أردوغان والإعلام… صراع تشعله الانتخابات بين «الرجل الأقوى» ومنظومة «الرجل الخفي»

حجم الخط
0

إسطنبول ـ «القدس العربي»: مع بدء العد التنازلي للانتخابات البرلمانية المبكرة «الحاسمة» في تركيا، يتصاعد الصراع بشكل دراماتيكي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والحكومة من جهة، ومنظومة إعلام المعارضة التي تسيطر على جزء مهم منها جماعة رجل الدين فتح الله غولن زعيم جماعة «خدمة» والذي بات يعرف بـ«الرجل الخفي» لقوة نفوذه السري في كافة مفاصل الدولة التركية.
وأمي الأربعاء، سيطرت الشرطة التركية على إدارة بث محطتي تلفزيون بوغون وكانال ـ تورك في إسطنبول اللتين تنتميان إلى مجموعة مقربة من «غولن»، وذلك قبل أربعة أيام من الانتخابات المقررة في الأول من كانون ثاني/ يناير المقبل، والتي يسعى من خلالها حزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد منذ 13 عاماً إلى استعادة الأغلبية البرلمانية التي خسرها في انتخابات حزيران/ يونيو الماضي، والتي تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده.
واقتحمت قوات الأمن مقر المحطتين اللتين تملكهما مجموعة كوزا-ابيك وقامت بتفريق الموظفين الذين كانوا يتولون حمايتهما بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه بحسب الصور التي بثها تلفزيون بوغون مباشرة على موقعه الالكتروني، حيث قام شرطيون وأحد المدراء الجدد للمجموعة الذين عينهم القضاء بتولي أدارة البث رغم معارضة رئيس تحرير بوغون تي في طارق توروس.
وتتهم السلطات التركية المحطتين بالولاء لـ«غولن» المقيم في الولايات المتحدة والذي اصدرت محكمة تركية قراراً بتوقيفه بتهمة التحريض وممارسة أنشطة «إرهابية»، وذلك بعد أشهر طويلة من الحرب على أنصاره المتغلغلين في كافة مفاصل الدولة التركية واعتقال ونقل الآلاف منهم من وظائفهم، وهو ما أطلق عليه «الكيان الموازي».
وتقول المعارضة التركية إن الحقوق والحريات الصحافية في البلاد شهدت تراجعاً كبيراً في عهد حزب العدالة والتنمية، وتتهم السلطات باعتقال العشرات من الصحافيين وإغلاق مؤسسات إعلامية وصحف ومجلات، بالإضافة إلى تهديد الصحافيين المعارضين.
وتعتبر «دوغان» أكبر مجموعة إعلامية في تركيا وتمتلك عددا من الفضائيات والصحف الكبيرة، وتتصدر معارضة سياسات حزب العدالة والتنمية وأردوغان، وتتهمها السلطات بالحصول على دعم وتمويل من «غولن»، في حين تتهم المعارضة الحكومة وأردوغان بتمويل مجموعة كبيرة من الفضائيات من خلال رجال أعمال مقربين للدفاع عن الحكومة والرئاسة و«تضليل الرأي العام والدفـاع ومهاجمة خصومهم السياسيين».
وتصنف صحيفة صباح إحدى أكبر الصحف التركية وقناة ATV إحدى أكبر القنوات في البلاد على أنها موالية للحزب الحاكم، وتقول المعارضة إنه يتم إدارتهم من خلال سرهات ألبيراق الشقيق الأكبر لبرات ألبيراق صهر أردوغان، كما يدير رجال أعمال مقربون من أردوغان من صحف يني شفق ويني عقد وستار وأكشام وتقويم بصورة غير مباشرة، وعدد من الفضائيات منها NTV وStar TV وHabertürk وShow TV.
في حين تمتلمك مجموعة دوغان المعارضة قناتي CNN Türk وKanal D. كما أن هناك قنوات تلفزيونية كبيرة أخرى، وتوجد فضائيات معارضة أخرى منها Fox TV وSamanyolu TV وKanaltürk وBugün TV.
