نضال الأشقر: الدراما خير علاج للانطواء والنفس الحزينة

حجم الخط
0

بيروت – «القدس العربي»: متعة مطلقة، وصيف حيوي لا ضجر فيه، أمضاه 55 من الأطفال السوريين واللبنانيين في مسرح المدينة في بيروت وهم يمارسون مع مختصين تقنيات التعبير الفني المتنوع. تعبير شمل الغناء، الرقص، التمثيل، الرسم، الإيقاعات، فنون القتال المسرحي وغيرها. وكانوا جميعهم أكثر إنجذاباً للغناء والرقص من سواه بحسب تعبيرهم لـ«القدس العربي». نعم يرغبون بالغناء، وعشقوا فترات التدريب مع الفنان خالد العبدالله. وبحضور الجمهور الذي تألف من الرسميين والأهالي في حفل الختام غنوا «موطني» و»بلاد العرب أوطاني». وأدوا الإيقاع بأمانة تامة.
ففي بيروت تتكرر برامج التسلية المدروسة تربوياً وفنياً للأطفال. الهدف الأساس الأطفال السوريون النازحون، ولأنهم يتجاورون في الاحياء السكنية نفسها مع الأطفال اللبنانيين، تجاوروا وتشاركوا كذلك في تلك النشاطات الممولة غالباً من دول الاتحاد الاوروبي. في نشاط مسرح المدينة الدعم المالي رصده الاتحاد الأوروبي ومكتب المساعدات النروجية في لبنان.
الفنانة نضال الأشقر ـ مديرة مسرح المدينة ـ أشرفت يومياً على تنفيذ مراحل البرنامج الذي امتد لشهر، وشاركت فيه بفعالية، وإلى جانبها نخبة من الفنانين والأساتذة الجامعيين، منهم خالد العبدالله، نسرين كنج، منى كنيعو، رامي عيد، باسل ماضي، جلنار واكيم، هادي دعيبس، بشارة عطالله، علي الحوت. ومن شروط هذا البرنامج تأمين انتقال الأطفال من منازلهم إلى المسرح، وتأمين وجبة غذاء.
امتد البرنامج اليومي من العاشرة والنصف صباحاً إلى الخامسة والنصف عصراً وطوال أيام الاسبوع باستثناء الاحد. وبسؤالها عن هذا النشاط المستجد في برنامج مسرح المدينة تشرح الفنانة نضال الأشقر بأن المسرح تحول عبر سنوات حضوره الثقافي إلى مساحة تعبير تجمع الشباب والأطفال كلاً وفق برنامج خاص يتناسب وحاجاتهم. فبرنامج «مشكال» توجه للشباب الذين اتوا من كافة الجامعات اللبنانية ومنحهم حرية القرار والتصرف بمسرح المدينة لأيام. وها نحن الآن مع الأطفال النازحين من سوريا وكذلك الأطفال اللبنانيين. فقد قدم لنا الاتحاد الأوروبي دعماً محدوداً، وكذلك مكتب المساعدات النروجية، رغبت باستثماره مع هؤلاء الأطفال عبر مخيم صيفي عنوانه الدراما. البرنامج الذي وضعته مع مختصين هدف لتقديم الفرح والفائدة معاً. وتضمن تدريبات درامية بدءاً من الصوت، الغناء، الرسم، صناعة الدمى وصناعة ملابسها، التمثيل، النصوص، الإيقاعات، الرقص وفنون القتال المسرحي. الاساتذة الذين نفذوا البرنامج بحرفية عالية يملكون كافة المواصفات التي خولتهم العمل مع هؤلاء الأطفال، والوصول لنتائج مبهرة، فهم بغالبيتهم اساتذة يدرسون في الجامعات.
لماذا وقع الاختيار على هؤلاء الأطفال دون سواهم؟ تقول نضال الأشقر: لأنهم يسكنون منطقة الاوزاعي القريبة من بيروت، وكان متاحاً لنا تأمين وسيلة نقل تقلهم يومياً إلى مسرح المدينة وتعيدهم إلى منازلهم. زرت هؤلاء الأطفال في منازلهم وتعرّفت إلى عائلاتهم، فبمساعدة هيئات اجتماعية وأهلية لبنانية تعرف تلك العائلات كانت المهمة ميسرة للغاية. وبعد عدة جولات على تلك العائلات تمّ اختيار 55 طفلاً سورياً ولبنانياً. الأطفال السوريون كانوا يحتاجون فعلاً للتعبير والخروج ولو لساعات من أزمة النزوح القاسية. فهم يعيشون غربة النزوح بعيداً عن أمكنتهم الحميمة، وبعيداً عن أترابهم. هذه الغربة تركتهم في انطواء كبير. لذا فان حال هؤلاء الأطفال اختلف على الصعيد النفسي والحركي مع انتهاء الاسبوع الاول من البرنامج. كان للتعبير الدرامي الذي يتخذ أكثر من شكل فني أن يبدل في مشاعرهم وتالياً في علاقتهم مع الآخرين. فبعد انقضاء اليومين الاولين كان الأطفال يركضون باتجاه المسرح ما أن يقف الباص الذي يقلهم إلى رصيفه.
وتضيف الأشقر: في هذا النشاط الصيفي تمّ تقسيم الأطفال إلى ثلاث مجموعات، بحيث يتداول الاساتذة تدريبهم تباعاً. يوماً بعد يوم اختلفت الصلة بهم، صارت ثقتهم بذاتهم أقوى، وقدراتهم أكبر في الانفتاح على الآخر. وهكذا ادى البرنامج الدرامي الذي وضعنا تفاصيله بدقة دوره كعلاج لهؤلاء الأطفال من خلال التعبير. فالتعبير من خلال الجسد، الصوت، الكلام عن الذات والرسم يشكل جزءاً مهماً في علاج النفس الحزينة للطفل المبعد عن مكانه الذي نشأ فيه ليعيش في ظروف قاسية. كما من شأن هذا النوع من الدراما أن يكون علاجاً للتأتأة، والانطواء والانعزال كما سبق القول. المسرح حاجة علاجية للكبار والصغار معاً.
فرِح الأطفال كان بادياً في حفل الختام من خلال الحيوية التي نشروها في المكان. وفي الوقت نفسه تمنوا لو يستمر فرحهم، فصيفهم لم يسبق له مثيل. لوبانة قنواتي (10 سنوات) كانت حيويتها لافتة بين زملائها فقد عبّرت عن حبها لصف الرقص وتمنت لو يستمر. من ادلب إلى بيروت أتى عبد الجليل الشحوت (12 سنة)، صيفه كان مغموراً بالتسلية والفرح، «لو لم أكن هنا لكان التلفزيون تسليتي الوحيدة». عبد الجليل أحب استاذ الموسيقى خالد العبدالله، وقال: «أحب أن أغني مستقبلاً». نوف طالب 9 سنوات تلبس لبوس الطفلة الناضجة أكثر من عمرها، ولهذا بادرت بالقول: «بتشكرن كلن لأنن ساعدونا وعلمونا، بدونن ما منعرف شي». من الشام أتت هديل شبرا إلى بيروت طلباً للأمان مع عائلتها، وجدت في نشاط مسرح المدينة ما يعينها على قتل وقت الصيف الممل، بما هو مفيد، مفرح ومسل معاً. أحبت هديل صف الموسيقى والغناء مع خالد العبدالله، وصف الايقاعات مع علي الحوت.
حفل الختام ترك الأطفال يشعرون للحظات وكأن مسرح المدينة لهم دون سواهم من الحضور. تحلقوا حول مدير الاضاءة محمد فرحات، وراحوا يختبرون التعامل مع الضوء أمام كل الحضور. كما اعتلوا المسرح مجموعة تلوى اخرى لتقديم بعض من الخبرات التي اتيح لهم اكتسابها كمثل فنون القتال المسرحية. فتيات وفتيان كانوا يطيرون دفاعاً عن انفسهم بمواجهة مدربهم رامي عيد، ويرفضون الاستسلام بسهولة. مجموعة منهم قررت مناجاة عاصمة الوطن دمشق عبر غناء الراب، فاستحقوا الثناء والتصفيق. على المسرح كذلك خاض علي الحوت مع مجموعة من الأطفال تمارين على شكل لوحات مسرحية في التنفس السليم، الضحك وغيره. وكان لمشهد الايماء وبخاصة شم الوردة جاذبيته، لأن الأطفال كانوا في غاية الانسجام خلال ادائه.
بدورها تنقلت نضال الأشقر بين الأطفال وهي تؤدي معهم واحدة من فنون التعبير المسرحي. وكان كل فريق من الأطفال ينتظر دوره بالوصول إلى المسرح بفارغ الصبر رغبة في التعبير. ولهذا كانوا يتوالون بسرعة قصوى ودون حاجة لدعوة أو انتظار.
وافتتح معرض صور خاص بنشاطات هؤلاء الأطفال في مسرح المدينة، وشكل ذاكرتهم في تلك الساعات الجميلة. جال الأطفال على صورهم، وتعرفوا إلى اللحظات العفوية التي كانت لهم. جولة تخللتها تعليقات أكثر عفوية وبراءة. عشرات الصور جمعتهم بالمدربين. يتحلقون حولهم في مراحل التدريب المختلفة. صور أظهرت حاجة الأطفال النازحين وغيرهم للكثير من العناية لاسيما هؤلاء الذين يعيشون في المدن شبه المغلقة كبيروت، وبخاصة في احيائها الشعبية الفقيرة.
q wmon

زهرة مرعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية