أسس الكنعانيون مدينة القدس عام 1800 قبل الميلاد(ق.م) وتكالبت عليها أمم وقبائل وشعوب. أحرقها البابليون عام 587 (ق.م) واحتلها الفرس واليونانيون والرومان ثم إنتقلت إلى أيدي العرب فالعثمانيون وخضعت للصليبيين نحو 88 سنة (1099-1187) ثم للاستعمار البريطاني وتم تقسيمها في حرب 1948 حيث خضع الجزء الغربي الأكبر منها للاحتلال الإسرائيلي وبقي الجزء الشرقي منها بأيدٍ عربية وأصبحت جزءا من المملكة الأردينة الهاشمية واحتلت إسرائيل الجزء الشرقي منها في حرب عام 1967 وأعلنت توحيد المدينة على الفور وعادت لتعلن القدس مدينة موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل عام 1980 بعد خروج مصر من الصراع على إثر توقيع إتفاقية كامب ديفيد. وتنسجم ممارسات إسرائيل من اليوم الأول لاحتلال القدس وحتى هذه اللحظة مع مخطط تحويل المدينة بكاملها إلى عاصمة إدارية وسياسية ودينية لإسرائيل فقط عن طريق التهويد البمرمج والمتواصل والمتراكم وصولا يوما إلى إلغاء أي وجود عربي إسلامي ذي قيمة حتى ولو بقيت بعض الجيوب الصغيرة هنا وهناك كمعالم سياحية تستفيد منها خزينة الدولة كما تستفيد إسبانيا الآن من قصر الحمراء في غرناطة والمسجد الكبير في قرطبة وبرج الخيرالدا في إشبيلية.
وسنناقش في هذا المقال وضعية القدس من الناحية القانونية البحتة تاركين أمر الدفاع عن هذا الحق للرجال والنساء المرابطين في بيت المقدس وأكنافه والذين يدافعون عن كرامة أمة بحالها يزيد تعدادها على المليار ونصف المليار.
فلسطين تحت الانتداب البريطاني
قبل إحتلال فلسطين عام 1917 على أيدي القوات البريطانية كانت فلسطين دولة كاملة المعالم لا ينقصها الا إعلان الاستقلال. وقد صنفت عصبة الأمم فلسطين من بين مجموعة الدول (أ) والتي وصلت بها التنمية والتطور لدرجة عالية تؤهلها للاستقلال. وقد أقرت إتفاقية السلام في فرساي التي أنهت الحرب العالمية الأولى بحق الدول العربية التي كانت خاضعة للأمبراطورثة العثمانية بالاستقلال عملا بنص الفقرة الرابعة من البند 22 من ميثاق عصبة الأمم الذي ينص على أن «بعض المجتمعات والتي كانت تخضع للإمبراطورية العثمانية والتي قد وصلت مرحلة من التطور بحيث يمكن الاعتراف مؤقتا باستقلالها بعد تقديم المشورة الإدارية والمساعدة من قبل دولة الانتداب إلى أن تصبح مؤهلة للوقوف بنفسها. إن رغبات هذه المجتمعات يجب أن تكون على قمة إعتبارات إختيار دولة الانتداب». وقد حددت تلك الدول بخمس: العراق ولبنان وسوريا وفلسطين وإمارة شرق الأردن. أعطيت بريطانيا تفويضا بانتداب العراق والأردن وفلسطين وأعطيت فرنسا إنتداب سوريا ولبنان.
إن وضع دولة تحت الانتداب إجراء مؤقت لا يحمل أي تفويض قانوني لتغيير البنية الديموغرافية لأية دولة من الدول ولا يحرم الشعب الواقع تحت الانتداب من حقه في السيادة والاستقلال. فوضع فلسطين تحت الانتداب لا يجردها من كيانية الدولة التي إعترفت بها «عصبة الأمم» وأقرت بأنها وصلت من التطور لمرحلة الاستقلال وكل ما تحتاجه المشورة الإدارية والمساعدات. فوجود شعب محدد في بقعة جغرافية محددة وذو شخصية مميزة تختلف عن تلك التي يمثلها الانتداب يعني عناصر السيادة للشعب الفلسطيني كانت مكتملة ولم يبق شيء ناقص منها إلا ممارسة السيادة التي عطلتها قوة الانتداب. وما ينطبق على فلسطين ككيان محدد وقع تحت الانتداب مؤقتا ينطبق على القدس أكبر مدن فلسطين وأكثرها عراقة وأهمية وقدسية رغم قرار التقسيم لعام 1947 والاعتراف بإسرائيل من الجمعية العامة بتاريخ 11 أيار/مايو 1949 بناء على توصية من مجلس الأمن ورغم إحتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967 وتوحيد المدينة وضمها فيما بعد.
