يهدرون الدم والكلمات، هذه هي سورية اليوم في عُرف النظام الاستبدادي وحلفائه. فبعد الغارة الاسرائيلية انفجر الرد الكلامي، وبدأ مسلسل اهدار الكلمات. صارت الكلمات جثثا، بينما تحولت اجساد ضحايا البيضا وبانياس، الى كلمات تقول صمت الضحايا وترسم الألم الإنساني الذي جعل من سورية اليوم ارض الوجع والتضحية والألم.
من الصعب ان نلجأ الى تحليل سياسي لهذا الهذر الكلامي الذي ينمو كالطحالب على ضفاف اجساد الضحايا، لأن المطلوب هو تحليل انعدام السياسة، التي تلخص اللحظة السورية الراهنة، جاعلة من سورية ساحة لصراعات القوى الاقليمية والدولية.
قصف قاسيون الذي أشعل سماء دمشق )لم يصدر حتى الآن اي توضيح سوري عن حجم الخسائر او المواقع التي استهدفها(، ليس حدثا استثنائيا، بل هو جزء من سياق اسرائيلي بدأ قبل اندلاع الثورة السورية، واستمر خلالها، وكان جواب النظام كلاماً عاماً عن اختيار زمان الرد ومكانه. لكن قصف ضاحية دمشق تميز هذه المرة بعنفه، وبالكلام السري الذي صاحبه، ما استدعى رداً كلامياً مختلفاً تولاه هذه المرة السيد حسن نصرالله نيابة عن حلفاء النظام السوري في طهران.
بالطبع لم يحظَ ردّ وزير الاعلام السوري السيد عمران الزعبي بأي اهتمام، كما لم يلتفت احد بشكل جدي الى الخبر الذي بثه التلفزيون الرسمي السوري عن قرار فتح جبهة الجولان امام المقاومة الفلسطينية! فهذا النوع من الكلام لا يجدي، لأن لا احد مستعد لتصديق بشار الأسد الذي وصفه افرايم هاليفي، الرئيس السابق للموساد الاسرائيلي بأنه ‘رجل تل ابيب في دمشق، لأن هذا الرجل ووالده تمكنا من الحفاظ على الهدوء في جبهة الجولان طوال اربعين عاما’. كما ان التسريبات التي نشرتها الصحف الإسرائيلية عن رسالة وجهها نتنياهو الى الأسد بأن الضربة لا تستهدف النظام، ولا تسعى الى احداث خلل في توازنات القوى في سورية، وضعت النقاط على الحروف، بحيث تابع النظام وميليشياته الحرب بضراوة ومن دون اي تردد.
لكن تصريحات السيد نصرالله، وقراره بتحويل سورية الى دولة مقاومة مسألة مختلفة. فالرجل الذي قاد مقاومة مديدة ضد اسرائيل، وجد نفسه محشورا في زاوية الصراع في سورية، خصوصا وان تدخل ميليشيا حزبه ومقاتلين عراقيين وايرانيين، زادا من تفاقم المشاعر الطائفية في سورية، كما ان مذبحتي بانياس والبيضا اللتين سبقتا الضربة الاسرائيلية، كي لا نقول تزامنتا معها، حملتا مؤشرات تطهير طائفي عرقي على الطريقة الصربية. وهذا التطهير هو من دون اي شك محل ترحيب اسرائيلي.
أمين عام حزب الله، على غير عادته، استبدل الأفعال بالكلام عن الأفعال. يعلم السيد نصرالله بالطبع ان ثقوب الخطاب الداعم لنظام الاستبداد لا يمكن سترها. كيف يكتشف الآن، وبعد اربعين سنة على احتلال الجولان ان سورية يجب ان تتحول الى دولة مقاومة؟ ماذا كانت سورية قبل خطاب السيد الأمين العام؟ التحالف مع المستبد كان بحجة انه نظام مقاوم ممانع، فإذا بنا نكتشف اليوم انه لم يكن كذلك، وان على حزب الله لعب دور كبير كي يحصل هذا التحول.
طيب اذا لم تكن سورية دولة مقاومة فماذا كانت؟ ام كان على الشعب السوري ان ينتظر اربعين عاما كي يستكمل آل مخلوف نهب ثروات سورية، قبل اتخاذ القرار بالتحول الى دولة مقاومة!
يبدو الكلام عبثيا واهدارا للكلام. المسألة لا علاقة لها بالمقاومة على الاطلاق، وعلى حزب الله، بدل ان يتكلم عن قرارات لن تُنفذ سحب مقاتليه من القصير والسيدة زينب وريف دمشق، ونشرهم على جبهة الجولان، عندها يصير الكلام فعلا، وعندها لا يستطيع احد ان يشكك في ان مقاومة الاحتلال هي الهدف، وان من يريد مقاومة العدو الاسرائيلي المحتل، لا يمكن ان يقبل بأن تتلوث يداه بالدم الطائفي، ويساهم في تلويث سورية بالجريمة.
لقد علمتنا تجربة الحرب الأهلية اللبنانية المريرة ان من يقاوم العدو لا يتلوث بالدم الطائفي، وهذا ما قام به حزب الله لحظة تحرير الجنوب. فكيف تصير الممارسات الطائفية واعمال التطهير المتوحشة التي يقوم بها النظام مدخلا الى المقاومة؟ وكيف يمكن للمرء ان يقبض هذا الكلام المليء بالثقوب، والعاجز عن قول الحقيقة؟
يقولون ان هناك مؤامرة في سورية، وهذا صحيح، يكفي ان نتابع مفاوضات كيري- لافروف كي نكتشف ان علامة المؤامرة الكبرى هي اخراج السوريين والسوريات من المعادلة، كي تستمر حرب تدمير سورية الى ما لا نهاية.
يقولون ان دول الخليج النفطية ضالعة في هذه المؤامرة، وان ايران شريك مضارب فيها، وهذا صحيح ايضا. فدول الخليج تريد وأد الديموقراطية في العالم العربي قبل ولادتها، وتسليم السلطة لقوى متأسلمة تعيد الزمن قرونا الى الوراء، كما ان ايران لا ترى في سورية الا نافذة تتسلل منها الى المشرق العربي بهدف توسيع نفوذها ونشر دعوتها الايديولوجية.
لكن ما لا يقال هو ان ستة أشهر من المظاهرات السلمية الصاخبة في مدن سورية واريافها التي رد عليها النظام بالقتل والذبح والدوس على الأجساد، ستة أشهر لم تحرّك نخوة حزب المقاومة في لبنان، وقوبلت بخبرات ايرانية كي تتحول الثورة الى ركام، مثلما حصل خلال الثورة الخضراء في ايران.
ستة أشهر من الكذب والقتل اوصلت الناس الى اليأس، وتفاقم اليأس مع قيادة سياسية للمعارضة، تميزت بالجهل والخفة وعدم الجدية والاتكال على الدعم الخارجي، والاستسلام للمال القطري، اوصلت الى فراغ سمح للقوى العظمى بتحويل سورية الى ساحة للدمار.
نعم الذي استجلب التدخل الخارجي هو بشار الأسد، والذي سمح لنفسه بالقتال ضد الشعب السوري هو ايران ومعها حزب الله، والذي اضاع الفرص هو المعارضة السورية التي لم تستطع ان تواجه هذا العسف المتوحش بعقلانية صارمة ورؤية جديدة.
كل هذا اوصلنا الى حقيقة سورية لها اسمان:
اسمها الاول هو الدم السوري الذي يغطّي العيون، وينتشر شهادة على الحرية التي يدفع السوريات والسوريون ثمنها مضاعفاً.
واسمها الثاني هو الكلام السياسي المهدور، الذي جعل من الكلمة ممسحة، ومن اللغة لغوا.
ليس بكلام خفيف عن تحويل سورية الى دولة مقاومة يمكن استعادة الموضوع. الموضوع يبدأ حين تكون مقاومة الاحتلال جزءا من بل طليعة مقاومة الاستبداد، ومتحررة من اي اعتبار مذهبي او طائفي.
لكن للأسف، فنحن امام فرصة جديدة ضائعة ثمنها اجساد الضحايا في سورية التي هي الشاهد والشهيد في آن معا.
شكرًا على هذه المقالة الرائعة أستاذ إلياس الكريم دوما عودتنا على التحليلات المنطقية والرؤية الواقعية من منظار خبير محنك بالسياسة وخفاياها وآرائه تصدر عن واقع على الأرض وخبرة وليس متأثرآ بالمشاعر المزيفة والشعارات الرنانة التي يطلقها الديكتاتورية كي يقنعوا المثقفين فبل الشعوب من (مقاومة وثورة واستعمار) وكم نحن الشعوب بحاجة إلى مثقفين وكتّاب مثلك كي يزيلوا هذه النظارة السوداء من على عيون شعوبنا البسطاء الذي بعض (المثقفين ) يريدها أن تبقى على العيون
شكرا سيدي على هذا المقال الشامل و الواقعي
على من تقرأ مزاميرك يا أستاذ ؟على قلوب متحجرة أو على نفوس منتنة؟أو على كرامات ماتت قبل شهداء الفيحاء بعقود؟ بئس هذه الإمة التي تولٌى أمرها شرارها وغار في أعماقها حب المنافقين.أتى امر الله فلا تستعجلوه…
عندما إعترض الشعب الإيراني على إنتخاب الرئيس الكادح الأستاذ السيد محمود أحمدي نجاد لم يسرق أو يدمر أملاك الدولة منجزات الثورة مهربا أثاره و أموال رأسماليته الإحتكارية كاملة بل جزء منها بسبب العقوبات القاسية و لن يقطع أجساد الأبرياء المختلفين معه بالرأي أقسى من الوحوش البرية الجائعة .يقدم المئات ترشيحاتهم لا بأس يتم غربلتهم للتنافس على مسابقة إدارة مؤسسة الرئاسة المحدودة زمنيا و المراقب شعبيا ثورة مصر العظمى تسير بنفس الأسلوب الحضاري . إذا توجه حزب المقاومة الإنسانية ليخوض حرب تحرير هضبة الجولان ربما يتهم بحماية النظام الفاشل من السقوط فوق البلد المتساقط قرية قرية بالجملة (نامت الأبنية على الأرض ليس لها من نصير يقومها كارثة كبرى على المستضعفين ) أيوجد رجل معارض يضمن عدم إيجاد جيش لحد يعرقل النضال يمول بالريالات و يدرب من قبل عملاء الكيان الغاصب لفلسطين…. الرجاء النشر لم يذكر أي إسم بالتجريح الناعم نصف ساعة كتابة بتوقيت بغداد الحزينة …… .شكرا.
نتمنى على الأستاذ إلياس مشاهدة من يدافع عنهم كيف يقوم أحدهم بقتل جندي من الجيش العربي السوري ثم يقوم بنحر صدر الضحية لاقتلاع قلبه ثم أكله ؟ فلعل هذا الفديو يبين للبعض ماهية هذه الجماعات التي تنحر وتكفر وتدمر وتتعامل مع العدو فكل السوريين يعشقون الحرية ومهما كانت اتجاهاتهم .
شكرا لك أستاذ الياس فأنت أفضل من يحلل الوضع السوري. تبدو أحسن من يتكلم عما يدور داخل وخارج سورية. أقول ذلك قبل أن تبدأ تعليقات جنود جيش الأسد الالكتروني والتي لاحظنا تعليقاتها المستمرة على مقالاتك.
يجب ألا تضيع البوصلة فقد استطاع هذا النظام كعادته أن يخلط الأوراق.
شكرا مرّة أخرى.
لقد قلتُها مرارًا وتكرارًا، أخي إلياس: إذا كان ما أعلنه النظام الأسدي المافيوي الطائفي المجرم عن “فتح باب المقاومة” صحيحًا فعلاً، فهذا دليل واضحٌ وفاضحٌ على أن هذا النظام كان، عن سابق عمدٍ وعزمٍ وتصميم، قد أغلق بابَ المقاومة الحقيقية، خصوصًا أمام المقاومة الفلسطينية، على الأقل منذ ارتكابه مجازرَ تل الزعتر وبتواطؤٍ مع النظام الصهيوني الفلولي العنصري الغاشم في أواسط السبعينيات من القرن المنصرم! وسواءً كان تورُّطِ حزبِ الله في سورية جزءًا فقيهيًّا من “الوعد الصادق” أم لم يكن، إن مَنْ لا يقف إلى جانب الشعب السوري العظيم في ثورته المجيدة هذه، حتى لو كان مَنْ يُسمَّى «حسن نصر الله» بلحمه ودمه، إنما هو بوقٌ من أبواق النظام الأسدي المافيوي الطائفي المجرم نفسه، أو هو ذَنَبٌ من درجةٍ أولى من تلك الأذناب المتمثِّلة في قطعان شبيحة هذا النظام ذاته، أو هو ذَنَبٌ من درجةٍ ثانية أو ثالثة من تلك الأذناب المتمثِّلة في سائر الكائنات الببغائية التي ليس لها سوى أن تقف إلى جانب الظلم والطغيان! باختصارٍ شديد، وعلى الرغم من كلِّ ما يُتَغَنَّى به من “انتصارات” حقَّقها حزبُ الله أمامَ النظام الصهيوني الفلولي العنصري الغاشم، لقد أثبتَ هذا الذي يُدعى «حسن نصر الله» إثباتًا لا مراءَ فيه وعلى مدى عامين أو يزيد، لقد أثبتَ أنهُ عدوُّ اللهِ وأنهُ عدوُّ الإنسان بكلٍّ ما تحتويه الكلمة من معنى!!
استميح الأستاذ الياس عذرا في مخاطبة السيد منذر أحد المعلقين على مقالك الرائع. السيد منذر بات شهيرا بالدفاع عن نظام القتلة والمجرمين. فهو دوما يضرب الأمثال بفيديوهات شاهدها تدور حول وحشية الثوار في أكل قلوب الجنود المساكين الذين يرقصون حول دبابة صلبوا عليها زميلهم، كالهنود الحمر وهم يرددون لعيون زعيمهم. أنا لم أشاهد فيديو للقاشوش ، لكني شاهدت صورة رجل اقتلعت حنجرته لأنه هتف ضد الطاغية. شاهدت صورة لأستاذ مدرسة في درعا وقد سلخ جلده وأخرى لفنان وقد كسرت أصابعه لأنه رسم الطاغية برقبة طويلة. وأخرى لطفل اسمه حمزة الخطيب وقد قطعت أشلاؤه. كتب أحد الكتاب النصيريين أنه يوم عُرض عليه في حمص حلويات مسروقة رفض أخذها، ليته طلب من عارضها أن لا ينهب دكاكين الغير. أيها السادة ثوبوا لرشدكم.
مقاله اليوم هي مرثيه للشعب السوري مليئه بالحزن و التشاؤم الم يكن بالامكان استقراء ذلك من البدايه دون التضحيه بالالاف من الدماء السوريه الزكيه حيث يجد القارئ انه لم يعد امام السورين الا الصلاه والصوم للخروج من المصيبه التي نزلت عليهم فالمعارضه مبعثره وغير موحده جاعله من جبهة النصره الفصيل الاساسي في مواجه النظام ثم هناك الاهواء الدوليه والاقليميه التي تعصف بالبلد بشكل عنيف دون رحمه فاي ثوره هذه التي سيكتب لها النجاح ؟