ليبيا ليست فريدة في هلاكها الراهن، فهي تهلك كما هلكت وتهلك سوريا والعراق واليمن والصومال، وكما جرى إهلاك وتقسيم السودان إلى شطرين، وما تبقى منه ينتظر مصير التفكيك نفسه.
المميز في حالة ليبيا، أنها لا تلقى الاهتمام ذاته، ربما بسبب تفرق بؤر الدم فيها، وربما بسبب قلة عدد السكان على مساحة شاسعة تتجاوز ضعف مساحة مصر ذات المئة مليون نسمة، وربما بسبب إجبار نصف السكان على النزوح واللجوء، وإلى حد أن القتال فيها صار يجري على خرائب، وتتنازع حكومتان في الشرق والغرب، وبدون مقدرة عسكرية لأي منهما على حسم الصراع لصالحها، وهو ما يشجع على تقدم طرف ثالث لملء الفراغ، ورفع راية «داعش» الدموية على الأطلال.
صحيح أن «حكومة طبرق» هي المعترف بشرعيتها دوليا، وتتمتع بدعم البرلمان المنتخب، لكن جيشها الوطني غاية في الضعف، ومحظور تسليحه بقرار قديم من مجلس الأمن، هو القرار ذاته الذي حطم ليبيا، وبدعوى المساعدة في إزاحة حكم العقيد القذافي، وهو القرار ذاته الذي مهدت له الجامعة العربية زمن أمانة عمرو موسى، ودفعت إليه دول تطوعت لخدمة حلف الأطلنطي، وجعل ليبيا على ما هى عليه الآن، فلا ثورة تحققت، ولا نظام جديد قام، ولا قديم تبقى، ولا ليبيا ذاتها ظلت متماسكة كدولة، وهي صاحبة واحد من أكبر احتياطيات البترول في العالم، وأنقاها خاما، وأغلاها سعرا، وبما يوفر فرصة لجعل كل واحد من الملايين الليبيين الستة مليونيرا، فتحول الليبيون إلى مشردين في بلادهم، وفي ملاجئ الدنيا خارجها، وتوقف إنتاج البترول الليبي تقريبا، وحل زمان القتل وقطع الرؤوس بالجملة.
وبالطبع، لا يهم أمريكا ولا الشيء الركيك الذى اسمه «المجتمع الدولي»، أن تهلك ليبيا، أو أن تنشأ على أنقاضها ألف حكومة وإمارة وحشية، مع أن هؤلاء بالذات هم الذين حطموا ليبيا، وبضوء أخضر من الجامعة العربية، التي أصدرت أخيرا قرارا خجولا، يدعو الدول العربية إلى تقديم الدعم «المادي والسياسي «لحكومة ليبيا الشرعية»، وإلى دعوة المجتمع الدولى ـ إياه ـ إلى رفع حظر التسليح عن الجيش الليبي، ومع إضافة تعبيرات الفلكلور الدبلوماسي الداعي الأطراف إلى تشكيل حكومة وفاق وطني، ودعم جهود بعثة الأمم المتحدة برئاسة برناردينو ليون، التي تعثرت مشاوراتها بين برلين وجنيف والصخيرات، وتعددت مسوداتها المليئة بالثغرات والكلام الإنشائي، وظلت عاجزة إلى الآن عن دفع الأطراف كلها إلى تشكيل الحكومة الوفاقية إياها، التي لا تعني شيئا مفيدا حتى لو تشكلت، فسوف تكون جمعا لمتناقضات لا تلتقي، ثم أنها ستكون بلا جيش نظامي وطني حقيقي، فالجيوش المؤثرة لا تتشكل من ميليشيات، بل تتشكل على أساس التجنيد الوطني العام، وقد فشلت تجربة جيش الميليشيات في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، وما من سبب واحد يدعو للتفاؤل بتشكيله في ليبيا الآن، وحكومة وفاق في ليبيا بلا جيش حقيقي، لا تعني سوى استئناف المعارك إلى يوم الفناء، أو تقسيم ليبيا إلى عدة كيانات، كل كيان فيها فرح بجيشه أو بميليشياه، ثم تقسيم المقسم إلى ما لا نهاية.
