رسالة إلى صديقي الإخواني

حجم الخط
2

وسط عتمة السياسة التي تعيشها مصر حاليا وحال الاستقطاب الذي بلغ حدا استخدمت فيه الأطراف كل ما تملك من أدوات وأسلحة مشروعة وغير مشروعة لشيطنة الآخر وإقصائه، قد يبدو السؤال عن التعايش والتسامح والقدرة على إدارة الخلافات نوعا من الترف الفكري. لكنني وغيري كثيرين، مازلت أرى أن العيش المشترك بين كل مكونات الوطن ليس خيارا، بل ضرورة حتمية. وهذا لن يتأتى الا حين يدرك كل طرف، مهما راودته أحلام القوة أو أوهام السلطة، أنه لن يستطيع إقصاء الطرف الآخر أو أن يصحو يوما ليجده قد صار خارج حدود هذا الوطن. هذا بدوره يفرض على الجميع التوقف قليلا لمراجعة المواقف، ولما كانت جماعة الاخوان المسلمين هي التي تحكم الآن فهي التي تتحمل النصيب الأكبر فيما وصلنا اليه من الفرقة والتشظي، كما أن عليها مسؤولية أكبر في السعي للملمة شتات الوطن. من هذا المنطلق أكتب رسالتي لصديقي الإخواني شريكي في الوطن لعله يتوقف ويراجع مواقفه قبل فوات الآوان.
صديقي: لماذا أصبحت تشيح بوجهك عني، ولم تعد قادرا على الإنصات لي كما كنت تفعل في الماضي؟ لماذا المح في كلامك وفي نظراتك استكبارا واستعلاء وغرورا؟ أهو غرور السلطة أم هو استعلاء المعتد برأيه الذي لا يرى أحدا على الحق غيره؟ إن كان كذلك فاعلم يا صديقي أنه لولا الثورة التي صنعها المصريون جمعيا ما كنت أنت الآن في مقعد الحكم، وأعلم جيدا أن الايام دول وأنه لو دامت لغيرك ما وصلت لجماعتك، وأن لكم العبرة والعظة ممن سبقوكم في الحكم والسلطة، فما أورد هؤلاء موارد الهلاك إلا الاستعلاء والغرور، وحين أخذتهم العزة بالاثم . ألم تكن عبارتك المفضلة دائما في حواراتنا الممتدة هي أن ‘صديقك من صدقك لا من صدّقك’ والآن وبعد أن انتقلت من مقعد المطارد الملاحق إلى مقعد الحكم، من هم أصدقاؤك يا عزيزي؟ من هم الأقرب اليك، هل هم من يدلك على عيوبك أم من ينافقك ويتملقك؟ أنظر حولك جيدا لتعرف الإجابة. إن اخطر ما يواجه الوطن الآن، بل وجماعة الاخوان نفسها، هو ظاهرة المتأخونين وهؤلاء المتحولون الذين حملوا المباخر لنظام مبارك، وهاهم يحملونها لنظام مرسي. فآراك تطرب وجماعتك حين تقرأ مقالا يكيل المديح والإطراء للرئيس والنظام بالحق والباطل، من كاتب كان يؤدي الوظيفة ذاتها مع مبارك، ولا ترى في ذلك نوعا من النفــاق الرخيص الذي نهانا الله ورسوله عنه، ولكنك تغضب في المقابل ويغلي الدم في عروقك ضد رفيق الثورة الذي ينتقد مرسي وسياساته وأداء حكومته، وتراه عدوا وثورة مضـــادة فهل هذا هو العدل في رأيك؟
