في المقالة الاولى من كتاب ‘بين القبعة الدينية والقبعة العسكرية’ الذي يتناول مسار تحول الجيش الاسرائيلي الى جيش متدين، تقارن الدكتورة اليشيفع روسمان ستولمان النظر الى الجنود المتدينين في عدد من جيوش العالم. في تركيا، التي تعتبر عندنا دولة اسلامية متطرفة، تفرض الخدمة العسكرية على الرجال والعلمانية على جنوده جميعا. فلا يمكن في الجيش الاسرائيلي ‘اعفاء لحية وشارب… ويستطيع الجندي المتدين اقامة الفروض الدينية على حساب وقته الخاص فقط… ولا يستطيع خريجو المدارس الدينية دخول المعاهد العسكرية للضباط’، وما أشبه ذلك. وفي مقابل ذلك، في ايران حيث التجنيد واجب على الرجال ايضا، ‘بدأ تحول اسلامي مكثف في الجيش مع الثورة فورا حينما ضُم رجال دين الى الوحدات’، كان عملهم من جهة رسمية ‘تلبية حاجة الجنود الى العلم بالاسلام’، لكنهم يعملون في واقع الامر كي ‘يقنعوا الجنود بالقتال في سبيل الاسلام’، وإن ‘الجهاز المدني الديني القوي يفرض على الجهاز العسكري ان يتصرف بحسب الوضع المدني السياسي في الدولة’. وما هي الحال في اسرائيل، بحسب المقالة؟ ‘إن الجيش الاسرائيلي متسامح مع الجنود المتدينين من جميع الديانات، لكن لا شك في ان اليهودية تحظى بعلاقة تفضيل. ويزيد هذا التسامح لوجود بنى متوسطة مدنية قوية (معاهد دينية وتحضيرية) وعسكرية داخلية (الحاخامية العسكرية)’. لكن هل يعبر استنتاج الباحثة هذا حقا عما يحدث حقا في الجيش الاسرائيلي؟ تكتب روسمان ستولمان نفسها بعد ذلك في المقالة انه يجب في الجيش الامريكي ‘على ضابط الدين ان يدافع عن حق كل جندي في الحرية الدينية الكاملة سواء كان هذا الجندي منتميا الى تيار ديني مُعرف أم لم يكن مؤمنا ألبتة’. وماذا عن جندي، يهودي بحسب الشريعة اليهودية لكنه غير مؤمن بحسب تصوره، يخدم في الجيش الاسرائيلي، هل له حق في الحرية الدينية؟ أيجوز له أو حتى لجندي غير يهودي بحسب الشريعة اليهودية (يُدفن بعد موته خارج الجدار) ألا يشارك في الاحتفال بعيد الفصح مثلا؟ لا. فالاحتفال بالفصح وهو مراسم دينية غير عسكرية واجب، واذا لم يحضره الجندي يحاكم ويعاقب. وهل يحق لجندي ملحد ألا يشارك في محاضرات ضباط أو رجال دين مخصصة ‘لتلبية حاجات الجنود الى العلم باليهودية’ لكنها مخصصة في واقع الامر ‘لاقناع الجنود بالقتال في سبيل اليهودية’؟ لا، لأن هذا واجب عسكري مقدس ايضا. ‘من البدء فُوض الى الحاخامية الرئيسة الاهتمام بالخدمات الدينية في الجيش الاسرائيلي’، هذا ما يكتبه في مقالته في الكتاب العقيد (احتياط) الدكتور زئيف دروري، لكنها أضافت الى نفسها على مر السنين غايات اخرى، وكانت الاضافة الى الحاخام العسكري الرئيس السابق العميد أفيحاي رونتسكي ‘تطوير الوعي اليهودي بين قادة الجيش الاسرائيلي وجنوده’ جميعا لا المتدينين فقط. وليس هذا فقط بل يقول دروري انه حينما كان قائد لواء جفعاتي تدخل حاخامو المعاهد الدينية التحضيرية ‘وقرروا من سيخرج من جنود المعاهد التحضيرية لدورة ضباط في يوم اتفاقي السابق مع رئيس هيئة الاركان آنذاك موشيه ليفي على المرشحين المناسبين’. وهكذا فان الفرق بين نظرة الجيش الاسرائيلي للدين وفرائضه (بصيغتها الاستيطانية المسيحانية التي ترى أن ‘حروب الجيش الاسرائيلي هي حروب فروض’ وبين نظرة جيش ايران للدين وفرائضه، هو كقشرة الثوم. وعلى ذلك فان دعوة صحيفة ‘هآرتس’ في 22 نيسان الى وضع ‘نهاية للحاخامية العسكرية’ هي فكاهة في الحقيقة لأن الحاخامية العسكرية هي التي ستضع نهاية لصحيفة ‘هآرتس’ لا العكس.