الناقد السينمائي طارق الشناوي: السينما المصرية مهجنة وليست أصيلة

حجم الخط
0

ابو ظبي من فاطمة عطفة: إنسان يحمل وطنه مصر وأبناءها في قلبه، وناقد سينمائي يمتاز بتجربة فكرية وثقافية واسعة غنية وله حضور فعال ومؤثر في كتاباته الصحفية وفي لجان التحكيم وإدارة المهرجانات، وهو أبعد ما يكون عن الأبراج العاجية أو البلورية لأنه يفضل العيش بين الناس البسطاء وتلمس همومهم وأوجاعهم وأحلامهم.
إنه الأستاذ طارق الشناوي الذي يقف في مقدمة الكتاب والنقاد السينمائيين في مصر، ينظر للربيع العربي بتفاؤل، واثقا أن مرحلة سيطرة الأخوان عابرة ويتطلع بأمل كبير أن مصر لا بد أن تستعيد مكانتها الرائدة، ليس بالصناعة السينمائية وتأصيلها فقط، وإنما في مختلف مجالات الحياة والتقدم وبناء الحضارة.
ـ نبدأ من أحداث الواقع العربي، ما هي رؤيتك للسينما العربية بعد ما سمي بالربيع العربي؟
* ‘لا يمكن أن نقول إن السينما العربية كلها شبه بعضها في هذه النقطة، هناك خلافات عديدة، منها مثلا: السينما المصرية، رغم ضبابية الصورة ورغم أن أغلب الناس عندها تشاؤم من الواقع الذي تعيشه مصر، وهم محقون بهذا الخوف، لأن ما يجري في مصر يجعلنا كلنا خائفين على بكرة. لكن الجانب الآخر من الصورة أن السينما هي إحدى أدوات المقاومة، وأن السينما سوف تنتعش، لأن سلاح المقاومة يتم تفعيله في لحظة الهجوم. حين يهجم أحد عليك فتبدئين أنت في حالة دفاع وتشهرين السلاح، لذلك أتوقع أن السينما القادمة سوف تحمل الكثير. وما نطلق عليه السينما المستقلة مستقبلها القادم مستقبل مشرق، لأن الهيئة أن السينما لا تعتمد على النجوم وهذه مأساة السينما المصرية، لأن سينما النجوم تصنع على ملامح النجوم، السينما القادمة ستقفز فوق هذا السور، لتقدم أفلاما أروع وأجمل، وشفنا بعضها في مهرجانات دبي وأبوظبي وغيرهما’.
ـ هل ترى أن الشباب الذين حركوا الشارع ضد السلطات السياسية سيبدؤون بتغيير الصورة النمطية التي كنا نعرفها عن أسماء نجوم سيطروا على المشهد الفني؟
* ‘قبل الثورة المصرية كان في إرهاصات أو بدايات لهذه الحالة، والثورة أكدتها، لكن كانت قبلها موجودة، وموجودة بقوة أيضا، السينما هكذا. مثلا: فيلم هرج ومرج الذي شاهدناه في دبي، فيلم ‘عشم’ الذي رأيناه بالدوحة، الخروج للنهار الذي عرض في أبوظبي، وهناك أفلام قادمة، لأنها أعمال فنية تعبر عما يريد المخرج أن يقدمه للناس، أفلامنا في الأغلب و90% منها هي ما يريد النجم أن يراه الناس، فالنجم حين يرغب أن تشوف الناس أفلاما مسلية، مثلا، فهو يقوم بحركات فيقفز وينط فترسم له مشاهد لهذا الغرض، مثل بعض أعمال أحمد السقا، فيلم ‘بابا’، فيلم ‘المصلحة’، ما فيها مشاهد قنص وضرب. أما فيلم ‘تيمور وشفيقة’ كان فيلما جميلا، هذا رأيي الشخصي، وأنا أحببته، لكن مشكلة الفيلم كانت في الربع الثاني منه حين فكر أحمد السقا أن يقدم لجمهوره ما تعود أن يراه عليه، أي ينط ويهرب، وهذه الأشياء تعجب الناس، لكن هذا يأتي ضحالة سينمائية’.
