لندن – «القدس العربي»: يتحدث المسؤولون في الغرب عن حرب جديدة شنها تنظيم «الدولة الإسلامية» على الغرب. وتأتي حرب التنظيم التي وصلت أعلى تجلياتها في باريس ليلة الجمعة وأسفرت عن مقتل 129 شخصا أو يزيد وجرح المئات بعضهم في حالة خطرة بعد تركيز التنظيم دعائم ما أطلق عليها «الخلافة» بإدارة وجيش قوي وسكان يزيد عددهم عن 6 ملايين نسمة. وها هو ينقل المعركة للعدو البعيد بعد أن ركز كل عملياته على «العدو القريب» حيث قام باستهداف لبنان وتركيا والكويت والسعودية العراق، وهو بهذا يفتح بابا لحرب طويلة مع الغرب ستترك تداعياتها على التنظيم نفسه، تماما كما فعل تنظيم القاعدة من قبل عندما قرر فتح معركة شاملة مع الغرب ونظم تفجيرات 9 إيلول (سبتمبر) 2001 وأدت لغزو أمريكا للعراق وطرد القاعدة من أفغانستان وشتت قيادتها وشل حركتها عن تنظيم عمليات جديدة.
وفي حالة تنظيم الدولة يبدو الأمر مختلفا فهو يفتح حربا شاملة ضد الغرب في وقت تعبت فيه الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة من مغامراتها في المنطقة العربية. وهو ما يفسر التردد الأمريكي إزاء الحرب في سوريا التي تدور رحاها منذ أكثر من أربع سنوات. وبالتأكيد ستزيد الهجمات من الحديث عن حل للأزمة السورية في ضوء الربط بين الانتحاريين وسوريا. وهناك حاجة ملحة للتصدي للموضوع ونظام الأسد الذي يعتبر جزءا من المشكلة. والسؤال هو عن الكيفية التي ستتم فيها مواجهة التنظيم بعد نقله ميدان الحرب إلى شوارع أوروبا.
خيارات
وهو ما طرحه روجر بويز في صحيفة «التايمز» حيث كتب قائلا «السؤال الذي يواجه صناع السياسة هذا الأسبوع: أي نوع من الحرب؟ وما هو الرد الذي سيمحق تنظيم الدولة ويمنع حربا شاملة بين الشرق والغرب ويوقف تفكك منطقة الشرق الأوسط؟». ويشير إلى أن الولايات المتحدة ستتعرض لضغوط كي تتخلي عن فكرة إمكانية احتواء التنظيم وإضعافه. فيما خرجت روسيا قوية وترى في حملتها العسكرية ضد الجهاديين تصديقا لأهدافها ودعمها للرئيس بشار الأسد الذي تراه ضروريا للحل السياسي والعسكري. ويرى أن الدعم في البرلمان البريطاني للعمل العسكري في سوريا سيزداد. ويتحدث بويز عن أربعة سيناريوهات عسكرية ستكون محلا للنقاش. الأول عملية يشرف عليها حلف الناتو. ويعتقد الخبراء أن الحرب ضد الجهاديين يمكن الانتصار بها في حالة قامت قوة برية باستغلال الضربات الجوية. ومن هنا فسيكون الناتو وليس روسيا فلاديمير بوتين هو المحدد النهائي لنتائج الحرب. كما وستجبر تركيا للتركيز على تنظيم الدولة لا الأكراد وسيكون دخول الناتو أفضل من تحالف عربي على حد قوله.
ولكن ما يقف أمام هذا الخيارهي المعارضة الروسية ومخاوف من تراجع الدعم الشعبي حالة قتل جنود الناتو والخلافات بين دول الحلف. في السيناريوم الثاني، يتحدث بويزعن تحالف عربي- غربي مع روسيا التي ستقوم بدورها بإقناع الأسد لتعبئة قواته ضد تنظيم الدولة. وقد يكون هذا أحسن خيار لتدمير معقل التنظيم في الرقة لكن الأسد سيتسفيد من الحرب ويبقى في السلطة. وفي السيناريو الثالث يشير الكاتب لتكثيف الطلعات الجوية التي تترافق مع هجمات بطائرات بدون طيار وتسليح لجماعات المعارضة السنية المعتدلة المعادية لنظام الأسد ولكن هذا الخيار يحتاج وقتا طويلا. وهناك خيار رابع وهو تسوية سلمية ومخاطر هذا الخيار هي أنه محاولة التوصل لتسوية مع مواصلة الحرب مما قد يؤدي إلى تراجع تصميم الغرب الذي سيحاول التعامل مع روسيا وهو ما يعني استمرار بقاء تنظيم الدولة. وسيظل السؤال ملحا حول طريقة التعامل مع مخاطر التنظيم وهزيمته، ففي ظل الدعوات لرد قاس وقوي على هجمات باريس هناك مخاطر من عمليات انتقامية.
ويرى ديفيد غاردنر في صحيفة «فايننشال تايمز» أن الرعب الذي انتشر في باريس يعني أن حقول الموت لم تعد مقتصرة على سوريا والعراق. وأشار لتصريحات جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي الذي قال إن «أثر الحرب ينزف على كل دولنا» و»قد حان الوقت لوقت النزيف في سوريا». ورد نظيره الروسي سيرغي لافروف إنه يشعر أن الوقت قد حان «لتحالف دولي فعال» من أجل قتال تنظيم الدولة. ويشير هنا إلى تكاليف الحرب في سوريا والتي كلفت أكثر من 300.000 ضحية وشردت الملايين وزاد صعود تنظيم الدولة قبل عام ونصف للمعاناة. ويرى أن سلسلة الهجمات الأخيرة التي قام بها التنظيم خارج مناطقه هي رد فعل على النكسات الأخيرة التي تعرض لها في العراق وسوريا. وفي باريس كان الجهاديون واضحين في التصريح علنا أن هجماتهم كانت انتقاما للتدخل الفرنسي في سوريا والانتقام كان أيضا وراء تفجير الطائرة الروسية والضاحية الجنوبية في بيروت.
ومع أن روسيا دخلت الحرب إلى جانب النظام السوري وحلفائه الإيرانيين إلا أن تنظيم الدولة يقدم نفسه على أنه التنظيم السني الوحيد الذي يقف أمام المحور الإيراني الممتد من طهران عبر بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. ومن خلال وضع بوتين نفسه على رأس المحور فقد عرض نفسه لنار تنظيم الدولة، حتى ولو كان هدفه الأول هو ضرب جماعات المعارضة السورية التي تقاتل نظام الأسد إلى جانب ضرب قوات «الخلافة».
ومن بين قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ظلت فرنسا الدولة الأكثر فعالية بعد أمريكا أما بقية الدول مثل الأردن والسعودية وكندا وتركيا فقد تراجعت مشاركتها في الغارات. ويرى غاردنر أن هجوم الجمعة في باريس هو الأكثر دموية ويعبر عن سلاح جديد لدى التنظيم، فعلى خلاف محاولة تفجير القطار التي فشلت في آب (أغسطس) ومهاجمة «شارلي إيبدو» بداية العام الحالي فالهجمات الأخيرة منسقة وتشبه القتل والتنسيق في مومباي الهندية في تشرين الثاني (يناير) 2008 الذي نفذه تنظيم لاشقر طيبة وقتل فيه 179.
لماذا باريس؟
ويعتقد غاردنر ان قرار ضرب باريس يعبر عن منطق تكتيكي. فهناك تكهنات تربط بين الهجمات والغارات التي قامت بها الولايات المتحدة على معقل التنظيم في الرقة والتي قتلت الجلاد المعروف بجون الجهادي أو محمد إموازي. ويرى محللون عرب وغربيون أن التنظيم يقوم بعملية وقائية لإحباط خطة أمريكية للتقدم نحو عاصمته والتي يعد من خلالها قوات كردية وأخرى عربية التي أطلق عليها «التحالف العربي السوري» وضم إليها أيضا أبناء العشائر العربية وميليشيات آشورية مسيحية. وأكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) الشهر الماضي أنها أرسلت 50 جنديا من أفراد العناصر الخاصة. ووصلت في الوقت نفسه طائرات «إي-10» (الخنازير) إلى قاعدة «إنشريلك» الجوية في تركيا التي ستقدم دعما جويا للمعارك. وفي الوقت الذي لم تبدأ فيه الهجمة ضد الرقة إلا أن الهجوم على مدينة سنجار شمال العراق والذي نفذته قوات البيشمركة الكردية أدى لقطع الطريق بين معاقل «الخلافة» في الموصل والرقة.
