في عام 2006، استضاف البرنامج الجامعي الذي أتولى الإشراف عليه مؤتمراً دولياً تحت مسمى «انتخاب الإسلامية»، ناقش دور الإسلاميين في العملية الديمقراطية في العالم العربي. شارك في المؤتمر ممثلون للحركات من مشرق الوطن العربي ومغربه، وما بين ذلك، وحضر فيه السنة والشيعة، إضافة إلى مفكرين عرب محسوبين على تيارات علمانية. شارك كذلك دبلوماسيون غربيون على مستوى رفيع من عدة دول غربية كبرى. وكان السؤال المطروح هو: كيف يمكن للإسلاميين مواجهة مسؤوليات دفع العملية الديمقراطية في المنطقة؟
كانت الخلفية اكتساح الإسلاميين كل عملية انتخابية في المنطقة منذ عام 2005: في البحرين، في العراق، في مصر، في فلسطين، وحتى في الانتخابات البلدية في السعودية. وقد طرح هذا عدة أسئلة: هل يعني نشر الديمقراطية في العالم العربي صعود الإسلاميين إلى السلطة؟ وكيف سيتصرف الإسلاميون عندها؟ وماذا سيكون موقف الغرب من الديمقراطية؟
طرح كل جانب في هذا الحوار مواقفه وتحفظاته، وتواصل الحوار خلال السنوات اللاحقة في مؤتمرات سنوية كانت تثير هذه القضية من جوانبها المختلفة، خاصة في ظل تعثر التحول الديمقراطي.
وقد كان كاتب هذه السطور يؤكد على مواجهة الحركات الإسلامية مسؤولياتها، لأنها توشك أن تصبح معوقاً للعملية الديمقراطية. ذلك أن صعودها أصبح يستخدم من قبل الأنظمة الدكتاتورية لتخويف الخارج والداخل من الديمقراطية، كما أنها لم تنجح في بناء تحالفات قوية من أجل مقاومة الدكتاتورية. كلها هذا وضع الحركات أمام خيارات ثلاثة: إما أن تبني تحالفاً عريضاً لقيادة النضال من أجل الديمقراطية؛ وإما أن تغير برامجها بصورة جذرية أسوة بحزب العدالة والتنمية في تركيا، بحيث تصبح مقبولة من كافة قوى المجتمع، وإما أن تخرج من الساحة السياسية وتترك المجال لغيرها ليتولى قيادة الانتقال الديمقراطي.
لا يعني هذا أن كل الحركات فشلت في تبني استراتيجيات بناءة قبل وبعض تلك الحوارات، في أحيان كثيرة رغماً عنها وتحت ضغط الظروف. ففي دول الربيع العربي، خلقت الثورات تحالفات عريضة ضد الأنظمة تحت ضغط الشارع. وفي المغرب، تبنى حزب العدالة والتنمية استراتيجية سميه التركي، بينما اختار حزب النهضة في تونس استراتيجية التحالفات العريضة. وقد كانت الحركة اليمنية سباقة بتبني التحالف العريض مع الأحزاب اليسارية والقومية تحت مظلة «أحزب اللقاء المشترك»، ولهذا كانت الأنجح في هذا المجال.
ولكن صعود حركة الإخوان في مصر إلى السلطة خلق نفس الأوضاع التي حذرنا منها، نتيجة عزلتها عن حلفائها السابقين في الثورة وقبل ذلك في حركات مثل كفاية والحركة المصرية للتغيير، وحتى عن شركائها الإسلاميين مثل حزب الوسط والأحزاب السلفية ومجموعة عبدالمنعم أبو الفتوح. وقد أدت هذه العزلة إلى كارثة على مصر وديمقراطيتها. في نفس المرحلة، واجهت الحركات الإسلامية تحدياً أكبر، تمثل في بروز وصعود الحركات المتطرفة، مثل القاعدة وجماعات «أنصار الشريعة» وأخيراً داعش وفروعها من الشام والعراق، إلى مصر وليبيا.
مثلت هذه الحركات تحدياً مزدوجاً، حيث أصبحت تجتذب الشباب على حساب الحركات التقليدية، كما أن تصرفاتها الوحشية تحسب على التيار الإسلامي ككل. وهذا بدوره أدى إلى قيام تحالف دولي، هدفه المعلن مواجهة الدولة الإسلامية، ولكن غايته الأبعد هي تصفية حسابات مع الشعوب العربية.