وفي أحدث تقرير دولي عن الحريات الصحافية في تركيا، اعتبر معهد الصحافة الدولية، ومقره «فيينا»، إن «الديمقراطية في تركيا في خطر».
قائلاً: «الديمقراطية في تركيا اليوم تمر بالكثير من التهديدات الجادة، والإخلال بمبادئها، إذ تشهد العديد من حملات الاعتقال وتوجيه التهم إلى الصحافيين».
وأوصى التقرير الحكومة التركية بتبني عدد من الإجراءات لحماية حرية الإعلام بالبلاد، مثل «إنهاء الضغوط الحكومية المفروضة على المؤسسات الإعلامية، ورفع يد الدولة عن الأصول المالية الخاصة بالإعلام المعارض، وحماية الصحافيين من التهم المغرضة الهادفة إلى تكميم أفواهم والوقوف عن مناهضة الحكومة».
وقرر القضاء التركي الاثنين وضع شركة كوزا ـ ابيك القابضة تحت الوصاية لاتهامها بحسب مدعي انقرة بـ«التمويل» و«التجنيد» و«القيام بدعاية» لحساب «غولن»، ومنذ بداية أيلول/سبتمبر فتشت الشرطة مقار 23 شركة تابعة لكوزا-ايبيك في اطار «مكافحة الإرهاب» واوقفت ستة اشخاص أفرج عنهم لاحقا.
وقبل أيام، قال مراسل صحيفة حرييت التركية في العاصمة الأمريكية واشنطن، تولجا تانيس، إنه يواجه اتهامات من مكتب الادعاء العام في اسطنبول بعدما أقام محامي أردوغان دعوى تتهمه بالتشهير ومحاولة النيل من سمعة الرئيس التركي، بسبب كتاب أصدره حمل عنوان «الرئيس الأمريكي والرجل الأنيق»، في إشارة إلى باراك أوباما والرئيس التركي.
والشهر الماضي، تعرض الصحافي التركي أحمد هاكان، المعارض للحكومة وأردوغان، للضرب أمام منزله، بعدما هدده أحد نواب حزب «العدالة والتنمية»، حيث هاجم أربعة أشخاص هاكان، الصحافي في جريدة (حرييت) ومذيع برنامج حواري على محطة (سي إن إن تورك)، ما أدى إلى إصابته بكسر في الضلوع والأنف، واعتقلت الشرطة في وقت لاحق أربعة مهاجمين.
وقبل أسابيع، داهمت الشرطة التركية في إسطنبول مقر مجلة نقطة وصادرت نسخ عددها الأخير الذي نشر على صفحته الأولى صورة مركبة للرئيس رجب طيب أردوغان وهو يلتقط لنفسه صورة «سيلفي» مع نعش جندي قتله المتمردون الأكراد، في صورة أثارت الرئيس أردوغان واعتبرها تعدي للحريات واستهزاء بـ«دماء الشهداء».
وبالإضافة للانتقادات المتكررة التي يوجهها للصحافة المحلية، اعتاد أردوغان على مهاجمة صحف ووسائل إعلام عالمية، لا سيما الأمريكية والأوروبية منها، وفي آخر اتهام له، قال إن وسائل الإعلام العالمية تشن «حربا نفسية» ضد بلاده، منتقدا وسائل إعلام محلية لاشتراكها في هذه الحملة.
ودافع عن «حرية الصحافة» في بلاده، قائلاً: «تركيا ليست الدولة التي ستنحني أمام شبكات الخيانة المحلية أو عمليات التصورات الخارجية»، وأضاف عقب زيارة لوفد من جمعية الصحافة الدولية، ومعهد الصحافة العالمي، ولجنة حماية الصحافيين المتمركزة في نيويورك، متسائلاً: «أي صحافيين التقوهم واستقوا منهم هذه المعلومات؟، أنا أعلم من قال لكم هذه الأشياء، ولكن يوجد فقط 7 صحافيين قيد الاعتقال، وليس 100 كما تقولون».
وشدد أردوغان على موقف الحكومة بأن جميع الصحافيين القابعين في السجن، متهمون بارتكاب جرائم مثل الإرهاب والقتل والسرقة، مستبعدا إعادة محاكمتهم.
وقال العديد من نشطاء المعارضة إنهم تعرضوا لملاحقات من قبل السلطات والقضاء بسبب كتابات لهم ضد أردوغان على مواقع التواصل الاجتماعي.

إسماعيل جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية