في الافتتاح التجريبي لقناة السويس المصرية أطلق الإعلام المصري شريط فيديو يصور السفن عبر القناة، كما يصور جزءاً من آلية العمل، بالإضافة إلى صورة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وبضع كلمات للرئيس السيسي. ثم يكمل الشريط مع أغنية وديع الصافي الشهيرة «عندك بحرية يا ريس»، وهي من ألحان محمد عبدالوهاب وكلمات الشاعر اللبناني الراحل عمر الزعني.
الأغنية عادت بلهجتها إلى المصرية، وجرى توظيفها لتكون أغنية الناس، البحارة، لـ «الريس» السيسي. لقد جرى إذاً مصادرة الأغنية، ويصعب منذ الآن أن يغنيها المرء من دون أن يحضر السيسي في مخيلة المغني. لم نخسر بلداً وحسب، بل خسرنا الأغاني. هذا هو بالضبط اعتداء الحاضر على الذاكرة.
بلد الأصوات المنهوبة
سيدة عجوز تصرخ ملء قلبها على شاشة «المنار»، لبرنامج المذيع عماد مرمل، فتصف كل ما حولها بالمافيات. هي صوت مؤثر للغاية، تقول عبارة ذهبية واحدة قبل أن تنفجر فلا نعود نسمع غير الصراخ: «بلد الكرامات المنهوبة»، هل هناك أجمل من هذا الوصف، وهو يصلح لا أن يكون مانشيتاً لصحيفة فحسب، بل لثورة. ألم تكن ثورة تونس وسوريا من أجل الكرامة قبل كل شيء؟
لكن من تقصد السيدة بالضبط حين تقول المافيات؟ ومن هو برأيها المسؤول عن الكرامات المنهوبة؟ فما دامت السيدة تتحدث إلى «قناة المنار» فلا بد أنها تستثنيها، فلا يعقل أنها تتحدث عبر قناة المافيا على سبيل المثال، وتشكو لهم أمرها.
لا يصْدُق القول الصحافي «الوسيلة هي الرسالة» قدر ما يصدق في لبنان، وما دمت لا تسمي الأشياء بأسمائها، فإن ذلك لا يعني شيئاً أبداً. إنه كلام فائض عن الحاجة. لا شك أن السيدة جميلة، وهذا هو اسم السيدة العجوز المتصلة، صادقة في قهرها وبوحها، ولكن لا شك أيضاً أنها اختارت الوسيلة الخطأ. إنه حقاً، فوق كونه بلد الكرامات المنهوبة، بلد الأصوات المنهوبة.
«فيس مسلم»
تصلنا إعلانات عن شبكة جديدة من شبكات التواصل الإجتماعي تحمل اسم «مسلم فيس». إنها نظام الـ»فيسبوك» نفسه، ولكن مع فارق أنها تواصلٌ في إطار الشريعة، كما تعلن الشبكة عن نفسها. منتدى اجتماعي بضوابط شرعية، بالإضافة إلى أنه يوفر خدمات من قبيل التذكير بمواعيد الصلاة، وأقرب مسجد للصلاة، ومطاعم الأكل الحلال المتوفرة. أما إضافة شخص من الجنس الآخر فهي متاحة فقط للمحارم. هنالك أيضاً فرصة للبحث عن شريك الحياة، ولكن مع وسطاء ومحارم أيضاً، ولا يستطيع اثنان أن يلتقيا من دونهم.
تبدو الفكرة تماماً عكس فكرة الفيسبوك التقليدي، فإذا كان الأخير شبكة مفتوحة دائماً على توسع دائم، بلا ضوابط دينية أو قومية وخلافه، فإنها في «مسلم فيس» نوع من التضييق. خطوة ينقصها فقط أن يكون هناك «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»!.
ديبارديو مع الديكتاتور
مرة اعترض الممثل الفرنسي المشهور جيرار ديبارديو في مقابلة إذاعية على أنه بعد كل هذا العمر في السينما كل ما يتذكره الآخرون عنه أنه تبول في ممر الطائرة. كان ذلك قبيل إقلاعها بقليل، لم يصبر الرجل، تجادل مع المضيفات، حاولن تهدئته، لكنه أصر، ففعل فعلته عن قصد في الممر.
لم تمر الحادثة من دون أن تستثمرها شركات الإعلان، كان يكفي أن تصوره الكاميرا ينعم بابتسامة رضا عارمة مسترخياً في مقعده لنفهم أن كل شيء على ما يرام على متن طائرات الشركة صاحبة الدعاية.
أخيراً ظهر ديبارديو في صور تناقلها البعض بداية بحب، حيث الممثل النجم، صاحب أكثر من مئة وثمانين فيلماً سينمائياً، بين الزرع بيده منجل الحصاد، قبل أن يعرفوا أنه كان يتلقى درساً في الحصاد من رئيس روسيا البيضاء الكسندر لوكاشينكو إثر زيارة مفاجئة له.
هكذا انقلبت النظرة إلى الصورة حين لاحظ الناس أن ديبارديو التقط صوره وأخذ دروسه ممن أسمي ذات يوم «آخر ديكتاتور في أوروبا»، وسرعان ما تذكرت الصحف جواز السفر الروسي الممنوح للممثل الفرنسي المحتج على قانون الضرائب في بلده من قبل الرئيس الروسي بوتين شخصياً، كما تذكرتْ وصفه لروسيا بالـ «بلد ديمقراطي عظيم». بالإضافة إلى دعمه ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
أرأيت؟ الناس تتذكر أشياء أخرى، غير حكاية الممر، وبالعكس قد تبدو تلك حكاية طريفة ومرحة لا تزعج، إذا ما تذكرنا وقفتك إلى جانب الديكتاتور.
أليسا والفن الملتزم
في مقابلة للمغنية اللبنانية أليسا مع قناة «العربية» تحدثت ببساطتها المعتادة، حين سئلت لماذا إصرارها على تغريد مواقف سياسية وغيرها مما يتعلق بالشأن العام، قالت ما معناه لمَ لا؟ ما دام لدى الفنان ملايين المعجبين، أو المتتبعين على الأقل، كما قالت، ما دام قادراً على التأثير بهم، فلم لا يفعل؟
لا يمكن إلا أن يتذكر المرء أمام كلام المغنية العديد من الشخصيات الثقافية المكرسة في حياتنا المعاصرة، التي ما إن تحضر كلمة «الالتزام» حتى تتذكرها على الفور، أسماء إبداعية كبيرة، وكتب، وصحف كان شأنها اليومي الحديث عن أدب وفنون الالتزام، ولكن ما إن حبكت معركة الالتزام المكلفة، حتى اختفوا تماماً، هذا إذا لم نقل إنهم التزموا تماماً جانب الدكتاتور، بهذه الحجة أو تلك. لم يعد أحد يطيق الحديث عن غرامشي ونظرية المثقف العضوي، ولم تعد تأتي سيرة الالتزام على لسان أو في زواية صحفية لأحدهم. لقد أثبتت أليسا أن المسألة أبسط بكثير، ولم تحتاج ندوات وتنظيرات. لمن ترفع القبعات؟!
كاتب من أسرة «القدس العربي»
راشد عيسى
تبدو الفكرة تماماً عكس فكرة الفيسبوك التقليدي، فإذا كان الأخير شبكة مفتوحة دائماً على توسع دائم، بلا ضوابط دينية أو قومية وخلافه، فإنها في «مسلم فيس» نوع من التضييق. خطوة ينقصها فقط أن يكون هناك «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»!. – انتهى التعليق –
أليست فكرة مسؤولة وتحافظ على الأسرة المسلمة يا أستاذ راشد ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله