عمان ـ «القدس العربي»: يقف وزير التخطيط الأردني الدكتور عماد الفاخوري على مفترق طرق كلاسيكي ومجتر وهو يتحدث عن تجاوز بلاده لـ «عنق الزجاجة» مثيرا بصورة دراماتيكية لاحقا موجة عاتية من التساؤلات الساخرة على وسائط التواصل الاجتماعي عن الزجاجة ومكان التواجد فيها بعد مغادرة العنق.
الدكتور الفاخوري يترأس عمليا الفريق الاقتصادي للحكومة وحديثه بالعادة يتميز بالعلمية والرقمية.
لكن تصريحه هذه المرة كان سياسيا ولحق بزيارة وصفت بأنها هامة لوزير المالية الدكتور أمية طوقان لإحدى دول أمريكا اللاتينية في إطار مفاوضات مع البنك الدولي.
لا أحد يعرف أو حتى يشرح للرأي العام الأردني مسألة مغادرة عنق الزجاجة، لكن هذه العبارة نفسها قالها رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور قبل نحو ثلاث سنوات، عندما صارح الأردنيين بأن الوضع المالي لخزينة الدولة معقد للغاية ليخرج بعد اسابيع على شاشة التلفزيون ويتحدث عن مغادرة «عنق الزجاجة».
بالنسبة للكثير من المراقبين وتحديدا من أعضاء البرلمان ما تقصده الحكومة في حديث من هذا النوع قد لا يعكس تزايدا في النمو الاقتصادي الحقيقي وأن كان يعكس وضع خطة غير مفهومة بعد تؤدي إلى ضبط ايقاع نمو المديونية التي اقتربت من حاجز الثلاثين مليارا.
بكل الأحوال يبدو تصريح الفاخوري سياسيا ولأغراض الاستهلاك لدى الرأي العام تعقيبا على «اسطوانة» منتشرة هذه الأيام في أوساط المثقفين والسياسيين تتحدث عن أزمة حادة جدا متوقعة اقتصاديا تطلبت العودة إلى لعبة الانفتاح والإصلاح السياسي.
المعنى ان اتجاهات مرسومة نحو حقن المجتمع بجرعات إضافية ومحسوبة من الحريات السياسية تحسبا للاحتمالات السيئة في المجال الاقتصادي.
رغم وجود فاخوري الذي انتقل للحكومة ولفريقها الاقتصادي منأ مواقع القرار في القصر الملكي إلا ان الملاحظات النقدية التي تصل حول رئيس الوزراء من رئيس ديوان الملك الدكتور فايز الطراونة تتحدث عن قصور شديد في الحكومة في مجال التجاوب مع شكاوي المستثمرين.
قطاع الاستثمار كان قد اشتكى عدة مرات لمؤسسة القصر وفي عدة لقاءات بحضور رئيس الحكومة صدرت توجيهات على أمل معالجة المشكلات التي تعيق الاستثمار.
لكن تلميحات الطراونة في المجالس السياسية تؤشر على ان المستوى المرجعي غير راض عن أداء الحكومة في النقطة المتعلقة بالتجاوب مع الملاحظات الاستثمارية.
بالضرورة قد يعني ذلك ان الوزير الفاخوري وهو الخبير الاقتصادي الأبرز في الطاقم الاقتصادي الوزاري لا تتوفر له مساحة فعالة من المناورة في مواجهة نفوذ وحدية ومواجهة وسلطة الرئيس النسور، خصوصا ان جانب مهم من آليات التشاور الاقتصادي بين الحكومة والرؤية الملكية يتم بعيدا عن الطراونة والفاخوري وعبر ثنائية ضيقة ومغلقة قليلا تضم إلى جانب رئيس الوزراء مدير مكتب الملك وزير التخطيط الأسبق الدكتور جعفر حسان.
حسان وهو أيضا خبير اقتصادي مفترض لاعب أساسي في ظل الواقع ويهندس بين الحين والآخر اتجاهات ومشروعات تنطوي على بعض الغموض، لكن الظاهر ان اتصالاته تنشط مع رئيس الوزراء عبد الله النسور، وبصورة خارج سياق ما يمكن ان يعلمه أو يفعله الحليفان سابقا الطراونة والفاخوري.
في ظل هذا التشابك النخبوي يسأل سياسيون كبار بين الحين والآخر من بينهم نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور رجائي المعشر، عن منسوب النشاط الإجرائي للأجهزة التنفيذية وللطاقم الاقتصادي في الالتزام بالخطط التي أمر بها الملك عبد الله الحكومة.
وفي الأثناء تزيد شكوى القطاع الخاص من انفعالات الحكومة ويطرح حتى رجال دولة مختصون بالاقتصاد، مثل الدكتور المعشر والرئيس الأسبق علي ابو الراغب، ملاحظات تتعلق بالأداء الاقتصادي والصعوبات التي تواجه بنية جذب الاستثمار والتعقيدات الناتجة عن اتجاهات الحكومة الضريبية والفوارق الملموسة ما بين الخطاب الملكي الذي يركز كثيرا على الاقتصاد والأدوات المطالبة بالتنفيذ.
بهذا المعنى يصبح وجود اجتهادات وتقييمات غير موحدة في مسألة حيوية من أي نوع تخص الوضع المالي والاقتصادي للدولة تعبير عن ذلك التنافر والتجاذب والمسافات الفارقة التي تنتهي بوجود مرجعيات متعددة في المستوى التنفيذي، يمكن القول أحيانا بأن بعضها ينشغل بإعاقة البعض الآخر أكثر من انشغاله بالانتاجية وبتأسيس توافقات في خطوط التفكير الاقتصادي.
وبهذا المعنى أيضا يصبح وجود مدير مكتب بخلفية اقتصادية للملك يباشر التواصل مع رئيس الوزراء علامة فارقة في الاتجاه المعاكس لإنتاج خطاب موحد في الملف الاقتصادي، بالتزامن مع هوامش التفكير البيروقراطي المركزية، عند رئيس الوزراء والخلافات التي لا يمكن اخفاؤها دوما داخل الطاقم الوزاري الاقتصادي.
لذلك يتوقع مراقبون وخبراء الاستماع دوما لـ «اسطوانة عنق الزجاجة» لكنهم لا يتوقعون العزف عليها من قبل وزير التخطيط الحالي الذي يعرف أكثر من غيره أو – هذا ما يفترض ـ مكونات التفكير الملكي الاقتصادي بحكم وظيفته.
من هنا يمكن تلمس توافق وسط من تبقى من خبراء الاقتصاد في الإدارة الأردنية على تشخيص المشكلات والتحدث المتكرر عنها من دون رصد حالة توافقية حقيقية بين المسؤولين عن معالجة هذه المشكلات، بسبب تعدد الآباء والمرجعيات وعدم انسياب المعلومات بين تلك الأطراف.
بسام البدارين