كم من جرائم ترتكب باسم الإسلام

حجم الخط
6

إبَّان الثورة الفرنسية إنتشرت أصداء مقولة ‘أيتها الحرية، أيتها الحرية، كم من الجرائم ترتكب باسمك’. اليوم، في بلاد العرب والمسلمين، نحتاج إلى صرخة مماثلة ‘أيها الإسلام، أيها الإسلام كم من الجرائم ترتكب باسمك’.
ماعاد يحقُ لأمَّتي العروبة والإسلام غضَّ الطرف عن الجرائم، وليس فقط الأخطاء والحماقات والبلادات كما يحلو للبعض أن يصنٍّفها، التي تجتاح الكرة الأرضية تقريباً يومياً باسم الإسلام، تحت راية تدَّعي زوراً بأنها راية الجهادية الإسلامية. إنها جرائم مجنونة عبثية، فيها الغدر واللؤم، ومن المؤكد ترتكب تحت وقع رقصات الشيطان، عدوَّاللٌه وعدوِّ الإنسانية . إنها أحداث مرعبة تجرَّ في أذيالها تشويهاً لسمعة ومكانة الإسلام والمسلمين وتزويراً فاضحاً لمعاني ومقاصد كلمات قرآنية، من مثل كلمة الجهاد، تستلُّ من بين الآيات القرآنية الكريمة بتعسُف لتستعمل في صراعات السياسة.
فهل من المقبول بأيً مقياس، وعلى الأخص بمقاييس دين الإسلام الذي ساوى بين قتل نفس واحدة بدون حق وبين قتل الناس جميعاً، أن يفجرٍّ إنسان نفسه أو يفجٍّر سيارة مفخَّخة، باسم دين الحقٍّ والقسط والميزان، في مسجد يركع فيه المصلٌّون، أو كنيسة يقوم فيها من آخاهم الإسلام كأهل كتاب، أو في مدرسة ينتظم فيها أطفال أبرياء، أو في صف يقف فيه أناس يطلبون الرِّزق لإعالة أولادهم وأزواجهم، أو في حشد رياضي لا دخل لمريديه بصراعات السياسة والسياسيين؟ القائمة تطول عن موبقات إزهاق أرواح بريئة غافلة عن مخطَّطات شيطانية تدور في عقول مريضة، وينتهي إزهاقها إلى ملء كون الله بالدموع والحسرات والتيتُّم والترمًّل وتدمير مشاعر القيم والأخلاق في نفوس البشر.
لا، لايمكن السكوت عن هذا الإستعمال الظالم الجاهل لدين ربٍّ السماوات والأرض، ربٍّ الرحمة والمحبّة والعدل والغفران. إنه سكوت على من يقولون على الله الكذب، سواء بقصد أو بدون قصد، فيدفعون بشباب العرب والمسلمين ليخالفوا مقاصد دينهم الكبرى، ليمارسوا انتحاراً همجياً لا يقرًّه الله ولا يمكن أن تقبله أية شريعة سماوية وأرضية، ليهيٍّئوا العالم لاحتقار ونبذ المسلمين، ليشجٍّعوا إرتفاع الضجيج المستهزئ بقرآن المسلمين ونبيًّهم وتاريخهم، بل أكثر من ذلك، لتهميش العرب والمسلمين على قارعة طريق الحضارة الإنسانية.
ليس هذا مقالا لتفصيل ما يمكن فعله. إنه إدانة لطريقة تعامل الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني، وبالأخص الاحزاب الإسلامية السياسية، وعلماء الدين ومؤسسات القمم العربية والإسلامية .. إدانة لطرق تعامل الكل مع كل ما يجري باسم الإسلام . ولقد شدًّدنا على موضوع ‘الجهاد’ الإنتحاري لأنه الأكثر مأساة ووجعاً لنا، نحن العرب والمسلمون. لكن البلاء لم يقتصر على ذلك، بل طال الحياة المجتمعية في بلاد العرب والمسلمين إلى حدود الفتن المذهبية الطائفية وتشكيك الناس في روعة وطهارة دينهم الإسلامي وترك البعض لهذا الدين المبهر قرفاً واشمئزازاً من بعض ما يرتكب باسمه ظلماً وعدواناً.
ماعادت القضية قضية صغيرة أو فرعية، لقد أصبحت قضية القضايا. ماعاد هناك حاجة لطرح أسئلة لماذا وكيف وإلى أين، فعندما تشتعل النار، وهي مشتعلة في كثير من بلدان العرب والمسلمين وغير المسلمين، فان الواجب ليس طرح الأسئلة وإنما العمل السريع لإطفائها.
ماعاد من حقٍّ بضعة ألوف من شباب الاسلام التائهين المغرًّر بهم وبعقولهم وببراءة ونقاء نيًّاتهم أن يخسفوا الأرض من تحت أقدام مليار ونصف من المسلمين الذين يتساءلون يومياً، وهم يسمعون أخبار الفظائع التي ترتكب، عن النًّبأ العظيم الذي ستأتي به الأيام القادمة أذا استمرًّ الوضع الذي نحن فيه، والذي هم فيه مع الأسف يختلفون.
نحن نعلم أن بعض علماء الفقه الجامد المتزمًّت المتخلف متورطون في هذه المسرحية السوداء، لكننا نعوًل على أخيار علماء الدين الإسلامي وعقلائهم أن يكوٍّنوا تياراً واحداً، بصوت واحد، بمقارعة يومية في المساجد وفوق كل منابر الإعلام، لمحاربة هذا الوباء ‘ الجهادي ‘ الذي يحصد أرواح الأبرياء المسالمين في حين يغضُّ الطرف في كثير من الأحيان عن مواجهة الأعداء الحقيقيين . من هنا تنعم الجبهة المقارعة للعدو الصهيوني وللإمبريالية بسلام الإطمئنان والصًّبر، بينما تحترق مجتمعات كثيرة، وعلى الأخص العراقية والسورية والأفغانية واليمنية والسودانية والباكستانية منها.
علماء الدين الإسلامي، الذين لا يملُّ بعضهم عن الحديث عن توافه وقشور وهوامش الحياة، مطالبون بأن يقودوا حراكاً شاملاً، دعوياً وثقافياً وسياسياً وتجييشاً جماهيرياً، ولا نقول أمنياً باطشاً عشوائياً، لنصرة دين الإسلام الذي يواجه الآن محنة تاريخية تحمل أخطاراً هائلة . لكأنه لا يكفي هذا الدين الموحًّد حرفه نحو الفتنة الحقيرة، فتنة التضادد العبثي السنًّي ـ الشيعي، ليضاف إلى محنه وإحنه تدمير مجتمعات أتباعه ومواجهة العالم كلًّه بصورة تراجيدية عبثية.
لنذكًّر الجميع بعذاب يوم ليس ببعيد، يوم ينظرون ماقدًّمت يداهم منذ كوارث أفغانستان ‘الجهادية’ وإلى أمد يجب أن لا يطول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سليم منتصر:

