إسرائيل لها منطلقاتها الثابتة في التعامل مع الأزمات العربية، وتتلخّص ببساطة في تأزيم الأزمة، ليس فقط في صبّ الزيت على النار والتصفيق لتأجيج الحريق واستفحاله، لا فإسرائيل أكثر عملية وبراغماتية، ولنتتبع بعض حلقات هذا المسلسل: فعندما أقدم السادات على زيارته الاستعراضية الحمقاء، وألقى خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي، طارحاً مشروعه للسلام، على أساس حل عادل وشامل، ودولة للشعب الفلسطيني في حدود ما قبل حرب67 وعاصمتها القدس الشرقية، لم يتريث مناحم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، ليريق ماء وجه السادات قائلاً: كيف يمكن للسادات أن يطالبني بالخروج من أرض أجدادي؟ وفي النهاية انكمش سلام السادات وتصاغر، وبقية الحكاية نعرفها جميعاً! وما إن كانت السلطة الفلسطينية، تعلن عن ضرورة وقف بناء المستوطنات كمقدّمة لاستئناف احدى جولات المفاوضات، حتى تسارع إسرائيل لإرسال جرّافاتها والشروع في الهدم والتسوية، ومن ثمّ إنشاء مستوطنات جديدة، وكأنها استلمت إشارة البدء، ومن ثم تُستأنف المفاوضات، ويستلم المواطن العربي الرسالة، حول حجم قياداته، وما يمكن أن ينتظره منهم! وما إن كانت حركة حماس تعلن عن بدء هدنة، حتى تستأنف إسرائيل قصف واغتيال قادة واعضاء الحركة، وهكذا! الآن وبعد أن صمتت دهراً مريباً وهي تتفرج على ثورة الشعب السوري، وليس لها اسم غير ذلك، عادت إسرائيل لتنطق كفراً، وتقصف أهدافاً داخل الحدود السورية، مدخلة الجميع في’حيص بيص’، إيران وحزب الله والمعارضة السورية والرئيس مرسي والجيش الحر، وبالفعل أُخذ الجميع على حين غرّة، وتلكّأت مواقفهم وتأخّرت، ثم جاءت مرتبكة وخائرة كالعادة، فلم تطلق إيران صواريخها، ولا حزب الله، ولم تخرج الطائرات السورية، التي ألقت جحيمها على رؤوس ‘الإرهابيين’، خارج مجالها الجوي، لا بل بدأت حفلة تبادل الاتهامات، ومهرجان التحليلات والبهلوانيات الإعلامية! لم يستيقظ أحد من غفلته، عقب هذه الضربة على الرأس، لا الرئيس السوري ولا غيره! ولم يتوقف أحد من’الزعماء’ لينظر تحت قدميه ويسأل إلى أين نحن سائرون؟ فضلا عن أن يغير اتجاهه أو يعدله قليلاً على الأقل! وهكذا أخرجت إسرائيل لسانها، واستلم المواطن العربي الرسالة، ومضى كل في طريقه، ولم يذكر أحد حتى قول الله تعالى’إنّ الله لا يُغيّرُ ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم’.
