هل سينتصر النظام السوري؟

حجم الخط
7

(1) ظهرت خلال الأسبوعين الماضيين دلائل متواترة على أن «لعبة النهاية» في الأزمة السورية قد بدأت. وكان أكبر هذه الدلائل دخول تركيا المعركة على الساحة السورية لأول مرة، وهو أمر له مغزاه ونتائجه. فتركيا لم تدخل معركة الحسم بكامل ثقلها فقط، بل وخلفها حلف الأطلسي والتحالف الدولي. وعندما تدخل تركيا المعركة، فإنها لا تدخلها للنزهة، لأن التهديد الذي يمثله تفكك سوريا يؤثر بصورة مباشرة في أمنها الداخلي.

(2)

في نفس الفترة، كان ظهور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الدوحة هذا الأسبوع بالتزامن مع وصول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري واجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون يحمل دلالة أخرى فسرت لدى القادة الخليجيين بأنها إشارة تخلي موسكو عن الأسد.

(3)

يأتي هذا بالتزامن كذلك مع إعلان إيران عن «مبادرة» لحل سياسي في سوريا، ودعوة روسيا قادة الائتلاف السوري المعارض إلى موسكو، في إشارة أخرى إلى توجه روسي-إيراني نحو إغلاق الملف السوري الذي أصبحت كلفته باهظة لكل من روسيا وإيران.

(4)

هناك تفسيران متعارضان لهذه التحركات المحمومة. حلفاء النظام السوري وعلى رأسهم إيران يميلون إلى الزعم بأن هناك تحولاً دولياً باتجاه القبول ببقاء النظام السوري، وفرض شروطه على المعارضة السورية. ويرى هؤلاء بأن إدراك العالم لخطر «داعش»، والتحولات نحو الأسوأ في بلدان الربيع العربي، وتحول بعض الأنظمة الجديدة، خاصة في مصر، باتجاه دعم النظام السوري، خلقت كلها واقعاً جديداً أجبر من كان يتمنى زوال النظام الأسدي إلى تعايش معه بالإكراه. وهذا يعني التخلي عن دعم المعارضة السورية، وربما إطلاق يد النظام للقمع واستعادة «الأمن والاستقرار» في البلاد. يعضد هذا إتمام اتفاق إيران النووي مع الغرب، وظهور بوادر تعاون واسع بين المعسكرين، يشمل الاقتصاد والأمن والسياسة، ومجالات أخرى.

(5)

من جهة أخرى، هناك قراءة ترى أن الأمر بالعكس، إشارة إلى صفقة تتخلى فيها إيران وروسيا عن بشار مقابل صفقات ومكاسب في مواقع أخرى. بداية، فلا بد أن إيران أدركت أنها خسرت رهانها في اليمن بعد بوادر دحر التمرد الحوثي، ولم تعد تحتمل ضربة أخرى مماثلة في سوريا. وتدخل تركيا والناتو يشير إلى سيناريو يمني في سوريا، لأن النظام السوري سيخسر مزية الطيران التي كانت أداته الأولى ضد الثورة بعد تهاوي قواته البرية. وعليه لا بد من تحرك استباقي لصفقة تنقذ ما يمكن إنقاذه، وتحويل انهيار نظام الأسد إلى مكسب عبر نسبة التخلص منه إلى جهود إيران، وقبض ثمن هذه البضاعة التالفة بالتخلص منها بثمن ما.

(6)

روسيا تحتاج كذلك إلى تحرك استباقي، لأن الاتفاق الإيراني مع الغرب يعني خسارة وضعها المتميز مع إيران التي بدأت منذ الآن في حملة لاستمالة الشركات الغربية، وفتح سوقها لمنتجات الغرب، وهو أمر يأتي بلا شك على حساب روسيا التي استفادت من عزلة إيران الدولية. وبالتالي، لا بد أن تتحرك روسيا استباقياً بدورها لقبض ما يمكن من ثمن قبل فوات الأوان. فروسيا لا مصلحة حيوية لها في سوريا، وكانت تؤازر إيران في الأغلب. ومن مصلحتها مقايضة نظام الأسد بمقابل يصب في الاعتراف بمصالحها الحيوية في شرق أوروبا، خاصة أوكرانيا والقوقاز (حيث تعتبر إيران منافساً لا حليفاً).