ـ شركات الإنتاج وهي تقوم بالتمويل ولا تفكر إلا بالأرباح التجارية، هل ترى أن يحدث أي تغيير على هذه الشركات وتوجهاتها؟
* ‘للأسف شركات الإنتاج لم تمتلك المرونة الكافية لاستيعاب متغيرات الحياة، ومتغيرات السوق السينمائي ورغبة الجمهور أيضا، لذلك نرى أن الشركات الكبرى تقريبا جزء كبير منها توقف عن الإنتاج، لأنها غير قادرة على مجريات السوق الجديدة، وهم ما زالوا في القانون القديم، ولما دخل الديجيتال أصبح يصور بالطريقة التقليدية أو يعمل مونتاج أيضا بطريقة الما’يولا القديمة، فهو غير عارف أن يشتغل بالجديد، واللازم أن يتعلم أو أنه سيتوقف ويطلع جيل جديد من المنتجين. هم يقدرون أن يلتقطوا المفردات الموجودة بالسوق مثل محمد حفظي، بالتأكيد هو ينتج فلمين أو ثلاثة في السنة، لأنه بينتج بإقاع الزمن الذي نحن فيه، وليس بإقاع قديم’.
ـ انت من النقاد المعروفين في الفن السينمائي، هل يحصل تواصل مع المخرج قبل إنتاج العمل، بمعنى الناقد يكون موجودا قبل أن يصنع الفيلم؟
* ‘برأيي هذا خطأ البعض حين يعتقد أنه على الناقد أن يكون موجودا قبل أو مع الفكرة أحيانا، لكن مساحة الناقد ودوره يظل بعد الشريط، وليس قبل إنتاج الشريط أو أثناء إنتاجه. وهو خطأ كبير لو أن الناقد لعب هذا الدور، وليس له أن يكون موجودا قبل ذلك. مع الأسف أن جزءا كبيرا من النقاد، وبعضهم نقاد كبار، تورطوا في مثل هذه الأمور. لأن الناقد هو العين التي ترى بعد، وليس العين التي ترى قبل. فإذا كنت تريدين التوجيه، فالتوجيه أيضا يكون من خلال الكتابة بعد إنتاج العمل وليس قبل ذلك. إنه، بشكل أو بآخر، خطأ أن يكون الناقد موجودا من البداية’.
ـ العروض التي تقدم بالمهرجانات ومن خلال تجربتك، هل يهتم البعض بالجانب النقدي، خاصة أننا نحن بحاجة ماسة للسينما لأنها تسجل لزمننا؟.
* ‘المفروض هذا، لكن نحن عندنا صناع الأفلام لم يتعودوا أن يتوقفوا أمام الشيء الذي سألت عنه، ولا يحتملون النقد، وأحيانا يكررون الكلمة التي قالها الشاعر أحمد شوقي لمحمد عبد الوهاب، عندما طلع عبد الوهاب في القرن الماضي وبدأ اسمه يكبر في العشرينيات، وصار نجما كبيرا والصحافة تتناوله، فشوقي قال له: ‘هاتوا الجرائد، وقف عليها لتطول’، بمعنى كلما هاجموك يزداد رصيدك بالهجوم فتقف عليها’. طبعا هذا التعبير فيه قسوة على النقد، كثيرين يعتبرون شوقي لم يقصد المباشرة، لكن ما وصل بقي للأجيال بعد شوقي وعبد الوهاب. هذا يعني: لا تهتم، وقف عليها، حطها تحت أقدامك وسوف تصعد، وهذا يسيء للنقد مع الأسف’.
ـ برأيك أهم الأسباب لنجاح السينما بالعالم، وأسباب التراجع بالسينما العربية، هل هي الحرية السياسية والتقاليد الاجتماعية، أو تقديم الواقع بشكل صادق وفني ودون تصنع؟.
