أحدثت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أغلو، حول تأمين دعم جوي أمريكي وتركي للمعارضة السورية لغطا كبيراً لدى المحللين السياسيين، فبعضهم ذهب إلى القول بأن تركيا والسعودية وقطر وأمريكا تستعد لعاصفة حزم سورية شبيهة بالعاصفة اليمنية، بينما لم تأت تصريحات جاويش أغلو على ذلك إطلاقاً.
فما قاله وزير الخارجية التركي هو ان «بلاده اتفقت مع الولايات المتحدة من حيث المبدأ، على تقديم دعم جوي لبعض قوات المعارضة السورية الرئيسة»، فالحديث أولاً عن اتفاق مبدئي وليس نهائيا، والجانب المهم فيه، أن امريكا ستكون شريكة فيه ولن يكون عملاً تركيا فقط، وهذا أمر مهم جداً في فهم الموقف التركي من القضية السورية كلها أولاً، وفي تقدير عدم تغير قواعد الاشتباك بين تركيا وحكومة الأسد على الأراضي السورية ثانياً.
لم يصدر حتى الآن أي رد من الإدارة الأمريكية او البنتاغون، وهذا لا ينفي الاتفاق المبدئي، ولكنه يؤكد أن العملية قيد الدراسة، فأمريكا لها تصريحات متناقضة جداً في الموقف من الصراع في سوريا، فالرئيس الأمريكي أوباما قال قبل أيام: إنه لن يكون هناك حل عسكري، وهذا التصريح جاء بعد الانتصارات الكبيرة لقوات المعارضة والثورة السورية في الشمال والجنوب السوري، وبالأخص في إدلب وجسر الشغور ومعبر نصيبين الحدودي مع الأردن، بينما صدرت تصريحات امريكية اخرى بعدم وجود أي مستقبل لبشار الأسد في السلطة في سوريا، وأن امريكا وقعت من قبل مع تركيا وعدد من الدول العربية على تدريب عسكري متقدم لمقاتلين من المعارضة السورية، فأمريكا لا تخفي دعمها العسكري للثورة السورية ضد بشار الأسد ولو بأسلحة غير نوعية، وتدريب الفصائل المعارضة السورية عسكرياً، وفي الوقت نفسه تعلن عدم إمكانية الحل العسكري في سوريا.
إن عدم صدور رد من أمريكا على تصريحات وزير الخارجية التركي يؤكد ان أمريكا أمام احتمالين: إما أنها أمام تغيير سياستها في سوريا، بما يتوافق مع السياسة التركية، أو ان امريكا تجاري السياسة او الضغوط التركية بضرورة وجود مناطق آمنة في شمال سوريا، وهذه الأماكن الآمنة لا يمكن فرضها إلا عن طريق حظر جوي على طيران الأسد فوق تلك الأماكن أولاً، ثم مواجهة اختراق طيران الأسد لهذا الحظر عن طريق سلاح الجوي الأمريكي والتركي معاً ثانياً، والهدف ليس بالضرورة ان يكون إسقاط حكومة الأسد من خلال هذا الاتفاق العسكري الأمريكي والتركي، وإنما توفير اماكن آمنة للشعب السوري، الذي لم تعد اي دولة مجاورة تحتمل مزيداً من اللاجئين منه على أراضيها، فعدد اللاجئين السوريين بلغ قرابة المليوني لاجئ، ومرشح للزيادة بنحو مليون خلال العام الحالي، وهذه أعداد تحمل الدولة التركية الكثير من المسؤوليات والتحديات، فضلاً عما تحمله من مشاكل وأزمات للمواطن التركي، بينما لو تم فرض منطقة آمنة داخل سوريا فإن اللاجئ السوري سوف يجد مناطق آمنة داخل بلده، وهي قريبة من الحدود التركية، وربما قرب الحدود الأردنية واللبنانية والعراقية أيضاً، حتى يمكن تقديم الدعم الإنساني له بسهولة، ويمكن ان توفر فرصا كبيرة للاجئين السوريين الموجودين الان في تركيا وغيرها للعودة إليها، والإقامة فيها، طالما لا يرغبون في البقاء في تركيا أو في غيرها من الدول، وبالتالي