‘سماسرة الخديعة’ من ترومان الى اوباما: اللغة المراوغة وقصة قهر الفلسطينيين وحرمانهم

حجم الخط
1

قليلة هي الكتب عن القضية الفلسطينية وعن ما عرف بالعملية السلمية او مبادراتها تكون القادرة على تجاوز اللغة المراوغة والمخادعة التي اتسم بها الخطاب الاسرائيلي والغربي عن الحق الفلسطيني، الدولة، ووجود الفلسطينيين كشعب.
فالكتابات وان اعترفت مثلا بحق الفلسطينيين او وجودهم الا انها تربطه عادة بحق اسرائيل بالوجود وامنها الابدي، وهذا ما يتسم به الخطاب الامريكي منذ ان اقيمت اسرائيل على اراضي الفلسطينيين. فقد اتسم الخطاب السياسي الامريكي كما قدمته الادارات الامريكية المتعاقبة بالجهل او التجاهل الشديد للفلسطينيين وبالتحيز المفرط لاسرائيل، وبالتنكر المستمر للعهود والوعود التي قطعتها الادارات للفلسطينيين او المسؤولين العرب، فقد كان ضعف العرب او حكامهم خاصة الدول النفطية سببا في استمرار الرؤساء الامريكيين من هاري ترومان حتى باراك اوباما في التنافس في خدمة اسرائيل، بل والتفاخر علنا فيمن يخدمها اكثر. ولان القضية الفلسطينية او فهمهما لا ينفصم اساسا عن الحقائق السياسية المحلية- الانتخابات واللوبي اليهودي ودور الاصولية المسيحية الداعمة لاسرائيل، ففلسطين كقضية والفلسطينيين كشعب ظلوا خاسرين في امريكا.
خداع اللغة
ورافق كل هذا ضعف عربي وغياب ضغوط عربية من دول تملك القوة الاقتصادية للتأثير على السياسة الامريكية، مما جعل الامريكيين روساء وادارات يتجاوزن بسهولة الموضوع العربي، بل اصبحت الدول العربية التي قدمت الدعم الكلامي للفلسطينيين واكتفت بالحديث عن الفعل عاملا من عوامل اضعاف الموقف الفلسطيني في الخطاب السياسي الامريكي. ففي مراحل قادمة سيتم استخدام عصا الدول العربية لتهديد منظمة التحرير الفلسطينية انها ان لم توافق على الاملاءات الامريكية – اي الاسرائيلية- فستقوم الادارة بالضغط على الدول الخليجية كي تقطع الدعم المالي للمنظمة. ومن هنا بدلا من ان يتحول النفط العربي لسلاح قوة ومقاومة اصبح سيفا مسلطا على الفلسطينيين الذين يتحملون مسؤولية في القرارات التي اتخذوها واهتمامهم بالرمزية او اكثر من الحقائق في تعاملهم مع ما يسمى بالعملية السلمية. وفي تعاملها مع الدول النفطية استطاعت الادارات الامريكية، بدءا من هاري ترومان المعروف بدعمه المطلق للصهيونية تجاوز الاحتجاجات من الدول النفطية والحفاظ على مصالحها النفطية في هذه الدول لان حكام هذه الدول رأوا في الحفاظ على علاقات دبلوماسية وعسكرية مع امريكا وسيلة للحفاظ على انظمتهم ان اخذنا بعين الاعتبار ان هذه العائلات الحاكمة فيها لم تصل للحكم من خلال صناديق الاقتراع. وعليه فالعلاقة مع امريكا كانت بالنسبة لهذه الدول اهم من مصير الفلسطينيين. ومن سوء حظ القضية الفلسطينية انها ظلت ومنذ اكثر من ستين عاما او يزيد اسيرة لغة فاسدة ومخادعة، لغة تذكرنا بأوريل وتحليلاته حول علاقة السياسة باللغة الانكليزية، حيث تحدث فيها عن الطريقة التي يمكن فيها للغة ان تفسد الفكر والعكس. ومن هنا فاللغة الفاسدة التي استخدمت ولا تزال في التعامل مع القضية الفلسطينية كانت واحدا من العوامل التي ادت الى تغييب الحق الفلسطيني وحجبه، فلا تزال اسرائيل مثلا تستخدم ‘العملية السلمية’ والتسوية في الوقت الذي ترسل فيه جرافاتها والشاحنات والحفارات لاراضي الفلسطينيين لسرقتها وبناء مستوطنات عليها، يضاف الى ذلك ‘امن اسرائيل’ و ‘حق تقرير المصير’ و ‘دولة فلسطينية’ و ‘الارهاب’ فكل مصطلح من هذه يقدم اطارا مفهوميا ومعه رؤى وامكانيات تفسر ليس في صالح الفلسطينيين، فالامن دائما مرتبط باسرائيل، والارهاب مرتبط بحماس وحزب الله وغيرهما من الجماعات المقاومة بدون ان نأخذ بعين الاعتبار كم قتل من الفلسطينيين او اللبنانيين او الافغان والعراقيين. ومن هنا فالفلسطينيون كانوا ضحايا ‘القاموس’ اي اللغة وضحايا السياسة، فقد استخدمت اللغة للتعمية على تاريخهم وواقعهم، وبالضرورة على ما تقوم به اسرائيل من افعال، فهي عندما تتحدث عن الارهاب الفلسطيني القادم من غزة لا تتحدث عن ارهاب المستوطنات وافعال من يقيمون فيها وما الى ذلك. وكما اشار ادوارد سعيد ‘ليس مبالغة القول ان انشاء دولة اسرائيل عام 1948 حدث في جزء منه لان الصهيونية سيطرت على معظم اراضي فلسطين، ولانها انتصرت،في جزء اخر في المعركة السياسية على فلسطين في العالم حيث تعتبر الافكار والتمثلات والخطابة والصور مهمة’.
السمسار المخادع
وكان هذا اكثر وضوحا في السياق الامريكي، حيث ادت السياسة الامريكية لمفاقمة الوضع الفلسطيني بدلا من حل القضية، ويبدو ان الادارات الامريكية التي اعترفت بعجزها عن تقديم حل او اغضاب اسرائيل واللوبيات العاملة نيابة عنها في امريكا ، اعترفت ان افضل طريقة للتعامل مع القضية الفلسطينية هي بيع الفلسطينيين والعرب الوهم، وهي طريقة تقوم على شراء الوقت لاسرائيل من ناحية وعلى ايهام العالم انها فعلا تقوم بعمل ما، فالزيارات المكوكية التي اعتاد عليها المسؤولون الفلسطينيون والعرب من وزراء الخارجية الامريكيين والمبعوثين الخاصين، والجوقة التي لا تغادر الحي،هي صورة عن قوة عظمى تعطي اهتماما ووقتا كبيرا للموضوع لكن ما يباع فيها ان ‘تقدما يحدث على صعيد المفاوضات’ وفي الحقيقة لا يوجد هناك شيء. ولكن النظرة القريبة للجهود الامريكية نجد انها تتشابك مع المواقف الاسرائيلية مما يعني انه كان يجب استبعادها من ‘العملية السلمية’ لانها ليست وسيطا شريفا في هذه العملية. ومع ان الادارات الامريكية تغيرت وقدمت كل واحدة منها خطتها او مبادرتها لحل النزاع من اجل ‘التوصل لسلام دائم’، الذي لم يتحقق فهناك رؤية واحدة تجمع هذه الادارات من ترومان الى ايزنهاور ونيكسون وفورد وريغان، وبوش الكبير وكلينتون، وبوش الصغير واخيرا اوباما، اي ان جوهر التعامل مع القضية الفلسطينية لم يتغير، بل ان التحليل العميق والوثائق السرية التي كشف عنها يظهر ان واشنطن كانت عاملا في الابقاء على مليوني فلسطيني في الضفة الغربية تحت الاحتلال. وفي الوقت الذي توصلت فيه دول عربية وبنجاح لاتفاقيات سلام مع اسرائيل الا ان الفلسطينيين وبعد سنوات من جولات المحادثات لم يحصدوا الا الهشيم.
