كنا كتبنا سابقا عن مهرجان جرش، وقرار الإدارة فيه دعم الفنون والإبداعات المحلية، ورأينا في ذلك خطوة نحو الأمام في تاريخ المهرجان، الذي عانى مؤخرا من ألف خطوة نحو الوراء.
لكن «الحلو لا يكمل» كما يقولون، فمع التركيز على أنه مهرجان للفنون وإهمال البعد الثقافي فيه، فإن عدوى الإهمال استشرت حتى عند إدارته، لتصبح الثقافة جزءا من ماكينة المحسوبية والانتقائية المفرطة.
كثير من الاعتراضات تم تسجيلها على فعاليات الشعر في مهرجان هذا العام، وللشعر مكانته في تاريخ المهرجان في عصوره الذهبية، حين كانت هناك إدارات تستوعب القصيدة وتدرك الحس الجمالي وتضع آليات ليست سهلة لإختيار المشاركين من العالم العربي بما يرتقي مع أدباء مشاركين مثل محمود درويش وشوقي بزيع وسميح القاسم وعمر الفرا وقاسم حداد وغيرهم.
لست ناقدا أدبيا، ولا أدعي ذلك، لكنني على الأقل قارئ نهم للشعر العربي يسوؤه أن يرى رداءة المستوى الشعري في أيقونة المهرجانات العربية قد وصل إلى مستوى مفضوح من المحسوبية والشخصنة إلى درجة التباهي بذلك على صفحات الـ»فيسبوك».
إحدى «الشاعرات» كرست لنفسها نجومية عبر امتطائها فرصة «جرش» لتملأ الدنيا ضجيجا بمشاركتها، بل وتباهيها بقربها من إدارة المهرجان، وحين تابعت تسجيلات لمشاركتها التاريخية فقدت القدرة على التمييز بين الألوان لكثرة استخدامها في الماكياج، حتى أنني استغربت كيف تجد تلك السيدة وقتا لكتابة الشعر ووضع كل هذه المساحيق في الوقت نفسه.
أما الشعر، فحدث ولا حرج.. فهو من نوعية جديدة أسميتها «دغدغة الغلاف» والتي تعتمد على كليشيهات من الجمل والتصاوير البسيطة، منزوعة دسم الدهشة… ودسم الدهشة بالنسبة لي يا سادة، هو زبدة القصيدة.
باختصار، كان مهرجان الشعر لهذا العام برعاية «لوريال» وشركات التجميل، ولا عزاء لإمرئ القيس.
وظيفة جديدة للإعلام الفضائي
كل شيء ممكن في عالم الفضائيات العربية، فمن تفسير الأحلام وفك السحر وجلب الحبيب إلى جلب الجيوش والتحريض على الفتنة والحروب الأهلية، كل شيء ممكن في هذا الفضاء العربي الممسوخ حد الفانتازيا.
لكن، أن تقام سرادق العزاء «فضائيا» فهذا ما لم أتخيله حتى رأيته بعد رحيل ووفاة الزميل الطيب الإعلامي الأردني نايف المعاني!!
فضائية أردنية كان الزميل الراحل قيمة مضافة حقيقية فيها، ارتأت على ما يبدو أن تستغل الحزن الكبير على الرحيل المفاجىء للزميل الفقيد، فقررت أن تقيم سرادق عزاء فضائية له، مع تركيز على صاحب الفضائية وهو يتلقى العزاء ببث مباشر، واستقبال التعازي ممكن عبر السلايدات المعروضة أسفل الشاشة!! طبعا وعداد الإيرادات يعمل بكامل قوته مع شركات الاتصالات!!
صاحب الفضائية، المحشور بين السياسة والصحافة لا يجد نفسه في أي منهما، أبدع في خلق وظيفة جديدة للإعلام الفضائي، كما أبدع في تحديث طقوسنا العربية إلى مستوى جديد يدر عليه ربحا ويرضي الخمول الكامن فينا، فبدلا من تقديم الواجب شخصيا، تقدم بتعزيتك وأنت على أريكتك عبر هاتفك.. و«الحسابة بتحسب»!
رحيل إعلاميين
رحيل الزميل نايف المعاني المفجع، وقد عرفناه شخصيا، أوجعنا بقدر ما أوجعنا رحيل مفجع آخر للزميل سعود الدوسري، وقد عرفناه عبر الشاشة فقط، شخصية ذات حضور رقيق ومحترم، وثقة و تهذيب، فكان علامة من علامات الإعلام المحترم القليلة في فضائنا العربي.
رحم الله الفقيدين..
يدلي «بطشته» في كل العلوم!
ومن ضفاف الإعلام المحترم وإعلامييه ممن قضى نحبة ومن ينتظر، ننتقل إلى الوجه الآخر للإعلام العربي، وهو إعلام المسخرة، ونجمه بلا منازع، طبعا الدكتور العلامة بحر العلوم نابغة زمانه وفريد عصره توفيق عكاشة، الذي صار يدلي «بطشته» في كل العلوم والمعارف حتى وصل إلى التاريخ، فقرر أن يخوض في الأمويين والدولة الأموية، فتثور ضجة حوله أنه شتم معاوية ابن أبي سفيان، لينكر هو ذلك في حلقة تالية، لكنه يعتبر الدولة الأموية مصيبة تاريخية!! على أساس أنه يعيش في كنف الدولة الراشدة طبعا.
لست بصدد الدفاع عن الأمويين، فهذا تاريخ وله أهله من أهل العلم والمعرفة، لكن أنا كمشاهد على الأقل، لي الحق بالتساؤل عن هذا الهراء الذي يملأ فضائي!
نهاية مواطن «شو جاع»!
بدايات العصر الفضائي، كانت هناك أعمال درامية ترسخت في الذاكرة بسبب متانتها وجودتها، ومن تلك كان مسلسل «نهاية رجل شجاع» عن رواية للأديب السوري الكبير حنا مينة.
ومع توغل العصر الفضائي فينا، والشعوبية التي تشعبنا معها يوما بعد يوم، نجد أننا رهائن الصندوق الصغير بكل ما يحتويه «على عجره وبجره» كما يقول أهل حلب.
المواطن العربي الممزق بين أحلامه وواقعه، مشدود إلى يوتوبيا الأسطورة، وهذه حالة مرضية لا علاج لها إلا الخروج من شرنقة التبعية بالمطلق، والطيران المرتفع نحو الواقع.
المواطن العربي، في ظل الواقع الراهن، وبطل مسلسل واقعي تراجيدي، يصلح كعنوان له أن نسميه ( نهاية مواطن شو جاع) !
كاتب من الأردن يقيم في بروكسل
مالك العثامنة