صديقي: عليك أن تتخلص من شعور الاضطهاد الذي يتملكك ومن نظرية المؤامرة التي تسكنك تجاه كل من يخالفك الرأي أو ينتقدك. لست ألومك فهذا ميراث سنوات طويلة من الملاحقة والعمل السري تحت الأرض، لكنك الآن يا عزيزي لم تعد فوق الأرض فحسب، بل صرت الجماعة الحاكمة التي بيدها كل مقاليد الامور في الوطن. فتحرر من عقد التاريخ حتى تتصالح مع شركائك في هذا الوطن. توقف عن النظر لكل من يخالفك الرأي باعتباره عدوا. أنا أخالفك الرأي لكنني لا اكرهك، أنا فقط أختلف معك وأرفض السياسات والأفكار التي تحاول فرضها على المجتمع والناس. لقد بلغ اختلاط المعايير لديك وضياع البوصلة من يدك حدا أصبح معه رفيقك في رحلة النضال ضد نظام مبارك وعصابته، الذي قاسمك وجبة المعاناة والاضطهاد والقهرعدوا لدودا.. كيف صار من رافقوك في الثورة وسبقوك إلى ميادينها ومهدوا الطريق لها من فلول نظام مبارك؟ كيف بلغ بك الشطط مبلغا صرت ترى فيه كل من يختلف معك عميلا وخائنا ومخربا، بل وكافرا في رأي بعض مناصريك؟ ما الفارق بينك إذن وبين أي نظام فاشي مستبد يعتمد شعار من ليس معي فهو ضدي؟
لست من الذين ينكرون عليك وعلى جماعتك الحق في الحكم والسلطة طالما أن ذلك جاء عبر انتخابات حرة ونزيهة، ولكن ما انكره هو أن ترى نفسك أكبر من الوطن لا جزءا صغيرا فيه. انكر عليك أن تحاول ابتلاع الوطن وأن تصبغه بلونك السياسي والفكري لا أن تذوب في نسيجه وتختلط مع باقي مكوناته.
لست من هذا الفريق الذي يرفض أن يستوعب فكرة وجود رئيس اخواني في مصر، لكنني أرفض أن تصبح صناديق الانتخابات بقرة مقدسة تعبد، أو تصبح هي المعيار الوحيد للديمقراطية والحكم. مشكلتك يا صديقي أنت وجماعتك أنكم ترفضون الاعتراف بأننا في مرحلة انتقالية بعد ثورة شعبية عظيمة شارك فيها كل المصريين مسلمين ومسيحيين، أغنياء وفقراء، رجالا ونساء، شيبا وشبابا، المتدين ونصف المتدين وغير المتدين. كان المأمول أن يولد من رحم هذه الثورة نظام يجد كل من شارك في الثورة نفسه فيه، ولكن هذا لم يحدث . فمثل هذا النظام لا يأتي عبر صناديق الاقتراع في لحظة استثنائية لها ظروفها التي يستغلها فقط من له خبرة بالانتخابات دون غيره. مثل هذ النظام يا صديقي يصنعه التوافق الوطني والمشاركة لا المغالبة التي رفعتموها شعارا في البداية ثم سرعان ما انقلبتم عليها. هذا النظام يكون معبرا عن الثورة لا بالكلام الإنشائي، بل بالاخلاص لأهداف هذه الثورة والعمل على تحقيقها عبر سياسيات وقرارات فهل هذا ما حدث؟ وهل النظام القائم الآن يعبر عن كل المصريين واحلامهم وتطلعاتهم التي رفعوها في ميدان التحرير، أم أنه يعبر عن فصيل بعينه ظن متوهما أن الثورة قامت للتخلص من مبارك لتحكم الجماعة؟
أتفق معك في أن بعض خصومكم السياسيين يمارسون المكايدة والنكاية ضد الاخوان والنظام، وأوافقك الرأي أن بعض القوى السياسية في إطار سياسة المكايدة تلك ربما ساعد في عودة بعض رموز وبقايا نظام مبارك ليتصدروا المشهد، وأن البعض بلغ عداؤه للاخوان مبلغا صار فيه التحالف مع بعض القوى المحسوبة على النظام السابق مشروعا، لكن من المسؤول عن ذلك أليست سياسة العناد والهيمنة وفرض الأمر الواقع واتهام كل المعارضين بأنهم فلول؟ من الذي وضع كل المعارضين له في سلة واحدة من دون تمييز بين شريك الميدان والسجان؟
تقول جماعتك ومناصروها إن المعارضة تكيد للنظام وتسعى بكل ما تملك لإفشال الرئيس مرسي وإسقاطه، وانا اتفق معك في أن بعض قوى المعارضة لديها مرض اسمه الإخوان، ولكن كيف تفسر لي انفضاض وانقلاب قطاعات واسعة من القوى الثورية والشبابية التي ظلت حتى آخر لحظة تساند الرئيس؟ أليس لأنها أدركت أنكم ماضون في سياسة العناد والمكابرة إلى النهاية؟ أليس لأن هذه القوى لم تجد فيما تفعلون إخلاصا حقيقيا للثورة وأهدافها وشهدائها؟ اليس لأنكم تحاولون إنتاج كل سياسات نظام مبارك الاقتصادية والاجتماعية من انحياز فاجر للأغنياء على حساب الفقراء والمحرومين، الذين هم قاعدة التأييد الاساسية لمرسي وجماعته؟ من الذي يتحاور الآن مع فلول نظام مبارك من رجال الاعمال الهاربين ويحاول التصالح معهم ويوفد اليهم المبعوثين في لندن وغيرها لعقد الصفقات والتسويات اليست جماعة الاخوان والنظام الحاكم؟ فهل ما هو حرام في السياسة حلال في الاقتصاد؟ وهل تتجزأ المبادىء يا صديقي ؟.
في كل مرة كنت أناقشك في أمر من امور السياسة والحياة كنت دائما ما تستدعي القرآن الكريم وسنة النبي عليه الصلاة والسلام لتدعم حجتك ومنطقك، فدعنا نتبادل المواقع هذه المرة وأسألك إذا كان القرآن الكريم يقول ‘إن خير من استأجرت القوي الأمين’ للتأكيد على أن يكون معيار الكفاءة والقدرة هو الأساس عند الاختيار للمناصب. ويقول الرسول الكريم ‘الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها’ والحكمة هنا في أهم معانيها الخبرة والكفاءة والمهارة فهل هذه هي القواعد التي يطبقها نظام الإخوان؟ أنظر إلى الاختيارات البائسة في معظم المواقع لتدرك أنكم تعيدون إنتاج سياسات النظام السابق بتقديم أهل الثقة والولاء على أهل الخبرة والكفاءة.
أخيرا لماذا يضيق صدرك يا صديقي أنت وجماعتك بوسائل الإعلام وما تنشره من أراء تنتقد أداء الرئيس بينما تتعمدون إغفال حقيقة أن المكسب الوحيد الذي تحقق منذ الثورة وحتى الآن هو حرية الرأي ولا شيء آخر .فإذا كنتم تريدون الإجهاز على هذا المكسب الوحيد فماذا يبقى من هذه الثورةإذن؟. قد أتفق معك في أن هناك قدرا من الشطط في بعض الآراء وأن هناك خروجا عن القواعد المهنية ولكن ذلك ينسحب على الجميع وعليك ان تنظر بعينين لا عين واحدة لترى ما تفعله القنوات الموالية للرئيس وجماعته من جرائم مهنية. ومع ذلك فإن معالجة هذه الأخطاء لا يكون بالتضييق على الإعلام ومحاصرته بل بمزيد من الحرية فهذا وحده الكفيل بتصحيح المسار…في الختام أكرر ما قلته لك يا عزيزي: أنا لا أكرهك، فقط أنا مختلف معك والفارق شاسع بين الأمرين لو كنت تدري.

‘ كاتب مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الله:

    صديقك الاخواني ما زال هو هو ولكن اختيار الشعب له دونك هو من جعلك تعتقد فيه ما ذكرت

    1. يقول مدحت:

      هل موقفك من المقال ما زال كما كان ؟

إشترك في قائمتنا البريدية