محظوظ عبد الفتاح السيسي بجلسته مع مذيعة قناة «بي بي سي»، الجميلة جيزيل خوري، وكما ورد في الأمثال: «الحظ لما يؤاتي يخلي الأعمى ساعاتي»، لكن في ظني أنه لم تكن محظوظة به، ولن يضيف إليها، إذا وضعت في «السي في» الخاص أنها حاورت رئيس جمهورية مصر العربية، ليس لأنه قائد انقلاب وليس رئيساً، ولكن لأنه هز ثقتها في نفسها، عندما بدت لا تفهم كثير ما يقول، من جمل مفككة، وعبارات غير مترابطة، وعدم قدرة على الحسم اللغوي بشكل يجعله دائماً بحاجة إلى مترجم، من لغته، إلى اللغة العربية المعروفة لدى سكان الكرة الأرضية!
تسأله جيزيل عن التحديات التي تواجه مصر، فيتحدث السيسي كثيراً ولا يقول شيئاً. وإن كان يضاف لسجلها المهني أنها نجحت كإعلامية، في أن تظهر أمامه مستوعبة لما يقول، وهذا سلوك يصنف ضمن الذكاء الإعلامي، وإن شككت المشاهدين في قواههم العقلية عندما يتحدث بهذا الشكل، فتبدو جيزيل، مستوعبة لما يقول، إذن المشكلة في تعطل حاسة الفهم لدى المشاهد.
في موقفه من جماعة الإخوان المسلمين الذي أعلنه مع مذيعة قناة «بي بي سي» الانكليزية، اضطرت الرئاسة إلى إعلان ترجمة لهذا الموقف، الذي قالت إنه فهم خطأ، وكأن كل المشاهدين والمواقع التي نشرت ما قال اشتركت في هذا الفهم الخاطئ، مع أن السيسي كان يتحدث باللغة العربية، ولم يتحدث بلغة أخرى حتى يقال أن الخطأ سببه الترجمة، وبشكل يذكرنا بتوفيق عكاشة، عندما زار منظمة «إيباك» في نهاية التسعينات وبكفيل مصري يقيم في واشنطن مهمته تسويق من يريد من المصريين لدى هذه النوعية من المنظمات.
تحدث توفيق عكاشة في لقاء مع مسؤولين بـ «ايباك»، بكلام غير مفهوم، مما كان سبباً في توقف المترجم للغة الانكليزية وتعثره، وربما ظن الحاضرون أن عكاشة يوجه السباب لهم، وتحرج المترجم من أن يترجم ما يقول، فتم استبداله بآخر، قام بعد قليل، وألقى بالسماعات ولم يعلق وانصرف.
ولم تكن جيزيل خوري، تملك قرارها كما المترجم، وإن امتلكت القدرة على أن تبدو مدركة لما يقول، وهذا يمثل نموذجاً ينبغي أن يدرس لشباب الإعلاميين، حول مفهوم الذكاء الإعلامي، الذي جعل من مذيعة «بي بي سي» تبدو أمام المشاهد أكثر ذكاء من العالم الفرنسي شامبليون، الذي نجح في فك رموز حجر رشيد المكتوبة بالهيروغليفية، وعد ما فعله من انجازات الحملة الفرنسية على مصر.
الموقف من الإخوان
ما قاله السيسي مع مذيعة القناة الانكليزية ليزد وسيت، في الموقف من جماعة الإخوان المسلمين يختلف عما قاله لمذيعة «بي بي سي عربي»، جيزيل خوري، ومع الأولى قال إن الإخوان جزء من الشعب المصري، على نحو فهم منه البعض أنه يستهدف مصالحة معهم، ومع الثانية فإن رأيه كان متناقضاً، فقد «لت وفت» وأقبل وأدبر، وعبس وأسفر، وفُهم من كلامه أنه الموقف على قديمه، فأزمة الإخوان مع الشعب، ولأنه صار المتحدث الرسمي باسم الشعب المصري، فقد وقف على أن الشعب «واخد على خاطره من الإخوان»!
لا أعرف متى أخذ هذا الشعب على خاطره من الجماعة المذكورة، وفي خمسة استحقاقات انتخابية بعد الثورة، بدأت بالاستفتاء على التعديلات الدستورية، وانتهت بالاستفتاء على الدستور، فضلاً عن انتخابات البرلمان بغرفتيه، وانتخابات الرئاسة، فإن الأغلبية انحازت للخيار الإخواني، ولم يكن خياري بالمناسبة فالاستحقاقات الخمسة هذه هزمت فيها وفاز الإخوان، لكني تقبلت الهزيمة بروح رياضية.
لقد أرجع السيسي السبب في أن الشعب «واخد على خاطره» من الإخوان، إلى «المعاناة» التي تعرض لها هذا الشعب في حكمهم، عندئذ تذكرت عبارة الفنان سامح حسين للفنان أشرف عبد الباقي أو (عادل) في مسلسل «رجل وست ستات»: «معاناة يا دُوله معاناة»!
فلا نعرف سبب الإحساس بالمعاناة هذه لدى الشعب المصر من الحكم الإخواني، التي وإن كانت بسبب المشكلات فإنها أعمق في عهد عبد الفتاح السيسي؟، فالأزمات الاقتصادية المفتعلة، كانت الحكومة في عهد مرسي تعمل على حلها، وإذا كان بعض الوزراء استسلموا للمؤامرة، فإن وزير التموين باسم عودة مثلاً نجح نجاحاً غير مسبوق في تاريخ هذه الوزارة، وهو يدفع الآن ثمن رفضه الاستمرار في السلطة في حكم الانقلاب العسكري، حيث تم سجنه وتلفيق الاتهامات له، وهو الذي قضى على مافيا تجارة الدقيق، وأوصل الخبز المدعم لمستحقيه.
كما أن الإخوان لم يسجنوا مخالفاً في الرأي، أو متآمراً على حكمهم، ولم يسرقوا أموال الشعب، ولم يحرموا المصريين من حقهم في المساعدات الخارجية التي تم تحويلها للجيش في عهد السيسي، ولم يتم تبديد مقدرات الشعب على مشروعات لم يتم إعداد دراسات جدوى لها، ولم يتصد الإخوان للمشهد بدون برنامج، ولم ترتفع الأسعار في عهدهم بهذا الشكل، وحافظوا للمصريين على كرامتهم فلم تنتهك كما هو حاصل الآن في السجون وفي أقسام الشرطة.
غرق المحافظات
لا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، ولا يعرف «المعاناة الحقيقية يا دُوله»، إلا من تعامل مع حكم السيسي، حيث غرقت محافظتي البحيرة والإسكندرية في شبر ماء، بفضل تسليم المحليات تسليم مفتاح لجنرالات، ثبت فشلهم في الأعمال المدنية. وعندما حدثت «المعاناة» اختفوا، وتعالوا على الشعب الذي تركوه يواجه مصيره.
وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فقد كانت الأذرع الإعلامية للعسكر وبتوجيه من عباس كامل، سكرتير عبد الفتاح السيسي، قررت استخدام غرق الإسكندرية في المرة السابقة، للترويج بأن العسكر هم الأفضل في الإدارة، ضمن الحملة التي تستهدف الإطاحة بالمحافظ المدني هاني المسيري، وهو محافظ يمثل الفشل بشحمه ولحمه، ولكن الحملة الإعلامية ضده لم تكن لهذا السبب، وإنما كانت لأن العسكر كانوا يعتبرون أن منصب محافظ الإسكندرية هو شأن عسكري، يجري تبادله بين ضباط الجيش وضباط الشرطة.
هيثم أبو خليل، مقدم البرنامج الحقوقي على قناة «الشرق»، كشف أن أغلبية رؤساء الأحياء (البلديات) بالمحافظة من الجنرالات، فكان ما قاله فاضحاً فتوقفت حملة العسكر هم الأفضل!
ما علينا، فالسيسي في حواره مع «بي بي سي» الانكليزية، كان تصريحه عن أن الإخوان جزء من الشعب المصري هو للاستهلاك الدولي، فتبدو فكرة الإقصاء هناك غير منطقية، لاسيما وأنه يخاطب الشعب لا الحكومات، والحكومات الغربية متواطئة مع انقلابه، وفعلت كل ما تستطيع من أجل مساعدته على النجاح، لكنه ليس مؤهلاً سوى للفشل.
اللافت هو ما قاله في مقابلته التلفزيونية، مبرراً عقوبة السجن بتهمة إهانة الجيش: «ما فيش حد يشتم جيش بلده»، لكن جيزيل خوري ضحكت، وهي تلفت انتباهه بأن الجيش عندما يحكم ويتدخل في السياسة فإنه من الطبيعي نقده. فيعلن سيادته إن الجيش لا يتدخل في السياسة منذ 1952، وكأن مصر الآن تحكم من قبل حزب «النور السلفي»!.. وكأن الانقلاب الذي قام به الجيش على الرئيس المنتخب كان تدخلا في الفن لا في السياسة، وكأن بيان الانقلاب في 3 يوليو/تموز ألقاه وزير الزراعة واستصلاح الأراضي.
وللوقوف على أن الأمر دخل في نطاق الأعمال الفكاهية، فإن «الفيديو» الخاص بهذا المقطع «الغنائي»، جرى حظره في كثير من المواقع!
لقد تفوق عبد الفتاح السيسي على نفسه في هذا الحوار، عندما قال إن الشعب جزء من الجيش، فأكد للجميع أن القذافي حي ولم يمت، لأنه في الأصل فكرة والفكرة لا تموت، لكنها البداية، فنحن في مرحلة النشأة والتكوين وهي المرحلة التي اكتشف فيها معمر القذافي أن المرأة تحيض والرجل لا يحيض، وقريبا سيقدم السيسي على تأليف كتاب يشبه الكتاب الأخضر وذلك في مرحلة النضوج الفكري.
عموماً فقبل أن تعتقد جيزيل خوري أن وجودها في بلاد الفرنجة أثر على فهمها للغة العربية، وقد تلتحق بأحد المعاهد المتخصصة في دورات اللغة، فنود إفادتها أن المشكلة ليست فيها فما كانت تستمع له ليس هو العربي الذي عرفته البشرية منذ بدء الخليقة، ولكنها «اللهجة السيسية»، والتي تقوم على تناثر المفردات، وتطاير الكلمات.
ولمعلومات جيزيل العامة، فإن اللهجة السيسية قريبة الشبه بلغة السمك الميت!
صحافي من مصر
سليم عزوز
لله درك يا اخي
كم انت رائع ومتميز
الرجل لا يعرف ان يتكلم
وقد وصلت لهذه القناعة مبكرا
وليس رجل خطابة
وليس رجل فكر
وليس لديه ما يقوله
يقول اهل الاختصاص مالا يقال في ساعات لا يقال في لحظات
والرجل السيسي ليس لديه ما يقوله لا في ساعات ولا في لحظات
ابدعت يا سيدي
بارك الله فيك وابقى قلمك
شكرا