قرار الجمعية العامة لتقسيم فلسطين وتدويل مدينة القدس عام 1947
نص قرار الجمعية العامة 181 الصادر بتاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947 المعروف بقرار التقسيم على إنشاء دولتين يهودية وعربية، واستثنى من ذلك القدس لأهمية القدس وموقعها عند المسلمين. نص القرار على إعتبار القدس «كيانا منفصلا» يخضع لنظام دولي تديره الأمم المتحدة عن طريق مجلس الوصاية. وسيقوم مجلس الوصاية المكلف بإدارة المدينة نيابة عن الأمم المتحدة. وقد كلفت الجمعية العامة مجلس الوصاية الإعداد لخطة شاملة لإدارة القدس تشمل تعيين طاقم إداري وهئيات تشريعية وقضائية ونظام يدير الأماكن المقدسة بحيث يسهل الوصول إليها دون أن يمس من «الوضع الراهن» الذي كانت تتمتع به. ونص القرار في فقرته الرابعة من الجزء الأول أن الأماكن المقدسة وأن حقوق الملكية وحقوق الأقليات «سوف تخضع لضمانة الأمم المتحدة ولن يطالها أي تعديل بدون موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة». لكن اللجنة التي كلفها مجلس الوصاية بوضع خطة لإدارة المدينة قد إنحرفت عن نص الولاية التي حددها قرار 181 بعد قيام الحرب وسقوط جزء كبير من القدس في يد الميليشيات الصهيوينة فعادت الجمعية العامة واعتمدت القرار 303 بتاريخ 9 ديسمبر 1949 وهو قرار مهم إذ إنه إعتمد بعد الحرب لا قبلها. وينص على وضع القدس تحت «وصاية دولية دائمة» ويطالب مجلس الوصاية بإعداد والحصول على موافقة «النظام القانوني للقدس» إنطلاقا من وإعتمادا على نص القرار 181 «والتوجه نحو تنفيذه بغض النظر عن الأعمال التي تقوم بها أية حكومة أو حكومات». وقد أعد مجلس الوصاية «النظام الأساسي للقدس» مع بعض التعديلات المتعلقة بإمكانية عقد إنتخابات تمثيلية للمجتمعات المعنية وأعنت اللجنة عدم إمكانية تنفيذ النظام بسبب المعارضتين الإسرائيلية والأردنية كل لأسبابها وعرض المشروع على الجمعية العامة لكن لم يتم التصويت عليه ووضع على الرف.
بعد إعلان بريطانيا إنهاء إنتدابها على فلسطين قامت الميليشيات اليهودية باحتلال الجزء الأكبر من القدس وخاصة الجزء الغربي منها. وهذا الاحتلال لم يلغ نص «الكيان المنفصل» للقدس التي ستقع تحت الوصاية الدولية بدليل التأكيد علية مرتين في قرار حق العودة 194 الصادر بتاريخ 11 ديسمبر 1948 وقرار 303 السالف الذكر وكلاهما إعتمد بعد إحتلال الجزء الغربي من المدينة.
بعد صدرو قرار التقسيم أرسل وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة لإسرائيل كتابا رسميا للأمين العام آنذاك تريغفي لي قال فيه «إن إسرائيل مستعدة للتعاون مع الأمم المتحدة لتنفيذ القرار». ثم تقدمت إسرائيل بعد إعلان الاستقلال بطلب الإنضمام لعضوية الأمم المتحدة ورفض مجلس الأمن هذا الطلب أول مرة بتاريخ 17 ديسمبر 1948 ثم عادت وقدمت طلبا ثانيا بتاريخ 24 فبراير 1949 وقدمت إسرائيل مع الطلب تعهدا بتنفيذ القرارات المتعلقة بالنزاع وخاصة قرار التقسيم وقرار حق العودة. وقد سئل مندوب إسرائيل، أبا إيبان، سؤالا محددا عن نوايا إسرائيل من قرار التقسيم وضمان الأماكن المقدسة والحقوق الإنسانية والحريات الأساسية وحقوق الأقليات. ورد المندوب الإسرائيلي «إن إسرائيل هي وحدها التي أعطت التعهد الرسمي المطلوب بأن تقبل أحكام القرار الصادر بتاريخ 29 نوفمبر 1947» ثم أشار إلى وثيقة مجلس الأمن رقم 747 التي تتضمن برقية من وزير خارجية إسرائيل، موسى شاريت، إلى الأمين العام بتاريخ 15 مايو 1948. ثم سئل سؤالا آخر: «إذا سمح لإسرائيل أن تنتسب للأمم المتحدة فهل توافق على التعاون مع الجمعية العامة في تسوية مسألة القدس ومشكلة اللاجئين دون التذرع بالفقرة 7 من المادة 2 المتعلقة بالسلطة المحلية؟» وكان رد أبا إيبان أن حكومة إسرائيل ستتعاون مع الجمعية العامة للتوصل إلى حل لهذه المشكلات ولا أعتقد أن الفقرة 7 من المادة 2 من الميثاق التي تتعلق بالسلطة المحلية يمكن أن تؤثر في مشكلة القدس لأن الوضع القانوني في القدس يختلف عن الوضع القانوني للأراضي التي لإسرائيل سيادة فيها، واعتقادي الشخصي فيما يتعلق بمشكلة اللاجئين أنه من الخطأ أن تتذرع أية حكومة ذات شأن بحقها القانوني لإقصاء أناس عن أراضيهم».
لم تعترف ولا دولة واحدة في العالم بهذا الاحتلال والضم ولم تفتح أي دولة سفارة لها في القدس (إلا كوستا ريكا ثم عادت ونقلتها عام 1980) بما في ذلك الحليف الأهم الولايات المتحدة، وبقي الوضع القانوني للقدس «كورباس سبراتم» أي «كيان منفصل» ولم يتم تحدي أو إلغاء هذا القرار علما أن الأمر الواقع تجاوزه كثيرا غير أن الأمر الواقع لا يعني إضفاء الشرعية. فادعاء إسرائيل بأن لها حق السيادة على القدس إدعاء باطل ليس لديها ما يبرره من الناحية القانونية. لقد أقر إتفاق الهدنة بين الأردن وإسرائيل بتاريخ 3 نيسان/أبريل 1949 بالأمر الواقع كما كان عند توقيع اتفاق الهدنة دون أن يقر بأية سيادة أو أية شرعية على الأماكن المشمولة باتفاقية الهدنة. كما أن إسرائيل نفسها لأسباب لئيمة ومشبوهة لم تضع إلى يومنا هذا خارطة ترسم حدود إسرائيل كي تبقى الأمور كما قال بن غوريون «حدود إسرائيل حيث يقف جيش الدفاع الإسرائيلي».
القدس بعد حرب 1967
من مبادئ القانون الدولي أن احتلال الأرض بالقوة مرفوض وغير قانوني. وهو ما جاء في ديباجة القرار الشهير 242 (1967) الذي ينص على «عدم قبول الاستيلاء على أراض بواسطة الحرب». لكن إسرائيل قامت رسميا بالإعلان عن توحيد القدس بعد حرب يونيو 1967. وقد أقرت المحكمة العليا الإسرائيلية صدور قرار الضم حول القدس الموحدة جزءا لا يتجزأ من إسرائيل. فكان رد فعل الأمم المتحدة أن عقدت الجمعية العامة جلسة واعتمدت القرار 2253 بتاريخ 4 يوليو 1967 الذي أكد على عدم شرعية أنشطة إسرائيل في المدينة وطالب بإلغائها ولحق به القرار 2254 بعد عشرة أيام الذي يدين فيه إسرائيل لعدم إلتزامها بالقرار السابق وطالبها مرة أخرى أن تلغي كافة الأنشطة وخاصة تلك التي تعمل على تغيير معالم المدينة. أما مجلس الأمن فقد أصدر مجموعة من القرارات تطالب إسرائيل بعدم تنظيم إستعراض عسكري في المدينة في الذكرى الأولى لحرب يونيو (القرار 250 و 252 و252 و 267). وينص القرار 271 (1969) على حماية الحرم الشريف ووقف كافة الأنشطة التي تعمل على تغيير معالم المدينة. أما القرار 298 (1971) فقد كان حادا أكثر في انتقاده للممارسات الإسرائيلية حيث أكد «أن كافة الإجراءات الإدارية والتشريعية التي قامت بها إسرائيل في المدينة مثل التحويلات العقارية ومصادرة الأراضي غير شرعية كما دعا القرار إلى وقف كافة الأنشطة والإجراءات التي تحاول تغيير تركيبة المدينة السكانية».
بعد توقيع اتفاقية كامب ديفد مع مصر وتبادل الإعتراف شعرت إسرائيل أنها في وضع أقوي بكثير من قبل فسارعت إلى ضم المدينة رسميا عام 1980 إلا أن مجلس الأمن إعتمد مجموعة من القرارات ترفض هذا الضم من بينها القرار 476 (1980) الذي أكد مجددا أن «جميع الإجراءات والأعمال التشريعية والإدارية التي إتخذتها إسرائيل والرامية إلى تغيير معالم المدينة ليس لها أي سند قانوني وتشكل خرقا فاضحا لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين» كما أكد القرار أن «كافة الأجراءات التي تعمل على تغيير معالم مدينة القدس الشريف ووضعها الجغرافي والسكاني والتاريخي هي إجراءات باطلة أصلا ويجب إلغاؤها.» وتبع هذا القرار 478 (1980) الذي شجب سن القانون الأساسي الإسرائيلي الذي أعلن ضم القدس الموحدة إلى إسرائيل واعتبره إنتهاكا للقانون الدولي وطالب من جميع الدول عدم الاعتراف به وطالب من الدول التي لديها سفارات بالقدس إلى نقلها خارج المدينة.
ويلاحظ أن قرارات مجلس الأمن وقرارات الجمعية العامة تذكر مدينة القدس ولا تحدد إن كانت شرقية أو غربية لكن في الآونة الأخيرة بدأ مصطلح «القدس الشرقية» ينشر في بيانات الأمم المتحدة على إعتبار أنه جزء من الأرض التي إحتلت عام 1967 والتي وافقت القيادة الفلسطينية على أن الدولة الفلسطينية المنشودة ستقام فقط على ما إحتل عام 1967 أي 22 بالمئة من فلسطين التاريخية.
الخلاصة
بما أن الفلسطينيين لم يتنازلوا عن حقهم في السيادة على القدس وبما أنهم لم يهملوا أو يتخلوا طواعية لخصومهم عن هذا الحق وبما أن القانون الدولي يشير بوضوح إلى عدم جواز إمتلاك الأرض عن طريق القوة ويؤكد أن لا شرعية لضم القدس عن طريق الاحتلال أو إعلان القدس عاصمة أبدية لإسرائيل فلا شرعية لكل الإجراءات الإسرائيلية في القدس وكل ما بني على باطل فهو باطل وأن الحق لا يموت بالتقادم أو كما قال البروفيسور الفرنسي جيرود «بعكس القانون الخاص، لا يوجد في القانون الدولي ما يمكن أن يشرعن وضعا غير شرعي أصلا». إن ما تقوم به إسرائيل الآن من محاولة الضم القسري لكل منطقة القدس الكبرى هو إستمرار للإجراءات غير القانونية التي رافقت سنوات الاحتلال وسنوات الانتداب والتي تقوم على مبدأ قانون القوة وليس قوة القانون. فإذا لم يكن الفلسطينيون والعرب والمسلمون، فرادى ومجتمعين، غير قادرين على إسترداد الحق فعليهم على الأقل أن يتمسكوا به وأن يحاصروا إسرائيل قانونيا لأنها دولة مارقة تستند في وجودها إلى غطرسة القوة والدعم غير المحدود من الولايات المتحدة الأمريكية ولا بد لهذه المعادلة أن تختل في يوم من الأيام إما باسترداد أصحاب الحق لقوتهم أو بخسارة جماعة الباطل لتحالفهم أو بالإثنين معا.
عبد الحميد صيام
هذا هو الدليل القاطع على خيانة زعمائنا لقضيتنا الأولى
وأقل شيئ يفعلونه هو فتح باب الجهاد للجميع
زعمائنا كدسوا الأسلحة تحججا بتحرير فلسطين
والآن عرفنا لماذا كان هذا التكديس
وهو للحفاظ على حكمهم
وقتل شعوبهم
ولا حول ولا قوة الا بالله
بارك الله فيك. مقال ومعلومات مهمة. القدس لنا. فلسطين لنا. اللي عاجبه حياه الله، والي مش عاجبه بحر غزة مش بعيد.