ومن هنا يرى غاردنر أن الهجوم على باريس ربما جاء من أجل حرف الإنتباه من جهة واستفزازا من جهة أخرى لإغراء قوات «صليببة» أخرى إلى «العرين الشامي». ويعتقد أن تصعيد الحرب في الداخل والخارج ليس تكتيكا جديدا. فهجمات إيلول (سبتمبر) 2001 نبعت من المنطق نفسه ووضح فهمها زعيم القاعدة أسامة بن لادن من خلال قانون الحركة الثالثة لنيوتن «لكل فعل رد فعل مساو في المقدار ومعاكس في الاتجاه». وفي الوقت الذي شجب فيه أيمن الظواهري خليفة بن لادن تنظيم الدولة كجماعة متطرفة إلا أن الطليعة الجهادية الجديدة تعمل من خلال نفس الديالكيتك االذي لا يرغب فقط برد فعل ولكن برد فعل مبالغ فيه من أجل تعبئة الدعم له ولرايته. وقد حصل الجهاديون على هذا الرد عندما قام الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عام 2003 بالإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين. وهو ما قاد لاحتلال أمريكي للعراق استمر ثماني سنوات وتسليم السلطة للشيعة الذين أصبحوا على حد تعبير الكاتب ضباط تجنيد للقاعدة التي ولد من رحمها تنظيم الدولة. وانضم إليه عدد من ضباط النظام العراقي السابق.
ويقول الكاتب إن معارضة الغالبية السنية للتنظيم لا تعني عدم وجود مصادر دعم له وهي التي يحددها الكاتب بمنبعين. الأول وهم اللاجئون السوريون على الحدود والثاني المحرومون من المسلمين في أوروبا. وعلى ما يبدو فلا الحملة التي تقودها أمريكا ولا التدخل الروسي يفهم جذور المشكلة. فبالإضافة للملايين الذين هربوا إلى تركيا والأردن ولبنان هناك حوالي 7 ملايين مهجر في داخل بلاده ولا مكان لهم للهروب، بعد الضربات التي وجهتها روسيا للمعارضة التي تقاتل الأسد. وتقوم روسيا بسحق الأرضية الوسط التي نشأت بين تنظيم الدولة ونظام الأسد. ولكن اللاجئين ليسوا المصدر الرئيسي للجهاديين. فهناك المقاتلون الأجانب ومن المعروف أن عدد المتطوعين في صفوف التنظيم والذين جاءوا من فرنسا هو الأكبر من بين الأوروبيين. ويعتقد أن نصف من ذهب منهم إلى سوريا عاد إلى بلاده.
استغلال الحرمان
وتخدم الكتيبة الجهادية الأجنبية أهدافا أخرى. فهذه الكتيبة تتعلم التشدد عبر الإنترنت ولديها القابلية للقيام بهجمات بمبادرة شخصية أو ما صار يطلق عليهم «الذئب المتوحد» وهم الذين يقومون بتصيد الفرص والقيام بهجمات. وكان التنظيم يعتمد في هجماته الإنتحارية على الأجانب، حيث يرسلهم في سيارات مفخخة أو محملة بالمتفجرات ضد أهداف في العراق وسوريا. وها هو الآن يرسلهم في عمليات انتحارية إلى باريس. ويعتقد غاردنر أن أسباب انجذاب الشبان للحركات المتطرفة هو حس التهميش الثقافي الذي عاناه الآباء والأبناء المهاجرين الذين انفصلوا عن ثقافتهم ولكنهم لم يندمجوا بشكل كامل. فلم ينجح النموذج الفرنسي للاندماج أو البريطاني المتعدد ثفافيا في استيعاب هؤلاء الذين لا يزالون يعيشون حياة موازية.
وهو ما يجعل أقلية صغيرة من الأقلية المسلمة فريسة للأيديولوجيين الجهاديين والذين يحولون من يشعرون بالغربة في كل مكان إلى متحمسين جهاديين. ويصور هؤلاء حالة الإسلام أنه يتعرض لخطر من جهة وفي حالة صحوة ويتعرض لضربات في كل مكان، ولكن حالته- الإسلام- ستكون أفضل في ظل «الخلافة». وفي الوقت الذي لعبت فيه القاعدة على حالة اليأس الثقافي والحنين للأمجاد الماضية إلا أن تنظيم الدولة خلق هالة من القوة الصلدة للسنة والتي بإمكانها الوقوف ضد الصليبيين والرافضة. وتؤكد دعاية التنظيم التي تتجاوز الزمان والمكان على عودة المهدي وانتصار الإسلام في نهاية الزمن الذي ستكون ساحته سوريا. ومن هنا ففكرة ازدحام سماوات سوريا بالطائرات تناسب هذه الرؤية.
