تحت أي سماء وفي أي مكان، كره عقيل الظلم العثماني وحاربه، وكره الظلم البريطاني وندد به وحاربه بقلمه في الصحافة والأدب، وكره احتلال الأمريكان لجمهورية الدومينيكان وجاهر بطلب حريتها من رأس الدولة علنا في باريس في بهو قصر فرساي، هذا الرجل يحمل في أعماقه العشق العظيم للحرية، وهذا هو مفتاح شخصيته).
ومن المفاصل الرئيسة للرواية موضوع الهجرة الصهيونية وتهويد القدس، حيث يصل الراوي الصحافي ‘حربا الأردني’ إلى القدس، مندوبا عن صحيفتين غربيتين لتغطية وصول أربع عشرة سفينة محملة بالمهاجرين إلى ميناء يافا، فيذهب من القدس إلى يافا لتغطية الحدث، ويصف طوربيدات الإنكليز التي تحميهم وتتبعهم وهم ينتقلون بالقطار من يافا إلى القدس ويحتلون المقاعد والفنادق ويزاحمون الأهالي، وقد أصر عقيل وهو ينقل هذه الأحداث بعين الصحافي والروائي أيضا، على تقديم صورة بشعة لكل عناصر الاحتلال’.
أما الرواية الثالثة لعقيل، التي وصلتنا بالفرنسية فتحمل عنوان ‘انتقام الأب كريستوبال’ وعنوان مصغر ‘مأخوذة عن يوميات مهاجر فرنسي إلى سان دومانج’ وهي منشورة في مرسيليا بفرنسا، حيث كان عقيل قنصلا لجمهورية الدومينيكان، ومرسيليا هي محطة المهاجرين العرب إلى الأمريكيتين، وقد أهدى عقيل الرواية لرئيس جمهورية الدومينيكان، ويبدو بوضوح أن هذه الرواية تحمل النضج الفني لرواية مكتملة في عناصرها الفنية، وربما كانت السيرة الذاتية لعقيل نفسه، وهو بالتأكيد السيد بيرنار الذي هاجر من فرنسا إلى الدومينيكان… إنها رواية فيها من العمق في الطرح والتعبير أكثر مما نتصور لرواية كتبت في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين’.
كما ‘أبرزت الرواية حاضر جمهورية الدومينيكان والصراع الدائر بين السياسي والديني، ويبدو من الرواية تأثير الثقافة الفرنسية عند النخبة من أهالي الجزيرة، وتستوقف الرواية القارئ الذي يجد فيها حالة نادرة من النسيج الاجتماعي المتعدد والمتين ما بين أصول السكان من أهالي هاييتي ومن الأصول الهندية ومن المهاجرين الفرنسيين وبقايا الحكام من الاسبان، وكلها تختصر تاريخ الجمهورية التي مرت عليها عهود السلطة الاسبانية والهاييتية والأمريكية والفرنسية’.

حراحشة: الفن الروائي عند عقيل أبو الشعر

الباحثة الدكتورة نهى حراحشة قدمت ورقة استعرضت فيها الرواية العربية في مرحلة البدايات، ورغم اختلاف الآراء حول نشأة الرواية العربية، إلا أنها متأثرة بالرواية الغربية التي ولدت في مرحلة البدايات من رحم الثورة الصناعية/ البرجوازية التي قامت ضد الإقطاع، فأحدثت هذه الثورة تغيرات جذرية في بنية المجتمع الغربي’.
والحديث عن الرواية العربية الحديثة والمعاصرة يتطلب الحديث عن بدايات تأصيلها عند الكتَّاب العرب، فأسسوا لانطلاقة جديدة للرواية العربية في مرحلة البدايات، وآفاق التلقي لهذا الفن الروائي الجديد، مثل رواية: ‘الفتاة الأرمنية في قصر يلدز’ 1912 للكاتب الأردني عقيل أبو الشعر، مبينة ‘أثر الحروب في تشكيل فكر عقيل أبو الشعر’، حيث أسهمت طبيعة المنطقة، والأزمات السياسية والمنازعات التي اجتاحت العالم العربي، في تشكيل شخصية الكاتب عقيل وصقلها، فقد ولد الكاتب والمناضل السياسي في ‘الحصن’ إحدى القرى الأردنية، ثمَّ توجَّه إلى القدس لدراسة الكهنوت، فتعلم الفلسفة واللاهوت، وأتقن لغات عديدة مثل: اللغة اللاتينية والفرنسية والإسبانية والتركية والروسية والإنكليزية واليونانية، وقد أسهمت هذه اللغات في تشكيل فكر الكاتب وصقل ثقافته، وفتح آفاق المعرفة عنده، وتنمية قدرته الإبداعية’.
