لندن ـ ‘القدس العربي’: لم تقبل الادارة الامريكية ما توصلت اليه لجنة مستقلة تابعة للامم المتحدة ان المعارضة قد تكون هي التي استخدمت السلاح الكيماوي في مناطقها وليس النظام.
ويعكس الموقف الامريكي هذا ما يراه المحللون تصلبا في موقف الرئيس باراك اوباما تجاه الازمة السورية التي كانت موضوع بحث بين وزير الخارجية جون كيري، ونظيره الروسي سيرغي لافروف يوم امس في موسكو، حيث التقى مع الرئيس الروسي نفسه فلاديمير بوتين، في محاولة امريكية لاقناع موسكو بالتخلي عن عدم الرئيس بشار الاسد.
وكما تظهر تصريحات المتحدث باسم البيت الابيض من الاتهامات ان الادارة لم تتخل بعد عن ترددها، في ظل التصعيد الذي نتج عن الهجمات الاسرائيلية على مواقع في دمشق خلال الايام الثلاثة الماضية حيث دافعت الادارة عن الهجمات لان من حق اسرائيل تدمير خطوط امداد الاسلحة من ايران الى حزب الله عبر سورية.
ويقول المسؤولون الامريكيون ان كلا التطورين زاد الازمة السورية تعكيرا، واضاف عليها تعقيدات جديدة، لكنهما لم يفعلا شيئا من اجل تغيير موقفه المتردد تجاه الانجرار اكثر نحو التدخل في سورية. وعلى الرغم من هذا التردد فالادارة الامريكية تقوم حسب ‘نيويورك تايمز’ بدراسة القيام بعمل قوي منها تقديم السلاح الى المعارضة السورية، حيث توصلت الادارة الى نتيجة ان النظام السوري استخدم الاسلحة الكيماوية ضد السكان. لكن منطق الادارة سيقوض حالة ثبت ان المعارضة هي التي استخدمت السلاح الكيماوي، خاصة ان بينها مقاتلين اسلاميين متشددين. وكانت المحققة الدولية كارلا ديل بونتي في لجنة التحقيق المستقلة التابعة للامم المتحدة قد قالت ان التحقيقات التي قامت بها اللجنة لم تعثر على ادلة عن استخدام القوات الحكومية لغاز السارين. وديل بونتي، كانت رئيسة محكمة الجنايات الدولية حيث اشرفت على التحقيق في رواندا وجرائم الحرب في يوغسلافيا.
واعتبر مسؤول بارز في الخارجية ان تصريحات ديل بونتي خطيرة ولكنهم لم يعثروا على معلومات تظهر ان المعارضة تملك الاسلحة او لديها القدرة على نشرها. وشكك مسؤول اخر في قدرات ديل بونتي حيث قال انها لم تكن يوما عضوا في لجان تابعة للامم المتحدة حققت في الاسلحة الكيماوية.
وتشير الصحيفة الى ان الهجمات الاسرائيلية على سورية اعطت النواب في الكونغرس فكرة عن ضعف الدفاعات السورية وليس كما تزعم الادارة. وعليه يدفعون باتجاه التسليح للمعارضة والضغط على الحكومة الامريكية بفرض منطقة حظر جوي. لكن مسؤولين حاليين وسابقين يقللون من اهمية تصريحات جون ماكين النائب عن ولاية اريزونا بهذا الشأن ويقولون ان ‘هناك فرقا بين الحديث عن مجموعة من الاهداف وبين انشاء منطقة عازلة’ كما قال الجنرال ديفيد ديبوتلا، المسؤول الاستخباراتي في سلاح الجو الامريكي والذي خطط للهجمات الجوية على افغانستان عام 2001 وقبلها في حرب الخليج عام 1991. ومع انه لا يملك معلومات عن الهجمات الاسرائيلية الا انه فرق بين الضربات الجوية واقامة منطقة عازلة حيث تعتبر مهمة خطيرة ومعقدة.
وعلق انتوني كوردسمان من معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية الى ان النجاح الاسرائيلي يؤشر الى ‘المخاطر العسكرية في اقامة منطقة حظر جوي او منع التجول اقل محدودية مما كان عليه الوضع عند بداية القتال’ لكنه اضاف ان الدفاعات السورية لا تزال اقوى مقارنة من دفاعات ليبيا مشيرا الى ان تدميرها يحتاج الى ‘عملية قصف جوي واطلاق صواريخ كروز’.
لن ترد
ونقلت صحيفة ‘واشنطن بوست’ عن مسؤول اسرائيلي بارز قوله ان هجمات الاسبوع الماضي كان يقصد منها وقف نقل الاسلحة من ايران الى حزب الله، وقال الجنرال يائير غولان ‘لا توجد هناك رياح حرب’. ونقلت الصحيفة عن باحث في مركز الدراسات العالمية للشؤون الدولية في هرتسيليا ان العمليات لم تكن لها علاقة بسورية نفسها، مضيفا الى ان الغرض منها كان تعطيل نقل السلاح الايراني الى حزب الله ولم تكن سورية سوى ممر. ولا ينفي هذا الكلام حالة التأهب القصوى التي اتخذتها اسرائيل في الاشهر الماضية حيث نقلت وحدات مدفعية من المركافا وقوات استخباراتية للحدود مع سورية، ويتم انشاء سياج من الاسلاك على طول 42 ميلا، حيث سيتم تزويده بكاميرات ومن المتوقع اكماله في شهور، وتم تركيب اجهزة رقابة على طول الجبهة مع سورية. وتقول الصحيفة ان اسرائيل قلقة حول مستقبل سورية ومن سيحكمها، الاسلاميون او حكومة علمانية.
وبحسب موشيه موعاز الخبير في الشؤون السورية بالجامعة العبرية ‘البعض يقول انها تقف الى جانب بشار الاسد، والبعض الاخر يقول انها مع المعارضة، ولكن في الحقيقة فاولويات اسرائيل هي منع نقل الصواريخ والاسلحة لحزب الله’. فالقيادة العسكرية الاسرائيلية تقول ان حزب الله عزز من قدراته العسكرية منذ حرب 2006 وكما قال قائد هيئة الاركان الاسرائيلي بيني غانتز فحزب الله ‘اصبح قويا وقدراته العسكرية اصبحت قوية جدا، وكشبه دولة فلديه قدرات عسكرية غير مسبوقة’. وفي هذا السياق حذرت صحيفة ‘اندبندنت’ في افتتاحيتها من الدفاع عن النفس كمبرر للهجوم ومحاولة التأثير على مسار الحرب الاهلية، حيث قالت ان اسرائيل تلعب بالنار في سورية. وجاء فيها ان المخاوف القائمة من انتشار نار الحرب الاهلية السورية الى دول المنطقة كان قريبا من التحقق في الغارات الاسرائيلية على سورية على معهد للبحث العلمي، وحملت سورية اسرائيل المسؤولية عن الهجمات واعتبرتها بمثابة اعلان حرب.
في صالح الاسد
واعتبر تقرير لصحيفة ‘الفايننشال تايمز’ ان هجمات اسرائيل الاخيرة تلعب في صالح الاسد، حيث قال كاتب التقرير ان النظام الذي يقاتل من اجل البقاء ويخوض حربا لكسر الجمود في الميدان يرى في الضربات الاسرائيلية انها تأكيد لرؤيته من انه يخوض حربا ضد الامبريالية والصهيونية ورأس حربتها الجماعات الجهادية الارهابية.
واضاف الكاتب ان نظريات المؤامرة تنتعش في الشرق الاوسط لسبب واحد وهو ان اللاعبين الرئيسيين فيه يتآمرون، وفي الحالة الاخيرة اي الهجمات فليس من الصعب تسويق النظرية. واشار الى حالة جبهة النصرة التي اعلنت الشهر الماضي عن ولائها لتنظيم القاعدة، ويضاف الى هذا تسليح كل من قطر والسعودية للمقاتلين، فيما ترغب القوتان الامبرياليتان السابقتان بتسليح وارسال السلاح للمقاتلين، فيما انشغلت فيه امريكا بالحديث عن الخطوط الحمر، والان جاءت اسرائيل ومنحت من يؤمنون بنظريات المؤامرة الداعي لتأكيد ما يروجونه، مع ان العملية الاسرائيلية الوقائية استهدفت اسلحة (صواريخ الفاتح- 110) التي كانت ستنقل الى حزب الله.
ومن هنا فاسرائيل كانت ترسل رسالة الى طهران ودمشق من ان تدخلا اسرائيليا واسعا سيتبع بعد تدخل حزب الله في سورية وارساله مقاتلين للقتال الى جانب الميليشيات التابعة للنظام من اجل تأمين المعبر للحدود بين حمص والحدود اللبنانية.
اللعب بالكلمات
وسخر المعلق ريتشارد كوهين مما كشفت عنه صحيفة ‘نيويورك تايمز’ ان اوباما لم يقصد الحديث عن خط احمر، قائلا ربما كان يريد تحذير الاسد ان لا يتخطى الخط الاخضر. وتساءل لماذا يعتبر استخدام الغاز السام خطا احمر وذبح المدنيين بالبنادق والدبابات والسكاكين والقذائف والالغام ليس كذلك؟ فالموت هو موت. ومع ان الموت بالغاز امر بشع الا ان استخدامه في الحروب صعب، مشيرا الى ان سمعته جاءت من طريقة استخدام بريطانيا له في الحرب العالمية الاولى، في محاولة منها لتصوير وحشية الالمان ودفع الامريكيين للدخول على خط الحرب. وكما في حالة العراق من قبل وسورية اليوم فالتخويف من السلاح الكيماوي افعل من استخدامه.
ومهما كان الامر من خروج اوباما على النص فانه تسامح مع قصف المناطق السكنية ومع ذبح المدنيين واستخدام الطيران الجوي لضرب المدن والقرى. واتهم الكاتب الادارة بانها لا تملك سياسة حول سورية او حول قضية اخرى، ‘فما تريده هو تجنب المشاكل في الخارج حتى يصفو الجو في الداخل، وهو طموح جميل لكنه ليس سياسة، ففي العراق عولت على الحرب الطويلة لتتركها، والان العراق ينزلق نحو الحرب الاهلية، حيث يقول الاسرائيليون ان المجال الجوي العراقي يستخدم لنقل الاسلحة الى حزب الله، كانت حرب العراق خطأ ولكنها الان اضيفت للجرح’.
وبنفس السياق انتقد الكاتب سياسة اوباما في افغانستان وقال ان لا توجد هناك اي عقيدة لاوباما وان وجدت فهي مجرد ‘القاء خطابات، وتقسيم الاختلافات وتناول العشاء مبكرا.
ويختم بالقول انه بدلا من حديث اوباما عن الخطوط الحمر عليه التعامل مع الكلام المضلل، ومنها التحذير من تحول سورية الى عراق جديدة، ويجب ان لا يحدث هذا، لان الادارة قادرة على تحديد التدخل بتسليح المعارضة او تستخدم قواتها كما في ليبيا. وقال ان الاسرائيليين قاموا بضرب الاهداف في سورية وبدون اية مشاكل، وربما من خارج المجال الجوي السوري. ويتساءل عن موقف البنتاغون ولماذا لا يمكن لامريكا عمل ما عملته اسرائيل، سؤال محير ثمنه تريليون دولار كما يقول. واضاف ان الوضع في سورية يخرج عن السيطرة وكلما انتظر اوباما وتردد في تسليح المعارضة كلما تعقد الحل.
الم نتعلم من الدرس بعد؟
وفي رأي اخر كتب المعلق يوجين روبنسون في نفس الصحيفة متسائلا كل الذين يدعون للتدخل في سورية.
هل المعاناة الانسانية هي السبب الدافع لتدخل امريكا؟ ومع انه هدف نبيل الا ان هناك عددا لا يحصى من المؤشرات التي تحفز على التدخل؟ الم يقتل الملايين في الكونغو ورواندا، وهل يجب على الولايات المتحدة التدخل في كل نزاع بسبب زيادة اعداد القتلى؟ ام علينا ارسال الجنود كلما شاهدنا القتلى على شاشة تلفازنا؟ وقال ان الرئيس وضع خطا احمر حول استخدام السلاح الكيماوي ويقوم نقاده الان بالضغط عليه لمزاوجة القول بالفعل.
وقال روبنسون ان اتفاق الجهات الاستخباراتية حول استخدام نظام مارق اسلحة الدمار الشامل لا يعني ان تقييمهم صحيح مئة بالمئة، وهكذا تعلمنا من العراق قبل عشرة اعوام. وفي حالة استخدام الاسلحة الكيماوية فعلينا التأكد من هو الذي استخدمها ‘ نعرف ان الاسد هو وحش، ولكن الا يجب علينا ان نثبت بالحجة انه المسؤول قبل عقابه’.
وتساءل ان كان موقع سورية الاستراتيجي هو الدافع لتدخل امريكا، وان كان الداعون للتدخل قلقين من تأثير الازمة على المنطقة واستقرارها فما يدعوهم اذا للاعتقاد ان التدخل العسكري الامريكي سيغير الوضع للأحسن؟ وتساءل عن امكانيات التدخل والخيارات المطروحة من ناحية تفكك سورية واستلام الجهاديين الحكم في سورية وعلاقة كل ذلك بالتدخل ويتوصل روبنسون في النهاية للقول ‘نحارب في افغانستان لاكثر من عشرة اعوام وحاربنا في العراق لعقد من الزمان، الم نتعلم منهما اي درس؟’.