لا أعرف بصورة محددة ما الذي خطر في ذهن الفريق العامل مع وجه تلفزيوني مصري مخضرم من وزن الزميل أحمد موسى، وهو يسمح بالخطأ الذي يرقى إلى مستوى الفضيحة المهنية على رؤوس الأشهاد وأمام ملايين المشاهدين لشاشة محطة «البلد» .
صاحبنا وعلى طريقة التسحيج الاحترافية لنشطاء اليسار العربي أو لبعضهم برز حماسيا للغاية وهو يزف البشرى لمشاهديه مبلغا بعرض شريط فيديو بعنوان «كيف يصطاد الروس الإرهابيين في سوريا»؟
الأمر لم يحتج للكثير من الوقت فحتى الأطفال التقطوا المفارقة بعدما تبين أن شريط الفيديو الذي يظهر معتما في الواقع ليس أكثر من لعبة الكترونية يمارسها طلبة المدارس واسمها «بتل فيليد».
حزنت شخصيا على الزميل موسى، وهو يطالب المشاهدين بمراقبة «.. الرجال الروس وهم يصطادون المجرمين».. أغلب التقدير أن مسؤول المونتاج مرر اللعبة على أساس عدم وجود مشاهدين أو فتية يمكنهم الانتباه، ومن جانبي أعفي الزميل موسى من تهمة الرصد والإصرار، وإن كان يتحمل بكل الأحوال المسؤولية المهنية والأخلاقية .
الأهم هو الخشية من أن تتحول صناعة الإعلام الفضائي في بلد مدرسة في المهنية مثل مصر إلى إنتاج أطنان من هذه «الهمبكات».. لا أعرف طريقة يمكن أن تؤدي لنجاح ثورة أو انقلاب يقبل أو تقبل بكل هذا الكم من «الهمبكة».
«همبكة» بنسخة أردنية
«همبكة» بنسخة أردنية بالتوازي، فحتى المسؤولين في بلادي عن تأسيس شاشة تلفزيون للمستقبل تخدم الدولة والنظام تلقوا إشارات أو توجيهات من مسؤولين تنفيذيين تطالبهم دوما بعدم النشر حتى عندما يتعلق الأمر بما يفعله أو يقوده الملك شخصيا .
بأمانة، وبعيدا عن كل مظاهر الحسد لا أعلم بعد ما هي الحكمة الناتجة عن اصطحاب رتل من اعلاميي الصف الرسمي في زيارات الملك المهمة للخارج ما دام المرافقون يصدرون تعليمات بعدم النشر وما دام الزملاء يخشون أصلا أي تغريدة خارج السرب .
أفترض جدلا وكمواطن عاقل أن القيادة تصطحب معها أركان كتائب الإعلام الرسمي حتى يتضح للناس داخل الأردن وخارجه ما الذي يحصل وما هو موقف المملكة.. لافت جدا أن من يشملهم العطف والحنان هنا دوما يصمتون ولا يبلغون الرأي العام الأردني بأي شيء من أي نوع، ليس فقط لأن الكادر الإداري العامل حتى في مؤسسة مثل الديوان الملكي خائف ومرعوب ولا يعرف الكثير عن المهنية في الإعلام، ولكن لأن الرقيب الذاتي مستيقظ تماما حتى عندما تنام السلطة .
لو كنت مسؤولا تنفيذيا لما تحملت تكاليف سفر إعلاميين بهذه الطريقة وبصراحة وأمانة لم أفهم بعد ما الذي يعنيه أن يلتقي القائد بصحافيين ويشرح لهم، ثم يطالب موظفون بعدم نشر او نقل هذا الشرح.. ما علينا مرة أخرى سأفهم يوما .
عصيان «إداري»
بالمناسبة ذهبت أدراج الرياح تلك الجرعات المبكرة التي قدمها تلفزيون الحكومة الرسمي لما سمي بمزايا أبناء الأردنيات .
تلك المزايا سميت كذلك حتى لا يطلق عليها اسم الحقوق حرصا طبعا على الوضع الديمغرافي والتصدي للتوطين و«الوطن البديل».. إلى آخر تلك الإسطوانة المشروخة .
وعلى طريقة «رضينا بالهم والهم ما رضي فينا» حتى تلك المزايا يمتنع الموظفون عن انفاذها وتطبيقها.. تلك برأي بيروقراطي عريق وصديق مصيبة كبرى لا يريد القوم الانتباه لها اسمها العصيان الإداري، فالموظف يحصل على راتبه أصلا من ضرائب المواطنين حتى ينفذ الأوامر، التي تصدر له من الدولة.. على العتبة البيروقراطية في الأردن قرر موظفون من تلقاء أنفسهم، ولأسباب وطنية بطبيعة الحال، كما يتوهمون اجراء خصومات تناسبهم في واجباتهم، أهمها عدم الالتزام بتنفيذ التعليمات السيادية والقانونية التي تحمل اسم مزايا أبناء الأردنيات .
إسرائيل والممانعة
على كادر في الكاميرا يتضمن صورة للشيخ حسن نصرالله في مقابلة مطولة لمحطة «الميادين»… طرحت «الجزيرة» السؤال التالي: هل إنضمت إسرائيل إلى محور «الممانعة»؟
طبعا، سبب السؤال مشاعر الخجل والتبرير التي اجتاحت الرفاق في بقايا التيارات اليسارية «المسحجين» لأبو علي بوتين، وهم يتعاملون مع لسان نشطاء التيار الإسلامي الذي لعلع في الفضاء مقابل اليسار بعد الإعلان عن تدابير الطلعات الجوية التنسيقية فوق سوريا بين سلاح الجو الإسرائيلي ونظيره الروسي.
أعرف شخصيا يساريين ابتلعوا ألسنتهم حتى مؤشرات الاختناق، وهم يبحثون بهوس عن تبرير التنسيق العملياتي الروسي مع إسرائيل، وأعرف بالمقابل أصدقاء من جماعة تهمة «اليمين الإمبريالي المتعفن» زغردوا ومطوا لسانهم في الهواء أكثر مما ينبغي في وجه اليسار العربي.
كلاهما إستعمل اللسان في موقع خاطىء في رأيي، فالرفيق يشعر بالخجل والتلعثم لأنه لم يدرك بعد بأن البسطار الروسي لا يختلف كثيرا عن البسطار الأمريكي وكلاهما يحضران للمنطقة لأغراض لا علاقة لها بالتأكيد بـ«تحرير» الكرامة العربية.
الإسلامي في المقابل يشبه من يحتفل بطهور إبن جارته، فهو بلا برنامج وتوهم كثيرا في الأمريكيين، ويفترض بأن النظام السوري أصلا كان بعيدا عن إسرائيل طوال عهود وعبث خطاب الممانعة البائس.
أنا المواطن الفقير إلى الله مستعد لأن أحل اللغز للجميع: إسرائيل لم تنضم لمحور الممانعة لسبب بسيط جدا: لا يوجد أصلا شيء إسمه محور الممانعة، فالقصة كانت «كذبة» في دمشق لتبرير نهب ثروات الشعب السوري لصالح فئة من القطط السمان، وكانت «مزحة» في إيران لتبرير إحتلال العراق، وتهديد دول الخليج، أما في حزب الله يبيع فقط الفستق الإيراني ويفتح ويغلق عندما تأمر طهران.
مدير مكتب «القدس العربي» في عمان
بسام البدارين
أحسنت يا أخ راشد،
ولا ننسى أن روسيا (أو الاتحاد السوفييتي سابقًا) هي أول دولة اعترفت اعترافًا رسميًّا بإسرائيل كـ«دولة شرعية» أمام العالم بأسره، حتى قبل اعتراف أمريكا نفسِها.
فهنيئًا لكَ، يا أخ فلسطين، هذه «الصداقة الشرعية» مع الجيش الروسي «الصديق»!!!