كل الدول تكذب. ولكن تاريخ القرن العشرين أثبت، كما يُبين المؤرخ ومدير «لوموند» الراحل أندري فونتان، أن روسيا السوفييتية كانت أسوأ الدول إيغالا في متاهات الكذب الرسمي الذي لا سبيل للخروج منه. ومع ذلك فقد صدقت المتحدثة باسم الكرملين عندما قالت قبل أيام إنه ليس من شيم روسيا أن تخذل أصدقاءها، وذلك في سياق شرح ثبات الدعم الروسي لنظام آل الأسد والتلميح، بطبيعة الحال، إلى ما دأبت عليه أمريكا من عادة خذلان الأصدقاء و»الزبائن» حالما تدور عليهم الدوائر. وإذا كان العرب غير ملزمين بالصداقة مع روسيا، فالذي لا شك فيه أنهم ملزمون بالتعامل، وحتى الشراكة، معها. ذلك أن روسيا أقرب إلينا من دول الغرب. إذ إن بيننا قرونا متصلة من التفاعل الثقافي لعل من أجلى شواهده عراقة النخب العربية المتكونة في كنف الثقافة الروسية منذ زمن القياصرة، وأصالة التواصل والتضامن بين المسيحية العربية والأرثوذكسية الروسية، إضافة إلى تميز المدرسة الاستشراقية الروسية، بل تفوقها.
روسيا أقرب إلينا ثقافيا، ولكنها وبال علينا سياسيا. لم نر منها خيرا سياسيا في القرن العشرين. ويكفي التذكير أنه لو لا الروس لربما كانت حرب حزيران 1967 جرت غير مجرى الهزيمة النكراء. إذ إنهم هم الذي طمأنوا عبد الناصر إلى أن الأمريكان طمأنوهم بأن إسرائيل لن تكون البادئة أبدا بالهجوم!
على أن روسيا قوة عسكرية وسياسية كبرى لا معنى «للزعل» في التعامل معها. إنها قوة ما من «صداقتها» أو شراكتها بدّ! ولا تهم هذه الحقيقة العرب فقط، بل إنها تهم الغرب أيضا. إذ إن مالك جريدة «الاندبندنت» البريطانية الروسي يفغيني ليبيديف كتب إبان الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم العام الماضي مقالا يشرح أن من حسن التدبير أن تتعامل النخب السياسية الغربية مع فلاديمير بوتين دون تحيزات مسبقة وأن تفتح معه قنوات التحاور بلوغا إلى تبادل المصالح بعد فهم مخاوف روسيا وأهدافها، تماما كما فعلت مارغريت تاتشر مع ميخائيل غورباتشوف عام 1985 عندما دعته إلى لندن وخرجت من الحوار معه بنتيجة كان لها دور هام في تشكيل المستقبل الدولي: وهي أنه رجل «يمكننا العمل معه». استهل ليبيديف مقاله بالتذكير بحقيقة بسيطة، بل بديهية، ولكن الغربيين نسوها تمام النسيان: كتب يعيب على الصحافة الغربية ما تعيبه على بوتين! ذلك أنها قد درجت، في ما يسميه الإنكليز «بالعادة الخالية من التفكير»، على أن تذكر، في سياق الشرح غالبا وبلا سياق أحيانا، أن بوتين ضابط سابق في جهاز الاستخبارات السوفييتي «كي جي بي»، وأن ثقافته سلطوية بما يعنيه ذلك من تسوية الأمور بالقهر ومواجهة الخصوم بالعنف.
كتب ليبيديف: وهل كان لبوتين وأبناء جيله ممن نشؤوا تحت النظام السوفييتي أن يعمل في جهاز استخبارات آخر؟ وهل كان له ولأترابه من أمل في التعلم الجامعي والمستقبل المهني إلا بالانخراط في المؤسسات القائمة في بلاده؟
ولأن ليبيديف صار لندنيا وغربيا بما فيه الكفاية (كان والده أكبر ضباط «كي جي بي» في السفارة السوفييتية في موسكو في الثمانينيّات، ثم قرر استثمار ثروته بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في الصحافة، وهكذا أنقذ كلا من «الاندبندنت» و«لندن ايفننغ ستاندرد» من الإفلاس) فإنه لم يذكر السبب الأول الذي يفسر مسلك العدوانية، أو الهجومية أو المواجهة، الذي يسلكه بوتين منذ استلامه الحكم. سبب أصلي أوجزه الأكاديمي الفذ، أستاذ العلاقات الدولية النمساوي الشهير ستانلي هوفمان (الذي توفي قبل أسابيع)، عندما قال في محاضرة في لندن قبل أعوام إن فكرة توسيع حلف شمال الأطلسي لضم الدول الأوروبية الشرقية المتاخمة لروسيا استفزاز لا تحمد عقباه، فضلا عن أنه استعداء لا داعي له. ثم قال بالحرف: إنها «فكرة وخيمة ولكن يبدو أن قد آن أوانها!»
وقد كانت نتيجة الفكرة الوخيمة أن الشعور بأن روسيا إنما تتعرض لحصار عدواني خانق – رغم أن بوريس يلتسين قدّم معظم مقدّراتها لقمة سائغة للمصالح الغربية – قد أصبح هو الشعور الطاغي لدى النخبة الحاكمة ولدى معظم المواطنين وكثير من المثقفين. وهكذا قدّم المسلك الغربي الاستفزازي المجاني لعامة الروس دليلا ملموسا على «صحة» نظرية تغذي شعورهم القومي القديم بالمظلومية. ذلك أن هنالك في الثقافة الروسية نظرية فكرية قائمة منذ القرن التاسع عشر تقول بحتمية تآمر الغرب، المبتلى برذائل الانحلال والانحطاط والابتذال، وتألّبه على الأمة الروسية المتفردة بفضائل الأخلاق والبذل والفداء.
٭ كاتب تونسي
مالك التريكي
ولأن ليبيديف صار لندنيا وغربيا بما فيه الكفاية (كان والده أكبر ضباط «كي جي بي» في السفارة السوفييتية في موسكو في الثمانينيّات،
– انتهى الاقتباس –
في السفارة السوفييتية في لندن وليس في موسكو
الروس لم يكونوا صادقين مع الزعماء السنة ومنهم صدام
ولا حول ولا قوة الا بالله
من وجهة نظري هناك شعرة تفصل ما بين الأدب الساخر وما بين التهريج والمسخرة ومن لا يستطيع تمييزها لديه ضبابية لغوية ولن يصلح في أي شيء له علاقة بالنقد، فلا أظن هناك أخلاق أو مبادئ لدى أي شخص أو أسرة أو عشيرة أو دولة بدون التزام بشيء من المصداقية، فلذلك بدون تشخيص صحيح لن يمكن إيجاد حلول لأي مشكلة من المشاكل، وفي عدد السبت 16/10/2015 أظن مقالة أ. مالك التريكي بعنوان “روسيا التي ما من «صداقتها» بدّ” تتكامل مع مقالة د. فيصل القاسم بعنوان “النظام العميل الذي يوزع شهادات بالوطنية” مع مقالة أ. سليم عزوز بعنوان “الخلط بين حرب الروس وحرب الناموس” مع مقالة أ. بسام البدارين بعنوان “تكتيك أردني «ثلاثي المسارات»: مخاطبة غريزة «مكافحة الإرهاب» بإعاقة اندلاع «انتفاضة ثالثة»… ضبط الشارع ومكافأة لنتنياهو بدعوته لعمان للتفاوض مع عباس” مع التقرير الصحفي عن الجزائر بعنوان ” الجزائر: مدير ديوان بوتفليقة يؤكد أن بلاده كانت مستهدفة بالربيع العربي” مع التقرير الصحفي عن الكيان الصهيوني بعنوان “وزيرة القضاء في إسرائيل ميزان عدلها مقلوب”.
تجمع جميع إشكاليات النظام البيروقراطي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والتي أدت إلى أنَّ النظام يعاني الآن من أزمة وجود حقيقية، ومصير إمّا شبح الإفلاس الذي تعاني منه اليونان في عام 2015، أو تفكيك وانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بلا استثناء أحد.
فالعولمة وأدواتها التقنية عملت على نشر مفهوم التوازن البيئي ونجحوا في عمل أول مؤتمر للأمم المتحدة له، في أيام جورج بوش الأب، وتقريبا في نفس وقت محادثات مدريد للسلام في نفس البلد الذي تم طرد المسلمون واليهود منه بعد سقوط الأندلس بـ500 عام، والتي قام كل من النخب الحاكمة في الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية الانقلاب عليها، من خلال الخيانة التي بدأت وقتها في أوسلو، بعيدا عن أي شفافية، وأظن ربما لذلك عمل المصرف العالمي (وورلد بنك) على فرض مبدأ الشفافيّة من خلال استخدام الآلة في تدوين كيف يتم صرف أبواب الميزانية في أي دولة أو جهة تتقدم بطلب قروض، كي يتأكد من إمكانية استرداد القروض التي تطلبها أي دولة من المصرف العالمي (وورلد بنك)، والذي تطور إلى الحكومة الإليكترونية، وفي بعض دول الخليج العربي بسبب عدم وجود تعداد كبير من البشر إلى الحكومة الذكية، والتي شملت من الرقم الوطني إلى حتى تخفيض وزن الحقيبة المدرسية كما هو حال مشروع الفاتح التركي.
والآن الجيل الثاني منه مشروع صالح والذي عمل على إضافة بُعد اللغات إلى مفهوم الحوكمة الرشيدة، لكي يواكب تحديات فرضتها العولمة وأدواتها التقنية كمعيار للمنافسة، لمن يبحث عن حلول لمشكلة الهجرة أو الأزمة التي تعيشها دولنا. ومن يرغب في حلول فلا أمل لهم إلاَّ مشروع صالح والذي يمثل الجيل الثاني من الحكومة الذكية أو الحكومة الإليكترونية على الأقل من وجهة نظري.
ما رأيكم دام فضلكم؟
تحليل منطقي يقترب من الواقع – لا يستند الى التمنيات بل الى برغماتية منطقية تستند على السياسة و المعادلات الجيوسياسية و التاريخ – نعم روسيا اليوم تستند على التاريخ و الثقافة العميقة و الروح القومية في توجهاتها العالمية – في عهد يلتسين كانت شريحة ايحاء القرار صهيونية امريكية بامتياز و قد قادت روسيا الى الحضيض – و هذا ما خلق ردة فعل عند الشعب الروسي الذي خرج يومها يصرخ هذه موسكو و ليست تل ابيب – مما فتح الباب امام الشريحة القومية التي تستند الى التاريخ و الثقافة العميقة لتتولى السلطة برمزية بوتين – بوتين محاط اليوم بشريحة قومية ذات توجهات عروبية – كون لا عداوة بين العرب و الروس وابرزهم الراحل بريماكوف صديق عبدالناصر و ابوعمار – الذي قال عنه بوتين في كلمة عزائه انه الملهم الاول لقرار بوتين – صحيح روسيا تهتم بالمسيحية الشرقية لكنها تسعى الى علاقات ودية مع جميع شرائح و مذاهب الوطن العربي – و عودة العرب لذاتهم العربية اهم مصلحة عند الروس كون الحضارتان الروسية و العربية علاقة تآلف و صداقة تاريخية ..