«الدبابيس»… وعن: أي سياسة نعتمد؟

حجم الخط
1

بداية، يجدر بي ان أُنوِّه بأن تعبير «دبابيس» ليس لي، فقد تعلمته من عميد «دار الصياد» اللبنانية الراحل سعيد فريحة. كان لهذا الصحافي العصامي الكبير، مؤسس احدى اهم دور الصحافة العربية في القرن الماضي، زاوية ثابتة في مجلة «الصياد» الاسبوعية أسماها «دبابيس»، ينشر فيها مقاله. وفي العام 1971، عندما بدأتُ الكتابة في مجلة «الصياد»، سألت الاستاذ سعيد فريحة عن سبب اختياره تعبير «دبابيس» عنواناً لزاويته، فأجابني بما معناه انه يرى دوره، ككاتب وكصحافي، ليس الضرب بالمطرقة او البندقية، حتى حد قتل من ينتقد اداءه، ولكن دوره هو التنبيه، وتسليط الضوء على كل ما يعتقده خطأً، وازعاج مرتكبه لإرغامه على اعادة التفكير للاقلاع عن خطئه، وارغامه على التوقف، والعمل على اصلاح ما نتج عنه من أَضرار، والتعويض عن تلك الاضرار ايضا.
من هذه المقدمة، وان طالت، اصل لما اقترح وانصح اعتماده سياسةً تتبناها قيادة العمل الوطني الفلسطيني.
بديهي انه قبل كل شيء آخر، يتوجب على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، تشجيع وتبني وتوجيه وقيادة كل اشكال النضال المدني الفلسطيني، في حدود الدولة الفلسطينية كما اقرتها الشرعية الدولية، ممثلة بقرارات الأمم المتحدة، من مظاهرات واعتصامات ومواجهات مع الاحتلال الاسرائيلي وقطعان مستعمريه، اضافة إلى التفعيل الجدي لكافة الاسلحة التي وفّرتها الشرعية الدولية لقيادة الشعب الفلسطيني، من امكانية جلب كافة من يمكن اثبات تورطهم بجرائم حرب من القيادات المدنية والعسكرية الاسرائيلية، إلى المحاكم الدولية ذات الاختصاص، وحتى ما صدر عن محكمة العدل الدولية في لاهاي ابتداء من الحكم الخاص لصالح شركة كهرباء القدس في نهاية عشرينيات القرن الماضي، وحتى القرار الخاص بموضوع الجدار الاسرائيلي قبل بضع سنوات.
ثم، هناك محظوران يجب على القيادة الفلسطينية عدم الوقوع في اي منهما. المحظور الاول هو الإقدام او التشجيع، او حتى السكوت عن اي عمل يوفر للعدو ذريعة قتل مواطنين فلسطينيين. فاذا كنت تملك سلاحا مداه الاقصى مئة متر مثلا، ويملك عدوّك سلاحا مداه مئتا متر، فان استخدامك لسلاحك، دون تأمين ساتر حقيقي صلب، يحمي ظهرك وصدرك، يوفر الفرصة لعدوك لان يقف على بعد مئة وخمسين مترا، يطلق رصاصه القاتل من تلك النقطة الآمنة، ويبرر ذلك بالدفاع عن نفسه وفق قواعد وقوانين اللعبة الدموية، المقبولة دولياً، والمندرجة تحت باب «الأمن» والدفاع عن النفس. ولسوء الحظ، فان الظروف العربية لا توفر ساترا يحمي الفلسطينيين.
اما المحظور الثاني، والأهم، اكرر: الأهم، فهو تمكين العدو من ان ينعم بالراحة والهدوء والاطمئنان. هذا اكثر من خطأ، بل هو اكثر من خطيئة يحاسب مرتكبها في الحياة الأُخرى. إنه جريمة بحق الشعب الفلسطيني والوطن الفلسطيني، والعدل والمستقبل.
محظور على القيادة الفلسطينية، ضميرياً، اعتماد سياسة تعطي العدو ذريعة ومبرراً لقتل ابنائنا. ومحظور على القيادة الفلسطينية، وطنياً، تمكين العدو من الاستمتاع بالراحة والهدوء.
فما العمل؟
هنا نصل، بل الاصح: هنا نعود، إلى سياسة «الدبابيس»، التي توفر بالكامل، في اعتقادي، الرد والتعاطي مع المحظورين المذكورين. ولتوضيح ما أراه سياسة يجدر بالفلسطينيين اعتمادها، سأعرض عيِّنة هي اربعة «دبابيس» من ضمن قائمة تحوي مئات من نوعية هذا السلاح.
1- إثارة موضوع الأملاك العامة في 27٪ من ارض فلسطين. اذ حسب الشرعية الدولية،، فان هناك قرارا واحدا من تلك الشرعية، وهي الأمم المتحدة بخصوص ارض فلسطين، هو قرار التقسيم عام 1947. هذا القرار نصّ على تخصيص 51٪ من ارض فلسطين، لاقامة اسرائيل، في حين ان خطوط الهدنة بين دول الطوق العربية: مصر، الأردن، سوريا ولبنان،عام 1949، شملت 78٪ من ارض فلسطين. هذا الحقيقة تعني ضم اسرائيل 27٪ من ارض فلسطين اليها دون اي سند شرعي، وفي غياب كامل واستبعاد لفلسطين. وفي هذا السياق يمكن الرجوع إلى مذكرات موشي ديان التي يروي