قوة عظمى تمارس التهديد

حجم الخط
0

لا يهم ما تقوله الامم المتحدة، أو ما تشتغل به القوى الكبرى أو ما هي الاعتبارات الاستراتيجية التي توجه أصحاب القوة. حينما تتحدث اسرائيل يقف العالم صامتا. أتهديد ايراني؟
لولا كشف الاستخبارات الاسرائيلية والخوف من رد اسرائيل العضود، لتم الشك في أن تتأثر الولايات المتحدة أو سائر العالم ببرنامج ايران الذري. أسلاح كيميائي في سورية؟. لقد اضطر الكلام المعلن فقط لرئيس قسم البحث في ‘أمان’ العميد إيتي بارون، الادارة الامريكية الى الاعتراف بأنه تم استعمال سلاح كيميائي.
القاعدة في سيناء؟ جعلت بضع قذائف صاروخية أُطلقت من سيناء على اسرائيل وحادثة قاتلة على حدود اسرائيل، جعلت مصر تهديدا، واضطرت نظام محمد مرسي الى ان يُصادم منظمات سلفية مسلحة وجرّت الولايات المتحدة ايضا الى هذه الجبهة.
إن الانطباع غير الصحيح هو ان اسرائيل فقط تستعمل استخبارات دقيقة في المنطقة وانه لولاها لما عرف العالم الأخطار التي تترصده. وأما الانطباع غير االصحيح فهو ان اسرائيل تعرف كيف تجعل معلوماتها الاستخبارية مفيدة.
هذا مقام يثير الفخر لدولة صغيرة ليست لها أهمية استراتيجية. ومن النجاح العظيم جعل أقوى دولة في العالم تهب لمساعدة الدولة التي زعمت دائما أنها غير مُحتاجة الى جيوش آخرين. لكن هذه الدولة التي تستطيع ان تتعرف قبل الجميع على تهديدات بعيدة أصبحت خرساء صماء عمياء حينما اقترب التهديد من بابها. فمتى تطرق رئيس الوزراء آخر مرة الى الصراع الاسرائيلي الفلسطيني؟ وماذا حدث لوزير المالية الذي التزم ببدء تفاوض مع الفلسطينيين، وما الذي يفعله وزير الدفاع سوى اغلاق وفتح معبر كيرم شالوم بعد كل قذيفة رجم تسقط في اسرائيل؟ صحيح أن الصراع مع الفلسطينيين يصبح قزما اذا قيس بالتهديد الايراني أو بالاسلحة الكيميائية السورية أو بالصواريخ من سيناء. وهو ليس ‘تهديدا استراتيجيا’، وهو مضايقة من نوع المضايقات التي تستخرج فرقعة باللسان وحركات أيدٍ تعبر عن الاستهانة أو الملل. وهو صراع لا يوجب تجنيد قوات الاحتياط، أو تحريك طائرات أو حماية دقيقة لمستودعات سلاح مرشحة للقصف. انه صراع لا يوجد فيه جرحى يهود تقريبا ولا يُحدث مظاهرات في اسرائيل وقد ضاقت وسائل الاعلام به ذرعا. وهو صراع غير مقنع بصراعيته، ولا يوجب ان يجند العالم نفسه أو مشاجرة مستكبرة على الخطوط الحمراء، فليس فيه لا خطوط حمراء ولا خط أخضر.
إن الفصل الجذاب فيه هو فشل القوى الكبرى المطلق في تجنيد اسرائيل لحل الصراع، فالولايات المتحدة تراه تهديدا لمكانتها في الشرق الاوسط، والدول الاوروبية في نفاق حقيقي أو متكلف قلقة من آخر بقايا الاستعمار الذي يدعها عاجزة عن مساعدة شعب واقع تحت الاحتلال. وكل ما بقي من دور لهذه الدول هو تقديم المنح لمساعدة السلطة الفلسطينية المحتضرة على التنفس. ويصعب ان نحل هذا اللغز الذي تقدر معه دولة صغيرة على زعزعة العالم وتتجلبب في مواجهة.
لا يمكن ان نُجادل نجاحا كهذا وقد أصبح عادة يُرى كل طلب لتغييرها تهديدا وجوديا. لكن لنفرض لحظة ان الولايات المتحدة أو الدول الاوروبية استقر رأيها على تغيير قواعد اللعب وعلى ربط ايران بالصراع مع الفلسطينيين، وصفقة السلاح الضخمة التي وقعت عليها اسرائيل لحماية نفسها من أعدائها الكبار، وصفقة مصالحة مع العدو الفلسطيني الصغير. ماذا سيحدث اذا أوقفت تلك الدول الذيل الذي يهزها وعرضت خطوط حمراء على دولة اسرائيل ايضا؟
سيقول أصحاب الصلف لن يحدث هذا أبدا، أحقا؟ إن قائمة الزعماء ونظم الحكم الذين تخلت الولايات المتحدة ودول اوروبا عنهم في العقود الخالية من امريكا اللاتينية الى جنوب افريقيا والى العراق ثم مصر تشهد على مبلغ كون كل ذلك ممكنا. لكن من ذا الذي يدرس التاريخ حينما يكون الحاضر رائعا جدا؟.

هآرتس 1/5/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية