تعز مدينة استراتيجية مهمة في جنوب غرب اليمن، يطل عليها جبل صبر وهو ثاني أعلى جبل في الجزيرة العربية، وللمدينة أهمية استراتيجية كبيرة، فمنها تأتي أكثر الكوادر الإدارية والسياسية والنقابية في البلاد، وهي العاصمة الثقافية والمدنية لليمن، وتعد بموقعها الجغرافي حلقة الوصل بين جنوب اليمن وشماله، إذ هي بوابة الجنوب، والتحكم بها يعني الاقتراب من حاضرة الجنوب عدن، وتهديد أمنها، إضافة إلى قربها من باب المندب المضيق الاستراتيجي للبحر الأحمر. ومن الناحية الدينية تعد تعز أحد أهم مراكز السنة الشافعية في اليمن، وقد قامت فيها عدد من الدول اليمنية في الفترة الوسيطة، حيث كانت في حالة حروب مستمرة مع دولة الأئمة الزيدية في شمال البلاد، وقد حاولت الدويلات الزيدية المختلفة إخضاعها بالقوة على مر القرون المختلفة، الأمر الذي شكل حالة من الإحساس الجمعي بضرورة أن تكون المدينة منطلق معظم حركات المقاومة لهيمنة الزيدية على البلاد.
واليوم يعيد التاريخ نفسه، أو يمضي على وتيرة مشابهة لجريانه في الماضي. فبعد أن دخل الحوثيون صنعاء في 21 ايلول/سبتمبر 2014، زادت شهيتهم – نظراً لسهولة دخولهم المدينة – للتوسع في جنوب البلاد، تحت ذرائع معدة سلفاً تتمثل في الذريعة الأساس، وهي محاربة الإرهاب والدواعش والتكفيريين.
عندها توجهت جحافل الحوثيين بعد أن فتح لهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح معسكرات الجيش، إلى ذمار جنوباً، ثم إب ووصولاً إلى تعز التي بدخولها ضمن الحوثيين تأمين ظهورهم بعد دخول عدن، وكذا ضمان استمرار خطوط امدادهم بالسلاح والمقاتلين للاحتفاظ بالمحافظات الجنوبية. ومع استمرار ضربات قوات التحالف العربي على مواقع الحوثيين وقوات صالح، ومع استمرار تقدم قوات المقاومة الشعبية، خسر الحوثيون حاضرة الجنوب عدن، وكانت خسارة عدن المقدمة لخسارة مدن الجنوب واحدة تلو الأخرى باستثناء مدينة الضالع التي دحرت الحوثيين قبل فقدانهم السيطرة على مدينة عدن.
وبعد خروج الحوثيين من عدن، توالت انتكاساتهم في الجنوب، في ظرف أيام معدودة بعد خروجهم من المدينة، وبدا كأن وضعهم في تعز لن يعود مريحاً لهم، خاصة بعد تدفق مقاتليهم الهاربين من عدن على تعز للاحتفاظ بها، وقمع المقاومة التي تشكلت سريعاً من مجاميع من أبناء الحزام القبلي الريفي لتعز في شرعب والمخلاف وصبر جبل حبشي وبعض مناطق الحجرية، بالإضافة إلى الكثير من أبناء المدينة الذين انخرطوا باكراً ضمن تشكيلات المقاومة في تعز بقيادة الشيخ حمود المخلافي، الذي شكل مع عدد من القادة العسكريين المجلس العسكري للمقاومة في تعز، ومن أبرزهم القائدان العسكريان يوسف الشراجي وصادق سرحان المخلافي. في المراحل الأولى للمقاومة سيطر المقاومون على عدد من الحارات الداخلية في المدينة مثل حي الضبوعة والروضة وساحة الحرية والمسبح وادي القاضي، ثم كانت أشرس المعارك في جبهة شارع (26 ايلول/سبتمبر) والمرور والمستشفى الجمهوري ومستشفى الثورة ومحيط جبل جرة المطل على المدينة مقابلاً لجبل صبر الاستراتيجي. وبعد أن حرر المقاومون وسط المدينة انطلقوا إلى شارع الأربعين ومنطقة كلابه ومحيط قلعة القاهرةو المجلية وصينة، في الوقت ذاته كانت مقاومة جبل صبر قد بدأت انتفاضتها ضد الحوثيين في قمته الاستراتيجية «العروس» ، التي خرجت باكراً من يد الحوثيين إثر معارك قادها أبناء المنطقة ضد الوجود الحوثي هناك، قبل أن يستعيده الحوثيون خلال أيام، وتستعيده المقاومة مرة أخرى لتحتفظ به إلى اليوم.
وتدخل ضمن نطاق جبل صبر معارك كثيرة منها المعارك التي لمع فيها نجم قرى ذي عنقب ومشرعة وحدنان، التي تمت بالسيطرة عليها عملية تأمين واسعة للجبل لصالح المقاومة الشعبية، ليتقدم المقاومون إلى قلعة القاهرة وتتحرر ويتم تأمين الحارات والمناطق القريبة التي تطل عليها القلعة وكان سقوط القلعة ذا أثر كبير إذ تم للمقاومة أن تقع على مرتفع يطل على أهداف استراتيجية للحوثيين .
إلى هنا كان الحوثيون لا يزالون يحتفظون بمناطق مهمة في المدينة كمنطقة القصر الجمهوري، بالإضافة إلى حصارهم لمداخلها من منطقة الحوبان. وقبل أسبوع شنت المقاومة الشعبية هجمات منسقة كاسحة، استولت فيها على مناطق النقطة الرابعة، وقيادة الأمن المركزي، والعرضي الذي يعد بداية الجحملية، إحدى مناطق تمركز الحوثيين (تم تطهيرها لاحقاً)، والتي كللت بالاستيلاء على مبنى محافظة تعز، ليتوجه الثوار بعدها إلى منطقتي الكمب، وجامعة تعز ليتم حصار القصر الجمهوري.
وبعيداً عن تلك التفاصيل المذكورة، فإن معظم مدينة تعز يعد الآن تحت سيطرة المقاومة، فيما لا تزال للحوثيين بعض الجيوب في الجحملية العليا وصالة، التي كانت تضم المربع الأمني ومقر حكم ولي عهد دولة الأئمة المتوكلية أحمد حميد الدين، قبل ثورة ايلول/سبتمبر 1962.
ولأهمية مدينة تعز، وأبعاد معركتها الرمزية والتاريخية، بدأت محافظة إب المجاورة، والتي يضمها إقليم واحد مع محافظة تعز، بدأت تلك المحافظة بالدخول شيئاً فشيئاً على خط المواجهات، وإن كان دخول إب على خط المقاومة متقدماً منذ دخول المواجهات بين الحوثيين وقبائل «الرضمة» بعيد دخول الحوثيين صنعاء.
وبعد تحرك الجبهات في تعز تداعت جبهة إب، وتحرك المقاومون في إقليم آزال نفسه، حيث استولى الثوار على منطقة «عتمة»، وهي أول منطقة تسقط في يد المقاومة من مناطق محافظة ذمار التابعة لإقليم آزال الذي يضم العاصمة صنعاء وصعدة وعمران وذمار، لتصبح المقاومة على بعد أقل من مئة كيلومتر من العاصمة صنعاء التي تحركت فيها جبهة أرحب، شمال العاصمة عندما عادت قرية «الجنادب» للانتفاض مرة أخرى قبل أن يشن عليها الحوثيون هجوماً كبيراً غير متكافئ انتهى بدخولها وتفجير أكثر من عشرين منزلاً لقياديين في المقاومة هناك ، كما شهدت مقاومة آزال عمليات نوعية لمناطق متعددة من العاصمة مثل الحيمتين وبني مطر. ولعل الإمام أحمد حميد الدين كان مدركا لأهمية تعز إذ اتخذ من قصره في صالة مقراً لإدارة شؤون الدولة عندما كان ولياً للعهد.
وكان أحمد حاد الذكاء، لاستشعاره خطورة تعز ورمزيتها المذهبية والثقافية، ولذا نقل مركز الثقل إلى هذه المدينة، خوفاً من انتفاضتها التي لم تتأخر بالفعل على دولته، حيث جاءت ثورة 26 ايلول/سبتمبر 1962 التي قضت على دولة الأئمة، والتي شاركت تعز فيها بفاعلية على كافة المستويات.
واليوم يبدو أن تعز تقوم بالدور ذاته إذا ما اعتبرنا الحوثيين امتداداً لنظام الحكم الإمامي السلالي الذي انتهى في شمال اليمن عام 1962، حيث تتصدر تعز مقاومة «الانقلاب الحوثي» ثقافياً وإعلامياً وعسكرياً. ومن هنا يمكن أن نفهم هستيريا الحوثيين، وهجماتهم المستميتة لاستعادة المدينة، واستهداف المدنيين من النساء والأطفال بشكل عشوائي، بصورة توحي بالرغبة في الانتقام، والخوف من هذه المدينة ذات الرمزية العميقة في التاريخ اليمني الوسيط والمعاصر.
محمد جميح
لن تغفر تعز للحوثيين ما فعلوه من جرائم
وستزحف جحافلها لنصرة ثوار صنعاء
الذين بدأوا بالانقضاض على الحوثيين
الرئيس هادي قال لن نقف الا بمنطقة مران معقل الحوثيين
ولا حول ولا قوة الا بالله