الغرب وازدواجية المعايير

حجم الخط
0

قبل سنوات قليلة كانت أكثر شعوب العالم تعيش عزلة تامة بسبب التقسيم والحدود المصطنعة، التي أوجدتها البشرية في ما بينها بدعوى حماية أرضها وشعبها من الدول والشعوب المحيطة بها، فلا تسمع شعوبها ولا ترى إلا ما وافق سياسة النظام القائم فيها، وذلك بسبب هيمنة النظام الحاكم على كل مفاصل الدولة، خاصة على وسائل الإعلام المختلفة، فلا تصدر صحيفة أو مجلة ولا تبث إذاعة أو قناة إلا بموافقة السلطان ووفق سياسته، ومن خرج عن هذا الإطار عوقب بدعوى محاولة الانقلاب على الحكومة الشرعية والقانون العام، وهذا ما سهل للمجرمين ارتكاب أبشع المجازر الدموية بعيدا عن الرقابة الدولية والانتقادات الإعلامية، بل كان الشخص الواحد في البلد الواحد لا يعرف ولا يعلم ما يحدث في بلده الواحد، ولكن بعد تقدم العلم وتطوره وما رافقه من تغيرات جذرية لبعض الحكومات والأنظمة تغير الحال كثيرا فتعددت الأحزاب وتنوعت الجماعات، وكثرت تبعا لذلك وسائل الإعلام المختلفة، فلكل حزب وجماعة فكر وايديولوجية يتبناها يسعى من خلال وسائل الإعلام الى بيانها ونشرها، وإن كان أكثرها لا يعدو عن مزايدات انتخابية من اجل كسب ثقة الناخب للوصول لموقع الحكم والقرار في الدولة، وبسط فكره وسياسته عليها، ثم على الدول المجاورة إن أمكن، وهذا الأمر لا يحتاج إلى دليل لإثباته فتجد الحزب الواحد يتكون وينشأ في الغرب، ولكنه سرعان ما ينتقل وينتشر في الشرق وغيره، وما يهمنا هنا هو الغرب وديمقراطيته الكاذبة الزائفة التي صدرها لنا وتفاخر بها وكيف أنه يتعامل بازدواجية مع الأحداث التي تهمه وتهمنا، وخذ مثالا على ذلك ليس بالبعيد، بل هو قريب وقريب جدا وهو تفجيرات بوسطن التي وقعت في أمريكا مؤخرا، نجد أن الغرب بأكمله وبمختلف طبقاته وأشكاله من إعلاميين وسياسيين وعسكريين ومثقفين وفنانين ورياضيين…الخ أدانوا واستنكروا هذه التفجيرات الإجرامية التي راح ضحيتها شخصان أو ثلاثة والجرحى أكثر من مئة بقليل.
ومقدما أدين هذا الفعل واستنكره، ولكن هو مثال لما أريد أن أوصله للعالم فهذا الفعل مدان شرعا وعقلا وعرفا، وباطل ولا يحتاج الى دليل على بطلانه، ولكن ما أذهلني هو تعظيم شأنه وإعطاؤه حجما اكبر من حقه ومقداره، بل وصل الأمر إلى أن يتصل بعض القادة العرب بالرئيس الأمريكي ليعزيه
شخصيا على هذه التفجيرات الإجرامية، وما أذهلني اكبر وأكثر هو سرعة تحرك الأجهزة الأمنية بكل أنواعها وإمكانياتها لكشف تفاصيل الجريمة ومن يقف وراءها، وخلال وقت قصير جدا تم كشف الجناة وملاحقتهم فاحدهم قتل في الحال والآخر هرب وتم تعقبه فحوصر وقتل أيضا بعد أيام، وما زال التحقيق مستمرا لمعرفة بمن يرتبطان ومن يقف وراءهما وكالعادة سرعان ما توجهت الأنظار نحو المسلمين وإنهم يقفون وراء الحادث، وهذا كله لا يهمنا بقدر ما يهمنا تجاهل العالم كله، خاصة العرب عما يحدث في سورية والعراق فالدماء تراق في هذين البلدين يوميا وتحصد الميليشيات والمفخخات أرواح العشرات وربما المئات خلال لحظات، ناهيك عن المئات من الجرحى والمعاقين الذين أصبحوا عالة على المجتمع وعلى ذويهم فمن لهم يا عقلاء؟
يا أهل الغرب يا أهل الحرية يا من تنادون بالديمقراطية لماذا تحركتم عندما تعلق الأمر بكم وبدمائكم ولم تتحركوا عندما تعلق الأمر بنا وبدمائنا؟ هل دماؤكم دماء ودماؤنا ماء؟ ولماذا لم تتهموا حكومتكم التي جئتم بها إلى العراق بالإرهاب، على الرغـــــم مما ترتـــكبه في حق شعبها من مجازر وانتهاكات، ولماذا تتهمون من قاتلكم لإخراجــــكم من أرضه بالإرهاب ولا تتهمون أنفسكم ومن حالفكم على احتلال العــــراق وقـــتل شعبه وتشريده وإنهاء دولته وحضارته وسلب ونهب ثرواته وخيراته، أليس هذا هو الإرهاب بعينه؟ ولماذا صمت العالم كله عن مجازركم ومجازر حكومتكم إلى الآن أليس هذه هي الازدواجية يا دول الديمقراطية؟ ولكنها الحقيقة وتأبى الحقيقة إلا أن تظهر فديمقراطيتكم خبيثة كأخلاقكم وأفعالكم القبيحة.
عقيل حامد

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية