شكرا لـ «داعش» التي أنقذت «العربية» في رقصة الموت… وعفوا جمال الريان فمحمد أبو عبيد ليس رهينة!

يا الله، وحدك من تستطيع أن ترى المشهد من علٍ بلا فبركة ولا منتجة ولا قصقصة، وحدك من تملك مفاتيح الغيب الإعلامي، وتعلم عن «داعش» ما لا تعرفه الإستخبارات الأوروبية والأمريكية، التي تحاول أن تأخذ دورك بالإطلاع على ما خفي عن الناس، وكل ما نرجوه منك يا الله أن تعيننا على ألا نظلم عقولنا حين نقحمها بما تعجز عن إدراكه، وبما لا طاقة لها باستيعابه، لأن الاستدلال العقلي يفقد صلاحيته حين يخضع لتنويم فضائي ناعم، ينقلك بكبسة زر، من مسرح «الباتكلان» في باريس إلى ستديو «نفسنة» على «القاهرة والناس»، متحللا من كل عقدك الإجتماعية، ومخلخلا نظامك الأخلاقي، في سباق محموم مع الخطيئة باسم الحرية وكسر التابوهات المحرمة، فماذا تريد بعد يا الله !
حاولت كثيرا في بلاد الغرب وهذا العالم الحر، أن أقتل أمي داخلي كي أعيش بلا قيم موروثة وأتحرر من عاداتي وتقاليدي التي ربوت عليها، ولكن أمي أقوى مني ومن جريمتي، أقوى من فضائهم ومن إعلامهم ومن سمائهم التي لا تؤمن بالله الذي يسكنها، فكيف سأسامح أمي وأنا أرى إعلامنا لا يعترف بشجاعة النضال للتحرر من ظلم الطغاة وسطوة الإحتلال في حين يعتبر التطاول على المقدسات وعلى الله باسم التحضر أقصى درجات البطولة، أما التعايش مع القتلة فهو شجاعة لا مثيل لها في الأعراف الإعلامية الحديثة، ما دمت تخوضها باسم السلام ونبذ العنف….عجبي !
المطلوب منك الآن أيها المشاهد أن تتناول أقراصا منومة، كي لا تحاكم المشهد، فتثير أسئلة غير مرغوب بها، تعرقل سير التحقيقات الإعلامية، التي تضعك في خانة اللا إنسانية والشماتة بالضحايا، والتخلف الثقافي، أو ربما تعكر صفو الإمام الداعشي وهو يروي لأتباعه في مقطع مصور على الـ»يوتيوب» عن شواء رأس مالك بن نويرة، أكثر حوادث التاريخ سوداوية، والتي لا تعد سندا يُعتد به… فنم أيها المشاهد اليتيم، نمْ، فلم يعد لك دور ولا حتى للفرجة ولو بدون عينين أو عقل أو ضمير أو أم!!

عرقوب إعلامي

بين محمد أبو عبيد وصهيب شراير وجمال الريان، ما لا يمكن أن يكون بين عادل كرم ونديم قطيش، لأن الساعات الأولى للتغطية الإخبارية لأحداث باريس، حددت من هو البطل الفضائي، الذي يمسك بالحدث من عرقوبه، دون الإخلال بتوازنه ومنطقيته وهو يتلقى الأخبار العاجلة على الهواء مباشرة في أعظم الأحداث جللا في تاريخ الإعلام العالمي ألا وهو الإرهاب الإسلامي !
جمال الريان تناوب مع زميلته التي كانت لها حصة الأسد، بالتسميع المتأتئ في درس إملاء لم يترك لها مجالا لاستعراض مقدرتها على الابتكار أو الاستنتاج أو التأمل وهو حال الكثير من المذيعات اللواتي اكتفين بإطلالتهن وبراعتهن بالتلقي كأقصى درحات التمكن لديهن، في حين أن جمال الريان تلقف كل ما يطرأ على الساحة بانفعال مبالغ به ونبرة جهورية ربما كانت لتميزه كعادته في مواقف أخرى غير هذا الموقف بالذات، ليس لأن الضحايا غرباء، ليسوا من لحمنا ودمنا، وليسوا من فصيلة أحزمتنا النارية، إنما لأن القتلة يحملون أسماءنا وملامحنا، خصورنا الملغومة، وثائق سفرنا وخيام لجوئنا يا جمال الريان !
أدر الصحن الآن، نحو «العربية»، التي لا أتوقع منها سوى مجزرة إعلامية أخرى تليق بدورها المشبوه، في المحاباة بين ضحية وأخرى، غير أن صهيب شراير، أنقذ نفسه دون أن يفلح بإنقاذ القناة في ميمعة الأشرطة الإخبارية المفخخة، حتى ليستحق جائزة أفضل إعلامي متميز في النقل المباشر، من حيث السرعة في الأداء والبديهة، تنظيم الأفكار، دوزنة النبرة، ضبط النفس، الجهوزية الكاملة بطرح الأسئلة الدقيقة، التي تروض الموقف دون أن تجنح للمجانية والتكرار لإنقاذ المذيع من الشتات أو الإفلاس التحليلي، حيث أسعفته أسئلته لضيوفه باستباق الخبر، حتى اضطرك لانتظار سؤاله كي تتوقع خبرا يؤكده .

محمد أبو عبيد في رقصة الموت

في ستديو الحدث يوم الثلاثاء، كان لمحمد أبو عبيد الحق الكامل بالإستئثار بالكاميرا، ليس لأناقة هندامه التي اعتدنا عليها إلى الحد الذي أصبحنا نشتاق فيه لرؤيته في موقع آخر خارج إطار الزي الرسمي، يقضي أياما في مخيم للاجئين مثلا، ينقل أخباره وهو يرتدي أسمالا بالية، أو يجري تحقيقا صحافيا مع أسرى محررين مرتديا الكوفية الفلسطينية كي يدخل في مزاج الحرية وهو الأسير السابق، والأدرى بشعاب البطولة الفلسطينية، أو أن يلتقي شهيدا يتسلل من المقبرة ليزور أمه في منام الحنين، ويبدل ثيابه من خزانة الفقراء الذين لا يدخلون الجنة، أو أن يتجه إلى بورما، يتحدث مع الروهينجيا المسلمين ليسألهم عن الفارق بين «آكلي البقر» من جالية «الكالا السود»، وبين الخائفين من ضياع العرق الذين يحرمون الحجاب وإطلاق اللحى، والأضاحي الحيوانية، بينما يقدمون البشر قربانا لتماثيل بوذا؟!
آه، يا محمد أبو عبيد، لا أحملك مسؤولية هذا العالم الغاباتي، ولا أحرم عليك ما أحله الله من نعمه، ولا أعتبر أناقتك إخلالا بالشرط المهني أو الإنساني، أو حاجزا يحول بينك وبين الإحساس بمعاناة الآخرين، ولكنني أتخيلك ابن واقعك الذي لن يمثله بجدارتك غيرك، وابن حريتك التي نلتها قبل أن تُدخلك «العربية» قفصها الذهبي !
أما استثنائية أبو عبيد في أحداث باريس، بسؤاله الأذكى حول اختراق «داعش» بين باريس ومطار شرم الشيخ، فعملية باريس بدت سهلة بالنسبة لمجموعة إرهابيين اخترقوا الطوق الأمني في مجال مفتوح هو الشارع والمطعم والمسرح والملعب الرياضي، بينما تتبدى المعجزة الداعشية بقنبلة غير مرئية (الأمر كله لعبة لإسقاط مصر) أما محاور الإعجاز الداعشية فأربعة في رقصة موت واحدة:
كيف استطاعت «داعش» تنظيم عمليات إرهابية في تونس ولبنان ومصر وباريس في وقت واحد؟
كيف استطاعت اختراق كل الإحتياطات الأمنية في باريس، رغم وصول تحذيرات من الحكومتين التركية والعراقية للحكومة الفرنسية عن نية «داعش» بالتفجيرات، وهو ما أثبته المعلق الرياضي على قناة «أبو ظبي الرياضية» حين كشف قبل بدء المباراة عن حجم الإكتظاظ الأمني في الملعب؟
كيف استطاعت أن تدس قنبلة في طائرة، وتخترق أجهزة الإنذار في المطار وكل أنظمة المراقبة الدقيقة والمشددة فيه؟!
كيف استطاع الإرهابي الداعشي، الذي شارك في التفجيرات، أن يفر بل أن ينفذ الهجوم رغم إحكام السوار الألكتروني الذي تضعه الشرطة الفرنسية من أشهر حول قدمه لكي لا يغيب عن ناظرها؟
أسئلة طرحتها «العربية»، ولم تجد جوابا من كبار المحللين ورجالات الإعلام والصحافة والخبراء العسكريين، فماذا تقول أيها المشاهد؟ ربما علي أن أتأكد من نقصان جريمتي التي سقتها في مستهل هذه المقالة، لأدحض المعجزة الداعشية، وأنا أقبض على إيماني بعقلي وحرمة السؤال: هل «داعش» هي الله يا أماه؟

شكرا لـ «داعش»!

إما أن يكون هذا الداعشي قد قطع قدمه في معركة تمويه، أو أن داعش «الوهمية تلك» فعلا سبقت التكنولوجيا، وحسب نظرية آنشتاين، يستطيع الإرهابي أن يمشي بسرعة الضوء فيلغي الزمن، لأنه على ما يبدو يسبق الضوء فيتراجع الزمن الالكتروني ويتراخى أمام قفزاته الهائلة، وهو يسن أسنانه لالتهام الأدمغة قبل استئصال الرؤوس، ما دام يصهر الوعي ويلغي العقل قبل بتر صندوقه!
وهو ما يعيدك إلى الفارق بين قطيش وكرم، فنديم قطيش على «العربية الحدث»، بدا مقززا وطائفيا، وخطرا على الوحدة اللبنانية، حين اقتصر حديثه على الإستهزاء المقيت الفارغ الرخيص بخطاب حزب الله اللبناني بعد حادثة تفجيرات «برج البراجنة»، ولم يكلف نفسه حتى بتعزية أهالي الضحايا اللبنانيين أبناء بلاده، ولو من باب رفع العتب الوطني «يا شيخ ولْ «!
أما عادل كرم فقد ركز على ضحايا لبنانه، مستنكرا المحاباة الإعلامية بين تفجيرات باريس وتفجيرات الضاحية الجنوبية، متحللا من عقدة الصراع الطائفي والمحاصصة السياسية على قناة محسوبة على فرق الموت الكتائبية التي ذبحت اللبنانيين على الهوية الدينية قبل سنين مضت.. فكيف لا تحيي هذا الموقف الذي يترفع عن كل الشعارات الطائفية ويتحيز للبنانيته على حساب كل الإعتبارات والأحقاد الإعلامية؟ !
حسنا إذن لم يتبق لنا سوى التوجه بالشكر لـ»داعش»، التي كشفت الأقنعة وأسقطت الوجوه في لعبة «البلاي ستيشن» التلفزيونية، شكرا لها على «مرطبان المكدوس» الحمصي الذي كشف عن هوية الإرهابي، وقد تم العثور عليه في نكتة «فيسبوكية» في موقع التفجيرات الباريسية، فهل أكتفي أم أزيد ؟!

كاتبة فلسطينية تقيم في لندن

لينا أبو بكر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خالد حسين - لندن , المملكة المتحدة:

    كعادتها أتحفتنا السيدة لينا أبو بكر بتحليل ما يدور حولنا و هي تجمع ما بين منطق الفلسفة الواعية و السخرية الهادئة …. بورك فيها و إلى مزيد من كتاباتها الهادفة , مع تقديري لها .

  2. يقول ابو فراس-فلسطين:

    هذا الثمن الذي يدفعه الغرب عندما قاموا بقتل الانسان العربي . واقصد هنا ليست التصفيه ألجسديه ….فقط بل … العقليه والفكريه …. والاجتماعيه …. والاقتصاديه ….. ها هو العالم العربي يصطفون بالملايين على أبواب السفارات ولو فتحت الحدود لبقي الرؤساء العرب بكروشهم وخدمهم فقط …. واكتشاف داعش للإسلام جاء بالصدفة عندما اكتشف احد السجناء ان لا بد لهولاء المقاتلين الشجعان رفع راية الدين الاسلامي الحنيف . وإقامة حكم الله في الارض وبعد ذلك نطرد اسرائيل . ونسيطر على ناقلات الجند البحريه وبعد ذلك نحتل الفضاء وناسا وتصبح داعش هي القوة الوحيدة المسيطره على العالم الحديث …. ان داعش … بالنسبة الى شخص مثلي …. هي ليست الا … خرافه جبينه …. وقصص …. عجائز … أولها وآخرها … خزعبلات وكذب …. جميع الحركات الارهابيه في العالم …. هي صناعه غربيه
    صهيونية بامتياز … هدفها القضاء على الانسان العربي الى الأبد ….. لانه بعد ان ينفذ النفط … سوف يكون مصير جميع العرب مثل داعش …. يقتل بعضهم بعض او قي أحسن الظروف مثل الهنود الحمر الهنود المايا او هنود الأمازون ….. نحن شعب ننظر الى العالم بانه مجنون والمفكر تافه والفيلسوف اخرق والصانع ابله وفاشل …. أصبحنا شعب لا يصدر الا داعش والارهاب
    لن يطول الزمان حتى يغلق الغرب ابوابه في وجوه العرب خوفا من الاٍرهاب وداعش ….

  3. يقول سامي عباس - الاردن:

    للاسف لم تسعف جمال ريان سنوات خبرته الطويلة في تغطية انفجارات باريس فكانت أسئلته للضيوف والمراسلين أحيانا سطحية وفقط لملىء الفراغ بدى وكانه في مازق غطي عليه بنبرة عالية جدا زادت تخبطة أما زميلتة الشابة فبدى وكانها تتعامل مع طبخة نسيتها في الفرن فتاهت بين التلقين السمعي والبصري…ا

  4. يقول طاهر:

    “حاولت كثيرا في بلاد الغرب وهذا العالم الحر، أن أقتل أمي داخلي كي أعيش بلا قيم موروثة وأتحرر من عاداتي وتقاليدي التي ربوت عليها، ولكن أمي أقوى مني ومن جريمتي، أقوى من فضائهم ومن إعلامهم ومن سمائهم التي لا تؤمن بالله الذي يسكنها………..عجبي!”
    العجب يا سيدتي أنك لا تزالين تنعمين بالعيش في الغرب طواعية بدلاً من التوجه إلى الدول التي لا تفعل ما يغيظك، ومئات آلاف النازحين يتوجهون إلى الغرب بدلاً من الدول العربية أو الاسلامية. هل لك أن تفسرين ذلك؟ عجبي!

  5. يقول سحاب الامارات:

    الاخ طاهر
    فسر على كيفك
    والدول العربية فيها اللي كافيها
    كفاية حقد وتفرقة بين العرب والمسلمين

  6. يقول الهزايمة الاردن:

    الى ابو فراس فلسطين شكرا على كلامك المعبر عن واقع العرب واقول لا مانع لديهم ان يهاجر الجميع وتبقى الكروش والمنافقين يلتهمون الاخضر واليابس

  7. يقول سيف الدين عفانة - تونس:

    شكرا
    فمعك نشعر أن التفكير والكتابة والحزن… كلها فنون تقتل “موت” التفكير فينا وتسقي ما تبقى من براعم الإنسانية والرغبة في الفهم ثم في التفكير.

  8. يقول فؤاد-فلسطين:

    كل المنطق وكل العفل تقول كيف لبضع مسلحين في بقعه صغيره وخلال فتره وجيزه امتلكوا كل هذه الامكانيات واكثرها عرابه سرعة تواجدهم وانتشارهم في كل مكان ؟؟؟؟؟؟؟؟
    هم اداة بيد قوى عظمى تسيرها كما تريد لتحقيق ماربها وبالدرجه الاولى
    شيطنة المسلمين والعرب

إشترك في قائمتنا البريدية