وترى حراحشة أن ‘الكتابة التأسيسية للرواية عند الكاتب الأردني المهاجرعقيل أبو الشعر، مرحلة تأسيس الرواية الأردنية من بلاد المهجر، متمثلة في مضامينها وأساليبها وتقنياتها، فهي نموذج للرواية العربية المتقدمة في مرحلة التأسيس. وروايات الكاتب لم تحظ باهتمام وعناية الدارسين والنقاد، ولم يؤسس لها في الدراسات النقدية العربية الحديثة؛ لأنها كتبت في بداية القرن العشرين بلغات عديدة، مثل اللغة الفرنسية والإسبانية والإيطالية والإنكليزية، مما جعل الوصول إليها مهمة صعبة، ولاختفاء بعضها بسبب ضعف الترويج، وعدم وجود قنوات من التواصل مع الكاتب’. مشيرة الى أن ‘مسيرة الرواية عند الكاتب من (1912ـ 1936)، وهي مرحلة حافلة في الأحداث الصاخبة، مثل: الاستعمار التركي، والانتداب البريطاني، والهجرة اليهودية إلى فلسطين، وطرد أهلها الأصليين، وسلب أراضيهم، ومرحلة تأسيس إمارة شرق الأردن في عام 1921. وقد أسهم العديد من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والذاتية في تشكيل الوعي الفكري، وهاجس الكتابة الروائية عند الكاتب، فكتب العديد من الروايات تناولت قضايا تمس مصير الإنسان العربي، وسردت تاريخ الاستعمار الطويل في فلسطين والأردن، وتروي قصة الإنسان الفلسطيني ومعاناته، الحقائق المسكوت عنها، وواقع العنف والقسوة التي عاشتها الشخصيات في زمن دموي ممتد’.
كما كتب عقيل العديد من الروايات، مثل رواية ‘المفتونات’، التي لم يعرف منه غير اسمها، وهي منشورة بلغة غير الإسبانية. ثم كتب روايته ‘إرادة الله’ 1917، التي صدرت في عاصمة جمهورية الدومينيكان، وتمت ترجمتها من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية، وهي رواية تاريخية تصور العادات والتقاليد الشرقية، وتسرد واقع الاختلاف الطائفي بين الطوائف المسيحية في فلسطين، وأثر ذلك على تشكيل المجتمع الجديد، وكما تصور واقع الفرق الدينية ‘الدراويش’ في المنطقة، وطرائقها وممارستها وشعاراتها وأنظمتها الداخلية الصارمة، وتكشف القناع عن استبداد السلطة التركية، وممارستها القمعية في المنطقة، وهوس الحكام في حب السلطة وتعذيب الآخرين.
وتلفت حراحشة الى أن الكاتب ‘حوَّل إنتاجه الصحافي بعد عودته إلى باريس إلى عمل روائي، بعنوان ‘القدس حرة نهلة غصن الزيتون’. التي جسدت رؤيته للواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، والكشف عن مسألة الهوية العربية المأزومة في ظل الاستعمار.
أما رواية ‘الانتقام’، فهي تمثل سيرة ذاتية للمهاجر الفرنسي ‘مسيو برنارد’ من مدينة طولون إلى فنزويلا، وتجسد أحداثها مغامراته التي تحدث بعد زيارته لمصلى الخالدين في جمهورية الدومينيكان، وتصور حلقات من الصراع السياسي بين إحدى شخصيات الرواية المحورية رجل الدين السياسي’ الأب كريستوبال’ والجنرال منديس.