على خلفية عمليات الاستقطاب الجارية، برز من يرى أن الشعوب العربية أثبتت بميلها إلى انتخاب الإسلاميين أنها شعوب «متخلفة» تحتاج إلى وصاية و «تربية» (حسب المصطلح المصري، الذي يرى فيها عملية «تأديب» و «إذلال» حتى يعرف العبد مكانه أمام سادته). وقد نتج عن هذا تحالف لـ «قوى الشر» المعادية لحقوق الشعوب العربية في الكرامة والحرية، يتمثل في الديكتاتوريات القائمة في إيران وسوريا ومصر وبعض دول الخليج، ومسانديها في الغرب، وبعض الدول العربية الأخرى مثل السودان والأردن والعراق واليمن وليبيا.
لم يحدث منذ الاستعمار، بل حتى في أيام الاستعمار، قيام مثل هذا التآمر المكشوف والشرير ضد الشعوب، بل كان هناك بعض الحياء، ومحاولة إخفاء الجرائم والتنصل منها. ففيما عدا الاستعمار الإيطالي في ليبيا، وبعض فصول حرب فرنسا في الجزائر، لم يحدث قط أن مارست جهة حجم ووحشية العنف الذي يواجهه المصريون والسوريون واليمنيون والعراقيون من أنظمتهم. حتى إسرائيل لم تمارس ضد الفلسطينيين هذا الحجم من العنف، ولم تظهر ما يظهره هؤلاء الطغاة من مجاهرة ولا مبالاة، بل ومباهاة بجرائمهم. فحتى في أيام النازية، كان هناك ما يكفي من الخجل من جرائم الإبادة الجماعية بحيث تم إخفاؤها عن أعين الرقباء، وحتى عن غالبية الألمان.
أما ما نشهده اليوم على الساحة العربية فهو أمر غير مسبوق من حيث تعامل قوى الشر وأنصارها، وأذرعها السياسية والإعلامية، وحتى قطاع لا يستهان به من «المفكرين» والمنظراتية، بكثير من الحقد المفضوح والاستهتار الشيطاني، بكل القيم الإنسانية وهي تبرر لاستعباد الشعوب العربية بالجملة لأقليات مجرمة ومفلسة أخلاقياً. وهذا الوضع يشكل معضلة سياسية-أخلاقية لا سابقة لها في تاريخ الحضارة الإنسانية، ما عدا في الأمم التي أهلكها الله تعالى بعذاب من عنده، مثل عاد وثمود وفرعون وجنوده، وغيرهم من الأمم التي واجهت اندثاراً شبه كامل لعظم جرمها. فلو انتصرت ـ لا قدر الله- هذه القوى الإجرامية الشريرة، فإن الدول ستتحول إلى عصابات، والبلدان ستتحول إلى مزارع سوام، ليس فيها بشر لهم كرامة. وسيتبع هذا انهيار كامل، لأن عقد النظام سينفرط، وستصبح تنظيمات مثل داعش أمنية غالية في ظل سيادة عصابات قتل متنافسة لا تستند إلى أي قيم أو مثل.
وهذا يعيدنا إلى مسؤولية ودور ما يسمى بالحركات الإسلامية. ذلك أن مبرر هذا الانحدار المهلك نحو الهاوية هو من جهة التذرع بخطر صعود الإسلاميين، والخلط بين من يمارس الإجرام باسم الإسلام، ومن يدعو إلى الخير ويعمل به. وهو من جهة أخرى، تفرد الإسلاميين بقيادة المعارضة للطغيان، وإدراك أنصار استعباد الشعوب أن القضاء عليهم يعني القضاء على إرادة الحرية والكرامة، خاصة وأن بقية القوى السياسية سقطت بوداعة في حضن الاستبداد، وبررت للعبودية وغنت لها، كما نشهد من اليسار المصري وقطاعات واسعة من القوى الليبرالية والقومية، ونظائر ذلك في دول أخرى.