فيها كيف طرد من الفندق في لوزان ثلاثة محامين فلسطينيين حضروا مطالبين المشاركة في مفاوضات الهدنة، (وهم بالمناسبة: محمد نمر الهواري ويحيى حمودة وعزيز شحادة). في هذه المساحة من فلسطين مواطنون فلسطينيون صارت غالبيتهم العظمى لاجئين، لهم املاكهم الخاصة وحقوقهم التي ينطبق عليهم ما ينطبق على بقية اللاجئين، (ولهذا الموضوع سياق بحث آخر). أما ما يخص الأملاك العامة في تلك الارض الفلسطينية، فهي حق عام للشعب الفلسطيني، ولممثله الشرعي، منظمة التحرير الفلسطينية حسب اعتراف اسرائيل في رسالة اسحق رابين بهذا الخصوص عام 1993. في هذه المساحة التي تبلغ اكثر من ربع ارض فلسطين، املاك عامة، منها خطوط سكك حديدية وموانئ ومدارس ومستشفيات ومراكز شرطة وطرق معبدة وتمديدات لبنى تحتية ومراعي واحراش وغير ذلك كثير. و»الدبوس» هنا هو تشكيل هيئة تبدأ في حصر هذه الأملاك العامة وتخمين اثمانها ومطالبة اسرائيل بها، بادئين، على سبيل المثال بالتخطيط لمد شبكة سكك حديدية تربط جنين بطولكرم ونابلس ورام الله والقدس وبيت لحم والخليل ومنها إلى غزة ورفح، وكل ما يتشعب من هذه الشبكة مع الشبكات المقابلة، القائمة او يمكن لها ان تقوم في سوريا والاردن ومصر، ومطالبة اسرائيل بتمويل او تنفيذ هذا المشروع، تعويضا عن خطوط سكك الحديد التي استولت عليها دون سند قانوني.
2- وضع قائمة شاملة بالأسماء العربية الحقيقية لجميع المواقع في فلسطين، التي تطلق عليها اسرائيل اسماء عبرية، والزام جميع وسائل الإعلام التي تعمل بتصاريح وأُذونات من السلطات الفلسطينية المختصة، ان تثَّبت الاسم العربي بعد كل اسم عبري يرد في تلك الوسائل الإعلامية. وأُعطي مثَلا على ذلك: قال استاذ علم الآثار في جامعة تل ابيب، (المُقامة على انقاض واراضي قرية شيخ موَنِّس الفلسطينية)، ان…… ومثلا آخر: قالت الاذاعة الاسرائيلية ان حادث سير وقع صباح اليوم في تل حنان، (المقامة على انقاض واراضي قرية ام الزينات الفلسطينية)، إلى أُصابة….
3- الشروع في التخطيط ورسم الخرائط لبناء مدينتين كبيرتين بين اريحا وبيسان، على الجبال الجرداء المطلة على غور الاردن، والمشمولة في ما تسميه اسرائيل مشروع او خطة يغئال ألون، والاستعانة بمؤسسات دولية ومهندسين ومخططي بناء مدن دوليين، من المتعاطفين مع شعبنا لهذا الغرض.
4- تشكيل هيئة رسمية تتخصص في العمل على حصر اموال الفلسطينيين افرادا ومؤسسات في جميع البنوك التي كانت تعمل في فلسطين حتى يوم 15 ايار 1948، والزام تلك البنوك فتح سجلاتها لذلك التاريخ، حتى وان استدعى هذا الامر اللجوء إلى الأمم المتحدة والى المحاكم الدولية ذات الاختصاص، لاصدار قرارات واحكام ملزمة.
حين تتبنى قيادة العمل الوطني الفلسطيني، منظمة التحرير الفلسطينية، «سياسة الدبابيس» هذه، وتبدأ في تطبيقها بوتيرة مبادرة واحدة على الاقل كل اسبوع، باستمرار وجدية، تثبت للشعب الفلسطيني اولا، ولاسرائيل ثانيا، وللعالم كله ثالثا، انها جادة في العمل لاقامة دولة فلسطينية مستقلة عصرية، وانها جديرة بالثقة والتأييد والمناصرة.

٭ كاتب فلسطيني

عماد شقور

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عوني زيداني:

    مقاله ممتازه لاستادنا الكبير والمخضرم ….
    دبابيسك قد تقضي مضاجع الاعداء ان تم التعامل معها والتجاوب لابعادها الرهيبه . نحن بحاجة لمن يرى الصورة الكامله ليعي بعد هكدا دبابيس … وانا ما زلت اعتقد ان احد اخطاء استراتيجيات المفاوضات كان اهمال قرار التقسيم كاحد منطلقانتا ليس من باب الحق والعدل فحسب بل ايضا من باب علم التفاوض ومن باب معرفه عقليه عدوك …. فمن يريد التفاوض على النصف عليه التحدث عن الكل.. وعليه فلربما من الارجح فعلا طرح الرجوع الى المربع الاول وهو قرار التقسيم… وهو قرار استراتيجي وبه الكثير من التحديات ولكن العالم سيحترم اختياراتنا … فان اقتنعنا نحن بها اولا ( وهي خطوه مهمه ولها من سيعمل على هدمها ومقاومتها) سنتمكن من اقناع الاخرين.

إشترك في قائمتنا البريدية