(7)

مهما يكن، فإن الأحداث تستبق الطرفين، بداية بتعاون أمريكي- تركي فاعل لإقامة المنطقة الآمنة التي طال الحديث عنها في شمال سوريا لتأمين اللاجئين وإعطاء الجيش السوري الحر موطئ قدم معزز بالدعم الجوي والمدفعي من تركيا وحلفائها. فأزمة اللاجئين تحولت إلى مسألة أمن قومي أوروبي في ظل تدفقات تهدد حكومات أوروبا ونظمها السياسية وتماسك مجتمعاتها، وكلها أمور لا تحتمل المجاملة.

(8)

لا شك أن أي رهانات على إمكانية بقاء النظام الأسدي في سوريا هي وهم خاسر، لأن بقاء النظام يمثل كارثة على داعميه أكثر منها على خصومه، بعد تحوله إلى ثقب أسود يمتص موارد ومصداقية مؤيديه بدون أي عائد مقابل. فالنظام الإيراني افتضح طائفياً وانكشف سياسياً وخسر شعوب المنطقة بتأييده لفظائع النظام، كما قام بحرق ورقة حزب الله عبر الزج به في هذا المستنقع. ولو بقي النظام فإنه سيزداد سوءاً في ممارساته، وستزداد كلفته المادية والأخلاقية على طهران التي ستغرق معه كما غرق الاتحاد السوفيتي في مستنقع أفغانستان وتهاوى.

(9)

استمرار الوضع الحالي في سوريا مستحيل بدون دعم غربي، وهو ما لن يتأتى، حيث لا يوجد أي عائد مرتجى من مثل هذا الدعم. فالأخطار التي نتجت من استمرار النظام السوري وسياساته لم تأت من نقص الدعم له، بل من حجم هذا الدعم. وزيادة الدعم ستورط الغرب في مستنقع النظام بدون أن تخفف من أضرار استمراره، الذي سيعني المزيد من تشريد السوريين (وربما اللبنانيين أيضاً) باتجاه سواحل أوروبا، وزعزعة استقرار المنطقة.

(10)

مهما يكن فإن الأمر حسم بانطلاق «عاصفة الحزم» التركية التي تسعى إلى انتزاع مناطق الدولة الإسلامية وتسليمها للمعارضة السورية المعتدلة، وخلق مناطق آمنة للمعارضة والمدنيين معاً. وسيؤدي هذا إلى خلق الأوضاع الملائمة لتسريع إسقاط النظام السوري وتأمين البديل المقبول له. وعليه فإن «لعبة النهاية» ستعني النهاية فعلاً لنظام الأسد. والعقلاء في روسيا وإيران فهموا ذلك ويريدون أن يحولوا هذه النكبة إلى مكسب قبل فوات الأوان.

٭ كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن

د. عبدالوهاب الأفندي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    داعش ليست مشكلة للأتراك بقدر حزب العمال
    لكن جبهة النصرة هي العقبة أمام الأمريكان – أليسوا من القاعدة ؟
    ولهذا تنازلت جبهة النصرة عن أماكنها بحلب لصالح الثوار لأجل اسقاط النظام

    ايران تمنع الثوار من اقتحام دمشق
    والغرب يمنع الثوار من اقتحام الساحل
    والسؤال هو : هل ايران والغرب متحالفين

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول عبدالله ناصر:

    الغرب وعلى رأسه امريكا ومعه جميع المتآمرين على الثورة السورية من الفرس والعرب لن ينهوا كارثة سوريا اﻻ بعد ان يكونوا متأكدين ان ماسمي بربيع العرب قد تم دفنه في سوريا وانى شعبها الذي ارادوا منه ان يكون عبرة لغيره من الشعوب التي تفكر التخلص من اﻻستبداد والفساد قد ادى دوره فعلا ونجحت خطة جعل سوريا مقبرة لثورات الربيع العربي وشعبها ضحية وعبرة لغيره من الشعوب وامن اسرائيل قد تعزز اما غير ذلك فسيبقى الوضع يراوح مكانه فكلما شعروا بتفوق فريق قاموا بدعم خصمه سواء كان النظام او المعارضة وهكذا دواليك

  3. يقول tharwat gasim:

    شكراً على تحليل جميل
    اذا اردت فهم غلوطية الشرق الاوسط ومواقف الدول العظمى ، فانظر إلى اسرائيل واين تقع مصالحها وبعدها تكون الصورة واضحة .
    اسرائيل لا ترغب في سقوط نظام الاسد لانه نظام مسالم وحدودها معه آمنة منذ حرب رمضان . واسرائيل تؤيد داعش وجيش الفتح والمعارضة المعتدلة كلهم ومثلهم معهم ضد نظام الاسد لكي يتم تدمير سوريا بين الجبهتين كما تم تدمير العراق ولكن في الحالة السورية مع بقاء الاسد على راس الدمار بدلاً من داعش اوجيش الفتح ببساطة لان الاسد شيطان مُجرب ولا خوف منه على سلامة اسرائيل .
    وهذا الوضع يفسر زيارة المملوك للسعودية وزيارة المعلم لمسقط .
    ايران وروسيا سوف يستمران في تأئيد الاسد لان هذا ما تريده اسرائيل وبالتالي امريكا .
    مصر سوف تؤيد الاسد لنفس السبب خصوصاً واسرائيل صارت تمدها بالمعلومات الاستخبارية عن المصريين في سيناء لكي تقذفهم بالطائرات التي باعتها اسرائيل لمصر وقد ضغط اللوبي الصهيوني في واشنطون وبعدها ارسلت واشنطون طائرات لمصر لضرب المصريين في سيناء وقررت واشنطون سحب قوات المراقبة على الحدود الاسرائيلية – المصرية لان مصر واسرائيل صارا حلفاء واصبح الاخوان هم العدو الحصري لمصر ولا عدو غيرهم . ورفضت مصر تمرير السولار القطري لغزة وتستمر في تجويع سكان غزة حماية لامن اسرائيل .
    نجحت اسرائيل في تدمير العراق وصرفت امريكا 3 ترليون دولار على التدمير واوباما يدمر في سوريا دون موت امريكيين كما حدث في العراق .
    اسرائيل تشجع عاصفة الحزم لان اليمن سوف تكون فيتنام السعودية وسوف تبيع اسرائيل السلاح للسعودية بالمغتغت وسوف تحتاج السعودية لخبراء امريكان ( كلهم يهود ) في قواعدها الجوية لتحديد اهداف القصف في اليمن .
    هذه هي الصورة واسرائيل تدور كل الارجوزات وهي تصرخ حول اتفاق فيينا لكي تاخذ دعم امريكي مكثف ومجاني . هل لاحظت ان اسرائيل هي الوحيدة ضد اتفاق فيينا وخوفت السعودية فارتمت في حضنها ولم تقل كلمة ضد قنابل اسرائيل النووية ولكنها تصرخ ضد لا شئ في طهران .

  4. يقول HerSam:

    تحليل متماسك نتمنى ان لايكون فقط اشاعة للامل

  5. يقول ادهم، السودان:

    لن يتخلص الغرب من النظام السوري ولكن يعمل علي اضعافه بدعم المعارضة المسحلة لتحقيق بعض المكاسب علي الارض دون ان تستطيع ازاحة الاسد من السلطة، التدخل التركي يأتي في هذا لاطار. كذلك يتضمن هذا السماح للاكراد بالسيطرة علي مناطقهم في الشمال.واقامة ادادرة ذاتية فيها. هذه هي المرحلة الاولي من الخطة. في المرحلة الثانية سيتم جمع هذه الاطراف الثلاثة للعمل للتخلص من داعش. الخارطة النهائية لسوريا ستضم ثلاث دويلات “سنية” يجري تأسيسها، “كردية” شبه قائمة “علوية” تضم الاقليات الدينية تحت حكم نظام الاسد. الاسد نفسه اصبح مستعدا لقبول هذا الواقع عندما اشار في خطابه الاخير ان الضرورة تقتضي الحفاظ علي بعض المناطق والانسحاب من اخري بسبب المشاكل التي يواجهها جيشه المنهك..

  6. يقول غادة الشاويش المنفى:

    لم أتوقع د أفندي ان قلمك السياسي بهذه القوة مقالة ممتازة بامتياز وأكثر من رائعة

  7. يقول سفيان البطو العراق:

    لا احد يخرج من هذه الحرب الداءره في سوريا منتصرا
    لقد دمر البلد وسفكت الدماء وهتكت الاعراض وشردت
    الملايين/-بقاءالنظام جريمه وانتصار المعارضة والجماعات
    المسلحه ووصولها الى السلطه تبدا مرحله اخرى من الصراع
    وتصفيةالحسابات باختصار الخاسر الاكبر يكون الشعب السوري٠

إشترك في قائمتنا البريدية