اسمه من البركة ولا بركة

ومن هنا ففهم الموقف الامريكي من القضية الفلسطينية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الى ولاية باراك اوباما، الرئيس الرابع والاربعين، واول رئيس من اصل افريقي، ومن اصول مسلمة، يحمل اسما عربيا ‘البركة’ ، وحسين ‘اسم حفيد الرسول’ يعطي صورة عن استمرارية في المواقف والتجادل بين المحلي والدولي، وبين الولاء المطلق لاسرائيل المدفوع احيانا بمصالح براغماتية وبايمان عاطفي بحق اسرائيل بأرض فلسطين. ولفهم الدينامية التي عملت فيها الادارات الامريكية وتعاملت مع الفلسطينيين فلا بد من تحليل ودراسة ثلاث لحظات وهي خطة الحكم الذاتي التي اقترحتها معاهدة كامب ديفيد والقاضية باعطاء حكم ذاتي للفلسطينيين، ومحادثات مدريد عام 1991 وما تلاها من اتفاقيات اوسلو واخيرا مواقف ادارة اوباما وتمظهراتها. ولعل الباحث الفلسطيني رشيد الخالدي استاذ كرسي ادوارد سعيد في جامعة كولومبيا ومؤلف ستة كتب عن القضية الفلسطينية منها ‘الهوية الفلسطينية’، ‘احياء الامبراطورية’، و ‘القفص الحديدي’ من بين عدد من الكتب والذي شارك كمستشار في محادثات السلام في مؤتمر مدريد واللقاءات المتعددة في واشنطن ومدن اخرى هو الشخص المؤهل للحكم على هذه اللحظات التي يقول ان بعضها قد تكون لحظات صغيرة لكن المؤرخ الفرنسي علمنا ان ‘حدثا هامشيا’ قد ‘يكون اشارة عن واقع طويل، واحيانا، وبشكل رائع، بنية’. وقد اثارت علاقة الخالدي مع اوباما عندما كانا طالبين الكثير من الجدل لعب فيها اللوبي الاسرائيلي والجمهوريون والحزب الديمقراطي نفسه وبالغ في طبيعتها، وهي وان لا تتداخل في سياق احكامه وقراءته لفكر اوباما حول القضية الفلسطينية الا انها استخدمت من الكثيرين للحكم على اوباما باعتباره معاديا لاسرائيل. ومن هنا فقراءة الخالدي في كتابه الجديد ‘سماسرة الخديعة’ كيف قوضت الولايات المتحدة على السلام في الشرق الاوسط’ لمواقف اوباما يرى انها تنقسم الى ثلاث مراحل المرحلة الاولى والتي تمتد من الاعوام التي كان فيها نائبا عن ولاية الينويز ومحاولته للترشح الاولى الفاشلة للرئاسة عام 2003 وحتى انتخابه عام 2008، والسنة الاولى والنصف من انتخابه حتى سيطرة الجمهوريين على الكونغرس عام 2010 ومن عام 2012 حتى الان، وهو سجل فقير ولكن الخالدي لديه الكثير من الاشياء لينقد اوباما وادارته. تبرز اهمية كتاب الخالدي من انه يقدم وثائق جديدة عن الصراع، ويستخدم جزءا من وثائقه او ارشيفه الذي جمعه عندما كان مستشارا لفريق المفاوضات في مؤتمر مدريد، والوثائق السرية التي افرج عنها اخيرا في الولايات المتحدة، وكذا التصريحات الصحافية والمواد المتوفرة في الاعلام عن مواقف الادارات الامريكية ويجمع الى كل هذا تحليلا ورؤى عميقة، وقراءات في المواقف المتعاقبة للرؤساء الامريكيين، اضافة الى معرفة بمسارات القضية الفلسطينية ومأساة الفلسطينيين الذين ولا يزالون ضحايا اللعبة الدولية والاقليمية وضحايا القرارات والتقديرات الخاطئة لقادتهم مما يجعل الكتاب ليس نقدا للادارات الامريكية بل ونقدا لمسار اوسلو الذي يعتبره من المحاولات بداية الخطايا. فعلى الرغم من محاولات مهندسي الاتفاق الدفاع عنه بكتب ومذكرات الا انهم لم يقدموا سوى حجج ضعيفة، كما ان اعتراف المنظمة باسرائيل اسقط خيار المقاومة، وادى الى صعود حماس كعامل مهم في السياسة الفلسطينية.
انتصار بيغن
ولان اسرائيل لم ترد من اتفاق اوسلو سوى مؤسسة حكم ذاتي بناء على الشروط التي طرحها وقدمها مناحيم بيغن فالسلطة الوطنية التي شكلت كانت تمثل تواصلا للخط البيغني. فاسحق رابين الذي كان اول رئيس حكومة اسرائيلية يعترف بالفلسطينيين لكنه لم يعترف بحقهم بالدولة، وقد نقل عنه شلومو غازيت، مسؤول الاستخبارات العسكرية، واحد المفاوضين والمقرب من رابين قوله ان عرفات امامه خياران، اما ان ‘يكون لحد او سوبر لحد’، ويبدو ان عرفات قتل لانه حاول ان يتمرد على الدور الذي ارادت اسرائيل ان يلعبه. ومن هنا فخطأ القيادة في تونس انها تمسكت بالانتصارات الرمزية والاعتراف بالفلسطينيين والذي لم يقرأ الواقع بشكل حقيقي، فما حدث ان هذه القيادة لم تكن تعرف الوقائع على الارض وكانت تعتقد بامكانية تحقيق اكثر عندما تصل الضفة وغزة، ولم تكن هذه القيادة التي عاشت في المنفى اي شيء عن الواقع، فقد اغتالت اسرائيل ابو جهاد عام 1988 الذي كان على اتصال دائم بالارض المحتلة، كما ان ابو اياد اغتاله احد افراد جماعة ابو نضال بعد ثلاثة اعوام، مما يعني ان القيادة التاريخية التي يمكنها الوقوف لعرفات اختفت. وينقل الخالدي عن حنان عشراوي تعليقها على مهندسي الاتفاق ‘ من الواضح ان من قاموا بالتوقيع على هذا الاتفاق انهم لم يعيشوا تحت الاحتلال’ . وقد ادت سنوات اوسلو والمواقف الاسرائيلية العنيدة والمدعومة من الولايات المتحدة الى توقف ‘العملية السلمية’ علاوة على كونها قضية للمحادثات في اجتماعات اوباما مع نتنياهو تحدث احد المحللين الاسرائيليين بدهشة ان لقاء اذار (مارس) 2012 كان اول لقاء لم يتم فيه ذكر الفلسطينيين في اللقاء،وهي اول مرة في التاريخ. يكشف الكتاب اذا عن الطريقة التي غلفت فيها اللغة والتصريحات الامريكية عن تقدم في العملية السلمية الحقيقة البشعة والتي تقول ان اي جهود تقودها الولايات المتحدة ليست موجهة في الحقيقة لتحقيق السلام.
انتصار عقيدة ترومان
كما يكشف الكتاب عن الطريقة التي استخدمت فيها امريكا ضعف دول النفط وحاجتها للحماية من اجل التحايل على الوعد الذي قطعه روزفلت للملك عبدالعزيز بن سعود عندما التقيا على متن البارجة الحربية ‘يو اس اس كوينسي’ عام 1945 والذي نص على ان الولايات المتحدة لن تتخذ مواقف من القضية الفلسطينية ‘معادية’ للفلسطينيين وبدون ان تقوم باستشارة العرب او اليهود، وقد حصل الملك السعودي على نص مكتوب من هذا الوعد. ويقول الخالدي ان وفاة روزفلت المفاجئة جلبت للحكم هاري ترومان والذي ان خدم في فرنسا كجندي اثناء الحرب العالمية الا انه كان مزارعا ومندوب مبيعات للملابس ولم يكن يعرف بقيمة النفط الاستراتيجية مثل روزفلت الذي عمل مساعدا لوزير الحربية، لكن ترومان كان يتميز بشخصية قوية ودهاء سياسي وكان يعرف ما يعنيه تحسين حظوظ الحزب في اثناء الانتخابات النصفية في عام 1946 ولهذا قرر تجاهل ‘وديعة روزفلت’ ان صح التعبير، وانكر اولا وجود وعد من هذا ثم عاد واعترف على مضض بوجود رسالة من هذا النوع، ولكنه تجاهل الامر حيث قال ‘آسف ايها السادة فلدي المئات والالاف الحريصون على نجاح الصهيونية وليس لدي الاف العرب في دائرتي الانتخابية’. ويظهر موقف ترومان ان هزيمته في تلك الانتخابات جعلته يركز على القضايا المحلية، مشيرا الى ان ترومان كان اخر الرؤساء الامريكيين الذين لم يدخل جامعة او كلية ولهذا ظل ينظرالى المسؤولين في وزارة الخارجية من المتخرجين من جامعات ‘ايفي ليغ’ نظرة دونية، وعلى خلاف مسؤولين حملوا في داخلهم مشاعر للسامية كان ترومان صديقا لعدد من اليهود وشعر بمسؤولية اخلاقية لانقاذ يهود اوروبا. وجاء مواقف ترومان المؤيدة للصهيونية على الرغم من تحذيرات الخارجية والمخابرات والدفاع من ان هذا الموقف سيؤدي الى استمرار الصراع ويعزز المواقف المعادية لامريكا في العالم العربي. ويرى الخالدي ان كل التحذيرات تحققت، لكن شيئا واحدا تحقق، فترومان ورؤساء امريكا المتعاقبون كان بامكانهم تجاهل وعد روزفلت لابن سعود، وفي الوقت نفسه الحفاظ على مصالحهم النفطية. ويشير الكاتب انه على الرغم من احتجاجات بن سعود وفي الاحاديث الخاصة على تزايد المواقف المعادية للعرب والداعمة للصهيونية فان الملك السعودي كان يعتمد كثيرا على امريكا ضد منافسيه في المنطقة. وكان موقف الملك السعودي صامتا بشكل جعل جورج مارشال، وزير الخارجية يكتب عام 1948 ليشكر الملك سعود على ‘ الطريقة التصالحية التي تعامل فيها الملك وبشكل دائم مع المسألة الفلسطينية’. وتظهر قراءة الخالدي ان المواقف المؤيدة لاسرائيل والتقبل العربي لها ادت الى تبني الادارات الامريكية للرؤية الاسرائيلية، بل بدا الامريكيون ملكيين اكثر من الملك. ويشير الكاتب ان الدعم الكبير الذي قدمته ادارة نيكسون لاسرائيل اثناء حرب عام 1973 لم يؤثر على العلاقات مع السعودية. ومن هنا يرى الكاتب انه على الرغم من التأثير الذي يمارسه اللوبي اليهودي في امريكا فهو ليس العامل الوحيد الذي يدفع بالمواقف الامريكية تجاه فلسطين بل ان ضعف المواقف العربية خاصة الدول النفطية لم يؤد الى تناقض بين تحالف امريكا مع دول الخليج وتحيزها الى جانب اسرائيل. صحيح ايضا ان الحسابات المحلية عادة ما علمت المواقف والسياسات الامريكية تجاه فلسطين لكن امريكا كانت احيانا ما تندفع للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في العالم بشكل يعني تجاهلها اسرائيل كما حدث في دعم ايزنهاور لناصر اثناء العدوان الثلاثي لان الاعتبارات المتعلقة بالحرب الباردة كانت اهم من اسرائيل. وهذا وضع يختلف عن حرب عام 1967 حيث اصبحت مصر وبعد حرب اليمن تمثل تيارا راديكاليا يهدد مصالح الدول العربية المتحالفة مع امريكا، فقد عاشت المنطقة في تلك الفترة وبحسب مالكوم كير ‘ الحرب العربية الباردة’. وعليه فالانتصار الكبير الذي حققته اسرائيل على مصر وسورية في عام 1967 جعلها في نظر امريكا رصيدا مهما في الحرب الباردة فيما نظر للدول العربية المهزومة على انها وكيلة عن السوفييت في المنطقة. ولعل حسابات الحرب الباردة واضحة في تعامل الادارات الامريكية مع مبادرات السلام العربية فأنور السادات اخبر ويليام روجرز عام 1971 ، وزير الخارجية الامريكية رغبته بمعاهدة سلام منفصلة مع اسرائيل ومختلفة عما يحدث على بقية الجبهات، وهي التي رفضتها غولدا مائير، لكن الرفض الامريكي- اي هنري كيسنجر ونيكسون جاء لانها لم تشتمل على خروج كامل للمستشارين السوفييت من مصر، فقد قال كيسنجر ‘لقد عوقنا كل تحرك عربي قام على دعم عسكري سوفييتي’ ومبادرة السادات واحدة منها. ويجب ان ننبه هنا ان تحمس هاري ترومان لاقامة الدولة اليهودية وانقاذ اليهود الاوروبيين لم يقرن ابدا بحماس مقابل لتأكيد حقوق الفلسطينيين، والتي اكدتها خطة التقسيم عام 1947 فبدلا من التعاون مع الاتحاد السوفييتي من اجل تأمين المناطق التي خصصت لاقامة دولة فلسطينية وقفت موسكو وواشنطن تراقبان اسرائيل والاردن وبدعم بريطاني وهما تخنقان الدولة الفلسطينية حتى قبل ولادتها، حيث ضم الاردن الضفة الغربية ثم جاءت مصر وانضمت الى العملية بضم غزة. لكن الفلسطينيين لم يكونوا ابدا لا في تفكير ترومان او الاتحاد السوفييتي ولا بريطانيا فقرار التقسيم حسب ترومان، وكان صريحا في هذا كان يهدف الى النتيجة التي انتهى اليها وهي انشاء دولة يهودية، فحق الفلسطينيين لم يكن مهما لصناع السياسة في واشنطن وموسكو ولندن او باريس ما بين 1947 -1948 وما بعدها. تظهر قراءة الخالدي ان السنوات ما بين 1945 -1948 كانت البوتقة التي شكلت المواقف الامريكية ولعبة الخديعة التي مارسها الرؤساء الامريكيين طوال العقود الماضية ووقفوا عاجزين امام اسرائيل وطموحاتها التوسعية. وفي داخل هذه السياسة، دعم كامل للدولة اليهودية وتأكيد تفوقها العسكري وهيمنتها على المنطقة وتهيئة الظروف التي تخدمها ولا تخدم الفلسطينيين.التحيز الامريكي لاسرائيل يعرفه الجميع لكن قراءة تفاصيله الخديعة التي مارستها امريكا كراع ‘شريف’ هي الت تصدم، فلم تمارس الخديعة عن الفلسطينيين بل مارستها بعيدا عن الرأي العام تحت ظلال ‘التقدم’ في العملية السلمية وتحقيق انفراج وما الى ذلك وتقديم ما يجري على انه تفاوض بين طرفين متساويين ويهدف بالتالي الى انشاء دولة فلسطينية مستقلة. ويعتقد الخالدي ان الحديث عن ‘العملية السلمية’ بدا في اكثر صوره المشوهة في اثناء مفاوضات مدريد. وما يظهر من سطور الكتاب ان امريكا لم تكن في يوم من الايام راعيا صادقا للسلام بل كانت ‘المحامي عن اسرائيل. ويكشف الكاتب عن نتائج هذا الدور الذي لم يخدم المصالح الامريكية ولا الاستقرار والسلام العالميين ولا مصالح شعوب المنطقة ويظهر المسار الذي سار عليه الرؤساء الامريكيون من ترومان الى اوباما في قهر الفلسطينيين وحرمانهم من حقهم التاريخي، ولولا الدور الذي لعبته امريكا لما كان لينجح. كما اظهر الكتاب ان اللغة التي استخدمتها امريكا في قهر الفلسطينيين نجحت كما اشار اوريل في اضفاء الحقيقة على الكذب والاحترام على القتل والصلابة للريح. ومن هنا ففي الخطاب السياسي الامريكي ‘ الكذب بدا حقيقة، والجرائم ضد الشعب والانسانية اصبحت مقبولة والريح التي جاءت على شكل ‘العملية السلمية’ اعطيت مظهر الصلابة’. وفي الكتاب الكثير من المرارة والقضايا التي تكشف كما اكد الكاتب اكثر من مرة عن صورة ‘عراب’ سلام مخادع وكاذب. وفي داخل القصة حكاية مرارة اخرى عن الخنوع العربي والذل الذي رضي بضياع فلسطين، ولكننا يجب ان لا نتجاهل ايضا اخطاء القيادات وخياراتها غير الموفقة من حرب الكويت الى اوسلو الى نهاية السلام. في النهاية اعتقد انه كتاب غاضب، اكاديمي وعميق وموثق وهذه اهميته.

Brokers of Deceit:
How the US Has Undermined Peace in Middle East
By: Rashid Khalidi
Beacon Press, 2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبدالله حعفر محمد الزرعوني:

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

    اتقدم بالشكر الجزيل الي الباحث والكاتب راشد خالدي حيث انه قدم
    الحقيقة عن الملك عبدالعزيز رحمة الله عليه لانه قام بساعدة الفلسطينيين
    في عام 1945 عندما اجتمع مع الرئيس الامريكي روزفلت واجبره على
    توقيع ضمان او وعد خطي بعدم معاداة القضية الفلسطينية !!!

    وهذا يدحض محاولات جهات مسيحية ويهودية بالنيل من الاسرة
    الحاكمة آل سعود حفظهم الله تعالى وقد تم نشر فيديو يتكلم عنهم .

    شكرا

إشترك في قائمتنا البريدية