السرير لا يتسع لاثنين

لقد صحت الخلايا. ها هي بوادر الأسى الذي طالما سمعنا قرع طبوله من بعيد تظهر في الأفق، ها هي جحافله تشق سماءنا الصافية، ها هي أنصال سيوفه تبرع لمعاناً من بعيد، لمعاناً حاداً شريراً لطالما زارنا في أحلامنا الكابوسية. أفاقت خلايا الشر في الكويت، كما أفاقت عند جيرانها من قبل، تتثاءب بتثاقل نافخة سمها الكريه في كل مكان. أفاقت لأننا نمنا والسرير لا يتسع لاثنين.
كل يوم نكتشف شرا جديدا، خلايا تفيق بعد خدر، مجموعات متضادة، ترمي لخلق ساحة حرب من أرض الكويت لصراعاتها التاريخية القديمة المريضة، خلايا متعادية، إلا في تطرفها وكراهيتها للآخر، فهي في فكرها أحادي الحقيقة، جهادي المنبع، عنيف الحلول، متوائمة متفقة.
سبقت الكويت دول أخرى أفاقت فيها الخلايا، وستلحق بالكويت دول أخرى خلاياها تتمطى على وشك أن تفيق إفاقتها القاتلة. في شرقنا الأوسط نحن مختلفون متنازعون متصارعون في كل شيء، إلا في مصائرنا، تختلف أساليب شموليتنا وكراهيتنا للآخر ولبعضنا البعض، ولكن تتفق النتائج دائماً: خلايا سرطانية قاتلة، تنتشر في أجساد دولنا بعد أن تجاهلناها لعقود أو قل لقرون، ننشغل نحن بالصراع على سبب الداء ومصدر الدواء، والمريض يموت أمام أعيننا، والجسد المسجى يذوي يوماً بعد يوم.
أيام حزينة هذه الأيام، كلما ظهرت خلية تبث شراً في أحد أرجاء الوطن العربي. تفجير لداعش، دسيسة لحزب الله، حراك مريب للإخوان المسلمين، القاعدة، جيش النصرة، وغيرهم، كلما تعمق الخلاف رديء الملافظ بيننا، خلاف ليس على حلول عملية ولا على آراء تحليلية ولا حتى على سياسات حقيقية، إنه خلاف تاريخي سحيق، يدعي من خلال تأويله كل منا أنه على حق، وأنه مستعد للموت دون هذا الحق، فننفخ جميعاً في هذه الخلايا السامة، نلهب شعلتها ونهيج ألسنة سمومها، نفيقها ونفيقها لنموت نحن.
من المؤكد أن الكارثة لم يخلقها التاريخ وحده وخلافاتنا عليه، ومن المؤكد أن الفتنة لم توقظها صراعاتنا وحدها ولا سذاجة إيماننا بامتلاكنا للحق الأوحد المطلق، هناك عوامل خارجية، هناك سياسات أجنبية مخربة وهناك جغرافيا مفروضة وهناك احتلال لا يزال سكيناً في الخاصرة وهناك جيران متآمرون وهناك أصدقاء يضمرون الشر وهناك بترول، وهناك دولارات، وغيرها، إلا أنه، ومما لا شك فيه، نحن من نصب الخيمة وصف الكراسي وأرسل الدعوات ثم رحب بالمدعويين وأفسح لهم الطريق.
لقد فجعت الكويت بتفجير مسجد الإمام الصادق في قلب عاصمتها، ثم باكتشاف مخازن أسلحة موزعة في باطن أرضها، كما فجعت السعودية بتفجيرات مساجدها، ومن قبلهما كانت فجائع العراق ولبنان وليبيا واليمن والبحرين، وفجيعة سوريا التي ليس كمثلها فجيعة، ومصر التي استدارت في دائرة كبيرة فتبعناها بعيون منبهرة لنراها تعود من حيث أتت، كلنا مفجوعون، الغنية من دولنا والفقيرة، الأقوياء والضعفاء، أصحاب الحضارات ومحدثو الوجود، القبليون والحضريون، أصحاب الأنظمة الانتخابية وتلك الوراثية، فكيف ولِمَ نختلف في كل شيء ثم نتوحد في الهم وسوء المنقلب؟
لم نعد نخشى الأحداث كثر خشيتنا وكراهيتنا للحوار بعدها، فالحوار، أو الزعيق، المباح على وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، الذي لم تعد قوى شمولية قادرة على إسكاته ولا شرطة سرية قادرة على مصادرته، يخبر بما حُبس لسنوات طوال في العقول والقلوب من دون هواء أو نور، من دون أي فرصة ظهور لينال حقه من النقاش الصحي السليم، حتى تحول إلى كراهية سامة نكاد نشمها في الهواء ونتذوقها بين الحروف. نحن نعيش كارثة حقيقية، يعمقها ان العدو المتسبب بها هو منا وفينا، ويجذرها رفضنا الاعتراف بدورنا الرئيسي في تشكيلها، ويشعل لهيبها تمسكنا بالحق المطلق، وينفخ في هذا اللهيب تعدد نسخنا من هذا الحق وإصرار كل منا على الموت من دون نسخته. شيء ما غاية في الكوميدية في هذه الصورة عند النظر إليها من بعيد. المهم ان الخلايا صحت ونحن لا نزال في سبات عميق.

د. ابتهال الخطيب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    تفجير لداعش، دسيسة لحزب الله، حراك مريب للإخوان المسلمين، القاعدة، جيش النصرة، وغيرهم، – انتهى الاقتباس –

    يا دكتورة ابتهال هدانا وهداك الله
    ما دخل حراك الاخوان المسلمين السياسي مع منظمات قتالية مسلحة
    أ

    هل من العدل يا دكتورة دعم انقلاب عسكري دموي
    أم لأنه ضد اسلاميين كالاخوان المسالمين نسكت
    في ديننا الساكت عن الحق شيطان أخرس !

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول فؤاد مهاني (المغرب).:

    أضم صوتي إليك يا دكتورة لما جرى بالشقيقة الكويت وأتألم لهذه العملية البربرية التي تم إحباطها وكشف خيوطها،لكن إسمحي لي يا أختي الكريمة إبداء تحفضي كما هي عادتك في الخلط ووضع الكل في سلة واحدة.فما ذنب الإخوان في ذلك وهل ثبت يوما ما تورطهم في الإرهاب.أنا لست إخواني ولا أتبع أي إديولوجية فأنا لست إلا مواطن حرا يغار على هذه البلدان العربية ولا أحب الظلم ورمي الناس بالباطل.فالمتهم بريء حتى يثبت العكس.سلمت الكويت وكل البلاد العربية والإسلامية.

  3. يقول للےأسےفے الشےديےد؛ عےربےيے:

    لنتفحص خلايانا أولاً، إن كانت تعمل بشكل طبيعي وطريقة صحيحة
    فهناك خلايا جذعية وخلايا وراثية، وخلايا نشطة وخلايا خاملة
    ..
    لنسأل الآخرين الذين قاموا بفحص وضبط خلاياهم البشرية
    وهم الآن يتمتعوا وينعموا براحة البال وصحة وسلامة جيده
    ماذا فعلوا لضبط خلاياهم الموالية والناقمة النائمة والنشطه
    حتى وصلوا لما وصلو اليه

    قيل بأن العقل السليم في الجسم السليم مقولة متداولة ومتعاقبة
    اما ما نراه اليوم هنا وهناك من تلك الخلايا هو عكس المقولة
    اصبح العقل المريض في الجسم الذي يتربص بنا والآخرين دون ان نميزه
    لانه يشابهنا في كل شيء لهذا لا نكتشفه إلا بعد وقوع الكارثه
    من اين بدات وجاءت هذه المشكلة.. وأعني الخلايا المنتشرة.

  4. يقول الكاشف.. م.و:

    لتأجيج الطائفي سببه تدخل إيران بشكل فج في شؤون المنطقة. بالأمس كنت في المسجد الأقصى وتعرض خلال وجودي لاقتحام وحدث اشتباكات.. سألت أين الأمة المتصارعة؟؟ وفاء للوعد صليت أربع ركعات. .. جمعتكم مباركة

  5. يقول كمال رمضان:

    “خلاف ليس على حلول عملية ولا على آراء تحليلية ولا حتى على سياسات حقيقية، إنه خلاف تاريخي سحيق، يدعي من خلال تأويله كل منا أنه على حق، وأنه مستعد للموت دون هذا الحق، ”
    “نحن نعيش كارثة حقيقية، ”
    “ويشعل لهيبها تمسكنا بالحق المطلق، وينفخ في هذا اللهيب تعدد نسخنا من هذا الحق وإصرار كل منا على الموت من دون نسخته. ”
    ثقافة و عقلية : ” أضهر أمورا أوجبت قتله …..فقتل …”
    و لا حول و لا قوة الا بالله.

  6. يقول سلمى:

    الصراحة أن الغالبية العظمي من أهل السنة و الجماعة لا يهمهم الخلاف التاريخي و يضعوه في كتبهم في إطار سياسي بحت لا يأخذ اي منحى عقائدي . في وطني الأم سوريا مهد ملوك بني أمية لم يتربي معظم السوريين على اجترار التاريخ و النهش فيه و على مر العصور عاش على تراب الشام الطاهر مسلمون و مسيحيون و يهود و غيرهم و كان الفكر الصوفي المتسامح هو الأقرب للشام و أهلها و عندما تعرض الجنوب اللبناني لاعتداء اسرائيل في 2006 فتح السوريون قلوبهم و بيوتهم و جوامعهم الأموية للنازحين دون سؤال عن مذاهبهم و عقائدهم ثم تفاجأوا إبان ثورتهم بإجرام و حقد طائفي رهيب من أولئك الذين ساعدوهم بالأمس ؛ حقد يجتر التاريخ و يحرف الحاضر. هناك متشدوون و متعصبون و مجانين في كل دين و مذهب بلاشك و الظلم و غياب العدل و الحرية يؤجج ذلك كله و لكن الجميع يعلم من يحمل الوزر الأكبر للصورة الطائفية البغيضة التي نراها اليوم و من يغذيها و يقف وراءها.

  7. يقول Samir Obeidalla USA:

    الإنسان يستحضر التاريخ دوما لكي يكون أداة للقتل … ليته يستحضره للاعتبار

    الحق واحد والصواب متعدد والمشكله الحقيقي يلخصها قول الله سبحانه ” ذلك بانهم كرهوا ما انزل الله ”

    الاخلاق والسلوك تنبثق عن الفكر لا العقيدة والإيمان ..

إشترك في قائمتنا البريدية