    صرخة عالية مدوية زلزلت قلبي وربما تزلزل قلوب الكثيرين غيري من ابناء امتنا العربية المجيده ولعلها تطلق ما لدينا من طاقات حيوية من اجل تغيير شامل في اساليب حياتنا . نعم يا استاذ علي فخرو لقد آن الأوان لتطبيق مبادئ شريعتنا السمحة ونتحرر من أسر بعض افكار اسلافنا المتطرفة . نحن في امس الحاجة اليوم قبل الغد الى وحدة اسلامية مبنية على فهم سليم يتناسب مع هذا التطور المذهل في الفكر الانساني. قد نجد المبررات لهذه الصراعات الدامية التي كان للغرب الاستعماري دورا رئيسيا في وجودها ومع ذلك يجب ان نفهم الجهاد بمعناه الحقيقي في الاسلام وعلى كل علماء المسلمين ومفكري الأمة الوقوف صفا واحدا ضد كل اشكال التطرف باسم عقيدتنا السمحة . لاثورة على عقيدتنا بل ثورة لتطهير ما شابها من تفسيرات لا تمت لها بصله. لانريد بذلك ارضاء الغرب الصليبي بل نريد الحفاظ على عقيدتنا صافية كما كانت أصلا.
    الأمل في مستقبل مشرق لن ينطفئ ما دام في امتنا أناسا خيرين شرفاء مخلصين لامتهم وللأنسانية جمعاء.

  2. يقول الدين الإسلامي صمام أمان:

    الجرائم المرتكبة باسم الديمقراطية والحرية أعظم وأكثر وأجبن. أما باسم الصهيونية فحدث ولا حرج. يبدو أنهم نجحوا في إدخال عقدة الذنب لدى المفكرين المسلمين فكيف بالشعوب. ينبغي استنكار الجرائم العظمى فهو أولى، وهي جرائمهم هم. كفى ضعفا وكفى جلدا للذات. وقليلا من الإباء والتمنع جازاكم الله خيرا. لا تجعلوا أنفسكم دونهم

  3. يقول بلحرمة محمد:

    من من المسلمين لا يعرف ان الاسلام الحنيف قد انزله الله رحمة للعالمين فكثيرة هي الايات الكريمات التي يقول فيها الحق سبحانه عن الرحمة والعدل والمساواة والاستقامة والاخلاق والقيم والتعاون لما فيه المصلحة العامة والتكافل وغيرها مما ينفع المسلمين دنيويا واخرويا وكثيرة هي الايات التي يحدر فيها الحق سبحانه الانسان من الانزلاق نحو ما يغضبه كالكفر والشرك والسرقة وقتل الانفس بغير وجه حق وغيرها فما نشاهده ونرصده في ارض العرب والمسلمين اليوم من حماقات وجرائم ترتكب باسم الاسلام سواءا من طرف اشخاص او جماعات او علماء او انظمة امور يتبرئ منها الاسلام جملة وتفصيلا فكيف لمن ينطق بالشهادتين ويفجر نفسه وسط الابرياء؟وكيف لانسان يدعي الاسلام دينا ان يدبح انسانا مسلما اخر من الوريد الى الوريد ظنا منه ان دلك سيفتح له ابواب الجنة على مصراعيها؟ وكيف لمن هم ورثة الانبياء من العلماء الدين باعوا دينهم وضمائرهم ليفتوا بفتاوى ما اتى الله بها من سلطان لزيادة تاجيج واشعال نيران الفتنة والتقاتل وبث سموم الكراهية بين المداهب والفرق؟وكيف لانظمة تدعي في دساتيرها ان دين الدولة هو الاسلام وهي تفعل كل ما يخالف الاسلام حيث تتحالف مع امريكا والصهاينة والغرب وتمدهم بكل ما يريدون للعدوان على بلاد المسلمين؟ افلا يعلم هؤلاء جميعهم ان ما يرتكبونه منافي تماما للاسلام وانه خدمة جليلة وكبيرة لاعدائه الدين يتربصون بالعرب والمسلمين صباح مساء؟افلا تعقلون؟

  4. يقول مصطفى:

    يااستاذنا مادام الاسىم لم يخرج من تحت عباءة الفقهاء فلن تقوم لنا قائمة. بل سنفني اعمارنا في الجدال بين البيضة والدجاجة. عندما كان الاسلام تحت عباءة المفكرين اعطينا للبشرية ابن سينا وابن رشد والمعتزلة … اما عندما اصبح تحت عباءة الفقهاء اعطينا للبشرية ابن لادن والظواهري والطالبان … لابدا لكم يا استاذ كمفكرين ان تتحملوا مسؤليتكم في اظهار حقيقة الاسلام بعيدا عن الحلال والحرام والتعصب والتطرف , فما احوج البشرية اليوم الى من يبين وينير لها الطريق .

  5. يقول Muktar:

    لو كان كل الصحفين والمفكرين والفقهاء والعلماء مخلصين لله ولدينه وللمسلمين كان لم يقتل شخص واحد بأسم الدين وكان وجهوا قتالهم الى اعداء الله ولاكن حكام الخليج هم من يأزوا الفقهاء والعلماء باخراج فتاوي لا اول لها ولا اخر بالتشجيع على قتل المسلم وبسبب هذه الفتاوي قتلت من الشعب العراقي اكثر من مليون نفس بريئة باسم الجهاد وفي سوريا مائة الف من خلاف الدمار والخراب . شكرآ للاخ الدكتور فخروا على هذا المقال ونتمنى ان نقراء المزيد من مقالاتك وخاصة فيما يتعلق بالفتنة التي تصدر عن علماء الدين التي تبيح قتل الابرياء وتشويه سمعة الاسلام بأنه دين ذبح ونحر ومفخخات .

  6. يقول العايش من الجزائر:

    الله اكبر الله اكبر………..ما اجمل هذا الكلام الصادق النابع من قلب مكلوم جريح.شكرا استاذ ويا ليت اصحاب العقول ان يدعو الى ما تدعو اليه وان يكفو عن مناصره هذا عن ذاك وانما يدعو الى وحده الصف.

إشترك في قائمتنا البريدية