تبدو اسرائيل في حالة معنوية جيدة، فالجيش الإسرائيلي يعطي ناطقه الإعلامي باللغة العربية أفيخاي أدرعي هامشاً من الحرية، تجعله يستثمر أوقات فراغه في المناكفة والاستفزاز والخلط بين الشخصي والسياسي.
ويبدو أن عمليات الجيش الاسرائيلي المحدودة ضد أهداف داخل سوريا حصلت على تصريح سياسي، لا يلزم القادة العسكريين بالحصول على تضييع الوقت بالاتصال مع الحكومة الاسرائيلية. كان الحديث سابقاً يدور حول مدى جدية إسرائيل في الوصول إلى تسوية في المنطقة، واليوم، فإن التحدي يقوم حول استعادة انتباه اسرائيل لعملية السلام، فتل أبيب غير معنية في هذه المرحلة بالتواصل مع أي طرف عربي، سواء من خلال اتفاقيات السلام المبرمة أو المحتملة، ولا ترى أدنى مشكلة في التعايش مع الأجواء المشتعلة حولها، بالعكس، فربما هذه الأجواء مثالية بصورة غير مسبوقة بالنسبة لإسرائيل.
إسرائيل التي عايشت منذ اللحظة (صفر) في تاريخها إشكالية مع الشرعية، تجد نفسها تتابع الصراعات من حولها، لاقتناص وصف الشرعية بين من يقبضون على السلطة أو يحاربون من أجلها، وإسرائيل اليوم هي التي ستطالب، ليس بوجود الشريك الحقيقي في عملية السلام، ولكن من حيث المبدأ مجرد تعريف ذلك الشريك، فلا أحد يمتلك أوراق الثبوتية (الشرعية) التي يمكن أن تطرحه شريكاً لإسرائيل، ولا أحد يمكنه أن يقدم شيئاً لإسرائيل في هذه المرحلة، ويكفي فقط تأمل الصورة البليغة التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، لتقارن بين العاصمة الاسرائيلية وعواصم الربيع العربي، وبالتأكيد، فإن قدرة العرب على تقديم الاغراءات الاقتصادية تراجعت، كما أن هذه النوعية من الاغراءات أثبتت عدم قدرتها على استثارة شهوانية السياسة الاسرائيلية.
اسرائيل ستطلب ثمناً غالياً من أجل السلام، أو من أجل تمرير الوضع الراهن والتوقف عن احراج الأنظمة العربية، فاسرائيل تستوعب القوى العاملة لديها في منظومة الجيش، والسلام سيدفعها للبحث عن تعويض اقتصادي، والأسواق العربية يجب أن تفتح ذراعيها للمنتجات الاسرائيلية، ولكن هذه مسألة غير مضمونة خصوصاً لوجود مزاج عام لدى الشعوب العربية يناهض فكرة التطبيع الاقتصادي والثقافي، فاسرائيل لدى العرب تمثل حالة موازية لحرمة الخنزير، التي تشكل مفارقة لأي شخص غريب عن المجتمعات الإسلامية، فالمفارقة أن بعضاً من المسلمين لا يرون غضاضة في احتساء الخمور أو الدخول في علاقات جنسية خارج إطار الزواج، وفي الوقت ذاته يرفضون بشدة أكل لحوم الخنزير، والقفز على ثقافة قرون طويلة من توصيف اليهود بـ»أبناء القردة والخنازير» مسألة غير ممكنة على الأقل في المدى الزمني المنظور، فوق ذلك، فإن اسرائيل لم تجد نفسها مضطرة لمواصلة وضع مساحيق التجميل العلمانية أو الحداثية، ودفعت بيهودية الدولة لتصبح حديقة من الزجاج المسكور والجمر المتقد، يتوجب على العرب أن يجتازوها بعد أن يخرجوا من مستنقع العفونة الذي يغرقون فيه حالياً.