والمعنى، أن مأساة ليبيا قد لا تجد حلا فيما يسمى حكومة الوفاق الوطني، وقد أظهرت مناقشات الصخيرات ـ ثم جنيف ـ وجود ثلاثة أطراف سياسية على خريطة ليبيا الآن، هي الحكومة والبرلمان الشرعي في طبرق، ثم الأحزاب ومجالس البلديات بما فيها «مصراته»، والطرف الثالث ممثل في حكومة أمر واقع في «طرابلس»، وبدا الطرفان الأولان أقرب للاتفاق، وقد وقعا معا بالأحرف الأولى على «وثيقة ليون»، فيما امتنعت حكومة طرابلس، وهي مشكلة من الذين خسروا الجلد والسقط في انتخابات البرلمان، وتآكلت قواعدهم الشعبية باطراد، ولا يملكون سوى ميليشيات مسلحة، وهم مجموعات مما يعرف أمريكيا بالإسلام السياسي المعتدل، أبرزها حزب الإخوان «العدالة والبناء» الذي يتخبط في تصرفاته، فيوقع على «وثيقة ليون»، ثم يتنصل من التوقيع في مناقشات ما تبقى من «المؤتمر الوطني» المنتهية ولايته، ولا يبدو حزب الإخوان الليبي طرفا حاسما في المعادلة، لا في المعادلة الشعبية التي تواضع تأثيره فيها إلى أدنى حد، ولا حتى في معادلة المناهضة لحكومة وبرلمان طبرق المنتخب، وإلى حد بدا معه حزب الإخوان في حالة التحاق ذيلي بالجماعة الليبية المقاتلة والحزب السياسي التابع لها، وهي جماعة من تابعة لتنظيم «القاعدة» تاريخيا، تتجاوز ميوعة المواقف القلقة لقيادة الإخوان، وتخطف من الإخوان قواعدهم الشبابية، وتدخل في منازلات خاسرة غالبا مع تنظيم «داعش»، الذي يتقدم في ليبيا الآن، تطبيقا للمعادلة التي صارت محفوظة من فرط تكرارها في مجتمعات عربية وإسلامية فقدت جيوشها، وهي أنه حيث يوجد الإخوان يزدهر تنظيم «داعش»، فالإخوان حالة «إسلامية» عابرة كما الانتظار الموقوت في «ترانزيت» المطارات، بعدها تنفسح الأرض لجماعات تنظيم «القاعدة» الأكثر راديكالية واستعدادا للقتل، ثم يأتي دور «داعش» ووحشيته المفرطة في الأرض الخراب، فتنظيم «داعش» هو أعلى مراحل تطور ما يسمى بالحركة الإسلامية، وهو ما يفسر ما جرى في «سرت» الليبية، التي تحولت إلى ما يشبه العاصمة لتنظيم «داعش» في أفريقيا كلها، وقد نجح «داعش» في إلحاق هزيمة سريعة ماحقة بقوات حكومة طرابلس القاعدية ـ الإخوانية، وقد كانت «سرت» في حوزة المتشددين إياهم، الذين يحصلون من دول بعينها على سلاح ومليارات أكبر بكثير مما في حوزة جماعة «داعش».
تطور الوقائع الحربية على الأرض الليبية قد يوحى بالحل الممكن، فلا إمكانية لجمع المتناقضات كلها في سلة حكومة واحدة، ولا بديل عن استبعاد كل طرف يهيئ أرضا لتوحش «داعش»، والدلالة ظاهرة في ما جرى في «سرت»، وقبلها في «درنة»، التي كان «داعش» قد استولى عليها، وقد كانت بيد «الجماعة الليبية المقاتلة» من تنظيم «القاعدة»، التي نجحت لاحقا في طرد «داعش» مؤقتا من «درنة»، وبدون ضمان أكيد لاستقرار الصورة، فالقاعديون هم البيئة الجاهزة دائما للتحول الداعشى، وبالطبع لم يعد أحد يتحدث عن الإخوان في «درنة»، ولا حتى عن «أنصار الشريعة» التي تحولت قسرا إلى رافد لـ»داعش» في بنغازي، والخلاصة: أن «داعش» يبني نفسه من سلالة الإخوان وجماعات القاعدة على طريقة الجماعة الليبية المقاتلة، ومثلها كثير يأتى من «تونس» التي صارت المصدر الأول للإرهابيين الدواعش، ومن دول أفريقيا جنوب الصحراء ذات الحدود الطويلة السائبة مع ليبيا، فوق مزايا الإطلالة الليبية الواسعة على البحر المتوسط، وبشاطئ يزيد طوله على 1700 كيلومتر، وبدون ضابط ولا رابط على الموانئ، وبما يرفد «داعش» بمدد لا ينتهي من الرجال والسلاح المهرب، يعينه على بناء خلافته الوحشية في ليبيا الفسيحة الغنية، وتحت مظلة أمان نسبي من التغافل الدولي والتردد العربي في التدخل العسكري.
