القوات الإسرائيلية تضرب القدس بالعصا الاقتصادية أيضا

حجم الخط
0

الناصرة ـ القدس العربي»: بموازاة الاعتقالات والاعتداءات بالجملة التي لا تفرق بين بالغ وقاصر في القدس المحتلة، تعمل سلطات الاحتلال على خنق المدينة بطوق اقتصادي بهدف تطويعها. فمنذ أيام تشهد القدس المحتلة حالة من عدم الاستقرار والخناق جراء تشديدات الاحتلال وإقدامه على منع من هم دون الخمسين عاما من دخول البلدة القديمة بعد إغلاق جميع أبوابها، وإجبار أصحاب المحال التجارية وسكانها على التوجه لباب الأسباط وصولا لمحالهم ومنازلهم.
ومنذ يوم السبت الماضي تشدد قوات الاحتلال قبضتها على بلدة القدس القديمة بحواجز عسكرية في جميع طرقاتها وأزقتها وإغلاق مداخلها بالحواجز الحديدية ومنع الفلسطينيين من العبور من طريق الواد التي استشهد فيها الشاب مهند حلبي بعد طعنه أربعة مستوطنين مساء السبت. بطبيعة الحال يضر إغلاق البلدة القديمة بحركة المقدسيين والتجار ويؤدي لشل الحركة الاقتصادية في المدينة المقدسة.
ويخطر ببال زائر القدس المحتلة وأسواقها القديمة هذه الأيام قصيدة الغضب لمظفر النواب عن عروس العروبة وتسلل الطامعين لحجرتها في الليل والنهار لاغتصابها.
ويقف أهل المدينة الفلسطينيون بصدور شبه عارية وتقف البلدة القديمة في وجه أذرع أخطبوط الاحتلال، وتتهاوى أسواقها بالتدريج رغم صرخات تجارها الذين التقتهم «القدس العربي» ولسان حالهم يتركز على صراع القدس من أجل البقاء. كلما تقدمت مشيا في أسواق القدس العتيقة من باب العمود باتجاه باب الخليل ازداد شعورك بعمق الأزمة، إذ تصطدم بمحال تجارية مغلقة هجرها أصحابها بعد أن أفلسوا، كما هو الحال في سوق العطارين الذي يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة بسبب قلة رواده. ولا يختلف حال سوق الخواجات وسوق اللحامين عن ذلك، فما تبقى من تجاره يشكون بقلوب أثقلها التعب، «الموت البطيء» لتجارتهم بخلاف الأسواق المزدهرة في منطقة باب الخليل والحي اليهودي حيث التجار اليهود.

الحاضنة الفلسطينية

ويقر أحمد خطيب (33 عاما)، وهو صاحب دكان للسكاكر في سوق خان الزيت، بأن أسعار السلع نفسها في القدس أغلى منها في سائر الضفة الغربية نتيجة الكلفة العالية للخدمات والضرائب الباهظة التي تفرضها إسرائيل. ويستذكر أن أزمة الأسواق بدأت مع انتزاع القدس من حاضنتها (الضفة الغربية) ومحاصرتها بالجدران منذ نحو 10 سنوات. ويرى خطيب أن سلطات الاحتلال تتعمد تضييق الخناق على القدس القديمة بموازاة تسهيل حركة دخول وخروج فلسطينيي الداخل من بقية مدن الضفة الغربية وإليها بحجة تدهور الأحوال الأمنية.
ويضم صاحب محل الإكسسوارات في سوق خان الزيت في البلدة القديمة أيمن عرفات شكواه لبقية زملائه ويقول إن قوات الاحتلال حوّلت القدس منذ يومين إلى ثكنة عسكرية ومنعت المقدسيين وأهالي الداخل الفلسطيني من الدخول إليها ما أثر سلبا على الحركة الشرائية في البلدة وهي أصلا حالة بائسة.
ويضيف إن قوات الاحتلال تضيق على الفلسطينيين منذ بداية الأعياد اليهودية، ويشير لتحديد أعمار المصلين لدخول المسجد الأقصى المبارك ومنع من هم دون الخمسين عاما من أهالي الداخل الفلسطيني القدوم إلى البلدة القديمة، مبينا أن الاقتصاد المقدسي يعتمد بشكل أساسي على توافد فلسطينيي الداخل إلى المدينة. يشار إلى أن قوات الاحتلال تعمل منذ أيام على مداهمة البلدات العربية في الداخل وتحول دون سفرها للقدس والأقصى بذرائع الجيل وغيرها.
صاحب محل الألعاب في السوق ذاته ربحي شهاب يقول إنه رغم تجاوزه السبعين من عمره إلا أن قوات الاحتلال لم تسمح له بدخول القدس القديمة من مدخلها الرئيسي (باب العامود ) واضطرته إلى المشي مسافة طويلة ليتمكن من دخولها من باب الأسباط. وأوضح أنه تم تفريغ شوارع القدس من المقدسيين وامتلأت بقوات الاحتلال التي تمنعهم من التجول في أنحاء عديدة من البلدة، ما انعكس سلبا على الحركة الشرائية. ويتابع «فتحت محلي منذ ساعات ولم يقدم أحد على الشراء على عكس العادة، فالبلد فارغة حتى من أصحاب المحال الذين آثروا البقاء في بيوتهم على المجيء إلى البلدة بسبب الاجراءات المشددة».
أما صاحب بقالة الحلواني أيمن الحلواني فيقول إن شرطة الاحتلال اعترضت على فتحه لمحله في منطقة باب العمود وأمرته بإغلاقه، إلا أنه أصر على فتحه. ورأى أن ما تقوم به قوات الاحتلال من إجراءات استفزازية متعلق بمزاجية عناصرها ولا توجد أي قوانين تمنع التاجر من فتح محله.
في المقابل يؤكد أنه قام بفتح محله رغم علمه المسبق بالوضع الاقتصادي السيىء الذي تعيشه البلدة القديمة منذ إغلاقها بالحواجز العسكرية، «حتى أؤكد لقوات الاحتلال أن القدس عربية ولن يستطيعوا إخلاءها كما يريدون»، وطالب العالمين العربي والإسلامي باتخاذ موقف حازم لصد غطرسة الاحتلال.
من جهته ينقل مركز «كيوبرس» عن مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري قوله إن الحالة التي تعيش فيها القدس اليوم من إغلاق وتشديد الحصار الاجتماعي والاقتصادي والديني على المدينة هو جزء من السياسة الإسرائيلية لإفراغها من أهلها وسكانها الأصليين. ويرى أنه ومنذ إخراج البلدة القديمة من معادلة المفاوضات بعد توقيع معاهدة أوسلو عام 1993 بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، تبيّن أن مطامع الاحتلال في البلدة كبيرة، في ظل معاناتها من هجمات استيطانية غير مسبوقة.
وبيّن الحموري أن سلطات الاحتلال تضغط على سكان بلدة القدس القديمة والمقدسيين اقتصاديا، لحسم قضية القدس، مضيفا أنها تعمل على شل الحركة التجارية في المدينة لتتراكم الضرائب على أصحاب المحال، ما يتيح له الفرصة بمصادرتها بحجة تراكم الديون وبالتالي يستغلها من نواح استيطانية. ويشير إلى أن بلدة القدس القديمة تعاني من فقر شديد حيث وصلت نسبة الفقر فيها إلى 80% بحسب الإحصاءات الأخيرة، كما سجلت أكبر نسبة كثافة سكانية ما يضع المقدسي بحالة تشبه السجن. ويطمع الاحتلال حسب الحمروي لإجبار المقدسي على مغادرة القدس نتيجة هذه الإجراءات لإخلائها لصالح المستوطنين.

وديع عواودة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية