ثمة سؤال يتكرر طرحه بين الحين والآخر: ما هي الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط؟ هذا التكرار يفترض ان هذه الاستراتيجية تتغير بتغير الظروف والمستجدات. ولذلك من الضروري التمييز بين الاستراتيجية الامريكية التي تتسم بالثبات»، والتكتيكات والتحالفات التي تتغير مع الظروف.
ومن ثوابت تلك الاستراتيجية الحفاظ على امن الكيان الاسرائيلي والالتزام بتفوقه العسكري على الدول العربية، وضمان تدفق النفط بمعدلات واسعار مناسبة، والاحتفاظ بنفوذ امريكي في المنطقة سواء بالتواجد العسكري المباشر ام بتسليح الانظمة الحليفة ام باضعاف الاتجاهات الفكرية والايديولوجية و السياسية غير الصديقة للولايات المتحدة، ومنع قيام منظومات ايديولوجية يمكن ان توفر بديلا للنظام الغربي، على غرار المنظومة الاشتراكية. اما السياسات فتفرضها التطورات المتجددة.
وحتى الاتفاق المزمع توقيعه بين الدول الغربية وايران لن يغير من تلك الاستراتيجية، حتى لو حدث تصالح بين واشنطن وطهران. فقد تعود العلاقات بينهما وترمم الخيوط المقطوعة منذ العام 1979 ولكن ستظل السياسات الاستراتيجية المذكورة ثابتة. وحين يبدو ان السياسات الامريكية لا تتغير كثيرا فهذا يعني غياب اي تهديد حقيقي لتلك الاستراتيجية. وفي سياق الاوضاع الحالية لا تبدو ثمة تهديدات مهمة لتلك الاستراتيجية بانتشار نفوذ داعش في سوريا والعراق.
اولها تصاعد الارهاب بشكل مضاعف بعد اربعة عشر عاما من شن الحرب عليه في إثر حوادث 11 أيلول/سبتمبر.
وقتها قال الرئيس الامريكي السابق، جورج بوش كلمته المشهورة: «من ليس معنا فهو مع الارهاب». ثانيها: اقتراب المجموعات الارهابية من اوروبا، سواء في سوريا ام ليبيا، وما لذلك من اثر على الامن الاوروبي فيما لو قررت هذه المجموعات تغيير توجهاتها بعيدا عن بلاد المسلمين.
ثالثها: الموقف من المشروع الذي تمثله هذه المجموعات التي بدأت بتطبيق الحدود بصرامة غير مسبوقة. رابعها: السياسة الامريكية تجاه قيم الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات العامة في العالم العربي، وما اذا كان ذلك يحظى باهمية لديها. خامسها: الموقف من تداعيات ما يجري وتصاعد الاحتمالات من حدوث تغير جوهري في العالم العربي ضد هذه المجموعات ومن وقف وراءها ودعمها.
الامر الواضح ان واشنطن هي الاخرى تعيش واحدة من حالتين: فاما التذبذب في المواقف وغياب النظرة، وهذا ما اشار اليه العديد من المراقبين في الفترة الاخيرة، واما انها ترى ان الوضع الحالي الذي تلعب فيه المجموعات الارهابية دورا محوريا يناسب سياساتها او لا يضرها على الاقل، او انها متواطئة بدعم هذه المجموعات او بعضها سواء بالدعم اللوجستي او التدريب او التمويل او الاعلام. ويمكن القول ان ضبابية الموقف في الوقت الحاضر على الصعدان ذات الصلة غير مسبوقة لدى اغلب الفرقاء، ومن بينهم الانظمة العربية وايران وتركيا وروسيا بالاضافة للدول الغربية ومن بينها امريكا.
