لكل هذه الأسباب مجتمعة خسرنا

حجم الخط
3

لأننا قبلنا بالمبدأ.. ولأننا تجاوبنا من منطلق الضعيف والمتسول، ومن منطلق الخائف على صورته المشوهة أصلا، لا كأصحاب الحق وضحايا إرهاب دولة.. ولأننا لم نحاول ان نجعل منها قضية القرن.. نضع فيها إسرائيل ومن ورائها أمريكا على كرسي الاتهام. لكل هذه الأسباب مجتمعة خسرنا وسنخسر في أي قضية يمكن تأتي لاحقا ونحن في حالنا هذا الذي نقلب به حقنا باطلا.
نحن نتحدث عن حكم محكمة أمريكية، بتغريم السلطة الفلسطينية وراعيتها منظمة التحرير الفلسطينية التي تستعد لعقد جلسة للمؤتمر الوطني الفلسطيني لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة، بعد مرور حوالي عشرين عاما على الحالية، مبلغ 645 مليون دولار، لعائلات مواطنين أمريكيين (ربما مزدوجي الجنسية الإسرائيلية والأمريكية) قتلوا في خضم سنوات انتفاضة الأقصى جراء عمليات استشهادية نفذتها أجنحة عسكرية لفصائل فلسطينية. وهذا المبلغ أقل بقليل من خمس التعويض الأصلي الذي طالبت به هذه العوائل وقدره ثلاثة مليارات دولار،
وقرر محامو السلطة ومنظمة التحرير الاستئناف ضد هذا الحكم الظالم والظالم جدا طبعا، ولكن المحكمة اشترطت قبول منحهم حق الاستئناف بدفع مبلغ حوالي عشرة ملايين دولار كتأمين ومليون دولار شهريا لمدة 12 شهرا موعد النظر بالاستئـــناف.. وهذا ما وافقت عليه السلطة والمنظمة كما قالت حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة التي كانت أحد الشهود الرئيسيين طبعا لصالح الدفاع وليس الإدعاء.
وبداية القصة أو بالأحرى القضية كانت قبل حوالي 7 أشهر أمام محكمة في ولاية نيويورك الأمريكية التي اختيرت بعناية شديدة لشدة النفوذ اليهودي فيها. وفي 25 شباط/فبراير من العام الحالي، بدأت المحكمة الجزائية في الولاية النظر في دعوى رفعتها عشر عوائل أمريكية قتل أفراد منها في عمليات تفجيرية وقعت في القدس ومحيطها، ضد منظمة التحرير الفلسطينية، نفذتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس وسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وكتائب الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح غير المعترف بها رسميا.
ووقعت هذه العمليات قبل أكثر من عشر سنوات، وتحديدا في الفترة الواقعة ما بين 2004 – 2002 ، أي في «حموة» انتفاضة الأقصى التي طغت عليها الصبغة العسكرية أكثر من الشعبية التي اتسمت بها الانتفاضة الأولى (1987 إلى 1993)، ردا على تغول قوات الاحتلال خلال عملية (السور الواقي الذي أعادت فيه احتلال مناطق السلطة الفلسطينية) في عمليات القتل والتقتيل سواء بالقصف الجوي العشوائي أو باستهداف كوادر في هذه الأجنحة بصواريخ تطلقها مروحيات أو طائرات من غير طيار، وهم في الأسواق أو الشوارع المكتظة فيسقط بالطبع فيها العديد من الأبرياء شهداء.
ورفعت الأسر الدعوى على السلطة ومنظمة التحرير في ستة حوادث اطلاق نار وتفجيرات في القدس، أسفرت عن مقتل 33 شخصا وإصابة أكثر من 450 آخرين. والدعوى كلها حول تهمة واحدة فقط وهي تمويل السلطة ومنظمة التحرير لمنفذي العمليات.. لاحظ المصطلح المستخدم «التمويل» وليس مثلا دفع رواتب بعض الذين شاركوا في بعض عمليات كتائب الأقصى وهو طبعا الأصح… فالمنظمة تمول الكثير من المؤسسات مثل أسر الشهداء والجرحى والأسرة.. وبالتأكيد ليس من مزاياها تمويل العمليات الاستشهادية أو العمل العسكري. فالمصطلح يعني ان السلطة والمنظمة كانتا وراء هذه العمليات.
وبعد جلسات امتدت شهورا رفضت المحكمة الجزائية كما كان متوقعا، دفوعات منظمة التحرير وقضت لصالح المدعين بتغريم المنظمة والسلطة كتعويض لمقتل 11 شخصا فقط من أصل 33، مبلغ 218 مليون دولار ويرتفع هذا المبلغ إلى ثلاثة أضعافه، لكون العمليات التي قتلوا فيها لها علاقة بما يسمونه الإرهاب وفق القانون الأمريكي. وبذلك يصل المبلغ إلى 654 مليون دولار أي بمعدل 59 مليون ونصف المليون لكل فرد. لا تستغرب ياسيدي فنحن أمام محاكم «أمنا أمريكا.. أرض الحريات.. ومعقل حقوق الإنسان والديمقراطيات».
وفي كل الأحوال لو كنت أنا القاضي لحكمت لصالح هذه العوائل لا لحق في الدعوى المقدمة، بل بسبب المنطلق الخاطئ الذي انطلقت منه هيئة الدفاع. ورغم ان هذه الدعاوي وما سبقها وما سيعقبها تبدو في ظاهرها مالية تعويضية «دفع دية» إلا انها قضية سياسية من الدرجة الأولى.. ولا يجب النظر إليها أو التعامل معها إلا من هذه الزاوية فحسب.
نعم أنها قضية سياسية بامتياز ولو حفرنا قليلا لوجدنا ان من يقف وراءها جهات صهيونية.. إنها قضية ترمي لتحقيق أكثر من هدف.
الأول هو تحصيل اعتراف فلسطيني رسمي بأن ما قامت به هذه المجموعات من عمليات تفجيرية، هو عمل إرهابي.. وهذا ما ثبتته عشراوي في شهادتها التي استمرت قرابة الساعتين أمام المحكمة في محاولة منها لان تنأى بالمنظمة عن مثل هذا النمط من العمليات.. إذ قالت إنها وزعماء فلسطينيين آخرين بينهم الرئيس الراحل ياسر عرفات عملوا مع مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين لمكافحة الإرهاب أثناء تلك السنوات. وقالت عشراوي إن هذه العمليات لم تخدم قضية السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير ولا قضية الحرية. ولم تكن عشراوي التي مثلت شاهدة نحو ساعتين أمام المحكمة، الشاهد الفلسطيني الوحيد بل سبقها مسؤولون آخرون كبار منهم ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية.
الهدف الثاني ان تكون هذه المحاكمة سابقة لتظل كالسيف مسلطة على رقاب السلطة الفلسطينية وتبقي الباب مفتوحا أمام آخرين كي يحذو حذو هذه العوائل…
الهدف الثالث إثقال المنظمة والسلطة وهي العاجزة أصلا عن دفع رواتب موظفيها، بتعويضات مالية لا طاقة لها على دفعها أو تحملها. وهي أموال يمكن ان تدخل إسرائيل فيها على الخط وتقطعها من أموال الجمارك التي تدفعها للسلطة كل شهر وتقدر بحوالي 135 مليون دولار.
المشكلة ليست في القضية نفسها ضد منظمة التحرير وأعتقد انها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في قبول هذه القضية في الدرجة الأولى وكيفية التعامل معها ومع غيرها التي قد تظهر لاحقا. فنجاح هذه القضية سيشجع آخرين على رفع دعاوي مماثلة.
فمجرد القبول بالدعوة هو اعتراف بالمسؤولية وحشر للنفس في خانة «اليك» بلغة لاعبي طاولة النرد. وهذا هو الخطأ الأول.
كان يفترض ان نرد عليهم برفع آلاف القضايا على الإدارة الأمريكية وإسرائيل باسم عشرات الآلاف من الشهداء الفلسطينيين وآخرهم 2200 شهيد في قطاع غزة الذين فتكت بهم الطائرات الأمريكية والعشرات في الضفة منهم الصبي محمد أبو خضير والطفل الرضيع علي الدوابشة وما بينهما على سبيل المثال لا الحصر الذين سقطوا شهداء برصاص جنود الاحتلال. كان يفترض ان نطالب بمئات مليارات الدولارات تعويضا، وان كانت كل أموال الدنيا لا تعوض الأمهات والآباء الذين ثكلوا فلذات أكبادهم.
كان يفترض تثبيت الحق الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل الأشكال التي تحفظها له القوانين الدولية.
كان يفترض ان نؤكد ان أرض فلسطين كل فلسطين كانت ساحة حرب وما كان لهؤلاء الضحايا ان يكونوا هناك، فطالما ناشدت وزارة الخارجية الأمريكية مواطنيها الابتعاد عن البؤر الساخنة.. والقدس كانت ولا تزال وستظل أحد أشد البؤر سخونة في فلسطين.
كان يفترض ان نذكر باربعة آلاف فلسطيني قتلوا في الفترة نفسها (2004 -2002) بأيد إسرائيلية وأسلحة أمريكية.
كان يفترض ان نحولها لمحاكمة للاحتلال وتحميله مسؤولية كل الدماء التي سفكت في فلسطين، بمن فيهم الـ11 أمريكيا.
كان يفترض ان نجعل من هذه القضية محاكمة للمستوطنين الذين يحملون الجنسية الأمريكية ويقتلون ويذبحون ويعيثون في المدن الفلسطينية لا سيما في مدينة الخليل فسادا..
كان يفترض أن يكون شهودنا أمام المحكمة آلاف الأمهات الثكالى والأطفال الذين أصيبوا بعاهات مستديمة جراء جرائم الاحتلال وليس كبار المسؤولين الفلسطينيين.
كان الأحرى، بالدلائل والبراهين، ان نغير مجرى هذه المحاكمة ونجعل منها محاكمة العصر للقاتل الحقيقي وإرهاب الدولة الذي تمثله الولايات المتحدة وإسرائيل راعيتا إرهاب الدولة الحقيقي على الجرائم التي ارتكبت وترتكب وسترتكب.
كان يفترض أشياء كثيرة ولكننا للأسف أضعناها حتى لا نغضب «أمنا أمريكا صاحبة نعمتنا وبقاء سلطتنا» كما أضعنا الكثير من حقوقنا من قبل بقبول المساومة عليها والمقايضة فيها دوما. ولن نسامح
كاتب فلسطيني من اسرة «القدس العربي»

علي الصالح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    كل من يأتي لفلسطين المحتلة هو هدف مشروع للمقاومة حتى لو كان عربيا مسلما لأن قدومه يعطي شرعية للصهاينة الغاصبين
    العربي أو المسلم عليه زيارة الأراضي الفلسطينية المحررة فقط كغزة

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول ،،ابو سالمUSA:

    صدقت يا سيد علي صالح،ان الرضوخ لهذه المحكمة هو عار اخر على هذه السلطة يلحق بعار أوسلو،وانه تفريط اخر في حقوق الفلسطينيين،حسب قوانين جنيف ،يحق لكل شعب محتل ان يدافع ضد من يحتل ارضه وان يقتله حتى يحرر ارضه،مش كده وإلا آيه يا سلطة،أنا أعيش في الغرب منذ زمن وارضي اخدت بالقوة العسكرية وحرمت منها،وأمثالي من حملة الجنسيات الغربية آلاف ،هل السلطة ترضى ان تدفع لنا محاميين في دول الغرب ونرفع شكوى لنطالب بحقوقنا المغتصبة،هل فكرت السلطة في ذالك،؟عليها ان تسرع في هذا الامر،

  3. يقول Hadib:

    أعتقد أن أفدح الأخطاء التي ترتكبها النخبة العربية والإسلامية اليوم هي الإعتقاد بأن إسرائيل دولة تتبع التوراة ولكن مشكلتها أنها عنصرية.

    إن القلب ليقطر دماً من ما رواه الكاتب علي الصالح لتدليل علي تعاملوا مع هذا الملف. فالشخص العالم بالأمور لا يخفي عليه أن الجمعيات السرية تسيطر علي الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية في أمريكا وأوروبا. ومن أراد الدليل عليه بفيديو يتحدث عن التحكم في الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عبر الفضائح
    https://www.youtube.com/watch?v=arjXlpz5T8g

    وفيديو آخر لتسجيل أجري عام 1967 يوضح تحكم الجمعيات السرية في الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه:
    https://www.youtube.com/watch?v=KIbTyVqsYEk

    أخيراً: الدلائل تشير الي قرب الفرج وأن تحرير فلسطين سيحدث، بإذن الله، خلال عقد من الزمان. ولكن لشرح هذا الموضوع ينبغي أن تكون للقارئ solid background أي خلفية صلبة في موضوع الأطباق الطائرة لكي يفهم تستر الماسونية علي الروابط الحيوية التي تربط ال flying saucers بالقضية الفلسطينية. وأرجو أن يسمح لي الأخ علي الصالح بسؤال هو: لماذا تحجم القدس العربي عن التطرق لموضوع الأطباق الطائرة & why its disccution seems to be a big no no?

إشترك في قائمتنا البريدية