العرب ومرضهم الخبيث

حجم الخط
10

بات كل عربي مقتنعا بأن جسد الأمة العربية مصاب بمرض خبيث، مرض يصعب علاجه بعدما تأصل وانتشر في الدم والعظم، فما أن يعالج عضو حتى تظهر بوادر المرض في عضو آخر، وما أن تصل بشائر تفاؤل بإمكانية حصر المرض أو تطويقه، حتى يعود المرض على شكل نزيف، على صورة سيارة انتحارية أو إنسان مفخخ، أو براميل تهبط من السماء، أو التفنن بتنفيذ الإعدامات التي تُذكّر بإعدامات العصور الوسطى، أو بخفة اليد في إصدار أحكامٍ جماعية بالإعدام، أو بتصريح لزعيم (ملهم) يرسّخ الانقسامات السرطانية ويشجّعها، أو على صورة فصيل جديد مناوئ للفصائل الموجودة، وانشقاق فصيل كان قد انشق من قبل عن فصيل، لتزداد الخلايا السرطانية تغوّلا في الجسد المسكين.
عادة ما يبحث الأطباء ما إذا كان للوراثة علاقة بالموضوع، وإذا ما كان المرض موجودا في جينات السلالة أم أنه مكتسب في جسد المريض!
يقول المختصون في علم أمراض الشعوب إن العرب يحملون جينات مرض الفتنة، ولكنها تنام حقبة إلى أن يأتي من يوقظها، ولهذا قيل في الحديث الشريف»الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها».
وهذا يعني أن الفتنة لم تمت، ولا يمكن لها أن تموت، لا في الماضي ولا الآن ولا في المستقبل المرئي، خصوصا في أمة مرت في تاريخها بمختلف الآفات الحاضنة للمرض، ومر عليها حكام من كل الألوان والأصناف، فترك بعضهم ما يُذكر به بالخير، وبعضهم ترك جراحا وندوبا وما زال يفعلها حتى الآن، وقد تحتاج لمئات السنين لاندمالها.
مرض» الفتنة» (لعن الله من أيقظها)كائنا من كان، موجود لدى أمم أخرى وله وجوه مختلفة! العنصرية لدى البيض في أمريكا موجودة ضد السود وتاريخها أسود، ولم تمت بمجرد محوها بحبر القانون عام 1964، وهناك من يحاول إيقاظها بإصرار، على صورة ما حدث قبل أيام في كنيسة للسود وقتل ثمانية من المصلين فيها على يد شاب أبيض، ولكن السلطة وبقوة القانون تستطيع منع انتشار الفتنة ووقفها، فتعتقل وتعاقب من أيقظها ليبقى هذا الورم السرطاني عملا فرديا، حتى لو كانت العنصرية موجودة لدى الكثيرين، كما قال باراك أوباما، ولكنهم لا يستطيعون ترجمتها إلى فعل كما يحلو لهم.
في ألمانيا يوجد مرض اسمه الجماعات النازية الجديدة، أو المتجددة، وهذا مرض خطير، أدى قبل بضعة عقود إلى مصرع أكثر من ستين مليون إنسان، هذا الفكر النازي يحاول أن يستيقظ، وبعضه موجه ضد العرب والمسلمين بالذات تحت شعار «مقاومة أسلمة ألمانيا»، لكنه يحاصَر ويتم تحجيمه حتى الآن، ويحول النظام الديمقراطي دون إيقاظ الفتنة النازية من سباتها!
هناك مرض طائفي بين الكاثوليك والبروتستنات بين انجلترا وأيرلندا، تعود جذوره لمئات السنين، وفي نهاية القرن الماضي وبعد ضحايا كثيرة حوصرت الفتنة حتى نام المرض!
في بريطانيا نفسها إنكليز واسكتلنديون، شهد الشعبان علاقات مد وجزر وحروبا قبل مئات السنين حتى الاتحاد ضمن المملكة المتحدة. في السنوات الأخيرة مُنح الشعب الاسكتلندي حرية تقرير مصيره بفك الارتباط مع المملكة المتحدة أو مواصلة الاتحاد مع الإنكليز، وقرر مواصلة الاتحاد دون وقوع خسائر ودون إيقاظ للفتنة.
بين اليهود يوجد اشكناز وسفارديم، ويوجد روس وإثيوبيون، يوجد علمانيون ومتدينون، يوجد متدينون قوميون ويوجد حرديم، ومن طوائف عدة، وتوجد بينهم عنصرية تطفو على السطح أحيانا، آخر تجلياتها كانت صرخة الإثيوبيين الذين يشعرون بالتمييز ضدهم في كل مناحي الحياة، إلا أن الفتنة بين الفئات المختلفة من اليهود تبقى نائمة لشعورهم بوحدة المصير أمام العدو العربي المشترك!
في بورما تنام الفتنة ضد المسلمين حقبة، ثم يعود من يشعلها من العسكريين البوذيين من جديد، فترتكب المذابح وما زالت الفتنة بين يقظة ونوم حتى يومنا هذا.
في معظم دول أوروبا توجد عنصرية متفاوتة في حدتها ضد ذوي الأصول الأجنبية، وخصوصًا عندما تكون هذه الأصول عربية وإسلامية، توجد أحزاب تذكي هذا العداء، وهذه فتنة نائمة يحاولون إيقاظها، ولكن يبقى القانون فوق الجميع على الأقل في هذه المرحلة، رغم وجود ارتباكات وعدم استقرار.
الكارثة الحقيقية عندما يكون قادة الأمة ومفاتيحها ورموز النظام، هم الذين يذكون نيران الطائفية والمذهبية والفئوية، مفضلين سلطتهم ومصالحهم على مصلحة الأمة مهما كان الثمن باهظا، حتى ولو كان إيقاظ الفتنة والخوض في بحور من الدماء. هؤلاء وبعد إيقاظ الفتنة يُطلّون من جحورهم لاتهام الغرب بأنه» يسعى لتفتيتنا»! وذلك لتبرئة أنفسهم من الجريمة. بلا شك أن الغرب والشرق والدول لها مصالح، تستغل مرض الأمة وأزماتها لحساب مصالحها، على الأٌقل بيع أسلحتها كما تفعل روسيا وأمريكا.
مرض الطائفية والمذهبية والفئوية والقبَلية والاستئثار بالسلطة موجود في الجسد العربي وممتد عبر تاريخ الأمة قبل الإسلام وبعده وفي أوج ازدهاره حتى يومنا هذا، تنام الفتنة حقبة ثم يأتي من يوقظونها كي يركبوا من خلالها على ظهور شعوبهم المطحونة.
هناك بديهيات على الأجيال الجديدة في هذه الأمة أن تتعلمها لعلها تنجيها من نار الفتنة الآن وفي المستقبل.
لا يمكن أن تنفخ في بالون التحريض عاما بعد عام وعقدا بعد عقد وقرنا بعد قرن ثم تتفاجأ من انفجاره بوجهك!
لا يمكن أن تحارب كل مبادرة لعلاج وقائي من الفتنة وتحاربها في مهدها، ثم تتوقع من هذا الجسد أن يقاوم حين يهاجمه المرض.
لا يمكن أن تعتمد الطائفية والمذهبية والفئوية الضيقة للوصول إلى الحكم والاحتفاظ به، ثم تفاجأ عندما يكون رد الفعل من نوع الوسيلة نفسها التي اعتمدتها.
لا يمكن أن تتعصب لطائفتك ومذهبك وفئويتك وقبيلتك لدرجة الجنون ثم تلوم غيرك عندما يُجن تعصبا!
لا يمكن أن تتهم كل من يعترضك بالخيانة والتآمر ثم تفاجأ حين يتهمك بالقمع والكذب ويحاول التخلص منك بالقوة!
لا يمكن أن تكفّر الآخرين على مدار قرون، ثم تستغرب عندما يكفرون بك وبكل قيمك.
من يزرع القمع والاضطهاد يحصد الكراهية، ومن يقصي الآخرين لن يحظى بمحبتهم!
ومن يسعى لتفتيت الوطن العربي كي يمرر مصالح ذاتية مؤقتة سيجد نفسه فتاتا وهباء منثورا.
شفا الله أمتنا من أمراضها الخبيثة المزمنة، و»لا يغير الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم».

سهيل كيوان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    والله يا أستاذ سهيل لم تكن عندنا مشاكل طائفية قبل سنة 1979 حين تولى الخميني السلطة بايران ورفع شعار تصدير الثورة

    والله يا أستاذ سهيل لم تكن عندنا مشاكل قومية قبل سنة 1952 حين تولى عبدالناصر السلطة بمصر ورفع شعار القومية العربية

    والله يا أستاذ سهيل لم تكن عندنا مشاكل اسلامية قبل سنة 1966 حين تم اعدام الأديب والمنظر الاسلامي سيد قطب

    والله يا أستاذ سهيل لم تكن عندنا مشاكل أقليات قبل سنة 1948 حين اغتصبت فلسطين الحبيبة

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول د. خليل كتانة- قائد كتائب مثقفي الشعراوية-طول كرم- فلسطين:

    أخي ابو سمير : الفيروس هو الفتنة. الجسد هو الامة العربية والاسلامية. الدواء هو : ( نعم للتواصل الشخصي بين الضفة + غزة مع فلسطينيي 48 )

    طبعآ نعم اخي القاريء . شرط ان التواصل وهذه الرحلات الترفيهية ، تحت اشراف تربوي امثالكم. او برعاية (عريف) راكز او راشد من العائلة…………..يتذكرني بما هذا الشيء بما كتب الراحل محمد الماغوط. عندما شبه اهلنا وأحبتنا فلسطينيي 48 بيوسف الصديق. وتنبأ بخروجهم من البئر. حيث رماهم الاعراب. وبني اسرائيل يفكروهم ماتوا. ووالدهم صدق كذبتهم بان الذئب اكله. ما نقص من ينقصنا : هو اعادة صلة التواصل بيننا In Person مع الاهل والاحبة في 48. حيث استراتيجية سلاحنا الشرعي والفتاك ضد مشروع صهيون. ا شكرآ. للمزيد:
    د. خليل كتانة- قائد كتائب مثقفي الشعراوية- طول كرم- فلسطين. هاتف 2664115

  3. يقول يوسف احمد:

    الفرقة والتمييز والاثره وحب الذات والديكتاتوريه وحب السلطه وكثير غيرها من الافات حالات متجذرة في النفس العربية وهي حالات لا يمكن ان تزول او يتخلص منها الانسان العربي ، ولولا ان ارادة الله سبحانه وتعالى في نشر الدعوة وتاليفه بين قلوب العرب لما انتشر ولما كان هناك اسلام الم يقل الله تعالى لرسوله الكريم ( لو انفقت ما في الارض ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف ) يعني اننا في اشد الحاجة الى معجزة ولكن للاسف فعصر المعجزات انتهى وستظل هذه الامة ممزقه بفعل ابنائها الى ان يرث الله الارض وما ومن عليها ، فالانسان العربي ليس لديه استعداد لقبول الاخر الا بالقدر الذي يتنازل هذا الاخر عن كرامته ويخضع له وما عدا هذا فانه كذب وغوغائيه بغض النظر عمن قال ويقول بالتسامح والقبول وباقي الفلسفات التي يلوكها المسمون لانفسهم مثقفي وعقلاء الامه

  4. يقول فاروق قنديل . النمسا:

    كلام مثل الذهب لاتخطئ العين بريقه وكله حكم ليتنا تحلينا بها!!؟

  5. يقول بومحسن:

    التشخيص بالداء بدون الدواء،،،،كالحرث بالماء . مقال وتعبير جيد ولكن حال الامة العربية مع الفتن لن ينتهي حتى قيام الساعه ؟

  6. يقول ايمن سامي:

    مقال في قمة الروعة
    جاء رجل الى النبى (صلعم)وقال له اوصني فرد عليه المصطفى (صلعم)لا تغضب ثلاث مرات
    حادثان منفصلان وقعا اولها تاجرقتل زبونه لاجل بطيخة لم تعجبه والثاني مساعد السائق طعن بسكين احد ركابه الاجل ثمن التدكرة ومن من قتل احد والديه او شقيقه تعددت الاسباب والموت واحد فنحن العرب نمتاز بخفة الدم وسرعة الانفعال

  7. يقول Samaher:

    سلمت يمناك الكاتب سهيل ..فعلا هذا هو حال أمتنا العربية منذ مئات السنين، وكذلك هو حالها اليوم هذا الفيروس انتشر واستفحل كالداء. وتطور كما يتطور الورم الخبيث داخل الجسم الذي ابتلي به. بكل اسف وأسى اصبح (الاسلاميون )مرض خبيث اصيب به الوطن ……عندما قرأت مقالك الكاتب سهيل اصبت بالوجع …وعندما قرأت التعقيبات تأسفت فعلا لحال امتنا والبلاد ..

    1. يقول Ali:

      وكيف عرفت أنه الكاتب سهيل بيكتب باليمين ,,, الناس حاليا كلها بتضرب على الكيبورد ,,, وبالإيدتين الاثنين ,,, سواء بيستخدموا إصبعتين اثنين ,,, أو أربع أصابع ,,, أو حتى العشر أصابع كلها ,,,

  8. يقول خليل ابورزق:

    صح لسانك. الحل هو ان نتفق على احترام حرية الرأي و العقيدة لكل انسان و لكل مجموعة عرقية او دينية او ما شاءت طالما تحترم حرية الاخرين. و الديمقراطية كنطام تفويض السلطة من الشعب

  9. يقول hmida ferroudj - algerie:

    >>>إشارة نبوية إلى ما سيكون من فتن شديدة تقتضي الحذر منا والبعد عنها :
    وروى البخاري ومسلم من حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    “ستكونُ فتن القاعدُ فيها خير من القائِم، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي مَنْ يُشْرفْ لها تَسْتَشْرِفْه فمن وجد فيها مَلْجأ أو مَعَاذاً فَلْيَعُدْ به”1.

إشترك في قائمتنا البريدية