وهناك بعض الظواهر التي تساهم في هذه الضبابية في ما يتعلق بالسياسة الامريكية، منها ما يلي: اولها ان الولايات المتحدة تقود ما يسمى التحالف ضد داعش، وتقوم طائراتها بقصف بعض مواقع المجموعات المسلحة في سوريا والعراق، ثانيها: انها متهمة بان هذا التحالف شكلي لا يستهدف داعش بشكل جاد. فلديها من اجهزة الرصد الجوية والاقمار الصناعية ما يجعلها قادرة على معرفة مواقع هذه المجموعات وخططها ولكنها لا تقوم بعمليات استباقية لمنع انتشارها او صد هجماتها سواء في سوريا ام العراق. وفي مطلع شهر مايو نظمت داعش استعراضا عسكريا في قلب مدينة الموصل استمر ساعتين، ولم تتصد له القوات الامريكية، فهل لم تكن تعلم بذلك؟
ثالثها: لان الولايات المتحدة قادت التحالف الدولي الذي استهدف قوات صدام حسين قبل ربع قرن عندما اجتاحت الكويت في 2 آب/اغسطس 1990. مع العلم ان الكويت تبعد كثيرا عن حدود اوروبا ولا يمثل ذلك التدخل تأثيرا حقيقيا على المصالح الغربية. بينما تتحرك المجموعات المسلحة بحرية مطلقة في ليبيا وتسيطر على حقول نفطها، وتسيطر على مئات الكيلومترات من سواحل البحر المتوسط المقابلة لاوروبا، بدون ان تتعرض لاستهداف من امريكا او حلفائها. كما استطاعت الاستيلاء على كميات كبيرة من الاسلحة الامريكية من القوات العراقية. ويقال انها وضعت ايديها على اسلحة الدمار الشامل في ليبيا، كما يتردد ان لديها اسلحة نووية حصلت عليها من باكستان واوكرانيا. قد يكون ذلك من باب المبالغة والتضخيم، ولكن ما يثير التساؤل عدم جدية امريكا وحلفائها في التصدي لذلك الخطر الذي تتوفر الادلة على وجود شيئ منه ان لم يكن كله.
ليست هناك تفسيرات كثيرة للسياسة الامريكية المترددة ازاء انتشار ظاهرة العنف على اوسع نطاق منذ سنوات. والتفسير الاقرب للواقع وجود قبول غربي لظاهرة العنف الداخلي في العالمين العربي والاسلامي. كما ان التواطؤ لا يمكن استبعاده تماما، ما دامت ادارة الرئيس اوباما مستمرة بتدريب من تسميهم «المجموعات المعتدلة» في سوريا. ولا يمكن استبعاد هدف حماية الكيان الاسرائيلي عن الدوافع الغربية. فحين تستهدف القوات الاسرائيلية منظمة «حماس» وسط صمت عربي ودولي شامل، فليس ثمة تفسير سوى البعد الاسرائيلي في ما يجري من عنف وحمامات دم في العواصم العربية والاسلامية. في الاسبوع الماضي شنت القوات الاسرائيلية ثلاثة اعتداءات بالقصف الجوي لمواقع حماس في غزة، وبررت ذلك بان مجموعة تابعة لداعش اطلقت صاروخين باتجاه الكيان الصهيوني من داخل حدود غزة، وقالت «اسرائيل» انها تعتبر حماس مسؤولة حتى لو لم تقم نفسها بالاطلاق. أليس في ذلك اشارة لوجود خطة مبيتة للقضاء على اي اثر للمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي؟ ولا ينفع حماس سعيها لابعاد نفسها عن حركة الاخوان في مصر التي تستهدف يوميا بالاعمال العسكرية والامنية واحكام الاعدام والسجن. النظام المصري يستدعي السفير الامريكي للاحتجاج على لقائه المزعوم مع بعض عناصر الاخوان في القاهرة. ماذا يجدي ذلك اللقاء؟ الامريكيون يلتقون بمن يشاؤون ولكنهم لا يتخذون خطوات ذات بعد عملي للدفاع عمن يلتقونه. فقد التقى المسؤولون الامريكيون في المنامة افرادا من جمعيات المعارضة السياسية، ولكنهم لم يتخذوا اجراء واحدا ذا معنى حين اعتقلت السلطات بعض اولئك الاشخاص. ان من الصعب الاعتقاد بان حكام الخليج تمردوا تماما على الارادة الامريكية، او انهم بصدد البحث عن تحالف مع قوى اخرى كروسيا والصين. فهذا كلام لا تؤكده الوقائع ولا منطق الاشياء، والتفسير الارجح ان الامريكيين يستخدمون، كعادتهم، خطابين متضادين احيانا: فهم مع الانظمة دائما، ولكنهم يسعون لتخفيف المعارضة لوجودهم السياسي والعسكري بمقابلة المعارضين ايضا.
ومهما قيل عن الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط فثمة حقيقة واضحة: انهم يشعرون بالحاجة للمزيد من القواعد العسكرية خصوصا في البلدان النفطية. وجاءت تصريحات الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة بأن الولايات المتحدة تبحث إقامة المزيد من القواعد العسكرية الأمريكية في العراق للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية في خطوة قد تتطلب نشر المزيد من القوات الأمريكية، تأكيدا لنزعة التوسع الامريكية وخشية واشنطن من تراجع نفوذها اذا لم توسع نفوذها العسكري في المنطقة. ويأتي تصريح الجنرال الامريكي ليكشف جانبا من الاستعدادات الامريكية لمرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي مع ايران. فثمن ذلك توسيع نفوذها في العراق، ولكي يحدث ذلك فمن الضرورة بمكان ان تحقق داعش تمددا اوسع في الاراضي العراقية، لوضع حكومة بغداد امام واقع جديد يجبرها على طلب المعونة من الامريكيين، واعتبار القواعد العسكرية ضرورة يفرضها وجود المجموعات المسلحة. فواشنطن لم تكن راضية بالخروج من العراق بعد توقيع اتفاقية «سوفا» ورفض حصانة قضائية للامريكيين. وثمة تساؤلات كبيرة حول مدى ارتباط اجهزة الاستخبارات الغربية والاقليمية بالمجموعات المسلحة، وما اذا كان هناك ثمة «تفاهم» حول الادوار المطلوبة. والا فما معنى السماح بتوسع نفوذ هذه المجموعات، والتضييق على من يقاوم «اسرائيل»؟ الجنرال ديمبسي وعد بارسال المزيد من القوات الى العراق، وستقوم تلك القوات ببناء قاعدة «التقدم» العسكرية على بعد 25 كيلومترا فقط عن مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الانبار التي سيطر عليها داعش الشهر الماضي. وهناك الآن 3100 جندي امريكي في العراق الا انهم لم يفعلوا شيئا جادا لمواجهة المجموعات المسلحة.
٭ كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن
د. سعيد الشهابي
ومن دعا أمريكا أول مرة
أحسنت يادكتور محمد شهاب – رد في الصميم!
بدأ الكاتب الفاضل بداية جيدة بتحديد اهداف السياسية الامريكية و التي لا تتضمن اي خدمة لشعوب او دول المنطقة باسثناء حماية اسرائيل و التي هي احد مكونات تلك السياسة اصلا. و لكن الكاتب بدأ بعد ذلك في التساؤل عن عدم ضرب امريكا لداعش بالقوة التي ترغبها ايران او حكومتي بغداد و دمشق. ثم حاول المقارنة مع غزو العراق 1991 متجاهلا اهمية النفط في السياسة الامريكية. ليصل الى ان امريكا خرجت من العراق مكرهة بسبب اصرار حكومة بغداد على عدم حصانة القوات الامريكية و انها تحاول العودة اليها.
الحقيقة ان امريكا خرجت من العراق بسبب الكلفة الهائلة للحرب التي دمرتها اقتصاديا. و انها استوعبت الدرس و لا يمكن ان تعود كقوة احتلال و ما تفعله اليوم هو تقديم خدمات محدودة مدفوعة الاجر من قبل الجهات المستفيدة ضمن حدود مصالحها و استراتيجتها التي حددها الكاتب بدقة في البداية و التي لا تتطمن خدمة ايران و لا حتى اصدقائها في المنطقة