ويعمل البطل مسيو برنارد سكرتيراً عند الأب ليدون الأب بمساعدته كتابة تاريخ دولة الدومينيكان في اللغة الفرنسية، فيسرد من خلالها تاريخ الدولة وصراعاتها، وأسر رئيسها، كما تصور العلاقة العاطفية التي تقع بين المهاجر والفتاة بموروكوتا الجميلة، التي تؤثر في شخصية حبيبها وتدفعه إلى حرق الكتاب الذي بحوزته، وهو ‘اعترافات القديس أوغسطين’.
والرواية سيرة ذاتية لكاتبها المهاجر الذي عاش حياة الاغتراب المكاني والنفسي، ولكنه في النهاية يحقق أهدافه، ويكشف للقارئ عن ثقافته وعلمه، وقوة شخصيته في مواجهة التحديات التي عصفت في حياته في الغربة.

كاظم: البراعة اللغوية عند عقيل أبو الشعر

وقال الدكتورعدنان كاظم، كتب عقيل عدة روايات باللغة العربية والإسبانية والفرنسية وربما بالإيطالية، التي للأسف لم نجد حتى الآن سوى ثلاثة منها: ‘إرادة الله’، 1917، ‘القدس حرة’، 1921، و’الانتقام’، 1934، وبقيت ‘الفتاة الأرمنية في قصر يلدز’، ‘نجل، ظل وقيود، حواري وساتير، أساطير نهر الأردن، ماركوتا، والمفتونات’، وهذا ما ثبت وجوده لكن القائمة تبقى مفتوحة. وزاد كاظم ‘حقيقة لا أدري من أين أبدأ بالحديث عن الكاتب عقيل أبو الشعر، فهو يبدو كشخصية أسطورية في جولاته ورحلاته وأعماله وكتاباته واللغات التي يجيدها والشهادات التي حصل عليها والمواقع التي شغلها، وثقافته المتنوعة الواسعة وبراعته اللغوية الفريدة التي اكتسبها خلال مراحل حياته المليئة بالهجرة والترحال والدراسة بين الأردن وفلسطين وفرنسا وإيطاليا وجمهورية الدومينيكان’.
وبخصوص أسلوبه في الكتابة قال ‘طغى الأسلوب الصحافي على أسلوب عقيل، الذي يخلو من الزخرفة والتعقيد، ولكنه يتمتع بمستوى لغوي رفيع، كما أنه تأثر بما شاع في أوروبا في عصر النهضة أبان العصور الوسطى من أساليب أدبية لاتينية وإغريقية استخدمها الكتاب الأوربيون بتضمين كتاباتهم عبارات لاتينية وإغريقية، وهم جيل كان يدعى باللاتينيين أو اللاتينيست نسبة إلى استخدامهم اللغة اللاتينية في كتاباتهم تعبيراً عن عمق ثقافتهم، وقد بدا ذلك واضحاً في روايات عقيل حيث استخدم اللاتينية والفرنسية والإسبانية والإنكليزية’.
وزاد ‘أشعر بالفخر والسعادة كوني أول من ترجم لهذا الكاتب الكبير ونقل اثنين من أهم أعماله إلى اللغة العربية خلال عام واحد لأقدَّمهما إلى القارئ العربي عموماً والأردني خصوصاً، ليطلع على إحدى المواهب الفريدة لهذه الأمة لأننا في وقت أحوج ما نكون فيه لاستشعار عظمة أمتنا من خلال مفكرينا وعلمائنا. لقد بدأت فكرة ترجمتي لأول رواية لعقيل أبو الشعر ‘القدس حرة’ عندما أتتني الزميلة الفاضلة الدكتورة هند بنسخة مصورة من الكتاب المذكور حصلت عليها من المكتبة الوطنية في باريس قبل عامين تقريباً، وطلبت مني أن أقرأها وأوجزها بمحتواها، وفيما إذا كانت تستحق عناء الترجمة إلى اللغة العربية، فكانت لحظات جميلة ألهبت حماسي وحماسها معاً عندما بدأت أقرأ جزءاً منها في كل يوم والتقيها في الجامعة في اليوم التالي لأقص عليها ما قرأت واستمررنا على هذه الحال قرابة الشهر، وكانت كل يوم تنتظرني مع بعض الأحبة بلهفة ليسمعوا جزءاً من أحداث الرواية، وفي النهاية كانت إجابتي على سؤال هل تستحق الترجمة؟ هي نعم وبشدة، وكنت متلهفاً لترجمتها بحيث ما إن تمت الموافقة على الترجمة التي تبنتها وزارة الثقافة مشكورة إلا وانهمكت على ترجمتها من دون هوادة، بحيث أنجزت العمل في فترة وجيزة لا تخطر على بال أحد، حيث أنجزت العمل بشكل كامل في شهر وستة أيام فقط، ثم بدأت حملة البحث الحثيث عن بقية أعمال عقيل بكل الوسائل المتاحة وبعد جهود مضنية حصلنا على نسخة مصورة من كتاب ‘إرادة الله’ الذي كان بنسخة وحيدة في مكتبة رئيس جمهورية الدومينيكان الأسبق خواكين بلاغير، التي أحيلت بعد وفاته كإرث وطني إلى مكتبة الجامعة الوطنية في سانتو دومينغو، كما تم الحصول على نسخة من كتاب ‘الانتقام’ بالفرنسية بجهود الزميل العزيز الدكتور وائل الربضي، الذي قام بدوره بترجمته إلى العربية’.
ووجه الدكتور عدنان كاظم الشكر الجزيل لمركز دراسات الرأي على تنظيمه لهذه الندوة عن أحد أهم وأقدم كتاب الرواية العرب، وللدكتورة هند أبو الشعر صاحبة المبادرة الأولى في طرح مشروع إحياء تراث عقيل أبو الشعر، الذي ظل مغموراً على مدى قرن من الزمن، ولوزارة الثقافة على تبنيها هذا المشروع المهم، وخص بالذكر الشاعر جريس سماوي وزير الثقافة الأسبق صاحب الفضل الأول في تبني هذا المشروع، وخلفه الدكتور صلاح جرار الذي واصل تبنيه ودعمه للمشروع.

الربضي: تداخل اللغات والثقافات في رواية ‘الانتقام’

وتحدث الدكتور وائل الربضي عن (تداخل اللغات والثقافات في رواية ‘الانتقام’)، معبرا عن شكره للدكتورة هند أبو الشعر التي أشركته في هذا المشروع العظيم، معبرا عن ‘أشعر بالكثير من الفخر والاعتزاز لمشاركتي في تقديم كاتب أردني طافت أعماله أنحاء المعمورة، وفرحي لترجمة هذه الرواية إلى العربية وتقديمها إلى القارئ الأردني.. فهذا المشروع بالنسبة لي ليس كغيره من المشاريع، وأعتبره إنجازاً تاريخياُ سيدخل بفضله جميع المشاركين فيه تاريخ الثقافة، ومن أوسع أبوابها’.
وبين الربضي: ‘بعد قراءتي لرواية الانتقام ولمرات متتالية قبل الشروع في ترجمتها، اكتشفت بأن هذا الكاتب الأردني يمتلك موهبة فنية وروائية رائعة تستحق مني أن أبذل جهداً لكي أنقلها إلى العربية، فهي تبشر بمنحى جديد لرواية جديدة في زمن مبكر حتى على صعيد الرواية العالمية، ذلك أن أبطال رواية الانتقام ليسوا بالأبطال المتعارف عليهم في الروايات الكلاسيكية، كما أن الشكل فيها متميز. وقد قسّم روايته إلى 25 فصلا، وكل فصل منها يحمل عنوانا يعبر عن الأحداث الرئيسة. وبنيت الأحداث، حول حبكة بسيطة تتكون من شقين: صراع سياسي وقصة غرامية لطيفة بين مهاجر فرنسي شاب إلى جمهورية الدومينيكان وشابة دومينيكانية جميلة وذكية ومثقفة، في حين أن الحبكة الرئيسة تدور على الصراع السياسي الكبير بين رجل الدين المتنفذ، الذي يمتهن السياسة وهو الشخصية الرئيسة في الرواية واسمه الأب كريستوبال، وبين سياسي متمرس لا يملك الثقافة والحصافة. ونجد من خلال هاتين القصتين بساطة في الحبكة وسلاسة الأسلوب مع عمق في التناول وطرح الأفكار الكبيرة مثل الحرية والديمقراطية وعلاقة السياسة بالدين. أما الحبكة فترتكز على صراع بين الاب كريستوبال رجل الدين المتعلم في أوروبا ومانديس الرجل الذي لا يعرف القراءة والكتابة، ولكنه يمتلك الحنكة والبراعة في الكلام. وفي موازاة هذا الصراع الذي يعتبر الخيط الرئيس الذي يقود أحداث الرواية، تظهر قصة حب برنارد المهاجر الفرنسي المثقف والشابة الجميلة ابنة أخ الأب كريستوبال واسمها موروكوتا. وتبدو من خلال أحداث الرواية أفكار عقيل المتنورة، ورأيه في الحب والمرأة. أما من ناحية الاسلوب فقد استخدم أبو الشعر أسلوب اليوميات أو ما يسمى بالأسلوب الصحافي’.
وبين الربضي أن ‘من يقرأ رواية الانتقام لعقيل أبو الشعر باللغة الفرنسية طبعاً، يلفت انتباهه مقدرة عقيل اللغوية، وسيطرته على مفرداتها فهو يطرح أفكاراً كبيرة بمفردات بسيطة يمكنها أن تكون في متناول الجميع، وعلى الرغم من استخدامه للغات أخرى مثل اللاتينية والإسبانية والهندية ومفردات عربية وإقليمية وخصوصاً مفردات من مقاطعة الفار ‘Le var’ منطقة مرسيليا التي عاش فيها ونشر رواية ‘الانتقام’ هناك وأيضا روايات أخرى إلا أن أسلوبه يبقى واضحاً وسلساً، واستخدامه لمثل هذه اللغات يؤكد معرفة عقيل بكل هذه اللغات، وهو ما ذكره البدوي الملثم في ترجمته لعقيل أبو الشعر في كتابه (القافلة المنسية)’.
وخلص الربضي للقول ان ‘الرواية تتمتع بتشكيلة اجتماعية غريبة، يكتشف القارئ فيها تركيبة الدومينيكان السكانية،وكأن البلد ليس فيه إلا الغرباء، وعلى الرغم من هذا فهناك تعايش وتآلف بين الجنسيات المختلفة. ويمكن لقارئ رواية الانتقام أن يتعرف من خلالها على الأحوال التاريخية للجمهورية، ومواقف السكان من حكم تاهيتي وحكم فرنسا وأمريكا’، كما يبين ‘عقيل وبشكل غير مباشر بأن أفضل الفترات السياسية وأنظفها هي عندما كان رجال الدين في الحكم. هل يريد أبو الشعر أن يقول لنا بأنه من الممكن أن يتعايش الدين مع السياسية وهل يمكن لرجال الدين أن يحكموا بلداً ويديروا أموره بأنصاف وبدون تحيز أو تزمت’ وبهذه الجملة يختتم الربضي ورقته.

العقيلي: عقيل وزيراً لخارجية سان دومينيك
وقال سكرتير التحرير في مركز ‘الرأي’ للدراسات القاص جعفر العقيلي في معرض إدارته للندوة، ان ما أنجزه عقيل أبو الشعر يؤكد تميز الإنسان الأردني، عندما تتوفر الظروف المؤاتية، فهو أكاديمي وروائي وباحث وموسيقي، ورجل سياسة أصبح وزير خارجية لدولة أجنبية في أعالي البحار، ولد في بلدة الحصن القريبة من اربد، مسقط رأسه ومربى طفولته.
حصل على الدكتوراه من روما في العقد الأول من القرن الماضي وأتقن ثماني لغات حية، فتكون له الريادة في كتابة الروايات عربياً، عندما نشر أول رواية له في باريس عام 1912، كما هو موثق في المكتبة الوطنية الفرنسية، أعماله راجت في أوروبا وأمريكا اللاتينية، ومنعت من دخول أراضي السلطنة العثمانية.
يؤكد البدوي الملثم وهو أول من ترجم له، أن ولادة عقيل أبو الشعر كانت على التقريب في عام 1893، في بلدة الحصن، وكان والده سليمان أبو الشعر يعد من أعيان المنطقة، تلقى عقيل تعليمه الأولى في الحصن، ولما ظهرت عليه علامات النبوغ المبكر، ونظراً لندرة المدارس في شرق الأردن، أرسله والده إلى القدس، فالتحق بالمدرسة الاكليركية، وخلال دراسته تعلم الإيطالية، ابتعت إلى العاصمة الإيطالية روما، لإكمال دراسته، وهناك تعرف على العالم الغربي.
كشف هناك مواهبه في الفنون الجميلة، فبرز كموسيقي متمكن من أدواته، فدمج في دراسته العليا بين الفلسفة والموسيقى، حتى نال شهادة الدكتوراه في الفلسفة والموسيقى، وكان أول أبناء شرق الأردن والمنطقة ربما، في الحصول على هذه الدرجة العلمية الرفيعة، في بدايات القرن الماضي، أي قبل حلول العام 1912، تفرغ للترجمة والكتابة، وتأليف المقطوعات الموسيقية، وراجت مؤلفاته وموسيقاه أطلق على نفسه اسم (أشيل نمر) الذي يناظر عقيل النمري وهو اسم عشيرته، أتقن الإيطالية والفرنسية والإسبانية والروسية والإنكليزية والتركية والألمانية.
غادر روما متجهاً إلى فرنسا، واستقر في باريس، وكان منشغلاً بالهم العربي القومي، رغم بعده عن وطنه، وإقامته في الغرب، فنشط في الدفاع عن العرب، وحقهم في الحرية والاستقلال عن الدولة العثمانية المتهالكة، وأصبح معروفاً في الأوساط العربية في فرنسا، وتقدم في العمل القومي سريعاً، حتى اختير أمين سر جمعية (العرب الفتاة) التي أخذت على عاتقها العمل في أوروبا للمساهمة في جهود تحرر العرب، واستعادتهم لأمجادهم.
وضع مؤلفاً كبيراً باللغة الفرنسية بعنوان ‘العرب تحت النير التركي’ ونشر في ثلاثة مجلدات في باريس عام 1912، مما اضطر حكومة الدولة العثمانية لمنع دخول الكتاب إلى البلدان التابعة لحكمها.
من أولى أعماله الروائية ‘الفتاة الأرمنية في قصر يلدز’ وقد نشرها في باريس عام 1912، محققاً ريادته العربية في هذا المجال وإن كتبت الرواية باللغة الفرنسية. زار فلسطين 1922، بعد خروج العثمانيين، ليتقصى واقع الهجرة وحال القضية. صرخ في وجه الرئيس الأمريكي روزفلت في مؤتمر الصلح في فرساي، مطالبا بجلاء القوات الأمريكية عن الدومينيكان. وصل إلى دولة (سان دومينيك) في أمريكا الجنوبية، وهناك في هذا البلد البعيد الذي حمل جنسيته، اهتم اهتماماً خاصاً بالفنون الجميلة، حيث احترف تأليف وتعليم الموسيقى، انُتخب رئيساً لبلدية العاصمة، ثم تم تعيينه من قبل الحكومة محافظاً للعاصمة، وقد زاد هذا المنصب من مكانته في مجتمعه الجديد في سان دومينيك، مكنته لغته الفرنسية الجيدة، ومعرفته الكبيرة بفرنسا، من دخول السلك الدبلوماسي، وذلك حين تم اختياره قنصلاً للدومينيكان لدى فرنسا في مدينة مرسيليان تزوج فيها من فتاة فرنسية تعود بنسبها إلى طبقة النبلاء، وقد أمضى فترة في مرسيليا، عاد إلى بلده الجديد ليتم تعيينه وزيراً لخارجية سان دومينيك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية