تونس ـ «القدس العربي»: دعا رئيس جمعية تونسية متخصصة بمكافحة الفساد إلى تشكيل «جهاز استخبارات مالية» لمراقبة نشاط الجمعيات المشبوهة والمتهمة بتمويل الإرهاب، مشيرا إلى أن الدولة التونسية «شريكة» بشكل غير مباشر بجرائم غسيل الأموال.
إبراهيم الميساوي (رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الفساد) قال «نطالب الحكومة بتأسيس هيئة مالية ذات منحى استخباري، شبيهة جدا بالمنظومة الاستخباراتية في شكلها المتعارف عليه، وهذه الهيئة يجب أن تكون أيضا ذات صبغة إدارية وأمنية وقضائية حتى تكون تقاريرها متكاملة ولا تشوبها شائبة، لأن عملية رصد أي شبهة وتحليلها وإحالتها على القضاء لا بد أن تكون متكاملة من حيث المعلومة وتحليلها والأطراف المعنية بتهمة الشبهة».
وأضاف لـ»القدس العربي»: «لا بد من تشكيل قاعدة بيانات كبيرة تضم قواعد البيانات في كل من لجنة التحاليل المالية في البنك المركزي ودائرة المحاسبات والأجهزة المصرفية (البنوك بشكل عام) ومصالح الديوانة (الجمارك)، إذا وقع جمع معطيات هذه الهيئات كلها في قاعدة بيانات موحدة فستتوفر لدينا معلومات واضحة ومتكاملة، وخاصة فيما يتعلق بمراقبة نشاط الجمعيات في البلاد».
وكان الوزير المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني كمال الجندوبي أكد وجود 157 جمعية تحوم حولها شبهة الإرهاب، مشيرا إلى أن الحكومة قامت بتعليق نشاط 80 جمعية والتنبيه على 83 جمعية أخرى بتسوية وضعيتها القانونية إضافة إلى حلّ عدد آخر بقرار قضائي.
لكن الميساوي أكد وجود أكثر 250 جمعية تقوم بنشاط مشبوه أو تتعاطى أعمالا غير قانونية، مشيرا إلى أن المرسوم 88 الصادر عام 2011 أعطى حرية مطلقة في تأسيس الجمعيات عبر إجراءات بسيطة جدا و»خرجنا من دائرة الترخيص إلى التصريح بالوجود فقط، ونلاحظ الآن أن المشهد الجمعياتي تطور جدا، وخاصة في ظل وجود جمعيات خيرية».
وأضاف «لدينا تقصير فيما يتعلق بمراقبة الجمعيات، فلجنة التحاليل المالية المتخصصة بمراقبة الأرصدة المالية تضم خمسة خبراء فقط متخصصين بالتحليل المالي، وبالتالي هناك استحالة مادية لمراقبة نشاط أكثر من 18 ألف جمعية في البلاد، أيضا في صلب اللجنة المختصة في رئاسة الحكومة، هناك موظفون يقع تعدادهم على أصابع اليد، بالتالي لا يمكن أن تكون هناك رقابة جامعة للمال الجمعياتي».
وكان الجندوبي اعتبر في تصريح سابق لـ»القدس العربي» أن الخطوات الحكومية الأخيرة المتعلقة بحل الجمعيات المشبوهة والمتهمة بتعبئة بعض الشباب لتنفيذ عمليات إرهابية «ضرورية» لكنها لا تكفي للحد من الخطاب التكفيري في البلاد، داعيا إلى «توعية المواطنين للقيام بدورهم في حماية المجتمع عبر الإبلاغ عن أية أنشطة مشبوهة (من الجمعيات أوغيرها)، حتى لا يقع شبابنا ضحية التأطير المؤدلج والنفسي لبعض العصابات التي توظف حرية العمل الجمعياتي في مآرب تخريبية».
من جهة أخرى، يرى الميساوي أن قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال الذي صادق عليه البرلمان مؤخرا يتضمن إخلالات عدة، وخاصة في المجال التشريعي عبر «تجزأة مكافحة الإرهاب أو مكافحته على مراحل، فالجريمة الإرهابية أو جريمة غسل الأموال هي جريمة مركبة، أي أنها تأتي نتاج لعدة جرائم، فالأموال القادمة من عمليات تهريب يقع استثمارها في مجال آخر، يعني هناك عدة جرائم وقع ارتكابها حتى نصل إلى ما نسميه جريمة غسيل الأموال».
وأضاف «المعايير المتبعة في مكافحة جريمة غسل الأموال ذات منحى ضعيف جدا، كما أن ما يعيق تطبيق القانون في هذا المجال هو ان الدولة أحيانا تكاد تكون شريكة في جريمة غسل الأموال، وهذا ما يحدث عندما تقوم وزارة العدل مثلا باستئجار محلات هي ملك لبعض المهربين وتقوم بتحويلها إلى محاكم».
وأكد أن القانون الحالي لا يكفي للقضاء على الإرهاب، إذا لم يتزامن مع «تدابير وقائية يقع التصدي من خلالها للجرائم الإرهابية، فلا بد للدولة من اتخاذ قواعد التصرف الحذر من خلال تتبع الجمعيات، كي تمتنع هذه الجمعيات عن قبول الأموال أو التبرعات المالية مجهولة المصدر، وتُلزم هذه التدابير الوقائية الجمعيات بأن تضع قواعد محاسبية، وتقع صياغة الشروط الشكلية لهذه القواعد بصورة مشتركة ما بين هذه الجمعيات والحكومة، وأيضا لا بد من اتخاذ تدابير تتعلق بقواعد الصرف، بمعنى: أين وقع صرف تلك الأموال التي نالتها الجمعيات من خلال التدقيق بذلك ويكون ذلك من خلال سند أو صك بنكي».
وكان البرلمان التونسي صادق قبل أيام على قانون مكافحة الإرهاب بأغلبية 174 صوتا واعتراض عشرة نواب، في خطوة اعتبرها البعض «حدثا تاريخيا»، فيما اعتبر عدد من السياسيين التونسيين أن المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال لا تكفي للقضاء على آفة الإرهاب المستشرية في البلاد منذ عدة سنوات، منتقدين «الغموض» الذي تثيره بعض فصول القانون، وخاصة فيما يتعلق بتعريف مصطلحي الإرهاب وغسيل الأموال.
حسن سلمان