فإن الفكرة التركية من المنطقة الآمنة او الحظر الجوي ليس مجرد عمل عسكري يؤدي إلى سقوط أسرة الأسد فقط، وإنما تأمين مناطق آمنة للشعب السوري، لا يستطيع بشار الأسد استهدافها عسكرياً، وبالتالي ستكون مناطق آمنة للشعب السوري وليس للحكومة الأمريكية ولا التركية ولا غيرهما من الدول، فليس الهدف اقتطاع أراض من سوريا، وإنما تأمين مدن سورية يجد فيها الشعب السوري حماية له من استهداف المليشيات الطائفية الشيعية، وحماية له من استهداف الطائرات التي تحمل براميل متفجرة وصواريخ وقنابل تستهدف المدنيين أكثر من المسلحين، لذلك لم يكن من الضروري الاستنتاج المتسرع الذي ذهب إلى القول بأن تركيا سوف تهاجم جيش بشار الأسد.
إن توقيت هذا الاتفاق المبدئي مهم أيضاً، لأن الاتفاق الأمريكي التركي على تدريب عناصر من المعارضة السورية في تركيا، الهدف منه، تقديم دعم اكبر للمعارضة والثورية السورية لإنهاء صراع دام اكثر من اربع سنوات، وتأثير هذا الصراع بالغ جدا على دول المنطقة، ولا أمل لبشار في القضاء على الثورة السورية، فالصراع مهما طال زمنياً فإن نتيجته المحتومة معروفة، وهي سقوط أسرة الأسد، وما يديم الصراع منذ نهاية عام 2012 هي المليشيات الطائفية الشيعية التي تأتي من لبنان من ميليشيات «حزب الله»، ومن العراق من ميليشيات «عصائب الحق»، ومن إيران من ميليشيات «الحرس الثوري» وغيرها من المتطوعين الطائفيين الشيعة، فهذه المليشيات أحد أسباب بقاء بشار الأسد في السلطة حتى الآن، والسبب الثاني هو التخاذل الأمريكي عن مساعدة الشعب السوري، وسماح أمريكا في الوقت نفسه، للمليشيات الإيرانية بحسب التوافقات النووية ان تقوم بالدور العسكري الذي يؤخر سقوط الأسد، فلولا المليشيات الطائفية من محور إيران الشيعي، ولولا الإذن الأمريكي بهذا الدعم الطائفي ومنع الأسلحة عن الثورة السورية، لما بقي نظام الأسد في السلطة حتى اليوم، ولذلك فإن الإسراع في سقوط بشار الأسد هو مصلحة للشعب السوري وللشعب الإيراني معاً، لأن ايران وحزب الله والمليشيات الطائفية التي تقاتل معه تقاتل في حرب استنزاف وبدون جدوى.
فالموقف التركي هو نصرة للشعب السوري حتى يتمكن من الثبات في دولته ومدنه، وليس خطة عسكرية للمواجهة مع المليشيات الطائفية التي تحكم سوريا، هذا الأمر وضحه وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو حين قال:» إن الدعم الجوي سيوفر الحماية للمقاتلين السوريين الذين تلقوا تدريباً في إطار برنامج تقوده الولايات المتحدة على الأراضي التركية»، فالهدف ليس العمل المباشر الأمريكي أو التركي لإسقاط الأسد، وإنما توفير آماكن آمنة للمعارضة السورية المدنية أولاً، والعسكرية ثانياً، لحمايتها من طيران الأسد، التي تعمل الحكومة الأمريكية على تدريبها في تركيا والأردن والسعودية وغيرها، هذه القوات تقدر بنحو خمسة عشر ألف مقاتل، فإذا ما تم تدريبهم في الأشهر والسنوات المقبلة، فلن يتم إرسالهم قبل تأمين حماية وغطاء جوي لهم، وإلا فإنهم سوف يكونون ضحية البراميل المتفجرة التي لا يستطيعون حماية انفسهم منها، فإذا لم يتم حمايتهم بمناطق حظر جوي، فلا بد من تمكينهم من أسلحة دفاعية جوية، وهو الأمر الذي تعارضه الإدارة الأمريكية بشدة حتى الآن.
هذا هو الموقف التركي المعلن حتى الآن، ولا يفيد إطلاقاً تغييراً في قواعد الاشتباك مع حكومة الأسد، فالاتفاق هو بصريح العبارة وكما قال وزير الـخـارجـيـة: «هـنـاك اتفاق مبدئي على تقديم الدعم الجوي، أما كيف سيقدم فهذه مسؤولية الجيش».
وفي لقاء إعلامي آخر أوضح جاويش أوغلو «أنّه لم يتمّ التّباحث بين القيادة التركية والسعودية بخصوص شن حملة برية داخل الأراضي السورية»، لافتاً إلى أنّ عددا من الدّول الخليجية تُصرّ على ضرورة الاقتحام البري، من أجل إنهاء معاناة الشعب السوري، وفي ما يخصّ مسألة تدريب وتأهيل المعارضة السورية المعتدلة داخل الأراضي التركية، أكّد جاويش أوغلو أنّ العناصر الذين يتمّ تدريبهم بالاشتراك مع الولايات المتحدة الأمريكية، سيتمّ الزّج بهم لمحاربة قوات الأسد وتنظيم داعش الإرهابي.
وعن تأخّر البدء بعملية التّدريب قال جاويش أوغلو: « إنّ سبب تأخّرنا ببدء عملية تدريب وتأهيل عناصر المعارضة السورية يعود إلى تأخّر الجانب الأمريكي في إرسال المعدّات اللوجستية والعناصر التي ستشرف على عملية التّدريب»، لأن عملية التدريب هي مشروع أمريكي في الأصل، وتركيا وبعض الدول العربية تقدم دعماً جغرافياً له فقط، والسبب هو أن من يدعمون استمرار الاقتتال في سوريا من محور إيران الطائفي إنما يأخذون المنطقة إلى دمار شامل، وإلى حروب طائفية بغيضة، فإما توفير أسباب استئصال السرطان الخبيث، او تركه يعيث فساداً في المنطقة كلها، وهو ما لا تحتمله شعوب المنطقة ولا دولها.
٭ كاتب تركي
محمد زاهد جول
هدف أمريكا الوحيد بتدريب المعارضة السورية هو الحرب على داعش
أما منطقة الشمال الآمنة فهو هدف الحكومة التركية لعودة اللاجئين لسوريا
المشكلة هي أنه لا يوجد حل وسط فمنطقة حظر الطيران مكلفة جدا للأتراك
ولا حول ولا قوة الا بالله
بالطبع فان السياسة الاستراتيجية الامريكية في المنطقة هي المحافظة على نفوذها لضمان تدفق النفط و بقاء اسرائيل. الا ان التكتيكات تختلف حسب الواقع على الارض و قد تعلمت امريكا من دروس فيتنام و العراق و افغانستان ان عواصف الحزم و الحسم لا تفيد. و ان العجلة من الندامة.
سياسة امريكا اليوم هي دعهم يقتلون بعضهم بعضا. دعهم ينزفون. ودع الوكلاء يحرقون اصابعهم فيعودون الينا طوع بناننا كالما كان الهدف الاستراتيجي مضمون.
المهم ان السياسة اليومية هي ببساطة حسب الواقع على الارض سلبا او ايجابا مع عدم التهور. و الاولوية لاستمرار القتال و النزيف