من ينظر بتمعن الى الربيع العربي علم أنه يحمل فوق أجنحته عاصفة مخيفة. كان حكم حسني مبارك مستعملا للقوة وفاسدا، لكن كم بدا مواطنو الغرب حمقى في نظر أنفسهم وهم الذين توهموا في متظاهري ميدان التحرير حملة روح جيفرسون؟ وهكذا من دولة الى دولة، من الجزائر واليمن ومصر، والآن الى سورية التي طال الصراع العنيف فيها ليصبح كطول الحرب الأهلية في اسبانيا في السنين 1936 1939. قيل من قبل في المعركة الدامية في سورية ‘ويل لي من غريزتي وويل لي من خالقي’، وكان هناك من وزراء الحكومة من ذكر بهذا أول أمس قُبيل عقد المجلس الوزاري المصغر السياسي. ليس واضحا في الميزان العام أيهما أفضل، فقد عرفت اسرائيل كيف تواجه الحكام من عائلة الاسد منذ كان اتفاق الفصل بين القوات الذي وقع عليه في أيار 1974. أوحى حافظ وابنه بشار الاسد برسالة مضاعفة. فقد حرصا من جهة على وقف اطلاق النار في هضبة الجولان، وكانا من جهة ثانية حاملين للجرثومة السياسية الايرانية، واشتغلا في الأساس بنقل سلاح وذخائر الى حزب الله. وقد تم كسب الهدوء في الجولان بجهد زائد دائم من اسرائيل في جبهة لبنان وبعدم يقين بدرجة عالية لكنها ثابتة. وعرفت اسرائيل طول السنين ان نظام الاسد يطور سلاحا كيميائيا ويراه ‘قنبلة ذرية للفقراء’، تكون ردا على القوة الذرية التي يملكها الجيش الاسرائيلي. وتابعوا في البلاد انتاج السلاح وحركته لكن لم يرتاب أحد في أنه حينما يتعرض النظام لخطر فلن يتردد قادته في استعماله كما حدث حقا في الحرب الأهلية الحالية. وهذا ما حدث وتوجد نتائج سياسية اشكالية للضرر غير الانساني الذي سببه استعمال هذا السلاح لأنه ترك السياسة الامريكية عارية بادية العورة، لأنها التزمت بأن ترد بالقوة على استعمال الجيش السوري للغاز لكنها تجلس في واقع الامر مكتوفة اليدين ولا تفعل شيئا. لكن ما البديل؟ أهو تأييد المتمردين الذين هم اسوأ المتطرفين الاسلاميين؟ وكيف سيبدو حكمهم اذا ما وصلوا الى القصر الرئاسي؟ وماذا عن الـ 14 ألف مخرب من حزب الله الذين جاءوا لمساعدة الاسد؟ إن من سينتصر في نهاية الامر في سورية قد يستعمل السلاح الكيميائي بقدر لا يقل عن بشار الاسد ويقيم علاقة مع طهران تجعل محطة المؤسسة في دمشق لا داعي لها. قررت النظرية الاسرائيلية ألا يبيح الجيش الاسرائيلي نقل سلاح كيميائي أو صواريخ ارض جو متقدمة من سورية الى حزب الله في لبنان، لكن اذا تغلب المتمردون على الاسد فسيحوزون هذه الوسائل هم أنفسهم على ارض سورية من غير ان تكون حاجة الى عملية نقل. فأيهما أفضل اذا بالنسبة لاسرائيل؟ هل أن تهاجم الاسد وتشجع الامريكيين على فعل ذلك أم تقف جانبا وتأمل ان يطول التعادل في الحرب الأهلية في سورية قدر المستطاع؟ واذا كان هذا هو الامكان الأفضل فلماذا نشتكي من الامريكيين الذين لا يحققون تهديدهم بالرد بالقوة العسكرية على استعمال السلاح الكيميائي؟. سيجتمع المجلس الوزاري المصغر السياسي الامني مرة بعد اخرى، ويوما بعد يوم قبل محاولة اغتيال رئيس الوزراء السوري وبعدها ولن يملك وزراؤه جوابا متفقا عليه عن المعضلات. لا يوجد، لا يوجد ببساطة.