العدو واحد ولكن
وإزاء التفكير يرى الجميع خاصة الذي اجتمعوا في فيينا يوم السبت ومن اجتمعوا في أنطاليا التركية الأحد والاإثنين أن تنظيم الدولة هو العدو الرئيسي. ومن هنا فقد قدمت هجمات باريس مناسبة للتوافق بين الأطراف ذات العلاقة بالأزمة السورية، لكن لا أحد يتصرف بناء على هذه الرؤية. فلا تزال روسيا تستهدف الجماعات غير الجهادية والمعارضة لنظام الأسد وتلك التي تلقى دعما من تركيا وقطر والسعودية. أما تركيا عضو الناتو فتستهدف الأكراد في تركيا. ورغم ضم إيران للمحادثات في فيينا من أجل إعطاء فكرة عن أجماع إلا أنه لم يحدث أي تقارب بين إيران والسعودية اللتين تواجهان بعضهما البعض في سوريا. وفي النهاية تظل فيينا الأمل الأخير الذي يدفع المتحاورين فيها للتعاون على أهداف محدودة.
وبعد باريس فما هو على المحك كبير والخلاف سيترك آثاره، كما يقول الكاتب. ويقول إن مستقبل سوريا كما تظهر هجمات باريس سيتم الاتفاق عليه في أوروبا. وكلما زاد العنف ووجد الأوروبيون في المسلمين الذي يعيشون بينهم «كبش فداء» كلما فرح تنظيم الدولة. فكما يقول الأنثروبولوجي الفرنسي سكوت أتران بمقال نشرته صحيفة «الغارديان» أن العنف المجنون الذي يمارسه هو تعبير عما سماه أبو بكر الناجي «إدارة التوحش».
إدارة التوحش
ويقوم الكتاب الذي أعد خصيصا ليكون دليلا إرشاديا لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين على تنويع الهجمات وضرب الأهداف اللينة لتحالف الصليبية – الصهيونية في كل مكان من العالم الإسلامي وخارجه لتشتيت التحالف قواه وتجفيف منابعه. ويدعو الكتاب المقاتلين ضرب الأعداء وهم في غفلة من أمرهم من مثل استهداف مواقع سياحية يرتادها «الصليبيون»، وهو ما سيؤدي إلى تشديد الحراسات عليها وزيادة النفقات. ويدعو الكتاب إلى استهداف الشباب الغاضب الذي يتمتع بالطاقة والمثالية ولديهم الاستعداد للتضحية بأنفسهم « فيما يدعو الحمقى للوسطية». ويحتوي الكتاب على إرشادات تدعو لتعرية ضعف أمريكا وقوتها المركزية ودفعها للتخلي عن الحرب النفسية والحرب بالوكالة وبالتالي جرها لحرب مباشرة.
ويشير أتران إلى أن تنظيم الدولة يريد بعملياته كسر التقسيم الحدي بين الخير والشر ويعتقد أن هناك منطقة رمادية حان تدميرها من خلال إعلان الخلافة. مشيرا لمقالة نشرتها مجلة «دابق» التابعة له. ويرى أتران أن الإحيائية العربية السنية المتشددة والتي يقودها تنظيم الدولة الإسلامية تعبر عن حركة ثورية دينامية ورواية مضادة للسائدة ذات خطاب عال، ولديها متطوعون من جنسيات مختلفة لم تحظ بها حركة منذ الحرب العالمية الثانية. وهي حركة استطاعت في أقل من عامين السيطرة على مناطق ذات مساحة تزيد عن مئات الألوف من الكيلومترات المربعة ويعيش فيها ملايين الناس. ورغم الهجوم عليها من كل الأعداء في الخارج والداخل إلا أنها لم تضعف أو تستسلم على الأقل في الوقت الحالي. ويتجذر التنظيم في المناطق الخاضعة له ويتوسع في جيوب داخل مناطق آسيا- الأوروبية «يورشيا».
سوء فهم
ويعتقد أتران أن التعامل مع تنظيم الدولة كحركة متطرفة أو إرهابية سيؤدي للتعمية على شروره أو خطره. كما أن وصفه بالعدمية يعبر عن محاولة تجنب فهمه والتعامل معه ومهمته المغرية لتغيير العالم. ويرى أن الحديث الدائم عن هدف التنظيم لإعادة عجلة التاريخ للوراء وإلى العصور الوسطى ما هو إلا بمثابة من يقول إن حزب الشاي الأمريكي يريد أن يعود لسنة 1776. ولكن الحقيقة تظل أعقد مما يرى البعض. فكما يقول أبو موسى وهو مسؤول إعلامي في مدينة الرقة «نحن لا نريد عودة الناس لزمن الحمام الزاجل، بل على العكس نريد الإستفادة من التقدم ولكن بطريقة لا تناقض الدين». ويقول أتران إن تنظيم الدولة يحاول ملء الفراغ في أي مكان من أفريقيا أو آسيا يعيش فوضى ويحاول خلق «توحش» في أوروبا حيث لا يوجد.
وفي هذا يقوم التنظيم باستغلال الدينامية المثبطة بين صعود التشدد الإسلامي وإحياء المشاعر المعادية للأجانب لدى الحركات القومية – الإثنية في أوروبا والتي تقوم بتقويض الطبقة المتوسطة عماد الاستقرار والديمقراطية بنفس الطريقة التي قامت بها الحركات الشيوعية والفاشية بتدمير الديمقراطية خلال العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي. ويرى ان تدفق المهاجرين إلى أوروبا يعتبر بمثابة منحة إلهية لتنظيم الدولة. فلم ترحب أوروبا أبدا بالمهاجرين، ولكنها اليوم بحاجة إليهم نظرا لتراجع نسبة الولادة إلى 1.4 للزوجين. وفي شهادة له أمام الكونغرس ومجلس الأمن قال فيها إن ما يجذب اللاعبين القتلة في العالم اليوم ليست تعاليم القرآن أو التعاليم الدينية بقدر ما يلهمهم القضية المثيرة التي تعدهم بالمجد والرفعة. فالجهاد هو وظيفة تتساوى فيها الفرص، سريعة ومجيدة ومقنعة وموضة في الوقت نفسه. وحسب استطلاع أجراه معهد أي سي أم في تموز (يوليو) 2014 وجد أن واحدا من كل أربعة فرنسيين من الفئة العمرية ما بين 18-24 لديهم مواقف محبذة من تنظيم الدولة مع أن نسبة المسلمين تترواح ما بين 7-8% من عدد السكان.
فالتنظيم جماعي، وهناك 3 من كل 4 متطوعين من الخارج ينضمون إليه مع عائلاتهم وأصدقائهم. وكلهم شباب يعيشون مرحلة انتقالية في حياتهم: مهاجرين وطلابا وشبابا يبحثون عن عمل أو تركوا بلادهم ويقومون بالانضمام «كعصابة من الإخوة والأخوات». ويقول أتران أن هناك «رواية مضادة» وغير جذابة وغير ناجحة وسلبية في الأعم الأغلب لمواجهة المدخل الذي يعتمد عليه التنظيم وهو إدارة الشباب لا الحوار معهم. ويقضي مثلا التنظيم مئات الساعات من أجل تجنيد فرد واحد والتعرف على مشاكله الشخصية ومظالمه وموضعتها في الرواية العامة عن اضطهاد المسلمين. ومن هنا يرى أتران أن المدخل لمواجهة التشدد يفتقد الكثير من المظاهر الإيجابية وأهمها تجنبه فهم طبيعة الجهاديين. فمن أجل مواجهة تنظيم الدولة علينا فهمه كما يقول.
وهو فهم غائب عن رؤية الطبقة السياسية. وكما قال باتريك كوكبيرن في صحيفة «إندبندنت» «هناك إشارات قليلة تشير إلى أن قادة مجموعة العشرين الذين اجتمعوا في تركيا قد فهموا طبيعة النزاع الذي انخرطوا فيه» مشيرا لاستراتيجية تنظيم الدولة القائمة على حروب المدن والعصابات والحرب التقليدية.
إبراهيم درويش