مع ما يبدو من حسم مسألة التغيير الوزاري وقرب إقالة إبراهيم محلب.. فإن الأمل معقود على ابتعاد الوزارة الجديدة عن شروط صندوق النقد الدولي وقيوده.. وعلى إبعاد المقاولين عن شؤون الحكم، وأن يكون التغيير معبرا عن احتياجات الشعب وملبيا لطموح شبابه… أقول هذا على الرغم مما استقر في ذهني بسبب إبقاء موازين القوى القديمة على حالها واستمرار العمل وفق رغباتها.. وعودتها إلى مراكز التأثير السياسي والمالي والاقتصادي والإعلامي؛ وإذا ما بقيت الأوضاع على هذا النحو بعد التغيير الوزاري شبه المؤكد فلن تنتهي دوامة التوتر والقَلِق؛ بما يصاحبها من معاناة وإضطراب وعنف.
وهذا لا ينفي تحقيق إنجازات على الأرض؛ طالت مجالات عدة، لكن أغلبها ذهب إلى غير مستحقيها؛ إذا جاز التعبير.. ومشكلة هذه الإنجازات أنها ارتبطت بالتضييق على الحريات، وتحميل الطبقات الوسطى والدنيا وحدها عبء عجز الموازنة العامة، مع تمكين النظام القديم من استرداد قوته وقدرته.. وإعادة تدوير فساده واستغلاله بصورة أكثر حدة واتساعا، وأثر ذلك على موازين العدل فاختلت في عدد من دوائر القضاء، ونتج عنها إصدار أحكام قاسية على الشباب والثوار، وأحكام بالبراءة على رموز الفساد، فعادوا يرفلون في النعيم ويستمتعون بملياراتهم الحرام. واستمرار هذا الخلل ترك تأثيره البالغ على حياة بلد مهدد في وجوده، ويعاني أزمات طاحنة واحتقان واضح على أكثر من صعيد.
مع ذلك دعونا نتفاءل، ونعلق آمالنا على تغيير وزارة إبراهيم محلب، التي كانت إدارتها لمرحلة ما بعد 30 حزيران/يونيو 2013، وانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسا للبلاد؛ كانت من الكبائر التي لا تغتفر.. وهو تغيير مؤجل إلى ما بعد افتتاح قناة السويس الجديدة في السادس من آب/أغسطس القادم، وإلى أن يحين ذلك تبقى مشكلة سوء الفهم المتعمد المحيط بثورة 25 يناير، وتعبير «سوء الفهم» هنا يتجنب توصيفا قد يكون أكثر قسوة عند التعرض لمواقف المعادين لثورة يناير. وقد يزول إذا تجاوز التغيير الوزاري الوجوه والأشخاص، واتسع ليشمل إلتوجهات والسياسات والانحيازات، وفك الحصار عن قوى الثورة، والتخلي عن الانتقام والثأر، من أجل التخفيف من وطأة الواقع واحتقاناته المكتومة..
ويبدو أن هناك من يصادر على التغيير المطلوب قبل أن يقع.. وهناك ما يشبه التهيئة المتعمدة للرأي العام لقبول «مذبحة أمنية» قادمة؛ وذلك واضح في ثنايا حديث اللواء وليد النمر؛ المنشور في أول أيام رمضان الحالي (18/ 6/2015)، والذي وصفته صحيفة «الوطن» المصرية بالقيادي في المخابرات العسكرية.. وتحدث عن قضية ربط فيها «هدم البلد بثورة 25 يناير». وبدا متجاوزا للمنطق القانوني والحقوقي والإنساني السليم.. وكأنه مفوض بالانتقام من ملايين خرجوا وصنعوا ملحمة تاريخية، ويتوعد «كل من اشترك في أو ساعد أو دعم هدم البلد من بداية ثورة 25 يناير 2011؛ اسمه وارد في هذه القضية وسيحاسب، ومصر هتاخد حقها منه ومش معنى إنهم متسابين لحد دلوقتي (أي متروكين حتى الآن) إنهم مش هيتحاسبوا (أي أنهم لن يحاسبوا)!!.
وحين سئل عن الاتهامات هل هي؛ «خيانة، تخطيط، تمويل، تخابر». رد «كل هذه الاتهامات واردة في القضية».. والملفت للنظر قوله: «والنيابة ستثبت ذلك حرفا حرفا»؛ فما هي الصفة التي تخوله قول هذا؟؛ ليس ناطقا باسم النيابة، ولا تربطه علاقة بالقضاء. وإثبات الاتهام يأتي بعد إنتهاء التحقيق، وفحص الأدلة، وسماع الشهود.. وفي حالة الثبوت يتحول المتهمون إلى القضاء.. وما قيل يحمل في طياته تهديدا.. وقد يوحي بإمكانية «تفصيل» قضايا على مقاسات المطلوبين!!.
وتعرف القضية بـ»القضية 250»؛ إشارة إلى عدد من تم حصرهم وقد يكونون قد استجوبوا، وعندما يقول أن مصر ستأخذ حقها من كل من شارك أو ساعد أو هدم البلد.. فيبدو أنه اختزل مصر في شخصه وشخوص من يعبر عنهم. ويدفعونه للدعوة إلى هذا «المشروع الخشن»؛ ولا أقول الدموي.. ونسجل له حق الملكية الفكرية للمشروع باسمه.. فيسْهُل على الباحثين والمؤرخين تدوينه وتوثيقه.. وما هي الحاجة إلى إعلان هذا في وقت تستعد فيه الدولة لافتتاح قناة السويس الجديدة. وهل يأتي ذلك عفوا؟.. وهل المطلوب اقتران هذه المناسبة بدعوة خشنة مصحوبة بتهديدات؟. وهل هناك من يسعى للتغطية على إتمام حفر القناة الجديدة في زمن قياسي؟.. ولا أفهم بما عرف عن العسكريين المصريين من انضباط، كيف له كعسكري أن يتناول أمورا بهذه الحساسية بهذه الطريقة؟.. وليسمح لنا «سيادة اللواء» بأن ننبه إلى أن تصرفه به شبهة «سادية» تجمع «كل من شارك أو ساعد أو هدم البلد» ويقدرون بملايين خرجت في 25 يناير… وهو تاريخ منصوص عليه في صلب دستور أقسم عليه ويحكم بمقتضاه رئيس الجمهورية، وفضلا عما في ذلك من إهانة لمصر والمصريين.. فقد وضع ألغاما شديدة الانفجار في طريق الرئيس(!!).
وحديث «اللواء النمر» جاء بعد أيام من الإفراج عن عدد من الشباب، وهي خطوة جاءت أقل من التوقعات ولم ترق إلى مستوى الوعود المعلنة، واقتصرت على شباب الإخوان، ولم تتسع لأكثر منهم من شباب التيارات الوطنية؛؛ ممن لم يثبت عليهم استخدام عنف أو ارتكاب أعمال جنائية.. ومن الممكن تفسير ذلك الكلام بأنه لصالح الفريق شفيق، وهذا يستنتج من قول اللواء النمر: «الفريق أحمد شفيق كان الفائز في سباق الرئاسة، وأنا واحد من الناس الذين تم إبلاغهم بشكل مباشر من مكتب رئيس الوزراء يومها في مكالمة هاتفية.. مبروك يا فندم؛ سيادة الفريق أحمد شفيق فاز، وكان ذلك الساعة 3 ظهرا بالضبط»!.
أليس ذلك نهجا عشوائيا في تناول الأوضاع الحساسة؟ يمتد إلى أغلب المجالات؟.. وعلى منواله أعطت الأولوية لـ»التسويات المالية» على حساب القانون والمصلحة الوطنية، وحددت مهلة 12 يوما لـ»استرداد مستحقات الدولة»، من مخالفات الطريق الصحراوي.. والحجز الإداري على 45 شركة و80 رجل أعمال ممن حولوا الأراضي الممنوحة لهم من الدولة لاستصلاحها وزراعتها؛ حولوها إلى قصور ومنتجعات وحمامات سباحة وملاعب غولف.. مع تقنين أوضاع الأراضي المستولى عليها بوضع اليد (أي بالسرقة)؛ مساحتها تسعون ألف فدان، وقيمتها 35 مليار جنيه؛ كحل أعوج لسد عجز الموازنة.. ولا يستقيم الأمر بسد العجز بتقنين جريمة واقعة، قد تفتح الباب أمام تقنين غسيل الأموال وتجارة المخدرات والدعارة والسلاح، ويُسمح بهذه الجرائم مكتملة الأركان إذا ما اقترفها «أباطرة العصر»؛ من اللصوص والقتلة ورجال المال والأعمال الفاسدين.. وقد عادوا أقوى مما كانوا بعد ثورة 30 يونيو. وكان الأولى إعمال القانون، الذي يعطي الدولة حق استعادة أراضيها المسروقة. وكان ممكنا لها أن تعلن عن اكتتاب عام لتأسيس شركات مساهمة غير احتكارية لشراء هذه الأراضي فور استرداد الدولة لها.
وإذا كانت الذكرى تنفع المؤمنين، فقد تنفع غيرهم أيضا. ونسترجع ما أشرنا إليه والملايين تزحف إلى «ميدان التحرير» وميادين الثورة في مدن وعواصم مصر؛ شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.. نشرنا على هذه الصفحة (بتاريخ 27/ 01/ 2011): «أنها لحظة فاصلة في تاريخ الشعب؛ طالما انتظرها وتطلع إليها. ومن الواجب أن تتضافر الجهود وتتكامل المساعي من أجل أن تصل هذه اللحظة إلى غايتها، وهي النصر النهائي والتخلص من الاستبداد والفساد والتبعية والإفقار».. لماذا لم تصل تلك اللحظة إلى غايتها بعد؟.. ونأمل أن نتناول هذا السؤال في موضوعنا القادم إن شاء الله.
٭ كاتب من مصر يقيم في لندن
محمد عبد الحكم دياب
شكرآ للأستاذ محمد دياب على ما كتبه ألأسبوع المنصرم عن المرحوم عبد الكريم فرحان وأرغب أن أضيف الى أن أحد بنات الفقيد لا أعرف أن كانت وضاب أو من هي أصغر منها سبق وتزوجت من رجل سويدي من أصول سويدية وهذا هو ما شجعه على السفر وألأقامة ثم الوفاة بالسويد
إن كل من أيد الدكتاتورية ضد تطلعات الفقراء المشروعة سيحاسب أشد الحساب فى الدنيا ويوم يقوم الناس لرب العالمين .
شكرا للاستاذ علي تمنياته الطيبة لمصر لكنها الدنيا تؤخذغلابا كما يقول الشاعر .. ربما للتاريخ رأيه فقد سعدت الجماهير بنجاح حركة الضباط الأحرار زمان وتولي اللواء محمد نجيب الرياسة وهو اول رئيس جمهورية (الأولي ) وجاءت بعدها بعام الجمهورية الثانية (عبدالناصر) ويومها كتب احسان عبدالقدوس الجمعية التي تحكم مصر .. ما علينا سوي انتظار ما سيقوله التاريخ