الجامعات المصرية نموذج مصغر للصراعات السياسية وانتشار العنف

حجم الخط
0

القاهرة – ا ف ب: رفع مئات من الطلاب الجامعيين الغاضبين شعارات ‘كرامة..حرية..جودة.. مجانية’، ملخصين ما تفتقده جامعاتهم التي تضربها موجات من العنف والتنافس السياسي والاهمال ما حولها لنموذج مصغر لازمات البلاد بعيدا عن كونها ساحة للدراسة.
ونظمت الحركات الطلابية الثورية مسيرات غاضبة الاحد تحت عنوان ‘حق الطالب فين’ اعتراضا على الانتهاكات التي يتعرض لها الطلاب، وكذلك تردي الخدمات المقدمة لهم.
وتشهد مصر منذ نحو خمسة اشهر ازمة سياسية حادة بين جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها الرئيس محمد مرسي والمعارضة. ودخلت الجامعات المصرية على خط الازمة. وتنافست التيارات السياسية المختلفة بقوة للسيطرة على اتحادات الطلاب التي تمكنها من ادارة الانشطة الطلابية.
كما انتقل فتيل العنف الدائر في البلاد والذي يتهم ‘بلطجية’ باشعاله إلى داخل الحرم الجامعي حيث اختلطت دماء الطلاب بكتبهم الدراسية مع تسجيل عشرات الإصابات معظمها بأسلحة بيضاء وخرطوش.
ويرى الدكتور الحسين عبد المنعم، وكيل كلية الاداب بجامعة القاهرة، ان الكثير من مطالب الطلاب مشروعة، لكن ‘الخطورة هو عدم قدرة الطلاب على التعبير بشكل حضاري’.
وقال الحسين عبد المنعم ‘الاستقطاب السياسي يؤثر سلبا على الاجواء داخل الجمعة بالاضافة الى تقصير كثير من المسؤولين في التواصل مع الطلاب’.
وتتراوح مطالب الطلاب في تحسين التعليم والخدمات التعليمية والخدمية والطبية، وضمان حرية النشاط السياسي في الجامعات. ويقف وراء ذلك حركات طلابية مستقلة ينشط فيها طلاب من المعارضة.
وعلقت مي مجيب، استاذ مساعد العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ‘الجامعة نموذج مصغر لنفس نمط العلاقات السياسية والاجتماعية السائدة خارجها’، وتابعت ‘الطلاب متاثرون بحالة الفورة في المجتمع وغير متقبلين للقيود.. بالاضافة الى ان الادارة تعاملهم كمحتجين وليس كطلاب’.
وتعتقد مجيب ان ‘حل ازمة الجامعات المصرية يكمن في ايجاد حل لازمات المجتمع المصري اساسا’، وهو ما تراه بعيداً عن التحقق على المدى القصير.
وضربت موجات من العنف المتتابع جامعة عين شمس بالقاهرة حيث اشتبك الطلاب لمرات مع اعضاء نشاط طلابي يقولون انه يضم ‘بلطجية’، ما اوقع جرحى، ودفع ادارة الجامعة لتعليق الدراسة لنحو عشرة ايام قبل استئنافها الاحد.
وفي جامعة المنصورة (دلتا النيل)، واثر مقتل طالبة دهسا تحت عجلات سيارة استاذة جامعية، تظاهر المئات من طلاب ‘حركة احرار’ ذات التوجهات الاسلامية في حرم الجامعة. لكن الامر تحول لاشتباكات واسعة استخدمت فيها الاسلحة النارية، ما علق الدراسة ايضا ليومين.
وقالت اسرة الفتاة انه لم يكن هناك تجهيزات طبية لاسعافها كما ان ادارة الجامعة ازالت اثار الحادث قبل معاينة النيابة ما اضاع حق ابنتهم.
وقال عبد المنعم بهاء، المتحدث باسم الاسرة لفرانس برس’هناك اهمال وسوء ادارة من قبل الجامعة اضاع حقنا’. ولم تحصل فرانس برس على تعليق من ادارة الجامعة بخصوص تلك الاتهامات.
وتوفي طالب وطالبة في جامعة الازهر خلال شهر نيسان/ابريل لعدم وجود تجهيزات طبية لاسعافهم اثر اصابات مختلفة.
وفي كلية الصيدلة بجامعة القاهرة، قام طلاب غاضبون بمنع دخول اساتذتهم واغلقوا الابواب بالجنازير الحديدية اثر تجاهل الادارة لمطالبهم، وتحول اعتصام رمزي لهم لاشتباكات محدودة اثر مهاجمة زملاء معارضين لهم، ذلك بحسب سعيد عبد المنعم الاستاذ بالكلية. الامر الذي يعكس ان حالة الانفلات الامني وظاهرة الاستعانة ‘بالبلطجية’ لتخليص الحقوق المنتشرة في البلاد، وجدت موطىء قدم لها في الجامعات المصرية.
وقررت جامعة القاهرة وجامعة عين شمس والمنصورة الاسبوع الماضي الاستعانة بشركات امن خاصة وبوابات الكترونية لتامين الطلاب ووضع حد لاندساس ‘البلطجية’ والاسلحة بينهم.
ولم تكن الجامعات الخاصة في مصر بعيدة عن موجة العنف و’البلطجة الجامعية’ تلك.
وهاجم ‘بلطجية’ وحراس شخصيين اعتصاما لطلاب جامعة مصر الدولية الخاصة في اذار/مارس الماضي باستخدام اسلحة الخرطوش ما اصاب اكثر من 20 طالبا.
وكان الطلاب معتصمين للمطالبة بانشاء كوبري مشاة امام جامعتهم الواقعة على طريق سريع واقرار لائحة تاديبية، بحسب حليم الشعراني الطالب بالجامعة.
ويقوم بحراسة الجامعات وتنظيم الدخول اليها إداريون غير مدربين تنفيذا لحكم قضائي الغى تواجد الحرس الجامعي ‘التابع لوزارة الداخلية’ في تموز/يوليو 2010 بعد اتهامهم بقمع المعارضة والانشطة السياسية في الجامعات.
ويعتقد طلاب ان حالة ‘البلطجة’ السائدة حاليا هدفها اعادة الحرس مرة اخرى من قبل السلطة وادارات الجامعة لتحجيم نشاطهم.
ويقول كريم بلال، رئيس اتحاد طلاب جامعة عين شمس لفرانس برس ‘البلطجة في الجامعة ممنهجة للسيطرة على الجامعة من قبل جهات معينة’، وتابع ‘الحركات السياسية تتصارع داخل الجامعة.. وطلاب الجامعة يدفعون الثمن بالاخير’.
واعتمد وزير التعليم العالي الحالي في شباط/فبراير الماضي لائحة طلابية جديدة اعطت اتحادات الطلاب المنتخبة صلاحيات واسعة منها حق الموافقة او رفض الانشطة الطلابية.
ويقول هشام اشرف، رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة، ‘اللائحة الجديدة اعطت الاتحاد سلطات واسعة.. انا شخصيا ارفضها’.
وتصارعت جماعة الاخوان المسلمين والاحزاب المعارضة مثل حزب الدستور الليبرالي والتيار الشعبي اليساري على مقاعد الاتحادات الطلابية. لكن ائتلافا يضم مستقلين حقق اغلبية مريحة في معظم الجامعات مزيحا الجماعة عن سيطرتها التي حققتها في انتخابات 2012.
وحطم طلاب غاضبون صناديق الاقتراع في جامعة حلوان بعدما اختلفوا حول النسبة المطلوبة للفوز في الانتخابات. كما اعتدى طالب على النائب البرلماني المعارض عمرو حمزاوي اثناء وجوده بجامعة بصعيد مصر.
واحدثت عودة السياسة الى الجامعات بعد عقود طويلة من الغياب زلزالا عنيفا لدى الطلاب، خاصة انهم غير معتادين على الاختلاف السياسي الناضج. وتغلب مفردات العنف واقصاء الاخر التنافس السياسي بينهم. ويزيد صغر سن الطلاب وحماسهم واندفاعهم من خطورة الاستقطاب السياسي في الجامعة.
وقررت السلطات المختصة في اذار/مارس الماضي الغاء العمل الحزبي بالجامعات. وهو القرار الذي بقى حبرا على ورق عمليا باستمرار حالة الاستقطاب السياسي بين الطلاب بالجامعات.
وقال عبد الرحمن يسري الطالب الاخواني بكلية دار علوم، احد معاقل الاخوان، ‘هناك حرية زائدة والكل يحاول ان ياخذ حقه بذراعه’، وتابع ‘لا يوجد فصل بين الثورة والسياسة هنا’.
ويقول طالب الحقوق عمرو محمد المنتمي لحزب الدستور الليبرالي ‘الاخوان يريدون تكميم اصواتنا والسيطرة على الجامعة.. هذا من مصلحتهم’.
وليس بعيدا عن السياسة، وجدت المخاوف من اهمال الفنون وتقييد حرية التعبير تحت حكم جماعة الاخوان المسلمين في مصر مكانا ايضا في الجامعة. فقد رفض اتحاد طلاب كلية العلوم بجامعة القاهرة، الذي يسيطر عليه الاخوان، عرضا مسرحيا لفريق المسرح بحجة تضمنه الفاظا خادشة.
ويقول مصطفى حسني، رئيس فريق المسرح الذي يتخذ حجرة مهملة في بدروم الكلية مقرا له، لفرانس برس باحباط شديد ‘طلاب الجماعة يسيرون على نهجها في تقييد حريتنا.. المسرحية لا تتعرض لاحد بالسوء’. وتابع ‘سنعرضها رغم انفهم .. لن استسلم ابدا’.
وخلافا للسياسة والعنف، يطالب الطلاب الغاضبون بتحسين الخدمات بالمدن الجامعية. واصيب اكثر من 500 طالب في جامعة الازهر بتسمم اثر تناولهم وجبات فاسدة في مطعم المدينة الجامعية مطلع نيسان/ابريل. وكاد الامر ان يتكرر في جامعة القاهرة مؤخرا بعد اكتشاف لحوم فاسدة بمطبخ مدينتها.
وقالت الطالبة اية يحيى ‘سوء الادارة والاهمال يعصف بكل شيء في الجامعة’.
وحول اسوار جامعة القاهرة، تركت كتابات غاضبة ضد الاخوان واخرى تتهم المعارضة باحراق البلاد. لكن الخوف الحقيقي هو ان تحترق الجامعات نفسها، كما يقول بعض الطلاب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية