عاد الرئيس الامريكي في الاشهر الاخيرة ليقطع وعدين هامين: الاول، أن استخدام السلاح الكيميائي هو خط أحمر واجتيازه من قبل الاسد سيغير قواعد اللعب في سورية؛ الثاني، بانه سيمنع عن ايران الحصول على سلاح نووي. وكان الرئيس تناول كل وعد على انفراد، ولكن الاحداث الاخيرة تستوجب من الرئيس اعادة النظر في العلاقة بين الساحتين وبين الوعدين الرئاسيين. في الايام الاخيرة حذر مسؤولون اسرائيليون وامريكيون من أنه اذا لم يفِ اوباما بوعده في سورية، فستتضرر مصداقية تهديداته جدا. ثقة الاسد بقدرته على مواصلة توسيع حجم المذبحة في الدولة ستزداد، والامر سيبث أيضا أثره على المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة حيال ايران في موضوع برنامجها النووي. ولم يظهر الايرانيون بعد استعدادا للتنازلات، واحد الاسباب المركزية لذلك هو المصداقية المنخفضة التي يعزونها للتهديدات الامريكية بشأن استخدام الخيار العسكري. ‘زيف’ امريكي في سوريا سيعزز هذا الاحساس بالثقة، ويقلص أكثر فأكثر احتمالات التنازل الايراني عن طموحاتها العسكرية في مجال النووي. في هذا الوضع ستضطر الولايات المتحدة الى الاختيار بين التسليم بايران نووية وبين الهجوم على المنشآت النووية في ايران. ومع ذلك، فقد نشر أيضا أن مسؤولين في جهاز الامن الاسرائيلي يعتقدون بانه اذا اراد اوباما أن يهاجم ايران فانه سيتوجه للحصول على التأييد من حلفائه الاوروبيين، وسيسعى الى تقليص المعارضة الروسية والصينية للخطوة. والتدخل في سورية من شأنه أن يقلص التأييد المستقبلي للدول الاوروبية للهجوم على ايران، كونها ستخشى من فتح جبهة ثانية في الشرق الاوسط. كما أن من شأن التدخل في سورية ان يؤدي الى مواجهة مع موسكو وبكين، اللتين تعارضان ذلك خوفا من تعريض مصالحهما للخطر والمس بالشرعية الدولية لعمل أمريكي مستقبلي ضد ايران. باختصار، يجد اوباما نفسه في شرك: فهو مطالب بان يختار أي وعد سيفي به وايهما سيخرق. ومن أجل الخروج من هذا الشرك فان اوباما مطالب بان يربط بين السياسة الامريكية في سورية وتلك التي حيال ايران، بحيث تخدم الواحدة الاخرى. وهو مطالب بان يبلور سياسة عامة للتهديدين، في اطارها يمكنه أن يستخدم الساحة السورية كي ينقل رسالة واضحة للنظام في طهران عن استعداده للايفاء بتعهداته. في 2003 أرجأ النظام الايراني برنامجه النووي عقب تخوفه من توسع الاجتياح الامريكي للعراق ليهدده أيضا. والتدخل في سورية سيتطلب من الايرانيين فحص فرضياتهم بالنسبة للاستعداد الامريكي في تهديد مصالحهم من خلال عمل عسكري، وربما أيضا تغيير سياستهم في سورية وفي المسألة النووية. ان تنفيذ التهديد الامريكي في سورية كفيل ايضا بتشجيع روسيا والصين على العمل في الساحة السورية وزيادة الضغوط على طهران في المسألة النووية من أجل الامتناع عن أزمة اخرى تضر بمصالح القوتين العظميين. التدخل الامريكي الذي سيمس بالاحساس بالثقة لدى الاسد ويجسد التهديد يمكنه أن يتم بالتدريج وبحذر ولا حاجة لان يتضمن احتلال دولة عربية. فمناطق محظورة الطيران وأروقة انسانية هي مجرد أمثلة على مجال العمل الممكنة للامريكيين، ولا يتضمن دخول قوات مقاتلة برية الى سورية. ان التدخل في سورية ليس الخيار الامريكي المطلق، ولكنه الافضل في الواقع الحالي. فقد تعهد اوباما أمام الملأ بالعمل ضد النظام في سورية وفي ايران اذا ما اجتازا الخطوط الحمراء. الان، حين تتجه عيون العالم الى واشنطن، فان خرق أحد التعهدين الرئاسيين من شأنه أن يؤدي الى مواجهة أوسع أكثر من سياسة حكيمة وحذرة، ترى في التعهدين سياسة واحدة شاملة.