خريطة رعب بهذه التفاصيل تشير بذاتها إلى الحل الممكن، فلابد من تحديد الخطر بدقة، والخطر الأكبر عنوانه «داعش»، ولا تصح الاستعانة في مواجهته بجماعات هي الاحتياطى الممهد لوجود «داعش»، وهو ما يعني ـ بالدقة ـ استبعاد حكومة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة وميليشياتها من أي حكومة جامعة، واشتراط حل الميليشيات كلها، وبناء جيش وطني ليبي من نقطة الصفر، فلم يكن بليبيا جيش بالمعنى المفهوم حتى في زمن القذافي، والجيوش الوطنية لا تبنى إلا على أساس التجنيد العام، وكل شاب ليبي بلغ السن مدعو للتجنيد في الجيش، وعلى أسس انضباط والتزام عسكري صارم، وبدعم من حكومة وطنية موسعة تشمل الطرفين الأكثر تفاهما في برلمان طبرق ومجالس البلديات المنتخبة، وطبيعي أن الحكومة الموسعة بحاجة إلى دعم سياسي وعسكري، وما من دولة أكثر تأهيلا واحتياجا للدور الداعم من مصر، وعليها أن تطلب العون في انقاذ ليبيا من الأطراف العربية في «القوة العربية المشتركة» الجاري تشكيلها، ونتصور أن مصر وحدها هي القادرة على بناء جيش ليبي حديث، وعلى تسهيل تسليحه بمعونة الحلفاء الخليجيين، وعلى شن حملة غارات جوية محسوبة بدقة دعما لحركة القوات الليبية، وبدون انتظار لتحرك الخرافة المتواطئة المسماة بالمجتمع الدولي، فإنقاذ ليبيا مسؤولية عربية ومصرية بالذات، وترك ليبيا تهلك خطر على مصر، صحيح أن الخطر أكبر على تونس، لكن تونس الصغيرة لا تقدر على شيء مؤثر في ليبيا، والجزائر ممتنعة، والسودان غارق في أوحاله، ومصر وحدها قادرة على فعل كل شيء بدون الاجتياح البري غير المطلوب، فتمكين الليبيين من استعادة وتحرير ليبيا هو الأجدى والأنفع.
٭ كاتب مصري
عبد الحليم قنديل
تطبيقا للمعادلة التي صارت محفوظة من فرط تكرارها في مجتمعات عربية وإسلامية فقدت جيوشها، وهي أنه حيث يوجد الإخوان يزدهر تنظيم «داعش»،
– انتهى الاقتباس –
الصحيح هو أنه حين يقمع الاخوان من العسكر يزدهر تنظيم داعش
وطبعا للعسكر دور في ازدهار داعش لأسباب أهمها :
ليخوف المجتمع الدولي من الاسلاميين
وليصفي الاخوان بهدوء
ويبقى بالسلطة
ولا حول ولا قوة الا بالله
ولولا مصر ما دمر العراق ولو وقفت مصر ما انشطر السودان ومصر الان تريد تمزيق ليبيا لتحصل على شرقها الغني بالنفط ويا مصر سوف يخف النيل و لن يدرك المصريون انهم بلا عرب لييس لهم اي مستقبل والعكس صحيح
اتمنى ان تكتب لنا(قبل هلاك مصر) وممكن في السياق تذكر تأثير الواقع الليبي على المصري….لكن موضوع مصر وهلاكها او نجاحها هو داخلي بشكل رئيسي اضافه الى علاقاتها الدوليه خاصة مع دولة العدو الصهيوني التي تضمر الشر لكل العرب وعلى رأسها مصر.
إذا كان هذا هوحال مثقفي العرب حقد وإفصاء وتحريض على فتل لمن نختلف في الرأي فاقرأوا على الأمة العربية السلام . هناك أقلام هي أنكى من سلاح العسكر ، وأحد من سكاكين داعش ، وأخطر من قنابل إسرائيل .فمتى يفيق هؤلاء ؟؟؟؟؟؟سبحان الله إن الحقد يعمي وإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
مايحصل في ليبيا وسوريا واليمن ……. وغيرها من المآسي السبب هو الثورة (الانقلاب) المصري بقيادة الجنرال سيسي ، ووقوف اللذين كنا نحسبهم وطنيين وعروبيين الى جانبه والدعم السعودي الاماراتي لوأد الربيع العربي وبأمر وتوجيه وتدبير من الغرب بفيادة امريكا ؛ هو اللذي اوصلنا الى هذه الحالة اللتي اصبحت تصعب ….. على الكافر كما يقول المثل تلعمي المصري!!!!!!#!!.؟
ننصح الكاتب بعدم الإفراط في كراهية الإسلام والمسلمين حتي لا يُتهم بالعلمانية المفرطة المعادية للإسلام السياسي .
كما ونرغب منه أن يسرد علينا فوائد تفريعة قناة السويس الجديدة ومدى جديتها وجدواها الاقتصادية على الاقتصاد المصري الضعيف .
ونرغب منه أن يعرج على تمردات رجال الشرطة ومطالبهم القانونية الانسانية .
كما نود أن يبين موقفه من حصارقطاع غزة ومنع المرضى من السفر للعلاج.
ثم أخيراً كلمة مختصرة في كيفية محاربة داعش سيناء ( ولاية سيناء) وذلك لتعميم الفائدة . ولا شك أن داعش ليبيا شقيقة داعش سيناء .
(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) صدق الله العظيم
لا تنسى ان تكتب عن هلاك مصر حتى تكون الامور متوازنة
ومصر ليست في منأى والبقاء للأصلح