* ‘السينما حين تشاهدين الفيلم يعني أن تشاهدي فيه البلد، السينما الهندية لما تشاهديها ترين فيها البلد، أنا لا أتكلم على الحكاية، ولا على اللباس ولا على الأغاني، أتكلم على الحالة كلها، يعني لازم يكون للغة نفسها نبض. الذي حاول أن يعمل تأصيلا للسينما المصرية كان شادي عبد السلام، الله يرحمه، ليس فقط في ‘المومياء’، لكن في أفلام أخرى مثل ‘الفلاح البسيط’ وغيره كانت تحمل هذا المعنى، أعني تأصيل اللغة السينمائية المصرية. لما نشاهد فيلما فرنسيا نرى لغة فرنسية، ليس لغة بمعنى الكلام، لكن لغة سينمائية فرنسية بالمعنى العام، وبالفيلم الايطالي ترين فيه هذا المعنى كذلك. نحن مشكلتنا، وخاصة السينما المصرية على اعتبار أن مصر هي التي فيها صناعة بالعالم العربي، فصناعة السينما المصرية مهجنة ما فيها تأصيل، وهذا هو الذي يجعل تواجدنا محدودا، لكن مصر ستصل وسيكون فيها لغة سينمائية مصرية’.
ـ الاستثمارات العربية تذهب باتجاه الشاشة الصغيرة بينما أهملت السينما، كيف يمكن أن نجتذب هؤلاء المستثمرين لدعم السينما؟
* ‘قاعدة الإنتاج تقول: ‘اللي تكسب فيه، العب فيه’. هذه قاعدة الاقتصاد، فهم كانوا أيام زمان يلعبون بالسينما، بدأت السينما تنحسر، وبالتالي وجدوا الناس جالسة أمام الشاشات، بالذات بعد الربيع العربي، كلهم منتظرون الخبر الجديد، ومتوجهون للانتاج الدرامي. لكن لو نظرنا هذه السنة لوجدنا أن الإنتاج الدرامي تراجع، وفي مصر هذه السنة تراجع أكثر من 60% عما قدم في رمضان 2012، هناك هبوط بالإنتاج عما رأيناه العام الماضي، الأسباب أن المحطات الفضائية التي أنشئت أغلبها لم تنشأ على أسس سليمة، فأوهمت صناع المسلسلات بعقد: نحن نأخذها ونعطيكم الفلوس بعد عرضها، فلوس من الإعلانات، لذلك تم السنة الماضية إنتاج عدد كبير، أكثر من سبعين مسلسلا، والإعادة كانت أربعين أو خمسين. لما ما نفذ العقد والفلوس لم تجمع، لذلك تراجع الإنتاج. والأمور الإنتاجية فيها مشكلة والمنتج يذهب لما يكسبه، عليهم أن يمتلكوا مرونة، بلاش الملايين التي يأخذونها، فليكتفوا بالقليل حتى العجلة تمشي، وممكن أيضا أن يشاركوا في أجرهم’.
ـ نحن في مهرجان أفلام البيئة، برأيك هل سيكون لها تأثير في المجتمع؟ أو هي بحاجة لأصحاب القرار بأن يشاركوا بإصدار قوانين تساعد على حماية البيئة، إضافة لتوعية الناس؟
* ‘بالتأكيد يجب أن تصل للناس، هذا وحده غير كاف، يجب على الدول المعنية أن تصدر قرارات لأن هناك خطرا عالميا على البيئة، ثقب الأوزون يهدد العالم كله، ارتفاع درجات الحرارة، شح المياه، هناك أخطار كونية وليس فقط وطنية، أرجو أن يصحوا قبل أن يكتشفوا أنها بدأت نهاية العالم’.
ـ نصل إلى قضية فلسطين بعد الربيع العربي وما يجري في مصر، وسوريا، وليبيا، وتونس.