حاول السادات في مراهقته وشبابه أن يحترف التمثيل، ولكنه لم يتمكن من ذلك، وتطلع السادات لأدوار البطولة مع أن إمكانياته لم تكن تؤهله لأكثر من مزاحمة ممثلي الكوميديا من الدرجة الثانية والثالثة، علي الكسار وشكوكو، وحاول أيضاً أن يكتب القصة، ولكنه لم يوفق في ذلك، ولم تلفت تجربته أحداً، وكانت مشكلة أجيال كاملة أن السادات انطلق في مغامرة السلام مع إسرائيل بكل تشوقه لاختطاف الاهتمام والأضواء، ورغبته في تواطؤ العالم والتاريخ من أجله، لم يستطع التماسك انفعالياً ونفسياً أمام إطراءات الصحافة الأمريكية وإسباغها عليه صفات البطولة والحكمة، وحتى دغدغة مشاعره بالحديث عن أناقته وخفة ظله، لقد جعلوه نجماً واختطفوا منه كل شيء، وبعد أن استقال وزير خارجيته اسماعيل فهمي احتجاجاً على قرار السادات زيارة القدس، فإن صديقه القديم ووزير خارجيته أثناء المفاوضات محمد إبراهيم كامل، على الطريقة التي خرجت بها اتفاقية كامب ديفيد، فالسادات كان مخدراً بنشوة الأضواء وفلاشات الكاميرات، وكان موقعه من كادرات التصوير يشغله أكثر من التفاصيل المعقدة والمطولة للاتفاقية، بما أسفر عن وضع سقف متواضع لأي طموحات عربية، في ما يسمى سلاماً عادلاً وشاملاً.
إسرائيل تعتبر السادات وكامب ديفيد النموذج المعياري لأي اتفاق سلام، كثير من الجلبة الإعلامية واتفاق سريع يعتبر في مضمونه أقرب إلى إنهاء حالة الحرب منه لتحقيق السلام، ومع ذلك كله، ما زال النموذج الساداتي يمثل ما لم تستطع الدول العربية أن تصله إلى اليوم، والسبب ببساطة أنه لا توجد حالة حرب تريد إسرائيل إنهاءها أو تجنبها، أما السلام فلم يكن يوماً على أجندة اسرائيل، ودخول إسرائيل في أجواء كامب ديفيد الأولى أتى على خلفية (التسوق) لأفكار عرضها السادات وطلبها وطاردها وذهب من أجلها إلى الكنيست، السادات أشار بسبابته أولاً ثم طرق المنبر الذي يتحدث من خلاله معلناً أن اسرائيل ستدهش من استعداده إلى الذهاب إلى (بيتهم إلى الكنيست ذاته)، ولم تكن الدهشة هي التي تعتري الساسة الاسرائيليين وهو يلقي بخطابه العاطفي في الكنيست، فالمشاعر التي أظهرتها الكاميرات كانت تشتمل على التربص والتململ والتأهب والاستعلاء، وكانت الدهشة في مخيلة السادات الذي تصور استحقاقه، لأن يحظى بحسنيي النصر والسلام، فانتهى لأن يبيع نصره غير المكتمل مقابل سلام منقوص.
الفلسطينيون قدموا إلى حد بعيد نموذجاً يشجع إسرائيل على مزيد من الاستخفاف بفكرة السلام، فبعد أن دفع جيل من المراهقين والشباب الثمن الباهظ في الانتفاضة الأولى، لتمهد الطريق للمفاوضين الفلسطينيين للدخول إلى مؤتمر مدريد برصيد سياسي وتفاوضي معقول، فإن الاسرائيليين وجدوا أمامهم فريقاً مفاوضاً تعتريه حالة من التشتت وضبابية الرؤية، وكانت خسارته لحلفائه الخليجيين بعد موقف غير واضح من اجتياح الكويت، يشجع الطرف الاسرائيلي على مزيد من الاستكبار في مواجهة مفاوضيهم، ومع أن فلسطينيي الداخل كانوا الطرف الذي امتلك ناصية المبادرة الميدانية وتحمل تكلفة التصعيد وتسخين الموقف، إلا أن اتفاقيات أوسلو فاجأت الجميع بإمكانية الحصول على صفقة أقل بكثير مما حصل عليه السادات، ففي النهاية كان السادات يرتكن إلى (دولة) بينما كان الفلسطينيون يمثلون من خلال (فصائل)، والفرق كبير.
ثمرة أوسلو المحرمة كانت كفيلة بتسميم عملية السلام منذ اللحظة الأولى، وخلقت واقعاً مضطرباً في مناطق السلطة الفلسطينية، وأتت أحداث الانقسام بين حركتي فتح، بوصفها المكون الرئيسي في منظمة التحرير، وحماس بوصفها تعبيرا عن سياق الانتفاضتين الأولى والثانية، لتعطي اسرائيل مجالاً أوسع للمناورة بمختلف أنواعها، وبعد ذلك كانت حالة العداء (الغامضة) بين فريق عباس وجماعة دحلان مكافأة إضافية ومجانية لاسرائيل.
عباس والسلطة لا يملكان أوراقاً للضغط على اسرائيل، فمن ناحية، يوجد على الساحة من يمكنه أن يقدم تنازلات أكثر، ومن جهة أخرى، فإنه عملياً مجرد من أي قدرة على ضرب اسرائيل، حتى لو ألغى جميع اتفاقيات السلام وألغى اعترافه بإسرائيل، ولذلك، فإن أي قنبلة دبلوماسية أو سياسية لن تحمل تأثيراً، ويبدو ذلك واضحاً من المركز المتأخر للقضية الفلسطينية وجهود السلام على أجندة خطابات زعماء العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفوق ذلك، فقد سقطت منذ فترة علاقة الترادف بين تعبيري قضية الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي، وأصبحت قضية الشرق الأوسط أكثر ارتباطاً بمفردات جديدة مثل، «داعش» والسنة والشيعة والأكراد.
كاتب أردني
سامح المحاريق
قلتُ: يا أقصى سلاماً *** قالَ: هلْ عاد صلاح ؟!
قلتُ : لا إنّي حبيبٌ *** يرتجي منكَ السماح
قالَ: والدمعُ يفيضُ *** هدنّي طعنُ الرماح
هدنّي ظلمُ اليهودِ *** والثرى أضحى مباح
قدسنا أمستْ تنادي *** صوتهاعمَّ البطاح
منْ تُراهُ سوفَ يأتي *** حاملاً طُهرَ الوشاح
والمآذنُ في صداها *** تشتكي: أينَ رباح ؟!
أينَ هاتيك الليالي؟ *** أينَ عشَّاقُ السلاح؟
كمْ حلمتُ فيكَ تأتي *** تمسحُ عنّي الجراح
كمْ حلمتُ أنْ تعودَ *** منشداً لحنَ الكفاح
كمْ حلمتُ ..غيرَ أني *** قالها …. ثمَّ استراح
قلتُ: يا أقصى تمهَّلْ *** إنَّ في القدس ِ صلاح
إنَّ في القدسِ رجالاً *** أبصروا دربَ الفلاح
إنَّ في القدسِ يتامى *** أنبتوا ريشَ الجناح
إنَّ في القدسِ جبالاً *** راسياتٍ لاتُزاح
أيقنوا أنَّ الظلامَ *** سوفَ يجلوهُ الصباح
هيَّا أقصى لننسى *** كلَّ أيامِ النواح
نتَّبعْ نهجَ الرسولِ *** إنَّهُ سرُّ النجاح
ردَّدَ الأقصى بهمس ٍ: *** ( كأنَّهُ صوتُ صلاح)؟؟
– منقول من النت –
ولا حول ولا قوة الا بالله