عمان ـ «القدس العربي»: لا يمكن تلمس غياب الحرارة بصورة مفاجئة عن نقاشات قانون الانتخاب الأردني الجديد بعيدا عن تلك التحذيرات التي أطلقها وزير البلاط الأسبق وأحد رموز التيار الليبرالي الدكتور مروان المعشر عندما حذر من «هجمة محتملة» على المساحة الاصلاحية التي يوفرها القانون الجديد من قبل قوى الشد العكسي.
قوى الشد العكسي هو التعبير الذي يطلق في الأردن على شخصيات كلاسيكية ومحافظة تتاح لها فرصة المساهمة بفعالية في مواقع القرار وتتم الإستعانة بها بصفة دورية في مجالس التشريع رغم كل الغبار الجدلي الذي تثيره وهي تتولى مهمة تخفيف إندفاعات جرعات الاصلاح .
هذه القوى المحافظة قدمت مؤخرا دليلا حيويا ليس فقط على بقائها على قيد الحياة ولكن على قدراتها الفيزيائية المباشرة في التصدي للإتجاهات الاصلاحية وهو ما حصل تماما مع قانون اللامركزية الذي لم تشفع له مساندة مؤسسة القصر لتوجهاته الاصلاحية فحظي بجرعة إعاقة في الواقع من خلال إتجاهات محافظة وفعالة في مجلس الأعيان الذي يحمل أيضا اسم مجلس الملك.
رغم الشكاوى المستمرة من ممثلي الحرس القديم والتيار المحافظ وقوى الشد العكسي، إلا ان رموز حراس الأداء المحافظ يستمرون في الظهور في أهم المواقع في إدارة الدولة وتتم الإستعانة بهم وتمكينهم عمليا من مفاصل قرار تعبث بآليات الوصفات الاصلاحية في الوقت الذي تتوفر فيه كل الذرائع الموسمية المحتملة والمتكررة من طراز الحرص على المصلحة الوطنية وبقاء النظام مستقرا والخوف من الوطن البديل أو السيناريوهات البديلة بما في ذلك العزف المتواصل على تخويف الجميع من التيار الإسلامي.
وفقا لتعبيرات القيادي في التيار الإسلامي الشيخ مراد عضايلة طرق الاصلاح السياسي الحقيقي والجذري واضحة المعالم ولا تقبل اللبس والغموض والحركة الإسلامية ستواصل مطالبتها بالاصلاح الوطني.
يصر العضايلة على ان البلاد بسبب الاحتقانات الإقليمية والمشكلات الاقتصادية تحتاج فعلا لمحطة إستراحة وإسترخاء غير ممكنة بدون التمسك ببرامج الاصلاح الحقيقية.
مدلول كلام الشيخ العضايلة ومع إختلاف المدرسة الفكرية والسياسية يتقاطع مع دعوة سياسي وسطي وقومي بارز من وزن الدكتور ممدوح العبادي عن إصلاحات جذرية وعميقة على شكل «جرعات» تساعد في تحصين الوطن والمجتمع من انتقال عدوى وفيروسات مشكلات المنطقة في الجوار.
علنا في ندوات وأمام «القدس العربي» تحدث العبادي عن ضرورة الحفاظ على عناصر الاستقرار الوطني العامة دون الإرتهان لفكرة ان الجسد الوطني سليم والوضع مستقر مشيرا إلى ان التحصين عبارة عن تقوية لجهاز المناعة الوطني والحاجة ملحة لجرعات الاصلاح على أساس ان التقوية والتصليب ووضع حواجز عملية ضد انتقال تراثيات وأدبيات الصراع المجاور للمجتمع الأردني الواحد.
لكن مثل هذه التوافقات لا تكفي لتلمس تصور وطني عام توافقي على وصفات الاصلاح المطلوبة مرحليا خصوصا بعدما رفع القصر الملكي نفسه مستوى التوقعات بخطوات مهمة جدا اضطر حتى معارضون وليبراليون للتصفيق لها كان من بينها بل أهمها إعلان وفاة قانون الصوت الواحد الانتخابي وتحويل قانون للصوت المتعدد للانتخابات.
ورغم ان التيار الإخواني قرر علنا رفض قانون الانتخاب الجديد وبدون تقديم شروحات منطقية لموقفه إلا ان وزير التنمية السياسية الدكتور خالد كلالده أعلن ان القانون الانتخابي الجديد لا يستهدف الإسلاميين ولا غيرهم ولم يصغ أصلا على أساس إرضاء أو إستهداف أي طرف أو حزب.
جوهر الكلام نفسه أشار له رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور في عدة لقاءات مع «القدس العربي» عندما وصف حكومته بانها «لن تستهدف جهة ولن تعمل على تدليل أخرى بالوقت نفسه».
بين الخطوات الاصلاحية أيضا تطوير فكرة تشجيع العمل الحزبي في قانون الأحزاب الجديد وهنا حصريا تمكن التيار المحافظ من تخفيف نصوص كان يمكن أن تكون إصلاحية بإمتياز.
وخطوة من وزن قانون اللامركزية الإدارية الجديد كانت بمثابة الدليل الأهم على استمرار الحضور القوي في معادلة واقع القرار لنخبة من المشرعين الكلاسيكيين والمحافظين مع العلم بان وزير الداخلية سلامة حماد وصف القانون أمام «القدس العربي» بانه خطوة إصلاحية مدعومة ملكيا لنقل العمل الديمقراطي للأطراف والمحافظات عبر مجالس المحافظات التي يقترحها القانون.
في العديد من المفاصل وجد الوزير حماد نفسه «وحيدا» بين حتى بقية الوزراء في الدفاع عن قانون اللامركزية الذي أحيل للقصر الملكي دستوريا وقد تم تخفيف النصوص التي تضمن انتقالا فعليا للديمقراطية للمحافظات والأطراف.
وحجة التيار المحافظ هنا ان الأطراف التي تتميز بالقبلية والايقاع العشائري ليست جاهزة بعد لتجربة حساسة من نوع العمل المستقل إداريا وماليا بعيدا عن الحكومة المركزية في عمان العاصمة.
حتى عمان نفسها ما زالت بسبب الذهنية الكلاسيكية محرومة من إنتخاب عمدتها وكامل أعضاء بلديتها بناء على ذرائع من العائلة نفسها يردهها مركز الثقل المحافظ في الدولة والذي يحظى أحيانا بدعم المؤسسة الأمنية والبنية البيروقراطية المستحكمة في أجهزة القرار وهو أمر تجنب عمدة العاصمة عقل بلتاجي التعليق عليه عندما أستفسرت عنه «القدس العربي» في جلسة نقاشية نخبوية.
في كل الأحوال عندما يتعلق الأمر بجرعات الاصلاح التشريعي الجوهرية المطروحة للنقاش الوطني يرفع التيار المحافظ صوته وتتحرك أذرعه «الخبيرة» لإعادة إنتاج نص هنا أو فكرة هناك على أمل ان تعبر الوصفات التقليدية ولا تتوفر حماية تشريعية صلبة لمسارات الاصلاح السياسي.
وهي عملية تجري ببطء وعمق وبخبرة عميقة في العمل البيروقراطي وبدون ضجيج أو مايكروفونات حتى تصبح عملية الاصلاح بلا أظافر.
وفي بعض الأحيان على أساس تضليل الرأي العام وأحيانا مؤسسات القرار المرجعية أو عبر إلتفافات من الصعب متابعتها.
بسام البدارين
من الضروري وجود قوى للشد العكسي في اي مجتمع لكبح جماح المتهورين وحارقي المراحل ، كما أن مفهوم الشد العكسي لا يعني الرجوع للخلف وانما قد يكون مرحلة انتظار تتحدد بعدها معالم ايسر طريق توصلنا للهدف بعيدا عن الوصفات الجاهزه والأخطاء القاتله التي يمكن الوقوع فيها.
قوى الشد العكسي خربت مصر وسوريا وليبيا وفلسطين وهي سبب انحراف الثورات عن السلمية ، لكنهم في الأردن سيكونون في بلا قيمة تذكر إذا كان هناك إرادة حقيقة للإصلاح ، ( إذا كان ) !