ويعود هذا لفشل الحركات الإسلامية في القيام بالدور الذي يفرضه عليها حجمها وسندها الشعبي، وذلك بسبب نزعاتها الطائفية بالمعنى الأعم، حيث أنها تعزل نفسها عن بقية قطاعات الشعب، وتتمترس تنظيمياً، وتكاد تمارس عبادة التنظيم.
فمن جهة نجد التنظيمات تخوض صراعاً منفرداً مع الأنظمة القمعية دفاعاً عن كياناتها التنظيمية، بدلاً من بناء تحالفات عريضة للدفاع عن حريات الشعوب، مما سهل الانفراد بها.
ومن جهة ثانية نجد في أدبيات معظم الحركات تركيزاً على مقولات قادة التنظيم والدفاع عنه وسياساته أكثر مما نجد دفاعاً عن الإسلام وقضايا الشعوب. والمطلوب هو الخروج من هذا النفاق، وترك التنظيم وأجندته الضيقة باتجاه التركيز على قيم الإسلام الأوسع، وقضايا الحرية والديمقراطية بصورة أعم. ولا بد من تغيير شامل وفوري في القيادات والمنهج والتوجه. وعلى من فشل وقاد أتباعه للهلاك والسجون أن يتنحى ويعترف بمسؤوليته، لا أن يتمترس خلف دعاوى المحنة والابتلاء، فليس هناك ابتلاء أعظم من قيادات فاشلة لا تعترف بفشلها.
إن الأمر لم يعد يحتمل المجاملة أو التسويف. ولا عبرة لزعم بأن نقد ممارسات الحركات الآن في غير وقته، لأن الأمر بالمعروف هو أساس الدين، وبه سمينا خير أمة. وفي القرآن أنه تعالى أهلك من قصر في النهي عن المنكر واعتبرهم شركاء في الجرم. وهناك اليوم واجب على كل حادب على الإسلام أن يطالب من يتحدث باسمه بأن يكون على قدر المسؤولية، أو يمارس الانسحاب والصمت، لأن الأمر لا يتعلق فقط بإزهاق الأرواح وتدمير البلدان، بل بتدمير روح الأمة وبنيانها الأخلاقي والحضاري.
٭ كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
د. عبدالوهاب الأفندي
تتحدث عن ثلاث خيارات كان على الحركات الإسلامية اتخاذها، مفادها: “إما أن تبني تحالفاً عريضاً لقيادة النضال من أجل الديمقراطية؛ وإما أن تغير برامجها بصورة جذرية أسوة بحزب العدالة والتنمية في تركيا، بحيث تصبح مقبولة من كافة قوى المجتمع، وإما أن تخرج من الساحة السياسية وتترك المجال لغيرها ليتولى قيادة الانتقال الديمقراطي”. اجد ان من المؤسف لاكاديمي مختص في شؤون الديمقراطية ان يتبنى مثل هذا الطرح، لانه اذا وصل الإسلاميون الى السلطة بانتخابات حرة ونزيهة، فهذا يعني ان الأغلبية الشعبية تؤيد طروحاتهم. فلماذا تريد منهم ان يغيروا تلك الطروحات حتى ترضى عنها وتصبح مقبولة مما تسميها “كافة قوى المجتمع” او ان ينسحبوا من الحياة السياسية مع ان الشارع اختارهم! اليس الأولى ان تعمل تلك القوى على تعديل خطابها حتى تقنع الأغلبية الشعبية بها؛ بدلا من القاء مسؤولية عزلتها وفشلها على الحركات الإسلامية ومطالبتها بتغيير جلدها؟؟؟
كلامك اليوم يا دكتور عبدالوهاب عن الاسلاميين محبط
وماذا عن العلمانيين والاشتراكيين وووووو
ألم ينقلبوا على الشرعية مع العسكر
الرئيس مرسي لم يقصي أحد منهم
وعرض عليهم رئاسة الوزراء
لكنهم ركبوا رأسهم وانقلبوا
ولا حول ولا قوة الا بالله
هذا المقال فى الاتجاه الصحيح يمكنكم كسب معاريضيكم او تحيدهم بطرح صادق مثل هذا اليوم اضاءت شمعة ولم نكتفى بلعن الظلام
الإخوان في مصر حازوا على أغلبية مريحة تتيح لهم الحكم منفردين و هذا من حقهم و من قواعد الديموقراطية. و رغم ذلك فالإخوان عرضوا المشاركة على شركاء الثورة و لكن الأخيرين كانوا أكثر طمعاً حتى أن حمدين صباحي قال بعد هزيمته في الدور الأول أن على مرسي أن يتنازل له لخوض الدور الثاني في سابقة تاريخية و كوميدية لم تقع إلا في مصر. أحترم الكاتب و أتفق مع الكثير من طروحاته و لكن ألاحظ أنه يطالب الإسلاميين المعتدلين الديموقراطيين بأن يتنازلوا أكثر لفرقاء آخرين لا يؤمنون إلا بفكرة واحدة وهي استئصال الإسلاميين ما أمكن. العدالة و التنمية في المغرب تنازل كثيرا حتى أنه فقد الكثير من مسانديه. الشيء الوحيد الذي يجب مطالبة الاسلاميين به و هو احترام الديموقراطية و أظنهم يفعلون و أن يكونوا نزهاء و بجانب الحق و مصلحة الشعوب
أقدر وجهة نظر الدكتور عبد الوهاب الأفندي بخصوص أن الإسلاميين المعتدلين يحتاجون إلى برجماتية أكثر للتعامل مع هذا التحالف الشرير- الديكتاورية وحلفاءها الغربيين وفلول العلمانيين (يساريين قوميين ليبرالين)- لكن الشيء الذي لم أقتنع به هو أن تنازل الإسلاميين عن المزيد لترضية القوى المفلسة في الداخل قد تكون له تداعيات أخرى وهو فقدان الدعم والتأييد الذي حصلت عليه من الشعوب والذي أدى إلى نجاحاتها المتتالية عبر الصندوق، كما أن مزيدا من التنازل لن يرضي الأطراف الأخرى التي برأيي لن تقبل للاسلاميين كلمة إا أن يعلنوا تخليهم كلية عن كل ما له علاقة بالاسلام وفي هذا تعجيز!! فالمطلوب هو مراجعة شاملة للنهج وقليل من البرجماتية دون التنازل الكامل عن الأهداف التي ظلت رغم الصعاب والتحديات والمحن هي من يكسب الاسلاميين الشرعية والشعبية حتى وهم في السجون والقبور!
أصبتَ حيث أخطأوا و لكن هل يعقلون ؟ شكرا
كاتبنا السودانى الكبير انا حجزت مكان فى مركب للهجرة غير الشرعية المتجه لأيطاليا بعد ان قرأت مقالتك العظيمة (سلام على مصر) !!!!!!!!!!!!!!!!!!!
لا احد يختلف على أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هي واحدة من اهم اركان الخيرية ، إنما الإعتراض على التوقيت ، وعلى الجهة الموجه اليها المعروف و المنكر
في تعليق سابق ، ذكرنا ان لوم الضحية اليوم وهم في السجون ليس من الفضيلة ولا من الخلق القويم و لا من النبل ، كونهم الضحية ، و لكن لا مانع بل من الواجب ، مراقبة اداءهم و افعالهم و نقدها نقداً بناءاً عندما يكونون في السلطة.
و كان الكلام تحديداً عن مصر وما جرى فيها ، و صار من المعروف كيف حورب الرئيس مرسي و منع من اداء وظيفته ومن وضع خططه موضع التنفيذ ، ومع ذلك لم يمتنع الكثير ومنهم العبد لله من توجيه الكثير من الأنتقادات له و لبعض قراراته عبر تعليقات هنا في القدس العربي وغيرها من المنابر.
اما اليوم فإن النهي عن المنكر يجب ان يوجه كلياً الى من قاموا ويقومون بكل هذه الموبقات السياسية ، و بعد ان اقتادوا كل هذه الضحايا الى السجون!
استغرب استغراباً كبيراً ، تعبير الدكتور الأفندي هنا الذي يقول فيه :
“وعلى من فشل وقاد أتباعه للهلاك والسجون أن يتنحى ويعترف بمسؤوليته!!”
صراحة ، لا تعليق لديّ !!
فعلا يا د.أثير لقد كانت سقطة من الكاتب المحترم أن يلوم الضحية على مصيرها.