* ‘مؤكد أنا ضد من يكفر بثورات الربيع العربي، هناك ناس بدأت تكفر وتقول: ‘كنا أيام مبارك أحسن، أو مع بشار أفضل’. أنا برأيي، لا. الحكام كلهم أسوأ من حكم، وما نعيشه هو نتاج أفعالهم لأنهم قضوا على النخبة، قضوا على المناخ الذي يقدر أن ينبت رئيسا وقائدا ومسؤولا غير فاسد. ومصر اليوم تعاني معاناة شديدة من سيطرة الإخوان، ومن محاولاتهم أخونة الدولة. وبالمناسبة، أنا أعتبرها محاولات ساذجة، ولا فيها ذكاء، بالمصري يقال فيها غشومة بمعنى غشيم، لكن الآتي سيبقى أفضل. بالنسبة لمصر كان يقال على الإخوان أنهم ناس طيبون ويحملون الخير، قالوا إنهم سيأتون بـ 200 مليون دولار، والنهضة كلمة لها سحرها، فاكتشفنا أن النهضة بقيت (وكسة)! المصريون اكتشفوهم، وأنا أحتك بالشارع ولست جالسا في بيتي ومغلق الأبواب وجالس أكتب مقالة، أنا أنزل البلد وأتكلم مع الناس: البواب والبقال وغيرهم، هؤلاء جزء من عالمي، كلهم كان عندهم رهان على الإخوان، لما حكموا الناس اكتشفوهم كذابين، ومعرفة ربنا ليس فقط أن تروح تصلي الجمعة، وتؤدي الفروض الخمسة، الدين يقول: العمل عبادة، وربنا يحاسبنا على قلوبنا وليس على وجوهنا، يعني قلوبنا نوايانا، وليس فقط من يصلى هو الأفضل، إنما الحساب عما تفعل. وهكذا اكتشف الناس أن أفعالهم سيئة جدا رجعتنا خطوات للخلف، ومجرد هذا الاكتشاف هو مكسب للثورة، رغم كل ما يحاط بها لكنها عظيمة، على الأقل كشفت أولئك الذين كانوا (مستخبين) وبعضنا كان عندهم أمل أن هؤلاء ممكن أن يحملوا الخير لمصر، لكن إن شاء الله مصر أقوى بكثير من أن يتم ضربها، لأن مصر مشعل المحارة، مصر ليست بناء على المحارة ممكن تلونيها كما يريدون. مصر بناء ثابت لن يقبل أي لون. أنا لست ضد أولا أن يكون فصيل يعبر عنه الأخوان لكنه لا يحكم، فصيل يتعايش مع الفصائل مع كل مصر مع الموزاييك المصري، مع البانوراما الجميلة المصرية التي فيها كل الأطياف، مصر تحتمل أن يكون فيها لبرالي، ومسيحي متدين، ومسلم متدين جدا، وتحتمل من ليس عنده دين، وتحتمل البهائي، تحتمل السني، تحتمل الشيعي وكل فكر لأنها مصر. كل من أتوا إلى مصر تمصروا بما فيها، حتى الأديان تجدين فيها ملمح مصر، بدليل ما يقال بأن الشافعي لما جاء من العراق كان متشددا في العراق، لما جاء إلى مصر وأقام فيها صار مرنا، لذلك يقال إن فتاوى الشافعي ظهرت من مصر، بمعنى صار أكثر مرونة من العراق. أريد أن أقول إن الدين هو الدين، القرآن هو القرآن، سواء في العراق أو مصر أو أي بلد، لكن التفسير ووجهة النظر تجعل الزاوية نفسها زاوية مصرية. لذلك أنا من إيماني بكل ما تقدم لا أخاف على مصر. طبعا هناك معاناة، لكن غير خايف على المستقبل. علينا أن نزرع الأمل، وأنا أشعر أن المشكلة في مصر هي فقدان الأمل، هذا ما أشعر بأنه يؤذي المصريين، أن يفقدوا الأمل في التغيير.’

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية